أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد وادي - دولة خان جغان















المزيد.....

دولة خان جغان


جواد وادي

الحوار المتمدن-العدد: 6348 - 2019 / 9 / 11 - 18:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



دولة خان جغان*
جواد وادي
لعلم القارئ الكريم انني لا اعني الانتقاص من هيبة الدولة العراقية (رغم تحفظي على هذا الوصف)، لكنني وجدت في هذا المثل، التطبيق الحقيقي الأمثل لما يجري في العراق من إنفلاتات وتفكك وغياب رؤيا على كافة المستويات، ومنها الأخطر وهو الصعيد الأمني، مضافا الى الوضع المتردي في كل مناحي الحياة والآخذ في الانحدار يوما بعد آخر، دون أن يلمس العراقي المنكوب أي بصيص أمل بالسعي لمحاولات وطنية صادقة لتصحيح المثالب التي باتت ملازمة تماما لسير العملية السياسية في وطن مزقته الحروب والمغامرات وانعدام ادنى شروط الحالات الأمنية واحترام كرامة الانسان، بصعود مخلوقات لا تحتكم على ذرة انتماء للوطن والناس والتاريخ وحتى القيم النبيلة، كائنات تولي اهتمامها للطائفة والمذهب والعشيرة والقومية والمناطقية وقبل كل شيء "الدين" بصيغته السياسية وليست الروحية، الذي تحول الى وسيلة ملغومة الأهداف والنوايا، للفساد والنهب والمحاصصة والمذهبية، وصعود الخاملين لدفة القرار، كتكرار لممارسات حزب البعث المنهار، باعتبار الانتماء للحزب والطائفة والمذهب، يلغي ضرورة توفر الكفاءات ونقاء الايدي والعقول وابعاد كل ما من شأنه المساهمة ببناء الوطن المخرب، فعادت العجلة بذات الوتيرة السابقة، بل واسرع من ذلك، بحيث لا يمر يوم الا وتصفعنا حوادث وحالات وتجاوزات ولعب على الأوضاع بطريقة "شاطي باطي" وهذا الكلام ليس تهويلا ولا تشاؤما يتجاوز الحدود، بل هي اعترافات وتصريحات وتذمرات وواقع حال مرير، وغيرها من وسائل الرفض من قبل بعض السياسيين والبرلمانيين ومنتمين لأحزاب من ذوي القرار السياسي والسلطوي أنفسهم، ولو بطرق ملتوية ومراوغة، بحيث تجعل المراقبين ونحن منهم يضربون اخماسا بأسداس، ويدخلون في نفق الحيص بيص، حين يختلط لديهم الخيط الأبيض بالخيط الأسود، ولم يعد بإمكاننا نحن المتضررين على اقل تقدير، الا الصمت والتفكر وتقليب ما يحدث وما نملك من قدرات، دون ان نصل لتفسير لما يجري من أمور وصلت في توصيفها حد الأهوال، وعلى يد أبناء الوطن الذين كانوا بالأمس يعانون الأمرّين من قسوة اشرس واعتى نظام شمولي مجرم، فما الذي حصل ليتحول ضحايا الأمس لظالمين جدد ومعادين لتطلعات شعب عانى ما عاناه طيلة أربعة قرون من شتى أنواع القهر والعذاب والقتل والتهجير والميز الحزبي والطائفي والقومي والعرقي، فكانت المقاصل بانتظار المزيد من الرقاب "المارقة" وفوهات البنادق تنتظر الأجساد البشرية وهي تواجه مصيرها المحتوم. لا يمكن ان يكون من كان ضحية بالأمس ان ينسى الكوارث التي تعرض لها هو وآل بيته ومن يلتقي معه بذات التوجه، لمجرد انه كان يأمل بحياة حرة كريمة بعيدة عن القهر والاقصاء والتصفيات المجانية والحرمان الممنهج، دون ذنب يستحق كل تلك الاستهدافات البربرية الشرسة، ليتحول الى جلّاد والى مصدر خراب جديد بأذرع شرسة ونفوس نهمة تتسابق مع الزمن لتستحوذ على كل شيء.
دولة (خان جغان) أو (كلمن إيده إله) هذه، انفرطت وعادت شظايا وكانتونات واستحكامات وأنفاق مظلمة وملاذات معلنة وسرية لكل من هب ودب من انصاف الأميين والجهلة والمتزلفين ولاعقي الأحذية وصاقلي الألسن بمراهم النفاق والمخازي ممن اعتادوا على هذه المواقف الرذيلة والتي اورثها البعض منهم منذ عهد الطاغية ليتلقفها الجدد من الصبية وانصاف الآدميين وهلم توصيفا له اول ولا نهاية له...
تتناسل المصائب المخيفة والمحيرة والمفبركة والقاصمة للظهر لتطبيق مقولة "خان جغان" بشكل يومي، وبات الرضّع من الولادات الجديدة على بيّنة لما يجري من مهازل فاقت كل تصور وتوقع وانتظار لقدوم المهالك، تتوزع بين الاعداد الهائلة من الأحزاب التي قسّمت مناطق نفوذها كيفما اتفق، بالتراضي او الاستحواذ القسري مع الآخرين، وتقاربت فصائل الأمس المعادية لبعضها البعض حتى وان لم تصرح بحجم العداء الذي تضمره للفصائل الأخرى، توحدها حالات النهب والامتيازات واللصوصية وإشاعة الفساد المالي والأخلاقي والمجتمعي وغيرها من قيم الانحطاط المدمرة والمسخ الآدمي.
فمن سقوط المحافظات الأربع الى مجازر سبايكر الى دمج الرتب العسكرية والأمنية التي لا رتب لها ولا دراية عسكرية، مرورا بتوزيع المناصب المهمة على "شعيط ومعيط" بلا ضوابط ولا شروط ولا كفاءات ولا... ولا... مجرد ان يوسعوا دائرة سطوة هذا الحزب وذاك الفصيل لنيل اكبر عدد من الامتيازات والأموال والمناصب دون الاهتمام بوضع ولو الحد الأدنى من الحلول الترقيعية لبلد يعاني ما يعانيه في كل شيء بعد ان ضمنوا (واهمين طبعا) انهم ادخلوا تحت جلابيبهم فلول المصفقين من ذوي السوابق وممن لديهم الاستعداد لإشاعة الخراب بأبشع صوره بمجرد الحصول على الامتيازات لهم ولعوائلهم ومن يدور في فلكهم. دون ان نغفل المصيبة الأعظم من تبديد لثروة العراق التي تقدر بالملايير، لنصل الى تسلط المليشيات وسطوتها على كل شادّة وفادّة لتصبح مصدر رعب للعراقيين، تذكرهم، بل وتتجاوز ذلك، بما كان يفرضه ازلام الحزب الفاشي من رعب فاق كل تصور.
نظيف لما سبق من بعض الكوارث ما يجري من تفشي للمخدرات وبيوت الدعارة وصالات القمار من قبل متزلفين وواجهات لمتنفذين بحصولهم على صلاحيات وصلت حد القتل والخطف وسلب العقارات والاستحواذ على أملاك الدولة والأهالي وتهريب النفط و...و... وأخيرا وليس آخرا سلسلة الانفجارات في مخازن الأسلحة لبعض فصائل الحشد التي باتت مصدر رعب دائم للساكنة المغلوب على أمرهم.
ماذا عسانا ان نعدّد ونذكّر ونحصي دون ان نخرج من هذه الدوامة الكارثية التي باتت قدرا لعينا يلاحق العراقيين ويقض مضاجعهم.
انه ابتلاء فاق كل الابتلاءات الربانية التي نقرأ عنها في الكتب المقدسة، لبشر كان يعتبرهم الرب "مارقين". وهنا فهذه الفلول الشرسة من المخلوقات لا لون ولا سمة كونية لها، هكذا نظنها، قد أطلقت العنان لتخريب كل شيء... كل شيء...
لماذا كل هذا العنت...؟ اما تعي افعالها، أم انها تمارس كل هذا الخراب بتعمّد وقصدية دونما وازع أخلاقي او ديني او مجتمعي، تكون خدمة الوطن هو البوصلة لكل شريف ولذي قيم وضمير حي. تلك هي الحيرة الكبرى، ان يتحول العراق الى سوق نخاسة وبيع وشراء للبشر، هل هذا هو الجزاء لشعب مر بأهوال وكوارث وويلات، واستبشر خيرا بزوال الغمة، لتأتي غمة اشد هولا وأمضى شناعة.
لا يمكن عد واحصاء ونكبات الفظائع التي يمر بها البلد ويعانيها الناس، حتى مسّت كرامة الغالبية العظمى منهم، وهم لا يحركون ساكنا ولا تهزهم هذه الفواجع التي باتت زادهم اليومي ومهددة لوجودهم، ولا من سبيل لفهم هذه المواقف الغريبة وهذا الصمت القاتل وهذه الطلاسم التي يصعب فهمها، في مجتمع كنا نعرفه بأنه يتسم بالحيوية والدفاع عن كرامته حتى وان كلفه ذلك تقديم القرابين من الضحايا... هل من فهم منطقي لما يجري...؟
يوميا تصفعنا المهازل ونحن في منافينا البعيدة دون ان نشفي غليلنا بردة فعل مضادة تدافع عن الكرامة العراقية المهدورة، بالأمس كان الهروب المهزلة من السجن لمعتقلي تجار المخدرات، وقبل ذلك صدور احكام من الخارج ضد من يصول ويجول ويعيث خرابا وتجاوزات خطيرة، ولا من ردود فعل، لا خجولة ولا عنيفة، ومما يدفعنا للطّم والعويل والضرب المبرح على اجسادنا، ان هناك مسؤولين كبارا بمن فيهم وزراء متهمين بملفات فساد وبيع وشراء مناصب، وهم ما يزالون في سدة القرار ولا من يحاسبهم او يحيلهم للمساءلة!!!...
ان ما يجري في العراق يشيب له شعر الرضّع، فما احرانا ونحن وصلنا لمرحلة الشيخوخة، مرورا بأجيال متفاوتة السنين والأعمار وهم، ونحن معهم، ما ما زلنا نتلقى المرارات دون من ينهض دفاعا عن تاريخ العراق ووفاء للدماء الزكية التي سالت عبر عقود المحن والعذابات والكوارث المتواصلة. ليعتقنا من هذه السلاسل التي قيدنا بها سياسيو الصدفة ممن يتاجرون بالدين والوطنية المزيفة، وهم أفسد من الفساد ذاته.
متى يخرج العراق من دولة "خان جغان" لدولة مدنية يحكمها القانون والشرعية المجتمعية التي تحافظ على الحقوق الوطنية لكافة العراقيين بشتى مكوناتهم وانتماءاتهم وتلويناتهم المختلفة، اعتمادا من سن دستور وطني حقيقي لا بتفصيلاتهم ّهم.
إنه لأمر مخجل حقا أن يسكت العراقيون على مسلسل هدرا الكرامات دونما حراك يبيض وجوهنا التي اسودّت بسبب هذا الضيم الذي يخيم على تفاصيل حياتنا.

*من الامثال العراقية المتداولة منذ زمن بعيد والى اليوم (قابل خان جغان)
من اين جاء هذا المثل الشائع وما هي قصته؟
معظم مصادر التاريخ تشير الى ان والي بغداد العثماني في سنة 1593م المدعو (جغاله زاده سنان باشا) امر ببناء خان للقادمين الى بغداد للإقامة به، هم ورواحلهم وسمي بخان جغالة وفي مرور الزمن حُرّفت هذه التسمية لتكون (خان جغان) وكان يأتيه كثير من المسافرين بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والاجتماعية، بمعنى كل من هب ودب، لذلك أُطلق على من يدخل الى مكان ليس له او مكان ذو مقام رفيع (قابل هو خان جغان) او مثلا (قابل الجنة خان جغان كل واحد يدخلها).
هكذا بات العراق اليوم مسرحا مفتوحا لكل الغرائب والطلاسم غريبة الفهم والتصور.



#جواد_وادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل من سبيل لوقف حصاد أرواح العراقيين؟
- وفسر الماء بعد الجهد بالماء
- عنف الرصاص لن يوقف غضب الكلمات
- لتتجدد احزاننا بهذا اليوم المشؤوم
- هل من منهج سياسي في العراق ام ان الأمور تسير خبط عشواء
- هل ائتمنتم على أنفسكم أيها السياسيون العراقيون؟
- الشيوعيون العراقيون ما زالوا مصدر رعب للجهلة والمتخلفين
- التربية والتعليم تحت رحمة من لا تربية ولا تعليم لديهم
- أحمد طليمات* قاص وروائي بنفَسٍ شعريْ
- أنقذوا الثقافة أيها المعنيون بها
- نصوصٌ شعريةْ
- لنترحم على ارواحنا
- الخريطة السياسية في العراق بتصميمها الطائفي
- نريد فقط معرفة الحقيقة
- ما حصل في الجزائر كان امرا متوقعا
- لا تتركوا البصرة كسيرة الجناح
- قيم الركاع من ديرة عفج
- البصرة تستصرخ الضمائر الحية
- لماذا كل هذا الاستقتال على المناصب؟
- شتان ما بين الوطني الحقيقي وذلك المدّعي


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد وادي - دولة خان جغان