التسلسل الزمني للأديان عبر التاريخ

هبة صبري

الحوار المتمدن-العدد: 6329 - 2019 / 8 / 23 - 03:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

يقول الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون " لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون و فلسفات ولكنه لم توجد قط جماعة بلا ديانة " ..
على مر وجودنا على هذه الأرض نشأت حضارات ومعتقدات وطقوس وأخريات وتشكلت على هيئة دين ومنهج ديني يتم تطبيقه وتطويره في كل مرحلة من مراحل تطور الحياة البشرية وتختلف من مكان لآخر ومن زمان لآخر حتى وصلت إلينا بالشكل الذي نراه الآن من خلال الأساطير والآثار والحفريات ..
كان الإنسان الأول قبل أن يكتشف الزراعة والكتابة يحاول أن يحمى نفسه من الظواهر الطبيعية التي لا يجد لها تفسير ويفهم ما يدور حوله وكيف يبقى على قيد الحياة في ظل الكم الكبير من الخوف والظلام والجوع والبرد والحيوانات المفترسة التي تتربص به وحياته المعرضة للخطر الدائم قبل اكتشاف النور و الذي وجد نفسه فيها فجأة ..
ثم بدأ حالة التكيف والإدراك العقلي شيئاً فشيئاً وبدأ يميز قوة غيبية خفية موجودة في الكون واستغرق هذا الإعتقاد أجيال وأجيال . في العصر الحجري القديم عرف الإنسان السحر للتغلب على هذه الظواهر الطبيعية القاسية ونشأت الطقوس السحرية مما اعتقد أنه بدأ يسيطر على الطبيعة ويسخرها لصالحه. ولأن تدخله في الطبيعة لم يكن ناجحاً دائماً وأدرك أن هذا العالم العظيم يسير في طريقه دون أي عون منه أو من أتباعه إنما يتم ذلك بفعل بعض الكائنات الأخرى التي تفوقه في القوة وهي كائنات غير مرئية تتحكم في سير العالم ويصدر عنها كل ما فيه من أحداث فغيّر الإنسان الأول طريقة تفكيره بالتدريج وهجر السحر واتجه نحو الدين لتفسير أكثر صدقاً للطبيعة وتسيير عملياتها لصالحه وأخذ يفكر أنه مسير من قبلها وهكذا ابتدأ الإنسان تدريجياً بالتوجه إلى هذه الكائنات المبجلة معترفاً بعجزه أمامها واعتماده على قواها الغير منظورة في عيشه وحياته ..
ثم بدأ في تشخيص الإنسان كآلهة وكانت الألوهة تعزى للأنثى لأنها هي التي كانت تهب الحياة بحملها ووالدتها والأبناء كانوا يعرفون بأمهاتهم مما جعل الإنسان القديم يعتقد أنها الطاقة الكامنة وراء الخلق وهي التي اكتشفت دورة الزراعة فكانت تقود القبائل وتسود سيطرتها على كل أمور حياتهم ..
حتى جاء العصر الحجري النحاسي فتحولت الديانة من الأنوثة "عصر الأمومة " إلي الذكورية بفعل هيمنة الرجل التدريجي على مقاليد الحكم وقيادة القبائل واكتشافه دوره المهم في عملية الإنجاب وبعد اكتشاف المعادن والنحاس وقدرة الرجل وقوته في العمل بها التي كانت تفوق قدرة الأنثى ..
ومع نشوء المدن والحضارات الأولى والتطور الإنتاجي نشأت فكرة تعدد الآلهة تفرعت وتنوعت حسب البيئة الاجتماعية والحضارية التي كانت فيها ويعج البانثيون "مجمع الآلهة" بعدد كبير من الآلهة يختص كل منها بوظيفة ويستمد أغلبها من الطبيعة وكانت منطقة الشرق الأدنى غارقة في الأديان متعددة الآلهة التي نشأت وتطورت على عدة مراحل فكل دين يتكون من آلهة بعضها أكثر أهمية وتداولاً من الآخر وبعضها ارتقى إلى مرحلة التفريد التي هي أقل من التوحيد حيث يبرز إله رئيسي واحد يصبح مركز المنظومة الإلهية وتدور حوله بقية الآلهة حيث أسبغت عليه صفات كثيرة معتبرة إياه الإله القومي لها دون أن تلغى الأخرى مثل الديانة البابلية التي أعطت "مردوخ" المكانة العليا في مقامه ولكنها تؤمن بوجود آلهة أخرى ..
وهناك الأديان الفارسية التي قامت على مبدأي النور والظلمة وجعلت كل واحد منهما إله "إله النور وإله الظلام" مثل الديانة الزرداشتية التي آمنت بوجود "آهور مزدا" إله النور و" أهريمان" اله الظلام وتصورت صراعاً بينهما وسميت هذه الأديان بالثنوية..
ظهرت محاولات توحيدية هنا وهناك مثل محاولة أخناتون في مصر حيث آمن بعقيدة التوحيد وبالثواب والعقاب ولكن سرعان ما تمت محاربته من قبل الكهنة وأعادوا عصر تعدد الآلهة في عصر ابنه توت غنج آتون ناصبوا "آمون " كبير الآلهة ..
عندما اجتاح الاسكندر المقدوني الشرق وصنع لأول مرة في حياة البشرية إمبراطورية عالمية تجمع الشرق والغرب فدمج آلهة الشرق مع آلهة الغرب في بوتقة حضارية واحدة فاختلط فيها الثقافات والحضارات والأديان الشرقية والغربية فعندما أصبح هناك إمبراطورية واحدة وحاكم واحد جاءت الحاجة إلى وجود إله واحد فقط فكانت هذه المرحلة هي الرحم والحاضنة التي أنجبت الأديان التوحيدية ..
وهكذا استجابت الأديان القديمة التي أصابها الوهن والشيخوخة إلى مثل هذا التحدي.

#هبة_صبري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات