أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن الشامي - ثورة 23 يوليو 1952 والثقافة للجميع















المزيد.....


ثورة 23 يوليو 1952 والثقافة للجميع


حسن الشامي

الحوار المتمدن-العدد: 6318 - 2019 / 8 / 12 - 09:48
المحور: الادب والفن
    


ستظل ثورة 23 يوليو 1952 واحدة من أهم الثورات في التاريخ الحديث بما خلفته من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية غيرت وجه الحياة فى مصر، وفى الوطن العربي كله، وعلى امتداد العالم الثالث..
وخاضت مصر في تلك الفترة معارك ضد الاحتلال، والإقطاع والرأسمالية والنظام الملكي، وهنا كان للمثقفين دور في الوقوف بجانب الثورة.
كما حركت ثورة يوليو مياه الثقافة الراكدة ورسمت ملامح الحياة علي وجه الوطن العربي لتبشر بانتهاء حكم المستعمر، وإعلان الحريات في مختلف أوجه الحياة والتي كان من أبرزها فنون الإبداع في الرواية والشعر والأدب والقصة القصيرة والعديد من المقالات التي امتلأت بها معظم الصحف.
وتم إرساء دعائم البنية التحتية للمؤسسات الثقافية التي تعمل على إثراء الحياة الثقافية والفنية إلى يومنا هذا، ووصلت الثقافة بمفهومها الواسع إلى قلب الشارع المصري والعربي، واسترجعت مصر بهاءها ورونقها الثقافي لتصبح بحق منارة لأمتها العربية.

إنشاء أول وزارة للثقافة بعد الثورة :
في عام 1958 قرر الرئيس جمال عبد الناصر إنشاء وزارة تعنى بشئون الثقافة، كان على رأسها الراحل ثروت عكاشة، أول وزير للثقافة والإرشاد القومي ويعد أشهر من تولوا حقيبة الثقافة في تاريخ مصر.
وتولى هذه المسئولية لفترتين تعتبران من أهم فترات النهضة الثقافية، الأولى من عام 1958 إلى عام 1962، والثانية من عام 1966 حتى عام 1970، وفي هاتين الفترتين استطاع ثروت عكاشة أن يحدث تغييرا جذريا في المشهد الثقافي في مصر، أدى إلى نهضة ثقافية حقيقية سواء على المستوى الفكري أو على مستوى البناء، حيث يراه الكثيرون، الشخصية الثقافية الأولى في مصر، وكان اسمه يتردد صداه على امتداد الوطن العربي، وفي عواصم الثقافة في أوروبا، وفي أروقة اليونسكو.
وشهدت هذه الفترة إرساء البنية التحتية للثقافة وإنشاء كثير من الهيئات التي عملت على إثراء الحياة الثقافية والفنية إلى يومنا هذا مثل المجلس الأعلى للثقافة، وهو المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب آنذاك، والهيئة العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية، والتي كانت تحوي في ذاك الوقت نحو نصف مليون مجلد من الكتب والمخطوطات القيمة، للحفاظ على التراث المصري.
وتم تأسيس فرق دار الأوبرا المختلفة مثل أوركسترا القاهرة السيمفوني وفرق الموسيقي العربية، والسيرك القومي ومسرح العرائس، والاهتمام بدور النشر، حيث تم تأسيس المكتبة الثقافية، والتي كانت النبتة الأساسية لمشروع مكتبة الأسرة، حيث تقدم الكتب بأثمان زهيدة لتصبح في متناول الجميع.

الثورة تلهم كتابها ومفكريها من جيل الرواد
كتب المؤرخ عبد الرحمن الرافعي عن ثورة يوليو قائلاً : كما أثرت ثورة يوليو في شكل الحياة السياسية، انعكس تأثيرها أيضا، علي مجالات الحركة الأدبية والنقدية والفكرية بشكل مباشر، فهناك علاقة وطيدة بين الفن والسياسة، الأول لا يمكن أن يحقق وظيفته الاجتماعية، إلا إذا كان سياسياً، فالفنان والناقد والأديب لابد أن تكون لديه عقيدة سياسية مواكبة لتطورات الحركة الاجتماعية، واعترف الجميع أن ثورة يوليو أحست بنبض الجماهير وبالتالي انطلقت معها ثورة الإبداع والمبدعين.
وقد شهدت فترة الخمسينات والستينات رواجا على مستوى الوجوه الأدبية التي أثرت المكتبة العربية بإبداعات لا تزال خالدة حتى اليوم، وظهور عدد كبير من نجوم الأدب الذين تلمع أسماؤهم حتى الآن كمؤسسين لأدب وطني بلغ العالمية، من أمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس وخيري شلبي وإبراهيم أصلان وإحسان عبد القدوس.. وشهدت هذه الفترة أدبا عظيما لاسيما في مجال الرواية.
وكان لثورة يوليو تأثير إيجابي في الثقافة على جيل الرواد أمثال : عبد الرحمن الشرقاوي، ونجيب محفوظ، وكتب عبد الرحمن الشرقاوي راويه "الأرض" قبل 1952، لكنها نشرت بعد قيام الثورة، وواصل التعبير عن آرائه بكل حرية، فتحدث عن العدالة الاجتماعية في "الفتي مهران" وعن الإصلاح الزراعي في "الفلاح"، أما نجيب محفوظ فتناول فكرة العدالة الاجتماعية في "أولاد حارتنا" عام 1958.
ومن أهم إنجازات الثورة الإحساس بالهوية العربية في المجال الثقافي، وشعور المثقف المصري بانتمائه الي ثقافة عربية متميزة وأصيلة.
كما أنشئت مؤسسات ثقافية عديدة في هذه الفترة مثل (الكونسرفتوار) والبرنامج الموسيقي، والبرنامج الثقافي، وإذاعة صوت العرب، وإذاعة القران الكريم، وأصدرت سلاسل الهيئة العامة للكتاب، وسلاسل الهيئة العامة لقصور الثقافة.
وكان للمجلس الأعلى للثقافة دور في الإسهام بإثراء حركة الترجمة والانفتاح علي الثقافة الأجنبية وكلها إنجازات ثقافية من آثار ثورة يوليو، ولا تزال قائمة وتقوم بدورها حتى اليوم.

ناصر وعودة الروح :
في فترة الستينيات حصل المثقف علي حقه كاملاً في التعبير عن رأيه، وشهدت الثورة في عهدها مولد أعظم الأعمال الأدبية مثل "أعمال نجيب محفوظ" ونعمان عاشور، والفريد فرج ويوسف إدريس.
عندما سئل جمال عبد الناصر، بعد قيام ثورة 1952، عن المفكرين المصريين الذين أسهموا فى تكوين أفكاره ومن ثم فى قرار القيام بالثورة، ذكر كتابا واحدا، هو «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، وقد كتب توفيق الحكيم رثاء حزينا للغاية يبكي فيه ناصر عام 1970.
كان من يكتب في الصحافة قبل الثورة أدباء عظام أمثال الدكتور طه حسين، وعباس العقاد، وأحمد بهاء الدين، وصلاح عبد الصبور وكوكبة كبيرة من المفكرين والكتاب والفنانين هم من هيئوا الأجواء التي نشأت فيها الثورة.

مؤلفات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر :
قام الرئيس جمال عبد الناصر بكتابة ثلاثة كتب، وهى :
ـ فلسفة الثورة،
ـ ‘يوميات الرئيس جمال عبد الناصر عن حرب فلسطين’،
ـ ’في سبيل الحرية’، وهي القصة التي بدأها وهو طالب بالمدرسة الثانوية عن معركة رشيد وفازت بالجائزة الأولى في المسابقة التي أجراها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.

الانجازات الثقافية لثورة 23 يوليو 1952 :
من إنجازات الثورة التي أعطتها للثقافة المصرية..إنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة والمراكز الثقافية لتحقيق توزيع ديمقراطي للثقافة، وتعويض مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع الذي احتكرته مدينة القاهرة، وهو ما يعد من أهم وأبرز إنجازاتها الثقافية.
كما تم إنشاء أكاديمية الفنون التي تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والبالية والموسيقى والفنون الشعبية، بالإضافة إلى إنشاء دار الأوبرا، كما تمت رعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية، والسماح بإنتاج أفلام من قصص الأدب المصري الأصيل بعد أن كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والأفلام الأجنبية.

الهيئة العامة لقصور الثقافة.. الوعي والاستنارة لجموع الشعب :
تعد الهيئة العامة لقصور الثقافة إحدى المؤسسات الثقافية ذات الدور البارز في تقديم الخدمات الثقافية والفنية. وهي هيئة مصرية تهدف إلى المشاركة في رفع المستوى الثقافي وتوجيه الوعي القومي للجماهير في مجالات السينما والمسرح والموسيقى والآداب والفنون الشعبية والتشكيلية وفي نشاط الطفل والمرأة والشباب وخدمات المكتبات في المحافظات.
وقد أنشئت تحت مسمي الجامعة الشعبية عام 1945، ثم تغير اسمها في سنة 1965 إلي الثقافة الجماهيرية. وكانت تطرح مشروع الكتاب الأول لتشجيع الكتاب المبتدئين على النشر على حساب الثقافة الجماهيرية.
ونشرت الهيئة الاستنارة الفكرية، وتحقيق وعي ثقافي شامل لكل طبقات المجتمع، وتحويل مسار الفنون للشارع المصري، بدلا من اقتصارها على الطبقة الأرستقراطية المثقفة، في جميع أقاليم القطر المصري، لكي تؤدي دورها الفعال تجاه جموع الشعب في كل مكان حتى للبسطاء منه.
وفي عام 1989 صدر القرار الجمهوري لتتحول إلي هيئة عامة ذات طبيعة خاصة وأصبح اسمها الهيئة العامة لقصور الثقافة.. تقوم على نشر الثقافة والتنوير فى ربوع الوطن بإعمال آليات العدالة الثقافية من خلال قصور الثقافة المنتشرة فى ربوع مصر (580 موقعا ثقافيا)، والنزول بالثقافة الجماهيرية إلى الشارع المصري، حتى تصل لكل فئات الشعب لزيادة التوعية وتنمية المجتمع.

الهيئة المصرية العامة للكتاب.. دعم النشر وحركة الترجمة :
منذ قيام ثورة يوليو 1952، كان من مهامها التنمية الثقافية حتى تسير جنبا إلى جنب مع الخطة العامة للدولة، فكان التخطيط لإنشاء هيئة ثقافية حكومية تضطلع بمسئوليات وزارة الثقافة في مجال التأليف والترجمة والنشر.
ومنذ عام 1961 تفتقت الأذهان في كيفية إقامة هذه الهيئة، تحت مسميات عديدة من خلال القرارات الجمهورية التي صدرت منذ 1961 حتى 1994 إلى أن أصبحت الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وكان قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 1813 لسـنة 1961 بإنشاء “الهيئة العامة للأنباء والنشر والتوزيع والطباعة ” ذات طابع اقتصادي وتلحق برئاسة الجمهورية، وكان الهدف الرئيسي من إنشاء هيئة ثقافية كبرى فى حجم هيئة الكتاب تضييق الفجوة الثقافية بين مصر وبين شعوب العالم المتقدم من خلال تكاتف الجهود التى تبذلها قطاعات وزارة الثقافة تحقيقاً لمزيد من الرقى والتقدم وبما يليق باسم مصر وحضارتها.
وتقوم هيئة الكتاب بإتاحة كافة التسهيلات للتعريف بالإنتاج الفكري العربي والعالمي، وإعادة طبع ما يمكن تحقيقه من كتب التراث، وكذلك تأليف وترجمة الكتب الثقافية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وأيضا طبع ونشر وتسويق الكتاب المصري على المستوى المحلى والعربي والدولي.
وأصدرت هيئة الكتاب العديد من الكتب حول الثورة والزعيم جمال عبد الناصر منها ‏:‏ سنوات ما قبل الثورة، والوثائق السرية لثورة ‏23‏ يوليو، وتأملات في ثورات مصر‏،‏ وعبد الناصر والحرب العربية الباردة‏،‏ وثورة يوليو والحقيقة الغائبة.. مصر قبل عبد الناصر‏،‏ وثورة ‏23‏ يوليو‏،‏ والحقيقة عن ثورة ‏23‏ يوليو‏ وليلة ثورة يوليو ‏، ومعركة الجلاء ووحدة وادي النيل‏، والولايات المتحدة وثورة‏23‏ يوليو، وقصة عبد الناصر والشيوعيين‏..‏

أكاديمية الفنون..أول جامعة لتعليم الفنون في الوطن العربي
من أهم انجازات ثورة 23 يوليو 1952 إنشاء أكاديمية الفنون عام 1969 وهى أول جامعة لتعليم الفنون ذات طبيعة منفردة في الوطن العربي وهذه الأعوام تعنى الكثير بمقياس العطاء والإسهام الحقيقي في البناء الحضاري.
ونظرا لأهمية الفنون كأحد مقومات الحضارة أولت الدولة لها كل رعاية وعناية وتشجيع، لذا أنشأت الدولة عدداً من المعاهد العليا للفنون كان أولها معهد الفنون المسرحية عام 1935 ثم توالى إنشاء معاهد أخرى، وبعد فترة من إنشاء هذه المعاهد تكشفت الحاجة إلى ضرورة وجود هيئة تنظمها جميعا وتنسق فيما بينها وتساعدها على أداء وظيفتها ومباشرة أعمالها.
ولم تكن هناك مؤسسات حكومية تقوم بنشر الفنون، ولذا أنشأ ثروت عكاشة أكاديمية الفنون بمعاهدها الفنية المتخصصة المختلفة، وذلك بعد توليه مسئولية وزارة الإرشاد القومي بسنة واحدة، ومن خلال تلك المؤسسة استطاع الانطلاق بمصر من المحلية إلى العالمية، فقد كانت هي إشارة البدء لتعليم الفنون العالمية، والانفتاح عليها، وتأهيل الكوادر الفنية المصرية في كثير من المجالات، حيث بدأ التعاون مع بعض الدول الأجنبية لاستقدام أساتذة أجانب لتولي عملية الدراسة للطلاب المصريين في أكاديمية الفنون من خلال دراسة أكاديمية متخصصة، والذين أصبحوا يقودون العملية التعليمية والثقافية، فيما بعد، ووصولا بتمثيل مصر في المهرجانات والمسابقات الدولية والعالمية ووضع فنون مصر على الخريطة العالمية، ولم يكتف باستقدام الأساتذة من الخارج بل أرسل بعثات خارجية، واستحضر آلات ومعدات للمعاهد.
وتتكون الأكاديمية من المعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للسينما- المعهد العالي للباليه والمعهد العالي للفنون الشعبية والمعهد العالي للكونسرفتوار والمعهد العالي للموسيقى العربية والمعهد العالي للنقد الفني.

دار الكتب والوثائق القومية.. وثائق للتاريخ
تمتلك دار الوثائق القومية العديد من الوثائق الهامة المتعلقة بالثورة ومنها : تنازل الملك فاروق عن العرش عقب إعلان الثورة، وكذلك الوثائق المتعلقة بالإنذار الموجه للملك السابق 26 يوليو1952 ‏، وقرارات مجلس الثورة بإلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية فى 18/6/1953 ‏، قرارات مجلس الثورة بمصادرة أموال الملك السابق فاروق، وإلغاء الحراسة 27 سبتمبر 1953‏، قرارات مجلس الثورة بتأليف الوزارة (17 أبريل1954)، وأيضا قرارات مجلس الثورة بتخلي اللواء أركان حرب محمد نجيب عن رئاسة الوزراء، وتكليف البكباشي جمال عبد الناصر بتأليف الوزارة ‏17 أبريل 1954‏، قرارات مجلس الثورة باسترداد أموال الشعب وممتلكاته من أسرة محمد علي، ووثيقة خاصة بالإسراع بعمل مشروع إنشاء التليفزيون.

المجلس الأعلى للثقافة.. مركز إشعاع وإحدى قلاع التنوير :
يعد المجلس مركز إشعاع للثقافة والفكر على المستوى المصري والعربي وقلعة من قلاع التنوير والاستنارة، ففى عام 1956 صدر قرار إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، كهيئة مستقلة ملحقة بمجلس الوزراء، تسعى إلى تنسيق الجهود الحكومية والأهلية في الفنون والآداب.
وكان المجلس هو الأول من نوعه على المستوى العربي الأمر الذي دفع العديد من الأقطار العربية إلى أن تحذو حذو مصر وتشكل مجالس مشابهة.
وبعد عامين أصبح المجلس مختصاً كذلك برعاية العلوم الاجتماعية.. وطوال ما يقرب من ربع قرن ظل المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية يمارس دوره فى الحياة الثقافية والفكرية في مصر، وفى عام 1980 تحول إلى مسماه الجديد «المجلس الأعلى للثقافة بصدور القانون رقم 150 لسنة 1980.

ثورة يوليو والسينما المصرية
لم تكن السينما المصرية بعيدة يومًا عن الأحداث الاجتماعية والسياسية، ونقل نبض الشارع من خلال الشاشة الفضية ، وتصوير مشاهد فرح وحزن ومعاناة وانتصار الشعب المصري عبر ذاكرة السينما والفن.
وأدركت ثورة يوليو تأثير الفن على وعي وحس الشعب المصري، وسعت لتدعيم صلتها ونشر إنجازاتها من خلال الأعمال الفنية المتنوعة ومن أبرزها السينما ؛ فالإنتاج السينمائي المصري تميز بالغزارة الشديدة، وجودة الإنتاج في القرن الماضي عصر السينما الذهبي ، وقدمت عدة أفلام تمجد في الثورة ودورها وأهدافها، وتنتقد العصر البائد والظلم الواقع على الأمة المصرية خلاله.
ولعبت السينما المصرية دوراً مهماً في تأريخ ثورة 23 يوليو 1952 ومنذ اندلاعها وتولي الضباط الأحرار الحكم، ونفي آخر ملوك مصر الملك فاروق شهدت مصر خاصة والعالم العربي عامة أوضاعاً سياسية أفرزت الكثير من الإحداث والمواقف التي تناولتها الأفلام المصرية.
هناك العديد من الروائع الفنية التي أبرزت هذا الحدث بكل إيجابياته وسلبياته ؛ حيث أن ثورة يوليو فجرت الإبداع في جميع المجالات، وأتاحت ألفرصه للكتاب والمبدعين لرصد ما حدث في تلك الثورة ؛ فأبدعت السينما المصرية بعد مرور ثلاثة أعوام من الثورة فيلم “الله معنا”، الذي أشار إلى إرهاصات الثورة، من إخراج أحمد بدرخان وقصه إحسان عبد القدوس، وبطولة عماد حمدي، فاتن حمامة.
بادرت الثورة بالسماح بعرض افلام كانت ممنوعة من العرض في الحقبة الملكية، كان في مقدمتها لاشين ، وفيلم مصطفى كامل والذي يحكي قصة كفاح الزعيم المصري مصطفى كامل.
وشهد عام 1957 عرض فيلم الثورة الأبرز في ذاكرة المصريين رد قلبي قصة يوسف السباعي ، وإخراج عز الدين ذو الفقار ، وإنتاج آسيا ، بطولة شكري سرحان، مريم فخر الدين، صلاح ذو الفقار، حسين رياض، زهره العلا، هند رستم، وأحمد مظهر، الذي تحول بمرور الأيام إلى وثيقة عن ثوره 23 يوليو، كاشفا عن الإرادة الحرة والاستقلالية.
ومن الأفلام التي أنتجت عن الثورة أيضا فيلم “بداية ونهاية”، إخراج صلاح أبو سيف وقصه نجيب محفوظ، عام 1960، بطولة عمر الشريف، أمينة رزق، وسناء جميل، وفيلم “القاهرة 30” إخراج صلاح أبو سيف قصه نجيب محفوظ، بطولة سعاد حسني، أحمد مظهر، وكذلك فيلم "غروب وشروق" للمخرج كمال الشيخ، كما أنتج فيلم “في بيتنا رجل” لإحسان عبد القدوس وإخراج هنري بركات، وبطولة عمر الشريف، رشدي أباظة، زبيدة ثروت، وفيلم "أرض الأبطال" لنيازي مصطفي عام 1953، و جميلة بو حريد الذي يروي أحداث الثورة الجزائرية.
وبدأت السينما تنتج أفلاماً تتناول منجزات الثورة، خاصة موضوع الإصلاح الزراعي، وتحديد الملكية الزراعية وتوزيع الأرض علي الفلاحين.. فيلم "الأرض الطيبة" إخراج محمود ذو الفقار عام 1954، وفيلم "أرضنا الخضراء" إخراج أحمد ضياء الدين عام 1956، "صراع في الوادي" ليوسف شاهين عام 1954، وهي موضوعات لم تكن السينما تناقشها قبل الثورة، وكذلك أفلام مثل "المارد" لسيد عيسي 1964، و"أدهم الشرقاوي" لحسام الدين مصطفي في العام نفسه وأيضا سلسلة أفلام "إسماعيل يس في الجيش، في الأسطول، بوليس حربي، في الطيران"، وكلها من إخراج فطين عبد الوهاب، والتي أبرز خلالها بروح الكوميديا جوانب حياة الجيش والعسكرية المصرية في إطار فكاهي مجتمعي. وأفلام أخري مثل "شياطين الجو" لنيازي مصطفي، و"وداع في الفجر" لحسن الإمام عام 1956.
كما أُنتِجَ فيلم “لا وقت للحب” فى عام 1963، وهو عن رواية ليوسف إدريس، وحمل توقيع المخرج الكبير ورائد الواقعية صلاح أبو سيف، بطولة فاتن حمامة، رشدي أباظة، فيلم “بورسعيد” عام 1956، واشترك فيه فريد شوقي، هدى سلطان، وفيلم “الباب المفتوح” عام 1963، عن قصة للأديبة لطيفة الزيات إخراج هنرى بركات، وبطولة فاتن حمامة، صالح سليم، محمود مرسى، وأيضًا فيلم شيء من الخوف ، بطولة شادية ومحمود مرسي ويحيى شاهين، أنتج مباشرة بعد نكسة 67، ويحكي ثورة قرية بقيادة فؤادة رمز مصر على عتريس رمز الطغيان والجبروت.
ذكر الناقد علي أبو شادي إحصائية عن أفلام القطاع العام في مصر فى الفترة من 1963 إلي1971 حيث تم إنتاج 153 فيلما بدأت بفيلم المخرج محمد سالم (القاهرة في الليل) وانتهت بفيلم (جنون الشباب) لجلال الشرقاوي كما قدم القطاع العام خلال تلك الفترة 21 مخرجا جديدا من الشباب يخرجون لأول مرة.

أغاني ثورة 23 يوليو.. مفهوم الوطن والقومية
تعد الأغنية الوطنية مكونا أصيلا وموروثا ثقافيا حاضرا مع كل الأحداث التي مرت بها مصر وكانت ثورة 23 يوليو 1952 التى حولت مصر من الحكم الملكي إلى الحكم الجمهوري عن طريق تنظيم الضباط الأحرار الذى كان يتزعمه اللواء محمد نجيب وجمال عبد الناصر من أهم المحطات لانطلاق الأغاني الوطنية.
" عبد الحليم حافظ مطرب الثورة .. شهادة ميلاده سطرت في احتفالات عيد الثورة، وغنائه الأول كان أمام ناصر وحكيم ووفد من الضباط الأحرار بحديقة الأندلس بالقاهرة، وخلال مسيرته قدم عشرات الأغنيات للاحتفال بالثورة وعبد الناصر والجيش، تضمنت قيما ثورية مثل العروبة والسد العالي والمصانع وحرب اليمن والقومية العربية، كما غنى للنكسة عدى النهار و أحلف بسماها وبترابها ..
كما كانت أم كلثوم هي القاسم المشترك في أغلب المناسبات والحفلات الرسمية، التي كان يحضرها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومنحها قلادة الجمهورية في عيد العلم، ووجه إليها الشكر عدة مرات بسبب مساعدتها في تسليح الجيش، حيث تبرعت بمبلغ 10 آلاف جنيه، وهو رقم كبير وقتها.
وفي عام 1967 كانت أم كلثوم من أوائل المطربين الذين سارعوا بإقامة الكثير من الحفلات داخل مصر وخارجها، للتبرع بأرباحها للمجهود الحربي، وقدمت وقتها أغنيتها الشهيرة "أصبح عندي الآن بندقية"، قبل أن تقدم أغنية "يا حبيب الشعب" بعد قرار الزعيم بالتنحي وعودته مرة أخرى إلى الحكم، وحمل عبد الوهاب على عاتقه تأليف الأوبريتات والأناشيد الوطنية ، ومن أهمها الوطن الأكبر.
وقدم عدد كبير من المطربين هذا الأوبريت الغنائي الكبير عام 1960 احتفاءً بالمدّ القومي، والاتجاه إلى الوحدة الذى كان يقوده الزعيم جمال عبد الناصر، من كلمات الشاعر أحمد شفيق كامل، كما قام موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بغناء أوبريت "ناصر كلنا بنحبك" لتهنئة الزعيم جمال عبد الناصر بالحكم، وبطلب من الرئيس عبد الناصر تعاون لأول مرة مع أم كلثوم ليخرج لقاء السحاب بأغنية أنت عمري ، ويصفها البعض بأنها الثورة ذات نفسها".

العصر الذهبي للمسرح المصري :
شهد المسرح المصري نهضة حقيقية، والسنوات التي أعقبت قيام الثورة من عام 1952 إلي عام 1967 تعد العصر الذهبي للمسرح المصري والعربي علي حد سواء وفي تلك الفترة تأسست العديد من الفرق المسرحية ولمعت عشرات الأسماء لكتاب ومخرجين وممثلين أفذاذ تركوا بصماتهم الواضحة في تاريخ فن المسرح أمثال عبد الرحمن الشرقاوي، ويوسف إدريس وصلاح عبد الصبور، وألفريد فرج، وكبار النقاد أمثال رجاء النقاش، ومحمد مندور، ولويس عوض وغيرهم..
ونجحت الثورة في تفريخ كوكبة من كتاب المسرح المصري الذين تأثروا إلي حد كبير بالمناخ الثوري الذي أشعلته الثورة، والذين كشفوا النقاب عن أوجاع الوطن من خلال مؤلفاتهم التي عبرت عن مدي تفاعلهم مع روح وأفكار ثورة يوليو، إلى جانب تأثرهم بالحركات المسرحية العالمية.
ومن مسرحيات تلك الفترة : "علي جناح التبريزي وتابعة قفة"، و"سقوط فرعون" لألفريد فرج، وأعمال الكاتب "سعد الدين وهبة" التي جسدت العديد من الواقع المصري، ومدي تأثيرها علي الفقراء والبسطاء ومنها مسرحية "السبنسة- كبري الناموس- كفر البطيخ"، وأعمال "نعمان عاشور" التي اتجهت نحو النقد الاجتماعي للظواهر الاجتماعية السلبية في قالب كوميدي ساخر مثل مسرحية "الناس اللي تحت" وعيلة الدوغرى، والأعمال المسرحية للأديب "يوسف إدريس" ومنها "المخططين" التي تناول فيها رؤيته للنظام السياسي، إلى جانب تألق العديد من الوجوه المسرحية البارزة في تلك الحقبة مثل سعد أردش، وكرم مطاوع، كما تألق المسرح الشعري علي يد صلاح عبد الصبور، وعبد الرحمن الشرقاوي، ونجيب سرور وغيرهم.
وكان هناك ثلاث فرق قبل الثورة، اثنتان تحت إشراف الحكومة هما : "الفرقة المصرية للتمثيل" وتقدم الهزليات والميلودراما والمسرحيات الشعرية، والفرقة الثانية "فرقة المسرح الحديث"؛ وكانت تسير على نفس النهج، وبعد الثورة ضُمت الفرقتان تحت اسم "المسرح المصري الحديث" بإدارة يوسف وهبي حتى 1956.

إنشاء التليفزيون ومسرح التليفزيون :
يعد إنشاء التليفزيون المصري أبرز إنجازات الثورة في مجال الإعلام، وأنشئ في عام 1959 بقرار من الرئيس عبد الناصر، ليكتمل البناء في 21 يوليو 1961، إلا أن البث بدأ في 21 يوليو 1960 في الاحتفالات بالعام الثامن للثورة بساعات بث بلغت (5 ساعات) يوميًا، ويصبح اسمه التليفزيون العربي .
مشروع مسرح التلفزيون الذي بدأ تأسيسه مع بدايات النهضة الثقافية بعد ثورة 23 يوليو يعد الأب الروحي لمعظم الفرق المسرحية التي ساهمت في خلق مناخ مسرحي غير مسبوق في مصر بالإضافة إلي أن مسرح التلفزيون هو صاحب الفضل في تقديم معظم النجوم الكبار من الرعيل الأول والثاني من ممثلين ومخرجين وكل العناصر الفنية التي قدمها مسرح التلفزيون للجمهور المصري والعربي ومنهم علي سبيل المثال لا الحصر عبد المنعم مدبولي وعبد المنعم إبراهيم وأبو بكر عزت ومحمد رضا ومحمد عوض وزوزو ماضي وفؤاد المهندس ونور الدمرداش، وكرم مطاوع وعبد الرحيم الزرقاني وسعد أردش.

الاهتمام بالمتاحف والآثار :
واهتمت ثورة يوليو بالآثار المصرية، ووضع حجر الأساس لمجموعة متاحف تعدمن أعظم المتاحف المصرية، وتقديم عروض الصوت والضوء وإقناع المؤسسات الدولية في العمل على إنقاذ معبد فيلة ومعبد أبو سمبل والآثار المصرية في النوبة حفاظًا عليها أثناء مشروع بناء السد العالي.

حسن الشامي
رئيس الجمعية المصرية للتنمية العلمية والتكنولوجية



#حسن_الشامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع بين الاستخبارات الصينية والموساد الإسرائيلي لحسم معرك ...
- في اليوم العالمي للمرأة : هل حصلت المرأة العربية على حقوقها؟
- مشروع الشرق الأوسط الجديد
- تقرير أممي يتوقع أن يحافظ الاقتصاد المصري على نسبة نمو 5.2 ف ...
- إطلاق النسخة العربية من تقرير اليونسكو للعلوم
- الضباب.. رؤية روائية معاصرة للحركة الطلابية في سبعينات القرن ...
- اللجنة النقابية للعاملين بنوادي هيئة قناة السويس تنسحب من ان ...
- تقرير -المرأة والأرض في العالم الإسلامي-
- لماذا الاحتفال بعيد الأم في العالم كله؟
- التفاصيل الكاملة للانتخابات الرئاسية في مصر
- كسب السلام : أمريكا والنظام العالمي الجديد
- لماذا يطلق علينا العالم المتقدم مسمى “الدول ما قبل الحديثة”؟
- لماذا لا يوافقون على انفصال كردستان؟
- الإسلام الحضاري تأليف الدكتور عبد الله بدوي
- صورة العرب والمسلمين علي الإنترنت
- الاحتفال بعيد العمال.. رمزا للنضال من اجل الكرامة
- المواطنة.. كلمة السر للتعددية في الشرق الأوسط
- دور المجتمع المدنى في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان
- رواق ابن خلدون يناقش أزمة عمليات الارهاب في العالم وكيفية مو ...
- مؤسسة عالم واحد تصدر تقرير مؤشر مكافحة الفساد في مصر


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن الشامي - ثورة 23 يوليو 1952 والثقافة للجميع