سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 6297 - 2019 / 7 / 21 - 21:33
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- لماذا نحن متخلفون (69) .
شاهدت بالأمس فيلم وثائقي على قناة "العربية" بعنوان : "مهمّة خاصّة" | نساء "داعش" تركة ثقيلة .
https://www.youtube.com/watch?v=jMToQGwLF6w
الفيلم يتناول حياة آلاف من الداعشيات فى مخيم الهول بشمال سوريا بعد إنهيار دولة الخلافة الداعشية ودحر رجال داعش وهروبهم فى معركة الباغوز على يد قوات سوريا الديمقراطية الكردية ليعج مخيم "الهول" بعشرات الآلاف من النساء والأطفال من جنسيات متعددة .
المثير للدهشة أن غالبية نساء الدواعش أعلنوا تعصبهن بحماس لدولة الخلافة الداعشية وتوعدن بفتوحات مقبلة وحمل بعضهن أحذيتهن أمام كاميرات الصحافيين , فيما ألقت أخريات الحجارة على الكاميرات وصرخن "الله أكبر" و"باقية وتتمدّد", وقالت إحداهن "سننتقم وسيصل الدم إلى الركب" مضيفة " خرجنا لكن هناك فتوحات جديدة مقبلة ".
الغريب فى الأمر أنه رغم الظروف الصعبة اللاتى تحيط بنساء داعش إلا أنهن مازلن يرفعن شعارات داعش ويمارسن قهر النساء اللاتى خلعن البرقع بالضرب ويرددن دوما معاداة الكفار لكل المخالفين لداعش .
فلنتوقف أمام هذا المشهد الدرامى فأمامنا نساء تعرضن لكافة أشكال القهر والإمتهان على يد الدواعش أثناء سطوتهم من ضرب وإمتهان وإحتقار وإغتصاب وسبى ,وبعد زوال سطوة داعش مازالوا يرفعون شعار داعش بحماس وبنفس المنهجية العنيفة القاهرة !!
ما الذى يجعل نسوة تعرضن للقهر والسحق أن يحافظن على نهج وشريعة داعش بالرغم من زوال سطوة وقهر رجالهن ؟! ما الذى يجعلهن يتمسكن بنقابهن السميك فى قيظ حر الصحراء ؟! لماذا لا تتمرد النساء من أصول أوربية على هذا الوضع المزرى الذى يعيشونه ؟! لماذا لا يثورون على قهرهن ليحنوا للعودة لحضن أهلهم وأوطانهم ؟!
نحن أمام نماذج بشرية ممسوخة ومشوهة إنسانياً تستعذب القهر والإيلام , فهل نحن أمام المازوخية فى توهجها وأعلى مراحها ؟! .. نحن أمام نماذج بشرية تأصل العنف فى شرايينها من ثقافة تؤصل العنف والكراهية ورفض الآخر لذا نجد تنصل الدول التابعين لها من عودتهن إلى أوطانهن , فهن بمثابة قنابل موقوتة ستزرع العنف والكراهية فى نفوس أطفالهن .
هذه ملامح المأساة لبشر فقدوا أى نسمة للحرية ليحل مكانها عنف جامح ورغبة فى قهر وإذلال الآخر لتتوالد وتتناسل ثقافة الكراهية والقهر ففيها نشوة حياتهم .. نحن أمام ثقافة القهر والكراهية التى تتخطى الحدود لتجد هوى وعشق فى نفوس تواقة لممارسة العنف والقسوة والسطوة تجاه الآخر ليمكن القول أن كل المنطوين تحت راية داعش هم مرضى نفسيين لا يُجدى معهم حوارات بل العلاج النفسي أو العزل والإقصاء .
فى نفس السياق لنا أن نستحضر محاضرة للدكتور بيل وورنر عن :كيف انتشر الإسلام؟-القصة من مصادرها الأصلية .
https://www.youtube.com/watch?v=l83vyaL5igM
هذا الفيديو للدكتر بيل يوثق تاريخياً كيف إنتشر الإسلام فى العالم بواسطة القهر من خلال الحروب والإضطهاد شارحاً بالتفصيل عمليات القهر التى تمت على الشعوب لإعتناق الإسلام .
لم أتوقف كثيرا أمام تلك الحروب والمذابح التى مارسها المقاتلون الإسلاميون لقهر وإجبار الشعوب على إعتناق الإسلام فهكذا كان سمة التاريخ القديم حيث سحق وقهر المختلف لتبنى أيدلوجية ودين الغازى ليكون النهب الإستعمارى هو الأساس , ولكن آلية التأمل تتحرك داخلي من خلال تأمل مشهد الأحفاد , وكيف تحول القهر إلى إنتماء وهوية قد يصل لحد التعصب والتطرف , فالمقهورون الأوائل الذين أُجبروا على إعتناق الإسلام رغماً عنهم صار لهم أحفاد يعتزون بالإنتماء للقاهرين الأوائل ليعتزوا ويتحمسوا ويتعصبوا للإسلام جاهلين أن هذا الإسلام دخل بلادهم بحد السيف بقهر وإذلال أجدادهم .
ما يحدث فى منطقة الهول هو نسخة من فيديو "كيف إنتشر الإسلام" معبراً عن ثقافة التعايش مع القهر والإنتماء إليه والتلذذ به , فالداعشيات فئة عانت من قسوة القهر والإضطهاد والسحق والإذلال فى الحكم الداعشى , ورغماً عن زوال دولة الخلافة الداعشية فمازلن على عهدهن مع القهر ليرددن نفس الشعارات والأمانى بدولة الخلافة , فكيف نفسر هذا ؟! . كيف نفسر أن ثقافة القهر تفلح فى مسخ الإنسان وتحويله إلى مُغنى وإعلامي ومُنشد بثقافة القهر .
دار حوار بينى وبين الأستاذ حميد فكرى حول الثقافة لينتقد منهجى فى التعاطى مع الثقافة , فأنا أعتبر أن الإرث الثقافى عائق فى تطور المجتمعات وأننا علينا تغيير وتطوير الثقافة أولاً فبدون هذه الثورة التنويرية فلن نفلح فى التطور وستكون كل محاولاتنا للإصلاح السياسى والإقتصادى كمن يحرث فى الماء , بينما يرى حميد أن علينا ان نحل إشكالية علاقات الإنتاج والمعادلة الطبقية لأرى فكره صحيح ولكن شديد الصعوبة والوعورة , فمعناه أن ننتظر ونصبر على قبح المجتمع حتى يتطور علاوة على أن الطبقات المهيمنة لن تتركك تزيحها بل ستقاوم بشراسة وستؤصل الأفكار الرجعية التى تمنحها الديمومة .
من حوارى مع الأستاذ حميد وصلت لرؤية أن الثقافة ترجمة لعلاقات الإنتاج وتعبيرعن رؤي الطبقات المهيمة ولكن مازالت القضية جدلية بين الثقافة والحياة قائمة , فكيف نفسر إستعذاب الشعوب للقهر وتماهيها فى قاهرها إنتماءاً وعشقاً وإحتفاءاً ,فهاهى الشعوب الإسلامية تعظم وتحتفى بحضور الإسلام والغزاة الأوائل بل يصل بها الحال إلى إحتقار تاريخهم القديم .. وها نحن أمام نساء داعش اللاتى مورسن عليهن كل أشكال القهر من قسوة ووحشية وإغتصاب وسبي فبدلاً من أن يثورن بعد زوال داعش تجدهن يُمجدن داعش ويحملن نفس ثقافة القهر .
رؤيتى التى توافقت مع الأستاذ حميد بأن الثقافة هى منتج لطبيعة علاقات الإنتاج السائدة ونوعية الطبقات المهيمنة المروجة لتك الثقافة قد بدأت تهتز أو قل أصابها الحيرة , فبماذا نفسر وجود شرائح عريضة من المسلمين يَلفظون ويَستنكرون سلوك داعش رغم أنهم يعيشون نفس الظرف الموضوعى ؟ وبماذا نفسر إنحدار داعشيون وداعشيات من مجتمعات أوربية ذات علاقات إقتصادية متقدمة ؟ وبماذا نفسر وجود متطرفين وإرهابيين إسلاميين من أبناء الجيل الثالث للمهاجرين الإسلاميين الأوائل ؟!
هل نحن أمام تفرد وهيمنة الثقافة بعيداً عن حراك المجتمع الطبقى وعلاقاته الإنتاجية بما يعنى أن الفكر والثقافة عامل مستقل عن ظروفه الموضوعية ولكن هذا مغاير للواقع الموضوعى والبديهية .
أرى الأمور تتحرك فى إطار سيكولوجية الإنسان أكثر من الواقع الموضوعى , فالمرء الذى يجد حلوله بالعنف والقسوة سيتبنى الأيدلوجية التى تفتح له المجال لممارسة وتبرير عنفه وتمنحه المشروعية وراحة الضمير سواء أكانت هذه الأيدلوجية إسلامية أم نازية , وفى عصرنا صارت الأيدلوجية الإسلامية الأكثر حضوراً وسخاءاً فى منح السادية للبشر أو قل تشجيع النزعة السادية فى الداخل الإنسانى , فالميل نحو الجهاد كطريق للقتل والعنف يجد قبولاً وحماساً , كذا ممارسة الحدود الإسلامية القاسية هو إحتفاء بالعنف كمتعة المشاهدين لمباريات المصارعة الحرة , كذا متعة الهيمنة والسطوة الذكورية متعة غير قابلة للإلغاء أو المجادلة .
أقول أن الأمور لن تخرج عن الخلل النفسى أكثر من الظروف الموضوعية , فالنساء فى الإسلام يستمتعن بحالة من المازوخية بدرجة أو أخرى فيصير قهر الرجل للمرأة متعة تستمتع فيها المرأة بأنوثتها حيث الإعجاب والإفتنان بالقوة والسطوة والقهر فهكذا هى الأنوثة وهكذا هى الرجولة المختلة .
نرجع ثانية للثقافة فهى الحاضنة لكل العلل النفسية , لذا فوجود تلك الثقافات التى تغذى العنف والكراهية والقهر هى من الخطورة بمكان على حاضر ومستقبل الشعوب , ومن هنا تظهر أهمية مناهضة تلك الثقافات وتحجيمها وشلها عن الحراك .
بدأت أتبنى أن الحلول القوية الفوقية من الأهمية بمكان , فبالرغم أننى كنت أتبنى التطور الطبيعى للمجتمعات إلا أن هذا التطور لن يحدث بصورة طبيعية تراكمية في ظل ثقافة جامحة لم تكتفى ببرمجة العقول بل مدت يدها فى نفوس البشر , لذا لا سبيل إلا بفرض منظومة فكرية ثقافية علمانية حداثية بالقوة تحاصر الثقافة القديمة وتعزلها وتنمى مفاهيم الحرية والإنسانية .
دمتم بخير .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته" – أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.