أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد برازي - معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 7















المزيد.....



معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 7


محمد برازي
(Mohamed Brazi)


الحوار المتمدن-العدد: 6289 - 2019 / 7 / 13 - 22:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


النساء اللائي تزوجهن محمد دون أن يجامعهنّ، ومن فارق منهن
1- الكلابية: هي فاطمة بنت الضحاك أو عمرة بنت يزيد الكلابية أورد الرواة روايات متضاربة عن سبب مفارقة محمد إياها. وفي رواية عن عائشة قالت: فلما دخلت عليه بعد الزواج فدنا منها، قالت: "إني أعوذ بالله منك. قال رسول الله: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك" ويدعي البعض أن محمداً تركها لبياض لها وهناك من يزعم أنها فقدت عقلها بعد رفضها إياه.
2- أسماء بنت النعمان الكندية: عن ابن عباس قال: تزوج رسول الله أسماء بنت النعمان، وكانت من أجمل أهل زمانها وأشبه قال: فلما جعل رسول الله يتزوج الغرائب قالت عائشة: قد وضع يده في الغرائب يوشكن أن يصرفن وجهه عنا. فلما رآها نساء النبي حسدنها فقلن لها: إن أردت أن تحظي عنده فتعوَّذي بالله منه إذا دخل عليك. فلما دخل وألقى الستر ومد يده إليها فقالت: أعوذ بالله منك. فقال: الحقي بأهلك. وفي رواية من أبي أسيد قال: تزوج رسول الله امرأة من بلجون فأمرني أن آتيه بها، فأتيته بها فأنزلتها بالشوط من وراء ذباب في أطم، ثم أتيت النبي فقلت: يا رسول الله جئتك بأهلك، فخرج يمشي وأنا معه. فلما آتاها أقصى وأهوى ليقبلها، وكان رسول الله إذا أقبل لنساء أقعى وقبّل فقالت: أعوذ بالله منك. لقد قيل لمحمد إنها خُدعت وهي حَدَثة، ولكنه لم يراجعها.
3- قتيلة بنت قيس: روى ابن عباس: فلما استعاذت أسماء بنت النعمان من النبي خرج والغضب يعرف في وجهه، فقال له الأشعث بن قيس: لا يسؤك الله يا رسول الله، ألا أزوجك من ليس دونها في الجمال والحسب. قال: من؟ قال: أختي قتيلة. قال: قد تزوجتها. قال: فانصرف الأشعث إلى حضرموت ثم حملها حتى إذا فصل من اليمن فبلغه وفاة النبي، فردها إلى بلاده وارتدت معه فيمن ارتد.
4- مليكة بنت كعب الليثي: تزوج النبي مليكة بنت كعب، وكانت تذكر بجمال باهر بارع، فدخلت عليها عائشة فقالت لها: أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك؟ فاستعاذت من رسول الله فطلقها في قومها النبي فقالوا: يا رسول الله إنها صغيرة وإنها خدعت فارتجعها، ولكنه أبَى.
5- بنت جندب: تزوج رسول الله بنت جندب. قال محمد بن عمرو وأصحابنا ينكرون ذلك ويقولون لم يتزوج رسول الله كنانية قط.
6- سبا بنت الصلت: تزوجها محمد ولكنها ماتت قبل أن تصل إليه. وفي رواية عبد الله بن عبيد: جاء رجل من بني سليم إلى النبي فقال: يا رسول الله إن لي ابنة من جمالها وعقلها ما أتى لأحد الناس عليها غيرك، فهم النبي أن يتزوجها ثم قال: وأخرى يا رسول الله ما أصابها عندي مرض قط، فقال له النبي: لا حاجة لنا في ابنتك، تجيئنا تحمل خطاياها. لا خير في مال لا يُرزأُ منه، وجسد لا ينال منه.
7- ليلى بنت الخطيم: عن ابن عباس قال: أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى النبي ص وهو مولي ظهره الشمس فضربت على منكبه، فقال: من هذا أكله الأسود؟ وكان كثيراً ما يقولها، فقالت: أنا ابنة مطعم الطير ومباري الريح. أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك لأعرض عليك نفسي. تزوجني. قال: قد فعلت، فرجعت إلى قومها فقالت قد تزوجني النبي (ص)، فقالوا بئس ما صنعت أنت امرأة غَيْرَى والنبي صاحب نساء تغارين عليه فيدعو الله عليك فاستقيليه نفسك، فرجعت فقالت: يا رسول الله أقلني، قال قد أقلتك. قال فتزوجها مسعود بن أوس. عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: كانت ليلى بنت الخطيم وهبت نفسها للنبي (ص) فقبلها وكانت تركب بغلتها ركوباً منكراً، وكانت سيئة الخلق فقالت لا والله لأجعلن محمداً لا يتزوج في هذا الحي من الأنصار، والله لآتينه ولأهبن نفسي له. فأتت النبي (ص) وهو قائم مع رجل من أصحابه، فما راعه إلا بها واضعة يدها عليه، فقال: من هذا أكله الأسد؟ فقالت: أنا ليلى بنت سيد قومها، قد وهبت نفسي لك. قال قد قبلتك ارجعي حتى يأتيك أمري، فأتت قومها، فقالوا: أنت امرأة ليس لك صبر على الضرائر، وقد أحلّ الله لرسوله ص أن ينكح ما شاء. فرجعت فقالت إن الله قد أحل لك النساء وأنا امرأة طويلة اللسان ولا صبر لي على الضرائر، واستقالته فقال رسول الله قد أقلتك.
8- أم هاني بنت أبي طالب: عن ابن عباس قال: خطب النبي ص إلى أبي طالب ابنته أم هانئ في الجاهلية، وخطبها هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، فتزوجها هبيرة. فقال النبي (ص) يا عم زوجت هبيرة وتركتني، فقال يا ابن أخي إنا قد صاهرنا اليكم والكريم يكافئ الكريم. ثم أسلمت ففرق الإسلام بينها وبين هبيرة، فخطبها رسول الله (ص) إلى نفسها، فقالت والله إن كنت لأحبك في الجاهلية فكيف في الإسلام، ولكني امرأة مصبية وأكره أن يؤذوك. فقال رسول الله: خير نساء ركبن المطايا نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده. عن أبي صالح مولى أم هانئ: قال خطب رسول الله أم هانئ بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله إني موتمة وبنيَّ صغار. قال فلما أدرك بنوها عرضت نفسها عليه، فقال أما الآن فلا، لأن الله أنزل عليه ريا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن إلى قوله اللاتي هاجرن معك" ولم تكن من المهاجرات. وقال غيره فولدت لهبيرة بن أبي وهب جعدة وعمراً ويوسف وهانئاً بني هبيرة.
9- ضباعة بنت عامر بن قرط بن مسلمة: عن ابن عباس قال: كانت ضباعة بنت عامر عند هوذة بن علي الحنفي، فهلك عنها فورثته مالاً كثيراً، فتزوجها عبد الله بن جدعان التيمي، وكان لا يولد له. فسألته الطلاق فطلقها، فتزوجها هشام بن المغيرة فولدت له سلمة، فكان من خيار المسلمين، فتوفي عنها هشام وكانت من أجمل نساء العرب وأعظمهن خلقاً، وكانت إذا جلست أخذت من الأرض شيئاً كثيراً، وكان يغطي جسدها بشعرها، فذكر جماله عند النبي (ص) فخطبها إلى ابنها سلمة بن هشام ابن المغيرة، فقال حتى استأمرها وقيل للنبي ص إنها قد كبرت، فأتاها ابنها فقال لها إن النبي (ص) خطبك اليّ، فقالت ما قلت له؟ قال: قلت حتى استأمرها، فقالت وفى النبي (ص) يُستأمر؟ ارجع فزوجه. فرجع الى النبي فسكت عنه.
10- صفية بنت بشامة: عن ابن عباس قال: خطب النبي ص صفية بنت بشامة بن نضلة العنبري، وكان أصابها سباء فخيرها رسول الله فقال إن شئت أنا وإن شئت زوجك، فقالت بل زوجي، فأرسلها فلعنتها بنو تميم.
11- أم شريك بنت غزية: عن علي بن الحسين: أن المرأة التي وهبت نفسها للنبي ص أم شريك امرأة من، وفي رواية عن عكرمة أنها المعنية في الآية: "وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين". وفي رواية عن منير بن عبد الله الدوسي: روهي التي وهبت نفسها للنبي وهي من الأزد، فعرضت نفسها على النبي (ص) وكانت جميلة وقد أسنّت فقالت إني أهب نفسي لك وأتصدق بها عليك، فقبلها النبي (ص). فقالت عائشة ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير. قالت أم شريك: فأنا تلك. فسماها الله "مؤمنة" فقال "وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي" فلما نزلت هذه الآية قالت عائشة: "إن الله ليسرع لك في هواك".
12- خولة بنت حكيم بن أمية: عن هاشم بن محمد عن أبيه قال: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي (ص) فأرجأها، وكانت تخدم النبي (ص) وتزوجها عثمان بن مظعون فمات عنها.
13- أُمامة بنت حمزة بن عبد المطلب: عن ابن عباس قال: أريد رسولَ الله على بنت حمزة فقال: إنها ابنة أخي من الرضاعة، وإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. فزوجها رسول الله سلمة بن أبي سلمة، فكان النبي يقول: رهل جزيت سلمة!".
14- خولة بنت الهذيل في رواية للشرقي بن القطامي تزوجها رسول الله فهلكت في الطريق قبل أن تصل إليه.
15- شرافة بنت خليفة: عن عبد الرحمن بن سابط قال: خطب رسول الله امرأة من كلب، فبعثت عائشة تنظر إليها فذهبت ثم رجعت فقال لها رسول الله: ما رأيت؟ فقالت ما رأيت طائلاً. فقال لها رسول الله: لقد رأيت طائلاً. لقد رأيت خالاً بخدها اقشعرت كل شعرة منك. فقالت يا رسول الله ما دونك سر. عن مجاهد قال: كان رسول الله ص إذا خطب فرُد لم يعد، فخطب امرأة فقالت استأمر أبي، فلقيت أباها فأذن لها، فلقيت رسول الله فقالت له، فقال رسول الله: قد التحفنا لحافاً غيرك.
قصة زواج محمد من زينب بنت جحش عند المفسرين
صار زواج محمد من زينب بنت جحش عند المفسرين القدامى مشكلة عويصة تحتاج إلى تبرير وتعليل لما انطوى عليه من حوادث غريبة لا تنسجم مع الآداب والأعراف التي جاء بها محمد للبشرية على ما يزعم المسلمون. ولكن قبل أن نذكر آراء المفسرين وحججهم لتأويل ما حدث وتبريره، يجدر بنا أن ننقل هنا ما سجله ابن سعد في طبقاته، والطبري في تاريخه:
"عن محمد بن يحيي بن حبّان قال: جاء رسول الله ص بيت زيد بن حارثة يطلبه، وكان زيد إنما يقال له زيد بن محمد، فربما فقده رسول الله ص الساعة فيقول: أين زيد؟ فجاء منزله يطلبه فلم يجده. وتقوم إليه زينب بنت جحش زوجته فُضلاً فأعرض رسول الله (ص) عنها فقالت: ليس هو هاهنا يا رسول الله فادخل بأبي أنت وأمي. فأبى رسول الله أن يدخل وإنما عجلت زينب أن تلبس لما قيل لها رسول الله (ص) على الباب، فوثبت عجلى فأعجبت رسول الله. فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يُفهم منه إلا ربما أعلن: سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب. فجاء زيد إلى منزله فأخبرته امرأته أن رسول الله أتى منزله. فقال زيد: ألا قلتِ له أن يدخل؟ قالت: قد عرضتُ ذلك عليه فأبى. قال: فسمعتِ شيئاً؟ قالت: سمعته حين ولى تكلم بكلام ولا أفهمه، وسمعته يقول سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب. فجاء زيد حتى أتى رسول الله فقال: يا رسول الله بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت؟ بأبي أنت وأمي يا رسول الله لعل زينب أعجبتك فأفارقها. فيقول رسول الله: أمسك عليك زوجك. فما استطاع زيد إليها سبيلاً بعد ذلك اليوم، فيأتي إلى رسول الله فيخبره، فيقول رسول الله: أمسك عليك زوجك، فيقول: يا رسول الله أفارقها. فيقول رسول الله: احبس عليك زوجك. ففارقها زيد واعتزلها وحلت، يعني انقضت عدتها. قال فبينا رسول الله جالس يتحدث مع عائشة، إلى أن أخذت رسول الله غشية فسُري عنه وهو يبتسم وهو يقول: من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله قد زوجنيها من السماء. وقلت: هي تفخر علينا بهذا. قالت عائشة: فخرجت سلمى خادم رسول الله (ص) تشتد فتحدثها بذلك، فأعطتها أوضاحاً عليها.
فكانت زينب تفخر على نساء النبي وتقول: "زوَّجكن أهلكن وزوَّجني الله من فوق سبع سموات". لقد أجمع المفسرون على أن هذا الحدث (أي ما دار بين محمد وزينب من جهة وبينه وبين زيد من جهة أخرى) سبب لنزول الآية التالية: "وإذ تقول للذي أنعم الله عليه: وأنعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله، وتخفي في نفسك ما الله مبديه، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه. فلما قضى زيد منها وطراً (5) زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً" (الأحزاب 33: 73).
لقد أدّى زواج محمد من زينب وهي زوجة ابنه زيد بالتبني إلى اتهامات ضد محمد، فقال المنافقون: "محمد يحرم نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه زيد" وفي رواية عن عبد الله بن عمر: "ما كنا ندعوه (أي زيداً) إلا زيد بن محمد". فاستلزمت هذه التهمة التي لم يوجهها المنافقون فقط إلى محمد نزول وحي آخر: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله وخاتم النبيين، وكان الله بكل شيء عليماً" (الأحزاب 33: 04). فقال عبد الله بن عمر: رما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزلت "ما كان أبا أحد من رجالكم".
تأويل الآية عند المفسرين المسلمين
يشرح المفسرون المسلمون الآية (33: 73) كما يلي: "اذكر يا محمد. إذ قلت لزيد امسك عليك زوجك واتق الله في أمرها فلا تطلقها ضراراً وتعللاً بتكبرها وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذكر رآها رسول الله فأعجبته وهي في حبال مولاه لألقى في نفس زيد كراهتها لما علم الله مما وقع في نفس نبيه ما وقع، فأراد فراقها، فذكر ذلك لرسول الله زيد، فقال له رسول الله (أمسك عليك زوجك) وهو (ص) يحب أن تكون قد بانت منه لتنكحها (واتق الله) وخف الله في الواجب له عليك في زوجتك.
وفي رواية عن وهب: قال ابن زيد: "كان النبي (ص) قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله ص يوماً يريده، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فانكشفت وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي (ص). فلما وقع ذلك كرهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي، قال: مالكَ، أرابك منها شيء؟ قال: لا، والله ما رابني منها شيء يا رسول الله، ولا رأيت إلا خيراً، فقال له رسول الله ص: (أمسك عليك زوجك واتق الله) فذلك قول الله تعالى (وإذ تقول للذي أنعم الله عليك وأنعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله، وتخفي في نفسك ما الله مبديه) تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها".
عن علي بن حسين قال: كان الله تبارك وتعالى أعلم نبيه ص أن زينب ستكون من أزواجه، فلما أتاه زيد يشكوها قال: "اتَّق الله وأمسك عليك زوجك" قال الله "وتخفي في نفسك ما الله مبديه". عن عائشة قالت: لو كتم رسول الله ص شيئاً مما أوحي إليه من كتاب الله لكتم "وتخفي في نفسك ما الله مبديه، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه".
قال الحسن: ما أنزلت عليه آية كانت أشد عليه منها، قوله "وتخفي ما نفسك ما الله مبديه" ولو كان نبي الله ص كاتماً شيئاً من الوحي لكتمها. "وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه" قال: خشي نبي الله ص مقالة الناس.
بين المفسرين القدامى يبقى ابن كثير الوحيد الذي يرفض أقدم الروايات الواردة عما حدث بين محمد وزينب، دون أن يلجأ إلى أي تعديل أو تبرير لذلك فيقول: "إن ابن جرير وابن أبي حاتم ذكرا أخباراً كثيرة في هذا الشأن نتركها هنا لأنها ليست بصحيحة". غير أن ابن كثير الذي يطعن في صحة تلك الأخبار زاعماً أنها غير صحيحة، لا يجد حرجاً في الاستشهاد برواية متأخرة تقول: "تخفي في نفسك ما الله مبديه" يعني: مع أن الله أخبرك يا محمد بأن زينب ستكون من أزواجك قلت لزيد: "أمسك عليك زوجك".
المشكلة الكبرى عند الرازي هي "خوف رسول الله" في قوله: "وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه". ولكن هذا ليس إشارةً إلى أن النبي خشي الناس ولم يخشَ الله، بل المعنى: الله أحق أن يخشاه وحده ولا تخشى أحداً معه وتخشى الناس أيضاً، فاجعل الخشية له وحده". ولا يَخفى على أحد أن تفسير الرازي هذا لم يكن معروفاً قبله، وأنه بلا شك من إنتاج خياله.
أما الزمخشري فيتناول جوانب أخرى في تحليله للقصة فيقول: وعن عائشة رضي الله عليها: لو كتم رسول الله ص شيئاً مما أُوحي إليه لكتم هذه الآية. فإن قلت: فماذا أراد الله منه أن يقوله حين قال له زيد أريد مفارقتها، وكان من الهجنة أن يقول له افعل فإني أريد نكاحها. قلت: كأن الذي أراد منه عز وجل أن يصمت عند ذلك، أو يقول له أنت أعلم بشأنك حتى لا يخالف سره في ذلك علانية، لأن الله يريد من الأنبياء تساوي الظاهر والباطن والتصلب في الأمور والتجاوب في الأحوال والاستمرار على طريقة مستتبة، كما جاء في حديث إرادة رسول الله (ص) قتل عبد الله بن أبي سرح واعتراض عثمان بشفاعته له أن عمر قال له: لقد كان عيني إلى عينك. هل تشير إليّ فأقتله؟ فقال إن الأنبياء لا تومض، ظاهرهم وباطنهم واحد. فإن قلت: كيف عاتبه الله في ستر ما استهجن التصريح به ولا يستهجن النبي التصريح بشيء إلا والشيء في نفسه مستهجن وقالة الناس لا تتعلق إلا بما يستقبح في العقول والعادات وماله لم يعاتبه في نفس الأمر ولم يأمره بقمع الشهوة وكف النفس عن أن تنازع إلى زينب وتتبعها، ولم يعصم نبيه ص عن تعلق الهجنة به وما يعرضه للقالة. قلت: كم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحي من إطلاع الناس عليه، وهو في نفسه مباح متسع وحلال مطلق لا مقال فيه ولا عيب عند الله. وربما كان الدخول في ذلك المباح سلماً إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين ويحل ثوابها. ولو لم يتحفظ منه لأطلق كثير من الناس فيه ألسنتهم إلا من أوتي فضلاً وعلماً وديناً ونظراً في حقائق الأمور ولبوبها دون قشورها. ألا ترى أنهم كانوا إذا طعموا في بيوت رسول الله (ص) مرتكزين في مجالسهم لا يريمون مستأنسين بالحديث وكان رسول الله (ص) يؤذيه قعودهم ويضيق صدره حديثهم والحياء يصده؟ ولو أبرز رسول الله ص مكنون ضميره وأمرهم أن ينتشروا لشقَّ عليهم ولكان بعض المقالة فهذا من ذاك القبيل، لأن طموح قلب الإنسان إلى بعض مشتهياته من امرأة أو غيرها غير موصوف بالقبح في العقل ولا في الشرع، لأنه ليس بفعل الإنسان ولا وجوده باختياره، وتناول المباح بالطريق الشرعي ليس بقبيح أيضاً وهو خطبة زينب ونكاحها من غير استنزال زيد عنها ولا طلب إليه، وهو أقرب منه من زر قميصه، أو يواسيه بمفارقتها مع قوة العلم بأن نفس زيد لم تكن من التعلق بها في شيء، بل كانت تجفو عنها ونفس رسول الله (ص) متعلقة بها، ولم يكن مستنكراً عندهم أن ينزل الرجل عن امرأته لصديقه ولا مستهجناً إذا نزل عنها أن ينكحها الآخر، فإن المهاجرين حين دخلوا المدينة آستهم الأنصار بكل شيء، حتى أن الرجل منهم إذا كانت له امرأتان نزل عن إحداهما وأنكحها المهاجر وإذا كان الأمر مباحاً من جميع جهاته ولم يكن فيه وجه من وجوه القباحة ولا مفسدة ولا مضرة بزيد ولا بأحد بل كان مستجرّاً مصالح، ناهيك بواحدة منها أن بنت عمة رسول الله أمنت الأيمة والضيعة ونالت الشرف وعادت، أما من أمهات المسلمين إلى ما ذكر الله عز وجل من المصلحة العامة في قوله لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً، فبالحري أن يعاتب الله رسوله حين كتمه وبالغ في كتمه بقوله "أمسك عليك زوجك واتق الله" وأن لا يرضى له إلا اتحاد الضمير والظاهر والثبات في مواطن الحق حتى يقتدي به المؤمنون فلا يستحيوا من المكافحة بالحق، وإن كان مراً".
لم يطرأ جديد على قائمة الحجج التي أتى بها الزمخشري، والرازي فنرى كيف يحاول الكتاب المسلمون بنفس الحجج والطرق تأويل هذه القصة بل الدفاع عنها. حيث يظنون أن في طياتها حكماً مكنونة، لم ينضج فهم البشر بَعْدُ لسبر غورها. ونلاحظ وجود تناسق غريب بين المتزمتين ممن يدعون بأصوليين وأصحاب الإصلاح ودعاة التقدم. فيتحدث محمد حسين هيكل بصدد "تفنيده" لمزاعم V.Vacca بشأن زينب في دائرة المعارف الإسلامية عن مفخرة من مفاخر محمد التي جعل منها المستشرقون والمبشرون قصة حبٍ. أما زينب بنت جحش وما أضفى المستشرقون والمبشرون عليها من أستار الخيال حتى جعلوها قصة غرام ووله، فالتاريخ الصحيح يحكم بأنها من مفاخر محمد، وأنه وهو المثل الكامل للإيمان قد طبق فيها حديثه الذي معناه: لا يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ويكفي لهدم كل القصة التي قرأت عنها من أساسها أنه هو الذي خطبها على زيد مولاه. هذا ولا يهمل العلامة هيكل أن يضيف: "كان بمقدورنا أن نجنِّبه هذه الأقوال جميعاً بقولنا: فلتكن صحيحة، فماذا فيها ما يطعن على عظمة محمد أو على نبوته ورسالته؟ إن القوانين التي تجري على الناس لا سلطان لها على العظماء، فأولى ألا يكون لها سلطان على المرسلين والأنبياء. ألم ير موسى خلافاً بين رجلين، هذا من شيعته وهذا من عدوه، فوكز الذي من عدوه وقضى عليه، وهذا قتل محرم! مخالف للقانون. مع ذلك لم يخضع موسى للقانون، ولم يطعن ذلك في نبوته ولا في رسالته ولم يطعن في عظمته. وشأن عيسى في مخالفة القانون أكبر من شأن موسى ومن شأن محمد ومن شأن الأنبياء المرسلين جميعاً. فليس يقف أمره عند بسطة في القوة أو الرغبة، بل خرج بمولده وبحياته على قوانين الطبيعة!".
فلنضع هذه المغالطات جانباً وندع المسلمين يبحثون عن العلاقة "القائمة" بين قتل موسى رجلاً غير مذنب من جهة، ومولد عيسى من العذراء من جهة أخرى، وما له بسبب يتصل بما حدث بين محمد وزينب. فالغرابة في الأمر هي أن يورد العلامة هيكل كحجة دامغة تزويج محمد زينب بزيد ليدحض دعوى الخصوم القائلة بأن الأمر قصة غرام ووله! - ولا نظن أن هيكل ليس له عهد بما ورد في المصادر الموثوق بها من أن النبي "وقع في قلبه بعد زواجها من زيد!". أما الصابوني فيستبعد علاقة غرام أو حب في هذا الزواج إذ "كيف يقدم إنسان امرأة لشخص وهي بكر حتى إذا تزوجها وصارت ثيباً رغب فيها؟" ويهاجم الصابوني من يسميهم المستشرقين والمبشرين الدساسين الذين ادعوا أن الله عاتب محمداً لما يخفيه في قلبه من رغبة في زينب. غير أن "تلك الافتراءات للمستشرقين والمبشرين" وردت في طبقات ابن سعد وتاريخ الطبري وتفسيره كما نقلت في الكتب المؤلفة بعدهما، وابن سعد والطبري لم يكونا من أعداء الإسلام ولا مستشرقين دساسين، ولم يعرفا أن محمداً تزوجها فقط لإلغاء وإبطال حكم التبني الحجة التي لم تكن معروفة في عهد الطبري.
ويوجد الآن بين المسلمين الأصوليين أو الكتّاب المسلمين الذين تحظى مؤلفاتهم بإعجاب الأصوليين من اكتشف في ميل النبي إلى النساء فضيلة أخرى له. إذ برهن النبي بذلك على أنه بشر بكل معنى الكلمة. إن هذه الحجة الحديثة التي عبرت عنها عائشة عبد الرحمن لأول مرة بصراحة يجب اعتبارها انتقاداً للكتّاب الذين يحاولون تبرئة الرسول من كل شعور بشري، فتقول تعليقاً على كلام محمد حسين هيكل في شأن زواج النبي من زينب (ولا يخفى على أحد استهزاؤها اللاذع به): رهل لي أن أقول بعد هذا إن "الدكتور هيكل" أخطأ من حيث أراد الدفاع عن الرسول؟ ذلك أنه بإنكاره ميل الرسول إلى زينب، ورفضه أن يكون ص تعلق بها، قد ألقى على المسألة ظلالاً من الريبة، توهم أن هذا التعلق خطأ لا يجوز على الرسول ومنقصة يجب أن ننزهه عنها. وما في الأمر شيء من ذلك قط، إنما هي البشرية تتعرض لما لا تملك دفعه من أهواء، فتتسامى وتترفع في نبل وعفة، ثم تأبى إلا المضي في الامتناع عما أحل الله دفعاً لمقالة الناس، ويأبى الله على رسوله ألا أن يُقدم على زواج كهذا أباحَه الشرع، وقضت به مصلحة عامة هي "ألا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً". ومصلحة أخرى خاصة "هي أن تأمن زينب - بنت عمة الرسول - الأيمة والضيعة، وتنال الشرف بأن تغدو من أمهات المؤمنين. ومن هنا كان عتاب الله لرسوله، حين كتم الأمر وبالغ في كتمه، والله لا يرضى له إلا اتحاد الضمير والظاهر، والثبات في مواطن الحق، حتى يقتدي به المؤمنون فلا يستحيوا من المكافحة بالحق وإن كان مراً".
زواج محمد من أمهات المؤمنين في الجدل الإسلامي المعاصر
من الطبيعي أن يتحير المسلم في أمره ويسأل نفسه كيف تزوج نبيُّه إحدى عشرة سيدة بينما يبيح القرآن تعدد الأزواج إلى أربع كأقصى حد، ويشترط في ذلك العدل الذي يستبعده أكثر الفقهاء والكتّاب خاصة في العصر الحاضر، ويطلب من كل مسلم أن يتخذ نبيه أسوة حسنة، فيتَّبع سنته الشريفة لا سيما في ميدان الزواج إذ روى عنه قوله: "النكاح من سنتي".
سألت فتاة مصرية في الستينات الشيخ محمود الغراب: "ما هي الحكمة في أن الله تعالى أباح للنبي عليه السلام التزوج بأكثر من أربع؟ إن عللنا ذلك بكثرة النسل فإنه لم يرزق من بعضهن بولد، وإن عللناه بأن الله أراد أن يمتعه (ولا مؤاخذة) قلنا إن مقام النبوة أرفع من ذلك. إني أعرف سبب زواجه بواحدة كانت زوج شخص تبناه إذ جاء ذكر زواجها في القرآن الكريم: "زوَّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم". وأما غيرها فلا أعرف سبب زواجه بهن وحكمته، وأنّى لمثلي أن تدركه، وهذا النوع من البحث لا يدركه إلا العلماء والباحثون، فلعلكم مجيبون ببيان وافٍ ولفضيلتكم عظيم احترامي".
يتحدث الشيخ محمود الغراب في مستهل جوابه عن مسألة كثر فيها الكلام وزلت فيها أقدام، فيقول: "كل عمل يصدر منه (محمد) لا يكون إلا عن حكمة علمناها أو عجزنا عن إدراكها. هذه المسألة يا سيدتي من خصوصياته عليه السلام، بمعنى أنه عليه السلام بعد أن شرَّع قصر الرجال على أربع من النساء كان يحل له التزوج من غير أن يتقيد بهذا العدد، ولكن يا سيدتي من تتبع أصل التشريع في ذلك يرى أن النبي كان مضيقاً عليه في هذا أكثر من أمته، ولم يكن له تشريع خاص لقصر التوسعة عليه في هذا الأمر". دعونا نقرأ أولاً الغراب وهو يشرح حجته الغريبة هذه:
"من المعلوم أنه قبل أن يشرع تحديد الزوجات بأربع كان يحل لكل رجل أن يجمع في عصمته من النساء ما شاء من العدد، لا فرق بين نبي وغيره، بل الكل كان في ذلك سواء. فلما جاء التشريع الخاص بالعدد أمر النبي من عنده زيادة على أربع أن يمسك أربعاً ويفارق الباقي، وشرع الطلاق وحل استبدال المرأة بغيرها، أما بالنسبة للنبي عليه السلام، فجاء التخيير من الله لزوجاته: "يا أيها النبي قُل لأزواجك إن كنتُن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً" فاخترن الطرف الثاني، فأُكرمن بأن اعتُبرن أمهات المؤمنين، وقصر عليه السلام عليهن فقط من بين نساء المؤمنين كزوجات، وحرم عليه طلاقهن ومنع استبدالهن بغيرهن، وفي ذلك تضييق شديد بالنسبة لما أُجيز لأمته، وفي ذلك يقول الله تعالى: ريا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن، وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك، وبنات عمك وبنات عماتك، وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي... لا يحل لك النساء من بعد، ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن، إلا ما ملكت يمينك".
نرى أن الشيخ محمود الغراب يخلط أموراً لا يمت بعضها لبعض بصلة. فبالنسبة لآية التخيير مثلاً فإنها لم تنزل قصراً على محمد وتحديداً لأزواجه، بل إنذاراً وتحذيراً لهن حتى لا يثقلن على رسول الله طلباً لعرض الدنيا. وبغض النظر عن أن الآية (33: 82-23) لا تشكل أي تدخل تشريعي في الحياة الزوجية لمحمد، فإن الشيح الغراب يجهل أو يتجاهل أن محمداً نكح زوجته الأخيرة في "عام الحج" أي بعد نزول هذه الآية بأعوام. فإن "قضاء محمد سنين شبابه مع الأرملة خديجة بجانب كون زوجاته ما عدا عائشة ثيبات من أقوى الحجج عند المسلمين المعاصرين على أن النساء لم يكنّ همّ الرسول الشاغل". ويتحدث الصابوني عن نقطتين هامتين لعبتا الدور الأساسي في زواج محمد من نسائه "تدفعان الشبهة عن النبي الكريم، وتلقمان الحجر لكل مفتر أثيم" وهما:
"أولاً: لم يعدد الرسول الكريم زوجاته إلا بعد بلوغه سن الشيخوخة، أي بعد أن جاوز من العمر الخمسين.
ثانياً: جميع زوجاته الطاهرات ثيبات أرامل، ما عدا السيدة عائشة فهي بكر، وهي الوحيدة من بين نسائه التي تزوجها وهي في حالة الصبا والبكارة. ومن هاتين النقطيتن ندرك - بكل بساطة - تفاهة هذه التهمة وبطلان ذلك الادعاء الذي ألصقه به المستشرقون الحاقدون".
فرغم أن العلماء المسلمين فخورون بأن "رسول الله" بشر حقيقي كما يظهر ذلك من حياته الزوجية فإنهم يقدمون لدى ذكرهم قصص زواجه من نسائه صورة لا تتوافق والواقع ولا طبيعة محمد البشرية؟ فإن سلمنا بما يكتبون في هذا السياق، وصدقنا الأسباب التي يسردونها تفسيراً لتعدد الزوجات في بيت النبوة، فإن زواجه من خديجة هو الوحيد الذي تم من نتيجة دوافع إنسانية. يدعون أنه لم يكن ليتزوج عائشة لو لم يكن أبوها أبو بكر عرضها عليه الأمر الذي يعني تحريف ما وصل إلينا من أقدم الروايات بهذا الشأن. ويعتقد الآخرون أن محمداً سعى من وراء زواجه بعائشة عقد علاقة قرابة بينه وبين أبي بكر: "لقد كانت مصاهرة الرسول للصدّيق أبي بكر أعظم منة ومكافأة له في هذه الحياة الدنيا، كما كانت خير وسيلة لنشر سننه المطهرة وفضائله الزوجية وأحكام شريعته، ولا سيما ما يتعلق منها بالنساء". تأسيس المصاهرة كان أيضاً سبب زواجه من حفصة بنت عمر حيث أراد أن يكافئ وزيره الآخر" (عمر).
أما ما يتعلق بزواجه بحفصة فقد أقدم عليه شفقة وخوفاً عليها من قومها. وأما تزوجه من زينب بنت خزيمة فكان مكافأة لخدماتها الخيرية للفقراء. لقد اتخذ محمد أم سلمة - في زعم الكتّاب المعاصرين - زوجة تقديراً لتفانيها من أجل أولادها ورأيها الحسن يوم الحديبية الخ. أما السر الكامن في زواجه بجويرية فكان رَغْبَتَه في إعتاق قومها حيث وقعوا في الأسر بعد فتح المسلمين حصونهم. فتزوجها لكي يكون مهرها إطلاق سراحهم، فكانت أعظم امرأة بركة على قومها. تنتمي صفية بنت حيي أيضاً إلى هذا الصنف من النساء اللاتي تم زواجه بهن لأسباب استراتيجية. يقول محمد رشيد رضا إنه تزوجها إشفاقاً من إذلالها وهي سيدة قومها: "فقال أهل الرأي من الصحابة: يا رسول الله إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك. فاستحسن رأيهم وأبى أن تذل هذه السيدة بالرق عند من تراه دونها، فاصطفاها وأعتقها وتزوجها، كراهة لرق مثلها في نسبها وقومها، ووصل سببه ببني إسرائيل، لعله يخفف مما كان من عداوتهم له.
أما أم حبيبة فتزوجها لكي يكافئ إيمانها.
يعترف محمد رشيد رضا أنه لم يعثر على أية حكمة تزوج محمد من أجلها بميمونة: "ولم أقف على سبب ولا حكمة لتزوجه بها، ولكن ورد أن عمه العباس رغَّبه فيها، وهي أخت زوجة لبابة الكبرى أم الفضل، وهو الذي عقد له عليها بإذنها". ولكن الحكمة في زواج محمد بميمونة التي لم يقف عليها محمد رشيد رضا لم تفت الصابوني: "ولا يخفَى ما في زواجه بها من البر وحسن الصلة وإكرام عشيرتها الذين آزروا الرسول ونصروه".
وأما ما يتعلق بالأَمَتين ماريا وريحانة فلا يخبرنا الكتّاب المسلمون بالأسباب ولا بالحِكَم التي أدَّت بزواج الرسول بهما.
إن ما يسميه الكتاب المسلمون في العصر الحاضر حِكَماً أو أسباباً في زواج محمد بنسائه، لخصها الصابوني في أربعة أبواب وهي:
أولاً: الحكمة التعليمية
لقد كانت الغاية الأساسية من تعدد زوجات الرسول ص هي تخريج بضع معلمات للنساء، يعلمنهن الأحكام الشرعية، فالنساء نصف المجتمع، وقد فُرض عليهن من التكاليف ما فرض على الرجال.
وقد كان الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النبي ص عن بعض الأمور الشرعية، وخاصة المتعلقة بهن. كأحكام الحيض، والنفاس، والجنابة، والأمور الزوجية، وغيرها من الأحكام، وقد كانت المرأة تغالب حياءها حينما تريد أن تسأل الرسول الكريم عن بعض هذه المسائل. ولقد صار من هؤلاء الزوجات معلمات ومحدثات، نقلن هديه عليه السلام واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء.
ثانياً: الحكمة التشريعية
ونتحدث الآن عن (الحكمة التشريعية) التي هي جزء من حكمة تعدد زوجات الرسول ص، وهذه الحكمة ظاهرة تدرك بكل بساطة، وهي أنها كانت من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة، ونضرب لذلك مثلاً (بدعة التبني).
وقد كان زيد (ابنه بالتبني) زوجه عليه السلام بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية، وقد عاشت معه مدة من الزمن، ولكنها لم تطل فقد ساءت العلاقات بينهما، فكانت تغلظ له القول، وترى أنها أشرف منه، لأنه كان عبداً مملوكاً قبل أن يتبناه الرسول، وهي ذات حسب ونسب.
ولحكمة يريدها الله تعالى طلق زيد زينب، فأمر الله رسوله أن يتزوجها ليبطل (بدعة التبني) ويقيم أسس الإسلام، ويأتي على الجاهلية من قواعدها. ولكنه عليه السلام كان يخشى من ألسنة المنافقين والفجار، أن يتكلموا فيه ويقولوا: تزوج محمد امرأة ابنه، فكان يتباطأ حتى نزل العتاب الشديد لرسول الله عليه السلام، في قوله جل وعلا: "وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه، فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً، وكان أمر الله مفعولاً" (الأحزاب 33: 73).
وهكذا كان هذا الزواج للتشريع، وكان بأمر الحكيم العليم، فسبحان من دقت حكمته أن تحيط بها العقول والأفهام وصدق الله روما أوتيتم من العلم إلا قليلاً".
ثالثاً: الحكمة الاجتماعية
أما الحكمة الثالثة فهي (الحكمة الاجتماعية) وهذه تظهر بوضوح في تزوج النبي ص بابنة الصديق الأكبر (أبي بكر) رضي الله عنه وزيره الأول، ثم بابنة وزيره الثاني الفاروق (عمر) رضي الله عنه وأرضاه، ثم باتصاله عليه السلام بقريش اتصال مصاهرة ونسب، وتزوجه العديد منهن، مما ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق، وجعل القلوب تلتف حوله، وتلتقي حول دعوته في إيمان وإكبار وإجلال.
ورابعاً: الحكمة السياسية
لقد تزوج النبي ببعض النسوة من أجل تأليف القلوب عليه وجمع القبائل حوله، فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة أو عشيرة تصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة، وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته. مثل زواجه بجويرية وصفية.
يمكن أن نقول في ختام هذا الباب أنه لا يوجد خلاف كبير بين الأصوليين والمسلمين المعتدلين ممن اشتهروا بالإصلاح والانفتاح أو العداء للتعصب، مثل محمد عبده ومحمد رشيد رضا، إذا تعلق الأمر بالحياة الزوجية لمحمد، فهم مجمعون على أن محمداً لم يتزوج واحدة من نسائه - ربما ما عدا خديجة - لدوافع أو نوازع إنسانية بل كان غرضه إما مكافأتهن أو حمايتهن من الأخطاء، أو لأسباب سياسية وتشريعية كما مرَّ عند الصابوني. ونلاحظ في محاولات الجانبين أن الرغبة في تصوير الأمور بشكل مثالي أقوى بكثير من الاهتمام بالموضوعية التاريخية.



#محمد_برازي (هاشتاغ)       Mohamed_Brazi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اوطاخي و هرطفته
- بالأفعال وليس بالأقوال
- بالأفعال وليس بالأقوال الجزء 2
- عبادة العذراء عند الكاثوليك و الأرثوذكس
- الطفل الماديّ
- شاشات الانعزال عند الاطفال
- شاشات الانعزال عند الاطفال الجزء 2
- شاشات الانعزال عند الاطفال الجزء 3
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 6
- توقعات الآباء الكبيرة
- أبوكريفون يوحنا او كتاب خفايا يوحنا
- شهوات الجسد
- الهرطقه الغنوصة والغنوصيَّة المسيحيّةَ
- العقائد الثابتة
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 5
- الإيمان
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 4
- الاسلام يعلم الكذب النفاق و القتل
- قوة الإيحاء الذاتي
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 3


المزيد.....




- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد برازي - معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 7