أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أيوب الوكيلي - البحث عن المعنى غاية الوجود الإنساني















المزيد.....

البحث عن المعنى غاية الوجود الإنساني


أيوب الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 6279 - 2019 / 7 / 3 - 17:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"ان ما يصنعه المرء هو نتيجة مباشرة لما يدور في فكره، فكما ينهض المرء على قدميه وينشط وينتج بدافع أفكاره، كذلك يمرض ويشقى بدافع من أفكاره" جيمس الين

يعد الوعي من الخصائص الأساسية التي تميز الوجود الإنساني، لأن الحياة الإنسانية تنتج فعالية ناجحة حينما تصنع من وجودها مشروع، يتحدى الأزمات والتحديات، الموجود الوحيد الذي يتجاوز واقعه وحدوده هو الإنسان بجبروته العظيم، قادر على أن يحول المستحيل ممكنا عن طريق الإرادة والحرية، التي تسهم في تعميق تجربة وخبرة الحياة في نفوسنا، بحيث أنه لا يشفي غليله البعد المادي، مهما حقق من متعة ولذة ورغبة فإنه يحس في بعض اللحظات بعدم الرضا والراحة، وهنا يأتي دور المعنى والقيم والفكر الذي تضفي جمالية وقوة على تجربة الحياة، لأن النظرة السطحية المادية للنفس البشرية، تعيق معنى الحياة من خلال مقارباتها الاختزالية، بيد أن الأمر ليس كذلك لأنه الإنسان يستطيع تجاوز حدوده ويخلق أبعاد ومعاني تتجاوز الجانب الغريزي الطبيعي. فهل الحياة الإنسانية تمتلك قوة وفعالية بدون معنى؟ لماذا يعتبر المعنى غاية جوهرية في الوجود الإنساني؟

الانسان يبحث في مجال الوعي و العقل، نظرا ليسعه دائم إلى معرفة ذاته والعالم الذي يحيط به لهذا نجد لذة في فهم أنفسنا ومعرفة الأليات التي تتحكم فيها، لكن العائق الأساسي أمام هذا التفرد والحرية يكمن في أننا نعيش داخل المجتمع والثقافة التي تسعى دائما لتأطيرنا وفق نماذج و برامج محددة، تتوافق مع النماذج و الأنماط الثقافية السائد في المجتمع والتي تعزز فكرة السيطرة والهيمنة.

لهذا نجد كل إنسان يغار ويواجه ويدافع عن حريته باعتبارها جوهر الحياة الإنسانية، نحن في حاجة إلى الوعي والانتباه لكل الأنشطة التي تحجب عن نفوسنا القدرة على الوعي والكشف عن المعاني العميقة في الحياة، لأن مسودة الإنسان لا تكتمل وتنموا وتنضج الإ من خلال المعرفة والقراءة وتمثل ما نقرأ بشكل دوري حتى يدخل في برمجتنا ومخيلتنا في التجربة الذاتية.
توجد في الإنسان حالات ومعاني لا يستطيع العلم التعبير عنها، لأنها تتجاوز البعد المادي المحسوس، حيث يصعب على أي عقل مادي أن يفهم كنهها وجوهرها، الشعور بالغير و الضمير و التضحية والإحساس بالأخر، كل هذه التصرفات وغيرها تعكس تجربة إنسانية عميقة، كما يقر العالم النفس فيكتور فرانكل، في كتابه الشهير "الإنسان يبحث عن معنى" حيث يقدم رؤية جديد في علاج الزمات النفسية، أطلق عليه اسم العلاج بالمعنى خصوصا بعد تجربة السجن التي مر بها في المعتقل النازي لعدة عقود ساهمت في إنماء شخصيته وتطويرها، حيث يرى في الوجود الإنساني أبعاد متنوعة ومتعدد، يتبنى منظورا في فهم النفس البشرية مفاده أن الإنسان يمتلك طبقات من المعاني الوجودية والتواصلي، لأن المعنى هو جوهر الحياة الإنسانية بدون معاني لن يكون هناك أي مجال للخبرة الإنسانية والجمالية.

لهذا فكل رؤية للإنسان تحمل في طياتها خلفية فلسفية وجودية، إذ من النادر أن تجد الفلاسفة يتكلمون عن حتمية السلوك البشري، بيد أن العلم المعاصر يحاول رصد هذه الزاوية، من أجل التقليص من مجال الحرية الإنسانية، فالإنسان طبقات من المعنى والإمكانات المتاحة لصنع المستقبل، رغم النتائج التي توصلت إليها النظريات التي تتبنى المنظور الحتمي مثل السلوكية والتحليل النفسي، حيث يخضع الأفراد لجملة من الاشتراطات والاستجابات فإن بمقدور الإنسان تجاوز هذا النوع من التحديات، إذا تمكن من أن يحول المعاناة إلى خبرة وشغف نحو طموح أو هدف إنساني عميق.

لذلك لم يقتصر فرانكل في دراسة النفس الانسانية على المنظور الأحادي والاختزالي كما تصور فرويد الذي اعتقد أن مجمل العقد النفسية هي جنسية المنشأ، غير أن فيكتور يتحدث عن عصاب المعنى، حيث كشف الستار عن بعض المعاني العميقة في الوجود الإنساني مصدرها المعاناة والتحديات التي قد يعيشها شخص، في الكثير من الأحيان تكون المعاناة مصدرا للإلهام والنجاح إذا عرفنا كيفية التحكم في هذه المعاني، حيث أننا حين نعجز عن تغييرِ موقف فنحن أمام تحد لتغييرِ تصوراتنا وأفكارنا تجاه ما يحصل لنا، لا يوجد شيء في الدنيا يمكن أن يساعد الإنسان بفاعلية على البقاء حتى في أسوأ الظروف مثل معرفته بأن هناك معنى في حياته، لأن المعاني تنتج حالة من التفاؤل والأمل رغم كل الصعوبات والمواقف التي نسقط فيها.

لأن المعنى نختبره مع تطور تجربة الحياة، ليس شيئا قار بل ينمو ويتطور مع الوقت، التحدي الحقيقي يتجلى في تجاوز الهوية المزيفة والبحث عن الذات الحقيقة التي نختبرها عبر التواصل والحوار وإمعان النظر في المحيط و تحفيز الدماغ على رفض كل الأوهام المزيفة التي تلقيناها على أنها حقائق ثابتة في الذهن. لهذا يجب أن نقرر من نكون من خلال المعاني والقيم التي نؤمن بها في الحياة، لذا فإن وضع السؤال والنقد والمناقشة يساهم في تطوير المعنى داخل الحياة، و في نهاية المطاف، ينبغي على المرء ألا يسأل عن معنى حياته ، بل لا بد له من الاعتراف بأنه هو من يصنع المعاني، لهذا فإن اليأس هو معاناه بدون معنى الشيء الذين يجعلنا نقف عن الأحلام والطموحاتالتي نسعى إلى تحقيقها.

لذلك فإن وجود المعاناة بدون معنى أو دلالة، هذا الأمر يحطم الإنسان، ويصبح عاجزا أمام تحديات الواقع، لكن تحمل المعاناة يأتي نتيجة اكتشاف معنى لهذه الحياة رغم تعاستها ومشاكلها، وهذا ما يفسر صبر الكثير من الناس على وضعيات لا يطيقها أحد، ومن زاوية أخرى يوجد الكثير من المبدعين الذين حولوا المعاناة إلى مصدر للإبداع والقوة، في جميع مجالات الإبداع الإنساني، تمكنوا من مواجهة التحديات والصعوبات، وهذه القوة هي سر تعاطفنا مع الأفراد الذين يحققون نجاحات رغم الظروف الصعبة التي يمرون بها، لأننا نعرف إنسانيتنا حين نتجاوز الحدود والقيود التي نسقط فيها، حين نتجاوز المستحيل والصعب، وهذا ما يسميه اريك فروم الانفصال عن الذات المزيفة، فالإنسان ليس حيوان ولا آلة بل هو إنسان وفقط، الكائن الوحيد الذي يحاول فهم نفسه بشكل مستمر ومتجدد.

إن الحديث عن قوة الإنسان تكمن في قدرته على تجاوز الحدود والصعاب التي يسقط فيها، لأن الإرادة الانسانية أقوى من كل القيود والحواجز التي قد تقف أمام الاختبار، ولعل التاريخ الإنساني زاخر بهذه النماذج التي تلغي الشك والريب في نفوس اولاك الذي يدعون أن الإنسان محكوم في دائرة محدودة ليس بمستطاعه تجاوزها، فالإنسان أقوى من الأقدار، لأنه يستطيع مواجهتها وتجاوزها، وإذا نظرنا للأشخاص الذين يخلدهم التاريخ سنجد عامل مشترك بينهم يتجلى في قدرتهم على تجاوز التحديات والصعاب و مواجهة القدر بنوع من الشجاعة والفعالية شجاعة، كما قال توماس كارولاين "لن تبدأ النجمة الخالدة بالتألق إلا مع اشتداد الظلمة" و قوله أيضا "فلتذهب إلى أقصى مدى يمكنك رؤيته، وعندما تصل إلى هناك فسوف يكون بإمكانك الرؤية لمدى أبعد".

لهذا السبب يوجد فرق كبير بين من يعيش تجربة الحكمة في حياته ويخبر بعض التجارب التي تعمق انسانيته، وبين من يدعون الحكمة والذكاء بيد أنهم منها براء، مثل براءة الذئب من دم يوسف، وهذا ما تعاني منه الإنسانية اليوم حيث لم يعد الاستماع لصوت العقل المحدد الأساسي لمعظم تصرفاتنا، بل أضحى الجميع يسعى إلى المعرفة لكن نادرا ما نستفيد من هذه المعارف نتيجة للأنماط الثقافية التي تعودنا عليها، الكل يعرف أن التدخين عادة سلبية مدمرة لصحة، غير أننا نجد أن أكثر من مليار مدخن في العالم، وهذا الأمر جاء نتيجة لسوء استخدام المعرفة والعلم، إذن نحن في حاجة إلى بناء معرفة تقودنا نحو النجاح المهني والمعرفي، بيد أننا نعيش في الثقافة العربية نوع من الاستخفاف وتبذير الوقت الذي يحرمنا من فهم الأشياء بعمق وإمعان النظر في الظواهر بشكل يجعلنا قادرين على تخصيب التجربة المعيشة وتقديم الخدمة والمساعدة للذات الناس.



#أيوب_الوكيلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تؤثر وسائل الإتصال الحديثة على عقولنا؟
- الفكرة... بداية الابداع
- المفاتيح العشر لتربية الناجحة
- العبقرية والابداع
- الذكاء العاطفي
- كيف نكتسب عادة القراءة؟
- هل تقتل المدارس الإبداع؟
- هل أنا ما أعيه؟
- كيف يساهم الأدب في تنمية إنسانيتنا؟
- تغيير السلوك من منظور علم الأعصاب
- كيف اللعب وسيلة للتعلم والإبداع؟
- نماذج الألعاب النفسية
- نظرية الألعاب النفسية-علم تحليل المعاملات-
- قوة الكلمة


المزيد.....




- هل نقل طائرات أمريكية إلى أوروبا يُعتبر تمهيدا لضربة ضدّ إير ...
- نوع من القهوة يزيد من خطر الإصابة بالتنكس البقعي لدى كبار ال ...
- التقاط أدق صورة لمجرة -معمل النحات- بتدرجات ألوان مذهلة!
- كيف تؤثر الأطعمة الحارة على فقدان الوزن؟
- المغرب يستقبل 7.2 ملايين سائح حتى نهاية مايو بزيادة 22%
- بوتين: لدينا خبراء في بوشهر وإيران لم تطلب دعمنا العسكري
- فيديو: إيران تطلق دفعة جديدة من الصواريخ على إسرائيل
- -أي بي سي نيوز-: ترامب يفكر في ضرب منشأة -فوردو- النووية
- كوريا الشمالية: هجمات إسرائيل على إيران -جريمة لا تغتفر-
- أميركا تنقل أصولا عسكرية في الشرق الأوسط تحسبا لهجوم إيراني ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أيوب الوكيلي - البحث عن المعنى غاية الوجود الإنساني