أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أيوب الوكيلي - هل أنا ما أعيه؟















المزيد.....

هل أنا ما أعيه؟


أيوب الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 6244 - 2019 / 5 / 29 - 18:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هذا السؤال كان لدي معه أول لقاء في قاعة الامتحانات، إذ أن أستاذ الفلسفة قد طرح علينا هذا السؤال في مادة تحمل اسم السؤال الفلسفي، لكنني وجدت هذا السؤال يعيد نفسه من زوايا جديدة ومنظورات تطورت ليد، بحكم التراكم المعرفي و التأملي. البداية كانت لدى الجميع متجلية في الإدراك المادي للعالم الخارجي، ثم انتقلنا إلى مرحلة الاندماج وتشكل الذات وفق النمط الاجتماعي والأسري والثقافي، طبعا لم نختر لأنفسنا النموذج الذي نريد العيش فيه، بلغة هايدجر ثم قدفنا في هذا الوجود. لكننا بدأنا بتشكيل مفهوم الذات، أي الأنا الواعية بذاتها والمدركة لتميزها عن الأغيار من البشر والأشياء المادية. بيد أن المشكل يتجلى في طبيعة هذا الوعي في حد ذاته، فهل نحن من نختار وعينا بمحض إرادتنا أم أن هناك دوافع وعوامل خارج الذات تعمل على تشكيل الوعي؟ وهل نختار طبيعة الوعي بشكل أحر أم أننا خاضعين لشروط وإكراهات خارجية؟ وما هو الوعي: هل صورة ذهنية ثابتة حول الذات أم سيرورة من التحولات والتغيرات تتميز بالديمومة؟ وإلى أي حد نحن أحرار في اختيار طبيعة الوعي؟

إن الحقيقة المباشر التي أقر بها الفلاسفة من القدم، صرحت أن الانسان كائن عاقل ومدرك، الشيء الذي دفع هذا النوع إلى التساؤل حول ذاته، إذ لم يقتصر تطلعه على معرفة قوانين الطبيعة والسيطرة عليها بل جعل من نفسه موضوعا للمعرفة، وهذا ما صرح به الجاحظ في قوله" اشكل الانسان على الانسان" أي أنه جعل من ذاته موضوعا للمساءلة والنقد، والانطلاق من الذات كموضوع للبحث والفهم، هذا من زاوية الإقرار بأهمية الموضوع، أما على المستوى التأملي فإن قضية الوعي تجد جدورها مع سقراط في قولته الشهيرة" يا أيه الانسان اعرف نفسك بنفسك" جملة صريحة ودعوة واضحة إلى معرفة الذات والتطلع إليها والسعي لتعميق النظر في دلالاتها ومضمونها والعوامل التي تعمل على تبلورها، بذلك يتبين التباس هذا المفهوم واستشكال فهمه بالطريقة التقليدية، فمن أنا إذن؟ طبعا أنا شيء يفكر ويدرك ويفهم ويعقل العالم.

هذه الصفات قاصرة عن تقديم صورة حقيقية حول الذات فأنا دائم التحول بقدر ما أتعلم أزداد اطلاعا وتأملا وحكمة، هذه الرؤية تخفي حقيقة أقرها العلم، أننا لا نمتلك قدرة على الوعي إلا من خلال اللغة التي نتعلمها داخل المجتمع، وبالتالي نحن رهن للمجتمع وتربيته وأحكامه وقيمه، ولعل هذا هو الدافع الأساسي الذي جعل ديكارت في البداية يرفض كل القيم والمعارف التي تلقاها من الحس المشترك، وكذلك المعارف التاريخية والأدبية، لأنها لا تحمل صدقها في ذاتها بل هي صورة عن النمط المجتمعي، إذن علينا أن نمسح الطاولة أي العقل من كل هاته الأوهام والخرافات والأفكار الغير متناسق حول الذات.

هذه خطوة جيد لكن كيف السبيل الى معرفة الذات وتحقيق الوعي الحقيقي إن شئنا القول، بدل الوعي المزيف الذي يتصف بالنقص والتحريف والتشويه، طبعا الإجابة التي قدمها ديكارت تتجلى بداية في الشك في كل المعارف والمعلومات التي تلقيناها منذ نعومة أظفارنا لأنها سوف تلعب دورا سلبيا في تشكل الذات. والبحث عن منهج عقلي صارم و منطقي نسقط عليه الكل المعارف والمناهج، ولن نجد أفضل من المنهج الاستنباطي الذي يتأسس على أربعة قواعد صارمة ومنضبطة لكشف الحقيقة(الاربعة 1البداهة2التحليل3 التركيب4 الاحصاء).
إن لهذه الاجابة التي وضعها ديكارت مقبولية، من الزاوية العقلية لكن كيف نفسر طبيعة الأفكار والصور الذهنية التي نرى بها أنفسنا، هل فعلا أنا أي هذه الصفة موجودة بشكل ثابت أم أنا مجرد وهم مزيف؟ هذا السؤال يفتحنا على مداخل متنوعة للمفهوم، والمنطلق سيكون من الزاوية السيكولوجية خصوصا بعد الإهانة التي قدمها التحليل النفسي لنظرية الوعي، حيث أكد فرويد أن المحدد الأساسي لشخصية الإنسان هو اللاشعور باعتباره حالة خفية يتم الكشف عنها بواسطة اليات التحليل النفسي.

عندما أختار فعل شيء معين ، في معظم الأحيان لا يتحكم العقل في أفعالنا وتصرفاتنا بالمعنى الإرادي القائم على الاختيار الحر في السلوك والممارسة بل إن ما يحدد الفعل منطلقات خارج منطقة الوعي، مما يجعلنا نتساءل عن طبيعة الحرية التي نمتلك تجاه أفعالنا، طبعا يمر طرح هذه القضية من منظور نفسي يطغى عليه جانب الاستبطان.

أين الحرية إذن؟ أين هو الوعي؟ الذات الحقيقية ليست كل هذه الأشياء بل تتجاوزها إلى مستوى الأفق المطلق بحثا عن مصدر للذات، لأن كل من يتمركز حول ذاته يفنى وينتهي، لأن الرؤية الوجودية التي يحملها سوف تنسى الوجود، فالعقل ليس الفضاء الوحيد الذي يتصارع مع الذات بل هناك ثقوب سوداء في الذات تبحث لنفسها عن مخرج، الطمع والجشع والانانية والقلق من المستقبل.

الأنا ليست سوى وهم فالكينونة الجوهرية تتجاوز المظهر والشكل والمجالات إنها نور قد يتجلى في شمعة أو مصباح أو في الشمس، ويبقى الشعاع مقتبسا من مصدر واحد. واهم من يعتقد أن الوعي مسألة بسيط بل إنها قدرة غير محدودة على مراجعة الذات والتعلم والتقليل من إصدار الاحكام عن الاخرين، ومراجعة نقدية لكل ما نقوله وما نظن أنه جزء جوهري في الأنا، على مستوى تداول الأفكار والمنظورات التي توجه أفعالي ليست خارج دائرة الوعي، إنما تحقق بالممارسة والتعلم والاعتماد على الذات بالكدح والعمل، لكن يبقى الحال على نفسه، إذا لم نولد من جديد كما قال السيد المسيح، بالمعنى المعرفي والأخلاقي أي تصبح شخصا أخر، ولعل هذا ما الدفع سارتر إلى تعريف الذات بكونها ذلك الكيان الغير قابل لتعريف، ذلك أنها تصنع نفسها بشكل متجدد وغير منقطع، فالإنسان عبارة عن مشروع غير محدود.

كما أن الوعي الإنساني هو عبارة عن سيرورة غير منقطعة الحدود، أن توجد معناه أن تمتلك وعيا، نقديا يراجع نفسه بشكل مستمر وبلا انقطاع، ولعل أرقى مراتب الوعي هي التمكن من القدرة على التحليل و التأويل و النقد، أي امتلاك حالة اليقظة الذهنية، بدل الخمول والكسل الذي يقتل روح الإنسانية فلولا هاته الطاقة العقلية المتدفقة في حالة الوعي لما سعينا نحو التغيير والطموح نحو الأفضل والأحسن.

لكن بالقدر الذي نعرف به ونتعلم منه نزداد قدرة على تقليص رقعة الجهل التي نقبع داخلها، الخيبة الحقيقة للوعي تتجلى في أن نظل مزيفين مغمورين بالأوهام، المنتشرة على كل المستويات، فالكل يريد سلبنا هذه الذات الحقيقية وإقناعنا بنقيضها من أجل الاستهلاك أو التنميط والإتباع أو المصلحة، فالوعي شرطه الأساسي التنوع والتعدد فكل تنميط هو قتل لكل أشكال الحياة في النفس، فطالما نوجد على أشكال مختلفة في المظهر الخارجي فالأمر نفسه يصدق على حالة الوعي المستقل والمتميز، الوعي هو الصفة التي تميزنا عن باقي الكائنات الاخرى، بمعنى أخر حين نفقد القدرة على الوعي بالذات ومراجعة أفعالنا وتجاوزها نفقد إنسانيتنا.

نحن اليوم في حاجة الى التشبث بالقيم الفلسفية، التي تدعونا دائما إلى مراجعة الذات، و امتلاك حس الاندهاش تجاه كل الأشياء والموضوعات، والأجدر أن نجعل من أنفسنا موضوعا لدهشة حتى نكون جديرين بامتلاك صفة الإنسانية، لأنها ليست شيء معطى بل يتم بناؤها وسقلها بالتعلم والحوار والتواصل، فكل ذات هي عالم ممكن لتحقق يتطلب منا البحث والاستكشاف الدائم والمتجدد، لهذا تدعونا الفلسفة دائما إلى التساؤل والدهشة ووضع مسافة بيننا وبين العالم، أو كما سماه ديكارت تعليق الحكم على الأشياء إلى مرحلة نتمكن فيها من استجماع كل المعارف التي نريد تسليط الضوء عليها..



#أيوب_الوكيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يساهم الأدب في تنمية إنسانيتنا؟
- تغيير السلوك من منظور علم الأعصاب
- كيف اللعب وسيلة للتعلم والإبداع؟
- نماذج الألعاب النفسية
- نظرية الألعاب النفسية-علم تحليل المعاملات-
- قوة الكلمة


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أيوب الوكيلي - هل أنا ما أعيه؟