أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال الصالح - مجتمع الذئاب














المزيد.....

مجتمع الذئاب


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 6279 - 2019 / 7 / 3 - 12:01
المحور: حقوق الانسان
    


مجتمع الذئاب

عرفته منذ أعوام طوال. كان في زمن الاشتراكية موظفا في وزارة الزراعة ومسؤولا عن زراعة العنب وصنع النبيذ في منطقة غير بعيدة عن عاصمة سلوفاكيا. بعد سقوط النظام الاشتراكي وبدء خصخصة المصانع والمؤسسات الوطنية، أحيل إليه مركزا صغيرا للعلاج الطبيعي والذي يقع في غابة قرب المدينة التي كان يعمل فيها. المركز اقامته الحكومة الاشتراكية لعلاج كبيري السن والمتقاعدين مجانا.
اخذ صديقي سلفة من البنك وقام بترميم المركز وإدخال تحسينات عليه وشراء آلات جديدة. كنت أزوره في المركز بين الحين والأخر وكنت الاحظ علامات التعب على وجهه، وكان يحدثني عن ندرة العمالة الأمينة ويشكوا من السرقات التي كان يقوم بها بعض الموظفين. كان يزورني في بيتي بين الحين والأخر ليشرب القهوة العربية بالهال، وكان يقول لي أن القهوة العربية تزيل عن كاهله التعب وتغسل همومه ومشاكله التي باتت تثقل كاهله.
مر على استلامه المركز أكثر من عشرين عاما حين قرر بيعه، فلم يعد يملك القوة والجلد على الاستمرار في عمله بسبب المشاكل والتعقيدات التي كانت تواجهه من قبل مؤسسة التأمين من جهة وعدم إمكانية الحصول عل عمالة مختصة وامينة من جهة أخرى. فلقد كانت السرقات تزداد ولم تحل المسألة بتغيير الموظفين، فالموظفون الجدد قاموا بالسرقة كالذين سبقوهم وبحنكة وذكاء أكثر من الذين سبقوهم. حاولت ان أقنعه بعدم البيع ولكنه كان مصمما، خاصة وان شركة معروفة عرضت عليه شراء المركز بسعر مغري. وهكذا حدث وعقدت اتفاقية البيع والشراء وشعر بأن حملا ثقيلا قد أزيل عن كاهله. ولكن شعوره هذا لم يدم طويلا، حيث أن المشتري لم يدفع الثمن المتفق عليه واكتشف أن عملية الشراء كانت خدعة وأن صاحب الشركة الحقيقي هو أحد كبار المسؤولين.
رفع على الشركة دعوى حقوقية امام المحكمة وعين محاميا وصفه بعض الأصدقاء بأنه جيد وجريء. مرت الأيام وامتص المحامي أخر فلس في جيب صديقي ولم يأت باي نتيجة وشعر صديقي أنه قد وقع في مصيدة عصابة يرأسها مسؤول ويحيط به عدد من المسؤولين ومن بينهم محاميه. باع صديقي سيارته وكل ثمين يملكه. تركته زوجته وتركت ابنهما معه وتزوجت غيره ثم طلقته وتزوجت غيره أكثر مالا وأعلى مركزا.
بدأت زيارات صديقي لي تقل، فلم تكن لديه سيارة وأخذ يستعمل الحافلة في تنقله وأنا أسكن في قرية خارج العاصمة ولم تكن صحتي تساعدني على زيارته. ولكنه لم ينقطع عن الاتصال بي هاتفيا وكنت أشعر أنه في ورطة مالية لم أعرف حدودها وحالة نفسية مضطربة شعرت أنها تأكله حيا. وفجأة انقطع عن زيارتي وكان يهاتفني بين الحين والآخر ليعتذر عن عدم زيارتي وكنت أشعر أن الأسباب التي كان يطرحها واهية ومختلقة. ثم انقطع عن مهاتفتي وكنت حين أهاتفه اسمع صوتا مسجلا بأن الهاتف المطلوب لا يعمل.
طالت مدة غيابة وتجاوزت الستة أشهر وفي يوم هاتفني وسألني إن كان يستطيع زيارتي، فرحبت به. عندما فتحت الباب وقابلته، كدت ألا أعرفه، فلقد كان شاحب الوجه كالمومياء. رحبت به وأدخلته غرفة الجلوس فطلب مني أن أقدم له القهوة العربية، ففعلت. ارتشف قليلا من القهوة وقال، كنت محتاجا لها. داعبته قائلا، القهوة كانت في انتظارك ولكنك لم تأت فلا أدري ما السبب، أهي مقاطعة أم أنك لا تملك يورو أجرة الباص. وضع فنجان القهوة على الصينية واصفر وجهه وأخذت الدموع تنهمر من عيونه فغطى وجهه بيديه وأخذ يشهق. حاولت تهدئته واعتذرت عن قولي فلقد كان مزاحا. ولكنه وبكلمات متقطعة ممزوجة بالشهيق أخبرني أنه لم يزورني لأنه فعلا لا يملك يورو، أجرة الباص وانه اضطر ليستلف يورو من ابنه حتى يستطيع زيارتي.
صعقت من قوله وبقيت صامتا وطلبت منه احتساء القهوة واننا سنتحدث بعد ذلك. عندما كنا نتحدث، لاحظت ورما ضخما في فخده يكاد يمزق سروالة وعندما طلبت الكشف عنه وجدت ورما دهنيا بحجم كرة القدم. وعندما سألته عن رأي الأطباء، أخبرني بأنه في حاجة لعملية جراحية لإزالة الورم ولكن مؤسسة التأمين رفضت رفضا قاطعا تمويل العملية لأنه لم يقم منذ أشهر بتسديد أقساط التأمين، ورفض الجراح إجراء العملية بدون تعهد التأمين بدفع الأتعاب بما فيها ثمن الجراحة والإقامة في المستشفى.
لم أصدق ما أسمع، فلقد تعودنا أيام الاشتراكية على مجانية كل ما يتعلق بالعلاج والجراحة والإقامة في المستشفى إلى ثمن الدواء وكل ما يلزم للعلاج. وعدته أن أحاول الاتصال بأصدقائي الأطباء لعلنا نجد حلا لمشكلته. ثم قام يودعني فطلبت منه الانتظار لحظة. ذهبت إلى غرفة النوم وبحثت في محفظتي فوجدت فيها مئة يورو يتيمة فأخذتها وعند توديعه وضعتها في يده. حاول التملص من أخذها ولكنني ضغطت على يده، فشكرني والدمع ينهمر من عينيه ورحل. وقفت طويلا سائحا في أفكاري وتساءلت في أي عالم نعيش، وانتهيت إلى حقيقة مرة، أننا نعيش في عالم الذئاب المتوحشة.



#نضال_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العصر الإسرائيلي
- السؤال الذي لم أجد له جوابا.
- الإنسانية في النظام الاشتراكي مقابل النظام الرأسمالي، تجربة ...
- رسالة إلى الله
- كيف عادت كاتكا من الموت
- اللص الفاشل
- خلافة إسلامية ام قبلية عصبية وصراعا على الملك والسلطان
- الديموقراطية الأوربية ماتت ودفنت
- التوراة : الخيال الأدبي في خدمة اللاهوت والسياسة
- الدولة تأكل أولادها، من علامات النزع الأخير للنظام الاشتراكي
- الأعراض المرضية السعودية
- علم بصمة النص وإمكانية تطبيقه على النص القرآني:
- مهمة فاشلة
- المسلمون في أوروبا
- لماذا انقطعت عن الكتابة
- الجد و الحفيد
- حرق القرآن الكريم
- السياسة بين النظرية والتطبيق
- داعش وأخواتها لم تأتيا من فراغ, بل هما نتاج فكر مزروع في وعي ...
- فتوى الإنقاذ


المزيد.....




- مسؤولون في الأمم المتحدة يحذرون من مخاطر ظهور جبهة جديدة في ...
- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال الصالح - مجتمع الذئاب