أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - طاووسُ الشرقِ الساحر














المزيد.....

طاووسُ الشرقِ الساحر


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6265 - 2019 / 6 / 19 - 11:23
المحور: الادب والفن
    




قبل أعوام دقَّ هاتفي من رقم فرنسي. وهالني أن أسمع صوت الموسيقار "محمد عبد الوهاب"، بنبرته العميقة الرصين، يقول: “بونسوار فاطمة هانم!" انتفضتُ وخفقَ قلبي بعنف، وأنا أسمعُ الصوتَ الذي لا تُخطئه أُذنٌ تربّتْ وكبرت على موسيقى عبد الوهاب وأغانيه! هل يهاتفني ذلك الشاهقُ من العالم الآخر؟! أم أنّ في كوكبنا حنجرتين ثمينتين تحملان تلك النبرةَ الفريدة التي لا تُشبه إلا نفسها؟! ارتبكت الكلماتُ على لساني ولم أدرِ بمَ أجيبُ. فصمتُّ. والصمتُ، كما تعلمون، في حرم الجمالِ جمالٌ! استأنف الصوتُ قائلا: "أشكركِ على المقالات الجميلة عن أبي. كلماتك تدلُّ على أنكِ من دراويشه!” وذيّلَ كلامه بضحكة الموسيقار الشهيرة. هنا أدركتُ أن الچينومَ البشريَّ أحيانًا يكون كريمًا؛ فيمنحُنا جزءًا مما فقدنا، حين يكون المفقودُ هائلاً، لا يُعوَّض. كان المتحدثُ هو المهندس المعماري "محمد محمد عبد الوهاب"، نجلُ الموسيقار الكبير، الذي يعيش في مدينة "كان" الفرنسية.
في ألمانيا التي تعرفُ قيمةَ الموسيقى، أطلقوا لقب "هرم" على ثلاثة من عباقرة الموسيقى الألمان، تبدأ أسماؤهم بحرف B هم: (بيتهوفن- باخ- برامز) (Three B Pyramids). وإن كان الألمان قد استعاروا منّا رمزية (الهرم)، فنحن أولى أن نطلق لقب: (أهرامات الموسيقى)، على: عبد الوهاب، السنباطي، بليغ حمدي، الموجي.
في صالوني الشهري الجميل، الذي يستضيفُ كلَّ شهر قامةً شاهقة من قامات مصر الفكرية، الفنية، العلمية، الوطنية، كان ضيفُ الشرف، لشهر مايو، هو الموسيقار العالمي "محمد عبد الوهاب” الذي حضرَ شخصيًّا في صورة نجله الذي جاء إلى القاهرة لتشريف صالوني، في المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية. واكتشف جمهورُ الصالون الحاشد، أن التشابه بين الأب والابن، ليس فقط في نبرة الصوت، بل في الشكل والهيئة وحتى أسلوب الجلوس والأداء الحركي. شيء معجزٌ ملغزٌ، وجميل. حين سمعَ الجمهورُ ضيفَنا العزيز يقول: "مساء الخير" ضجّ المسرحُ بالهتاف والتصفيق يطالبونه بالحديث، حتى يستعيدوا نوستالجيا الأب الأسطوري، في صورة الابن الجميل.
وكان ضيف الشرف الآخر هو المايسترو الجميل "سليم سحاب" الذي فنّد ملامح عبقرية عبد الوهاب، التي صنعت لنا تلك المعجزة الموسيقية الخالدة.
حمل صالونُ هذا الشهر عنوان: "طاووسُ الشرقِ الساحر". واندهش بعضُ الناس من كلمة "طاووس"، لما تحمل من سمات نرجسية سلبية، رفض "دراويش" عبد الوهاب، أن ألصقها بمحبوبهم الكبير. ولكنني أؤمن أن كلَّ فنان "حقيقي" يحمل قدرًا من النرجسية. بعضُهم "يتماكرُ"، ويحاولُ إخفاءها، والبعضُ يكون أكثر صدقًا وجسارة، فلا يعبأ بإخفائها. ومنهم محمد عبد الوهاب. ولماذا الاستثنائيون في هذا العالم "طواويسُ" معتدة بفرادتها؟
اِقرأوا هذه الكلمات: "محمد عبد الوهاب فنانٌ عبقريٌّ، لو أنَّ اللهَ خلقَه في أيِّ عصر، أو أيّ مكانٍ، لكان مخلوقًا فذًّا. يؤمنُ بأن مكانَه الطبيعيّ بين صفوف الزعماء. استطاعَ بفضل فنّه أنْ يكتبَ اسمَه بحروفٍ كبيرة في التاريخ."
هذا الرأيُ، الصحيح، ليس من كلماتي. ولا هي كلمات ناقدٍ موسيقيّ واعٍ. وليس تعريفًا من موسوعة عن قامةٍ مصريةٍ رفيعة. إنما كتبَ تلك الكلمات “طاووسٌ” جميل يعرف قدر نفسه اسمه: "محمد عبد الوهاب". وكانت مجلة "الكواكب" قد طلبت منه عام 1950 كتابة شهادة عن نفسه، صدّرتْ بها د. "رتيبة الحفني" كتابَها: "عبد الوهاب، حياتُه وفنُّه".
كلُّ مبدعٍ عظيم يحملُ قدرًا من النرجسية تجعلُه يصنعُ المدهشَ والاستثنائيَّ من صنوف الفنون. طاووسيةُ الفنّان ملمحٌ طفوليٌّ نبيل، يجعله يرى نفسَه مختلفًا وجميلا، جديرًا بصناعة الجمال. ولو قَبِلَ أن يرى نفسَه عاديًّا، لقَبِل، بالتالي، أن يصنع "العاديَّ المعتاد". وهذا أحدُ أسبابِ انهيار الجمال في مصر الآن. عاديون يقدمون لنا العاديَّ فنقبلُه باعتباره فنًّا! لكن الفنانَ "الطاووس" يرى نفسَه جميلا، ويعيشُ في رعبٍ دائم على هذا الجمال؛ ويخشى زوالَه، فيأبى إلا أن يُقدّمَ المدهشَ الممتاز. لهذا نقبلُ تلك الطاووسية من المبدع، لأنها أداةُ إبداعِه، ومن ثم سببُ مُتعتنا.
لذلك أحببنا نرجسيةَ "محمود درويش" حينما يختالُ ويتدلّلُ على الصحافة والمعجبي. وأحببنا طاووسيةَ "أحمد عبد المعطي حجازي" وهو يلقي قصائدَه مثل مايسترو؛ عصاهُ يدُه؛ تُطوِّعُ الحرفَ نَبْرًا وقَطْعًا وحركةً وسُكونًا وإدغامًا وإشباعًا، فيخرجُ الحرفُ مشحونًا بالغناء. ولهذا نُردِّدُ باسمين قول المتنبي، عن نفسه، لسيف الدولة: "سيعلمُ الجمعُ مِمَن ضمَّ مجلِسُنا/ بأنني خيرُ مَنْ تسعى به قدمُ/ أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أدبيْ/ وأسمعتْ كلماتيْ من به صَمَمُ." نحبُّ طاووسيةَ عبد الوهاب الجميلةَ، لأنه ملأ حياتَنا موسيقى وعذوبة.
وأما ضيفُ صالوني هذا الشهر (السبت 29 يونيو)، فسوف يكون الرمز الوطنيّ النبيل "قداسة البابا تواضروس" تقديرًا لدوره الوطنيّ المشهود في إعلاء اسم مصر أمام العالم والحفاظ على وحدة صفّها في لحظات دقيقة من تاريخ الوطن. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا شماتة في موت مرسي … ولكن...
- حول قِبطية چورج سيدهم!
- محاولةٌ أخرى للتنفّس
- عيد ميلاد جورج سيدهم
- سهير، آنجيل … ماتَ معهما … كلُّ شيء!
- 1 يونيو … عيدًا مصريًّا
- محمد عبده يُشرقُ في سماء الأوبرا القاهرية
- كتابٌ … يبحثُ عن مؤلف!
- أنا أفريقية وأفتخر!
- أطفالُ السجينات ... فوق كفِّ السيدة الجميلة
- محمد ممدوح … صمتُه كلامٌ!
- الصحوةُ من الصحوة … وارتزاقُ الأصفار!
- محمد عبده وطلال … يراقصان صِبانا
- شافت الصليب قالت: والمصحف مانا واخدة تمنه!
- الطريدة
- كونوا طيبين … حتى تطيرَ بالوناتكم!
- دموعي … بين يدي الأبنودي
- القيامة … البابا … رمضان … النقشبندي
- مصرُ التي … على صفحة العائم
- حوار مع متطرّف: نعم … أنا متطرّفة!


المزيد.....




- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...
- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - طاووسُ الشرقِ الساحر