أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نضال نعيسة - فاتح جاموس: عزيمة الأحرار















المزيد.....

فاتح جاموس: عزيمة الأحرار


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1543 - 2006 / 5 / 7 - 12:25
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لم يكد السيد فاتح جاموس، العضو القيادي البارز في حزب العمل الشيوعي المحظور كغيره في ظل قوانين الطوارئ، الذي أفنى زهرة شبابه، وأحلي أيام حياته تحت الأرض في الزنازين المظلمة، يهنأ بحريته التي سلبت منه قسراً لمدة ثمانية عشر عاماً، بالتمام والكمال، قضاها وحيداً، متألما، ومعزولاً ً وراء القضبان، ولم تكد البسمة تعود لثغور أبنائه بعد فراق طويل، حتى عاد لنفس المكان، ووجد نفسه مرة أخرى في ذات الكابوس الذي ظنّ أنه صحا منه، وودّعه، وإلى الأبد. ويسأل المرء هنا، كم "ثمانية عشر عاماً" أخرى في هذا العمر المرّ؟ وهل الحرية الإنسانية التي وهبها الله، والطبيعة للإنسان هي ملك لنزوات الاستبداد، وللأفراد، أو لأي كان ليتصرف بها وفق مشيئته، وعلى هواه؟

كانت أسرة فاتح جاموس، تلك الخلية الوطنية الصغيرة الحرام، أسرة سورية صغيرة، شبّ أبناؤها بعيداً عن عيون وعطف والدهم، وحُرموا من نعمة، وروعة تلك اللحظات الأبوية العاطفية العذبة الدافقة، والمداعبات الطفولية البريئة المليئة بالحب، والرِِّقة والحنان، تلك اللحظات التي لا تغيب عن بال أي إنسان، مادامت الحياة تنبض في خلاياه، تترقب عودة رب الأسرة، ومعيلها، وأملها الوحيد في هذه الحياة، لكن خطى القدر السياسي الأحمق اللعين قادته بعيداً عن عيون الأحبة والصغار، ورمته بقسوة جلفاء، وبلا رحمة، حيث يمضي آخرون من زملائه المناضلين الحاملين للهم الوطني، لياليهم الباردة الموحشة المظلمة السوداء. أليس في هذا تدمير ممنهج، ومتعمد للأسرة الأس، وحجر الأساس التي ينطلق منها البناء الوطني المتين العام؟

هل أخطأ السيد جاموس حين صدّق كل تلك الوعود العريضة عن التطوير والإصلاح ؟ وهل هذا هو جزاء، ومصير كل من يصدق الإعلام الرسمي هذه الأيام؟ وهل كتب علينا ألا نصدق أبداً شيئاً مما يقال، ونرمي كل ما تضخه وسائل الإعلام خلف الظهر في الحال، والنظر إليه بمزيج من الشك والارتياب؟ وهل هي رسالة لكل من يحب وطنه، ويحاول أن يشارك في مسيرة بنائه الواعد الخلاّق، ويدلي بدلوه في الشأن العام؟ وهل استكثر عليه الثوريون الأبطال، عشاق الحرية التي ينادون بها، ليل نهار، ويتأسفون عليها، لحماس، وفي العراق، وكشمير، وأفغانستان، حرية العيش والتنقل في أرض الله الواسعة؟ وهل استكثروا عليه تلك الأيّام القليلة المعدودات التي قضاها خارج أسوار السجن وجدرانه الكالحة، واعتبروا وجوده خارج المعتقل، حالة شاذة، ومنّة، وعطاءً ثورياً ما بعده عطاء، يهبوه لمن يشاؤون من خلق الله؟

لم تفلح سنوات السجن الطوال التي قضاها السيد جاموس خلف القضبان في النيل من عزيمته، وترويضه وتدجينه سياسياً، كما لم تثنه عن الاستمرار في الإيمان والإخلاص لآرائه التي نذر حياته من أجلها، ولا يهم هنا أبداً ماهية هذه الأفكار، بقدر ما يهم أنه بهذا كان يمارس شيئاً من حقوقه الطبيعية، التي كفلتها له جميع المواثيق، والأعراف الدولية، والتي كانت سوريا من بين الدول الأعضاء الموقعين عليها. وهذه السياسات الأمنية غير المجدية، لا تفيد مطلقاً، سوى في صب الزيت على النار، وتوليد مشاعر اليأس، والإحباط، وتأجيج الضغائن والأحقاد. وبالتالي، فإن مراجعة دقيقة، متأنية، وحكيمة من قبل العقلاء، وأصحاب النوايا الطيبة، والحكماء وحدها الكفيلة بعودة مشاعر الود، والاطمئنان للشارع العام، الذي هو رديف وطني هام لأي نظام في المآزق، والمنعطفات التاريخية الحاسمة. ومن هنا لا بد من إغلاق هذا الملف الأسود، ملف الاعتقال السياسي، مرة واحدة، وإلى الأبد، واللجوء للقضاء المدني العادل، والمستقل، وفي منتهى الشفافية، في حال وجود أية مخالفة، أو خرق للأمن، والقانون، والنظام العام.

المطلوب وقفة إنسانية شاملة مع كافة معتقلي الرأي، والمشتغلين بالشأن العام، ونصرتهم، ونجدتهم والدعوة لإطلاق سراحهم، جميعاَ، في هذا الوقت العصيب، والحساس بالذات، الذي يتطلب تضافر جميع الجهود الوطنية، بدون استثناء أو إقصاء، للتصدي لأعداء الخارج. ولا يُعتقد على الإطلاق، أن مثل هذه التصرفات، بأي شكل، تساهم في تدعيم الُلحمة الوطنية بل تضعفها، وتفتتها، وتعمل على خلق الفجوات في الجدار الوطني، حيث يعمد المتسللون الخبثاء، ومن خلالها، للولوج إلى قلب الجسد الوطني. وإن هذه الممارسات الارتجالية تساهم كثيراً، في تشويه صورة الوطن العظيم، داخلياً، وخارجياً، وتجعل، بالتالي، "مهمة مدراء الإعلام"، صعبة للغاية، بل تكاد تكون مستحيلة على الدوام، والأجدى في هذه الحالة، إذن، إغلاق كافة المراكز الإعلامية التي أنشئت لهذه الغاية المستحيلة، وتوفير المال العام، لإطعام الجياع، ودعم الفقراء، والكف بعد ذلك عن الضحك على ذقون وعقول الناس. وبالأمس القريب خرجت التقارير السنوية المخجلة، والمؤلمة، عن حقوق الإنسان، وحرية الصحافة، التي صعقت، وأذهلت جميع المراقبين، والمتابعين بمحتواها في كل مكان. فلِمَ نعط، وعن عمد وسابق تصميم وإصرار، ِأولئك المغرضين، والصائدين في المياه العكراء، كل المبررات لرمينا بالسهام السامة؟

هذا هو خيار المناضلين، والوطنيين الشرفاء، أينما كانوا، حيث يكون الهمّ الوطني على قائمة الخيارات، وما العشيرة، والطائفة، والقبيلة، والقومية، والأعراق وباقي التصنيفات، سوى ملحقات رديئة، رثة تسقط أمام الامتحان الوطني الصادق، وأمام النزعة الوطنية المخلصة، والأصيلة التي يتمتع بها الوطنيون الأحرار، وليس سجين الرأي فاتح جاموس، استثناءً منهم على الإطلاق.

لم تجلب الثمانية عشر عاما المنصرمة، التي قضاها السيد جاموس تحت الأرض وفي غياهب المعتقلات الأمن والأمان للوطن، أو لأي أحد على الإطلاق، كما لم تزد من منعة الوطن وقوته في وجه الأعداء بل أعطت عكس مفعولها، وذهبت بغير الاتجاه، وكل يوم تتقهقر وتضعف الأحوال بفعل هذه الممارسات وأمثالها. كما أنه هو وزملاؤه الأبرار، لم يشكلوا يوماً، خطراً على الأمن الوطني والقومي، ولم يكن أحد منهم مزوداً لا بقنابل انشطارية، ولا أحزمة ناسفة، ولا حتى بـ "موس كبّاس"، ولذا لم يكن هناك طائل، ولا جدوى البتة من تغييبهم كل تلك الليالي الطويلة البأساء. كما لم تفلح سنوات السجن الطوال في "تأديب"غيرهم من "المشاغبين"، والمعارضين الذين يزدادون كل يوم باطراد. والديمقراطية، والحياة السياسية الصحية، وحدها هي مصدر الأمن والأمان والدوام والاستقرار للجميع بلا استثناء، وبدون كل هذا "العك"، والشقا، الذي يجعل الجميع على أعصابهم وتحت ضغط، وتوتر على الدوام.

في هذا اليوم بالذات تحتفل سوريا بعيد الشهداء، ويقوم الإعلام السوري بحملاته المعهودة في هكذا مناسبات. أولئك الأبطال الأبرار الذين سقوا بدمائهم الزكية ربى دمشق الفيحاء،، وثرى حلب الشهباء، وقمم الساحل الجبلية الشمّاء العصية على الأعداء، وذرى السويداء العذراء، حيث سالت الدماء الطاهرة مدراراً لتسقي نبتة الحرية الخضراء التي نعمت بخيراتها لاحقاً الأجيال الوطنية الغرّاء، وكان أولئك البررة الشهداء المشاعل الوضاءة الحمراء التي أنارت دروب الحرية، والكرامة والإباء، للشعب السوري الأبي الذي لم يعرف يوما الذل، والهزيمة، والهوان.

الحرية، وإطلاق السراح الفوري، هي أبسط ما يمكن أن يُطالب به للمناضل الوطني السوري البار فاتح جاموس، وأيضاً لجميع رفاقه المعتقلين الشرفاء، ولاسيما في هذا اليوم الوطني الأمجد الفوّار، يوم الشهداء. وهي بالطبع، ليست ترفاً، أو منّة، أو شيئاً كثيراً أبداً، على مناضل وطني شريف، كالسيد فاتح جاموس. وإن عودته سالماً، كريماُ، ومعززاً لأسرته، وبيته كافية وحدها لتنثر في أرجائه البسمة، والطمأنينة، والأفراح، ويبدد من خلال عودته الميمونة تلك، ظلال عقود كئيبة نكداء من الفرقة، والأسى، والترقّب، والانتظار.

سوريا الحب والقلب كلها، بقضها وقضيضها، بشبابها وشيبها، بأرضها وسمائها، تنتظر قراراً شجاعاً من شجعان، وأبرار سوريا وعشاقها، بإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي، وإصدار عفو عام، وإغلاق هذا الملف الأسود الدامي للأبد.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستبداد والإرهاب
- إرهاب فيديو- كليب
- وسام شرف جديد على صدر الحوار المتمدن
- منظومة الاستبداد، ومخاطر التغيير
- آفة العقل السقيم
- قبل فوات الأوان
- تخصيب الشحّاطات
- الحُقََراء
- مدخل إلى التغيير
- الحرية والإبداع
- نعم: إنهم مختلون عقلياً
- حَرْبٌ ضدّ الأشباح المخفيّة
- قوائم الموت
- ماذا بعث البعث؟
- تكايا المعارضة السورية
- تَرَجّل فارسُ الحرفِ الجميل
- قنوات التحريض الشامل
- ما أحلى الرجوع إليه؟
- د.العريضي:أية صورة ستتحسن بعد الآن؟
- مؤتمر اللمّة العربية


المزيد.....




- مزاعم روسية بالسيطرة على قرية بشرق أوكرانيا.. وزيلينسكي: ننت ...
- شغف الراحل الشيخ زايد بالصقارة يستمر في تعاون جديد بين الإما ...
- حمير وحشية هاربة تتجول على طريق سريع بين السيارات.. شاهد رد ...
- وزير الخارجية السعودي: حل الدولتين هو الطريق الوحيد المعقول ...
- صحفيون وصناع محتوى عرب يزورون روسيا
- شي جين بينغ يزور أوروبا في مايو-أيار ويلتقي ماكرون في باريس ...
- بدء أول محاكمة لجماعة يمينية متطرفة تسعى لإطاحة الدولة الألم ...
- مصنعو سيارات: الاتحاد الأوروبي بحاجة لمزيد من محطات شحن
- انتخابات البرلمان الأوروبي: ماذا أنجز المشرعون منذ 2019؟
- باكستان.. فيضانات وسيول عارمة تودي بحياة عشرات الأشخاص


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نضال نعيسة - فاتح جاموس: عزيمة الأحرار