|
هل تتحقق النبوة: الأساطير الشعبية والحراك في الجزائر (رؤية سوسيولوجية)
منصور بختي دحمور
الحوار المتمدن-العدد: 6220 - 2019 / 5 / 4 - 18:04
المحور:
الادب والفن
الكاتب: منصور بختي دحمور هل تتحقق النبوة: الأساطير الشعبية والحراك في الجزائر (رؤية سوسيولوجية)
لعلي أخرج هنا عن الإطار العلمي لأتكلم قليلا عن مظهر من مظاهر الثقافة الشعبية التي تحمل بين طياتها الكثير من الأمور التي يعجز العقل المحض عن التطرق إليها من جهة التفسير والبيان فيما نرى المخيال الشعبي كثيرا ما يستأنس بذلك، غير أن الكثير من مظاهر هذا الاستئناس قد تخختلف مفهومياته من عقل إلى آخر أو من مجتمع إلى آخر، فبينما يجعلها الكثير ساحة تفسيرية للواقع رغم ما تحمله بعض الاعتقادات الشعبية من غموض قد يجعلها آخرون مجرد أوهام فلكلورية قد تقع حقا على أرض الواقع لا من ناحية أنها حقيقة بل من ناحية أن الصدفة ربطت العقل الشعبي بما يقع وفق ما ذكرته بعض الحكايات الشعبية. قد نتساءل عن تلك العلاقة الغريبة بين الموروث الشعبي وبين واقعنا الآن في الجزائر وبالخصوص خلال المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد في خضم الحراك الشعبي في سبيل تغيير النظام، ولنفهم أكثر فسوف نتحدث بلغة الشعب التي تحمل كل تنطوي عليه ثقافتنا ومخيالنا الجماعي حول ما كان وما يكون. من المعروف أن الثقافة العربية ككل والثقافة المغاربية على وجه الخصوص ومن بينها الثقافة الجزائرية قد مرت بعدة أطوار معرفية تحكمت فيها ظروف الواقع منذ فجر التاريخ وصولا إلى ما يعيشه المجتمع الجزائري اليوم، ومن بين ما حملته هذه الثقافة بعض المقولات المجهولة النسب في أغلبها حول ما سيكون من خلال ما يعرف بالتنبؤات أو النشد بالعبارة العامية تلك الكلمات التي يتفوه بها بعض أوليا الله الصالحين أو بعض من يسمون بالمجاذيب أو الدراويش بحسب الموروث الثقافي للشعب المغاربي، تلك المظاهر التي يؤمن بها الكثير ويحاول تكذيبها آخرون في حين نجد هؤلاء المكذبين سرعان ما يعترفون بحقيقتها بمجرد وقوعها وتحققها على أرض الواقع ما يعطينا صورة جلية عن العقلية الشعبية المغاربية ككل تلك العقلية التي تحمل ذلك الموروث وتحاول التنصل منه بقوة بحيث يصطدم في مرحلة ما من تاريخيه النفسي بتلك الصدمة التي تحيي فيه الانتماء اللاشعوري إلى المجتمع الذي ينتقده. لسنا هنا في صدد الاعتراف أو فرض الفكرة ولكننا نتحدث من وجهة نظر ماهو كائن وسط المجتمع البسيط الذي يعد صانع التاريخ الحقيقي من منطلق الوجود المهيمن على العقلية الجماعية للمجتمع ككل والتي تحدد بدورها تاريخه وسلوكه وأفكاره. هناك ما يشبه الصراع الفكري حول مسمى الجمهورية التي يريد المجتمع (الشعب) الجزائري أن يؤسسها من خلال المظاهرات والحراك السلمي اليوم في البلاد بين من يسميها بالجمهورية الثانية ومن يسميها الجمهورية الجديدة، ولكن المهم في الأمر هو قيام جمهورية واعية تتمتع بالسيادة المطلقة وتكفل مبادئ: الحرية والعدل والمساواة، وقلنا في كتابنا "فلسفة الثورة" الذي صدر أوائل شهر أفريل من هذه السنة وسط الحراك الشعبي أن الجمهورية التي يريدها الشعب تعد جمهورية حتمية ستؤسس عن طريق الإرادة الشعبية التي تصنع التاريخ ما يعطينا فكرة أن تغيير النظام سيكون حتمية تاريخية بمجرد الحفاظ على الثورة وعدم السماح بتوجيهها. ولكن، هل يمكننا ربط هذه الفكرة بفكرة أخرى تداولتها الذاكرة الشعبية؟ تلك الفكرة التي طالما سمعنا بها والتي تقول: "بْدَاتْ بْـ احْمدْ وْتَكْمَلْ بْـ احْمَدْ". تلك النبوءة التي طالما أخافت الشعب الجزائري من مغبة ما سيكون منذ فترة الرئيس الراحل هواري بومدين، حيث كان المخيال الشعبي للمجتمع الجزائري يرى أن الجزائر كما بدأت عام 1962 بالرئيس الراحل أحمد بن بلة ستنتهي بشخصية أخرى اسمها أحمد. لطالما تخوف المجتمع الجزائري من أي شخصية تحمل هذا الاسم المبارك وفقا لكبار السن الذي تداولوا هذا المعتقد طيلة عقود من الزمن، غير أن الأمور بدأت تتغير بمجرد انتفاضة الشعب الجزائري في حراك 22 فيفري، بينما تخوف آخرون مباشرة بعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وتدخل الجيش الذي يرأسه الفريق أحمد قايد صالح الذي تضاربت حوله الآراء حول موقفه من الحراك الشعبي في الجزائر لتعود تلك الصورة التي تقول أنها ستنتهي برجل اسمه أحمد، في حين تتسارع الأحداث بعد ذلك لنصل اليوم إلى رؤية أخرى حول هذه الشخصية الغامضة والمصيرية في الموروث الشعبي والثقافة الشعبية من خلال بروز شخصية أخرى تحمل نفس الإسم والمتمثلة في المجاهد المناضل أحمد طالب الإبراهيمي حفظه الله ليقع المخيال الشعبي بين أفكار متضاربة بين شخصيتين محوريتين خلال الحراك الجزائري هذا مع امكانية بروز شصيات أخرى كالسيد أحمد بن بيتور مثلا، ولكن ما يدور حول القضية هو مسألة أنها "بدأت بمجاهد اسمه أحمد وستنتهي بمجاهد اسمه أحمد". إن محاولة قراءة بعض الأفكار الشعبية حول ما يتصوره البعض من تلك النهاية تجعلنا نتوقع سيناريوهين يردان على العقل العام للمجتمع الجزائري وهما: • أن الجزائر في خطر وشيك وأن وصول هذه الشخصية الأسطورية إلى دواليب السلطة سينتهي بكارثة تهدد البلاد وهذا ما يفسر خوف المجتمع الجزائري من أسطورة "أحمد". • أن الجزائر ستدخل مرحلة مغايرة تماما لما قبلها بحيث سيكون التأسيس لجمهورية ثانية أو جمهورية جديدة تنتهي عندها ما يسمى بالشرعية الثورية وبالتالي تدخل البلاد في مرحلة الشرعية الدستورية على يد هذه الشخصية الأسطورية. في واقع الأمر لا يمكن تبرير ما يجب أن يكون وفقا للمعتقدات الشعبية الموروثة، ولكن أهمية الموضوع تكمن في رسوخ الموروث في الذاكرة الشعبية، وبما أننا هنا نتكام عن أسطورة قولية حول ما يمكن أن يكون، فإننا نرى من وجهة نظر تفسيرية اجتماعية وفقا لهذه الأسطورة أن الخوف من تدهور حالة البلاد عن طريق هذه الشخصية بدأ يتلاشى من خلال ورود اسم أحمد طالب الإبراهيمي في الحراك الجزائري تلك الشخصية التي تحمل الكثير من مبادئ الثورة المجيدة والنزاهة والكفاءة ما يعطينا صورة حول تغير ذلك المفهوم من الخوف إلى الثقة عن طريق تغيير النظام لتنتهي المرحلة الأولى من الجزائر المستقلة والتي سيطرت عليها الشرعية الثورية لتنتهي بثائر مجاهد ولتبدأ مرحلة أخرى هي ما يحاول الشعب صناعته وصولا إلى شرعية دستورية تؤسس لميلاد جمهورية ثانية أو جمهورية جديدة.
#منصور_بختي_دحمور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفكر الثوري في الجزائر في مواجهة الفكر الانفصالي
-
-فلسفة الثورة- لمنصور بختي دحمور أول كتاب يتحدث عن الحراك ال
...
-
إسرائيل في طريقها نحوالانتحار
-
أحيانا لا نستطيع أن نتكلم
-
مسلمون أم مدّعون: خرافة الجهاد في المنطقة العربية
-
يلومون شعري
-
رسالة الذكرى 75 لانتفاضة 8-9 إبريل 1938 بالبلاد التونسية:
-
الواقع العربي وتحديات المستقبل
-
العاطفة والأدب والتاريخ
-
الذات الباحثة في كتابة التاريخ: وجهة نظر في نقد النقد
-
الشعراء العرب في ظل أزمة الهوية
-
المسرح العربي بين الإبداع واللهو
-
أغنية بلا كلمات
-
الى أين ؟
-
قراءة في رواية -الصوت- لغابرييل اوكارا
-
العنف عند فرانز فانون
-
لا أريدك
-
سأكتبك
-
قبر قصائدي
-
غدر القوافي
المزيد.....
-
فتح باب الترشح لـ جائزة كتارا لشاعر الرسول لعام 2025
-
الدفن عمل شاق.. تراجيديا الكتابة عند الحاجز في رواية -عبور ش
...
-
أضبطه الآن .. تردد قناة Fox Movies لعرض الأفلام الأجنبية الا
...
-
20 مليون دولار ضاعت على الغناء.. موظفو حملة هاريس مهددون بعد
...
-
حرب الروايات.. هل خسرت إسرائيل رهانها ضد الصحفي الفلسطيني؟
-
النسور تنتظر ساعة الصفر: دعوة للثوار السنوسيين في معركة الجب
...
-
المسرح في موريتانيا.. إرهاصات بنكهة سياسية وبحث متواصل عن ال
...
-
هكذا تعامل الفنان المصري حكيم مع -شائعة- القبض عليه في الإما
...
-
-لا أشكل تهديدًا-.. شاهد الحوار بين مذيعة CNN والروبوت الفنا
...
-
مسلسل حب بلا حدود الحلقة 40 مترجمة بجودة عالية HDقصة عشق
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|