أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كاظم الموسوي - من الطابق الحادي عشر ارى التايمز















المزيد.....

من الطابق الحادي عشر ارى التايمز


كاظم الموسوي

الحوار المتمدن-العدد: 6204 - 2019 / 4 / 18 - 17:17
المحور: سيرة ذاتية
    


وانا اودع الطابق الحادي عشر من مبنى مستشفى سانت توماس، وسط لندن، مقابل مبنى البرلمان البريطاني القديم وساعة بيغ بن التاريخية من الطرف الآخر ، الضفة الأخرى لنهر التايمز، لابد لي من القول اني كنت أراقب جملة من التناقضات التي يمر شريطها امامي، ويقودها المحافظون بكل ألوانهم وصفاتهم. فثمة تباين واضح وفروق لافتة. فبين ما قدم لي من رعاية طبية وتعامل ودي عال من كل العاملين في المستشفى، من بقايا نظام الرعاية الاجتماعية والصحية التي تسعى الحكومة الحالية خصوصا خصخصته وتدميره، وبين ما يجري داخل البرلمان قبل أيام حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، والتظاهرات الكبيرة التي طالبت باستفتاء جديد حول الخروج من الاتحاد الأوروبي وسماع صوت الشعب، تعرف الوقائع وما يأتي.. وللاسف لم تصغ الحكومة ورئيستها تيريزا ماي لكل هذه النداءات، سواء من ردود فعل مجلس العموم أو من الشارع، مما يدل على أن مصالح الرأسمالية التي تعبر عنها وارتباطها بالمصالح الاخرى، خاصة من وراء المحيط، لها الأثر الأكبر في ركوب الرأس والمواجهة الحادة. هذا التناقض بين التعامل الإنساني العالي وبين الممارسة المخادعة باسم الديمقراطية لتمرير سياسات منظمة ومخططات مرسومة ليس لها علاقة بما تدعي الحكومة أو يحصل في مجلس العموم، يلفت ويشغل الفكر.
قبل وصولي إلى الطابق الحادي عشر في المستشفى، نقلتني سيارة إسعاف من مكان ليس قريبا منها، حيث أفقت لاجد نفسي داخل السيارة وامرأة شرطية قرب رأسي مع مسعفة شابة بزيها الاخضر وبيدها اوراقها تسجل مع الشرطية معلومات عني، حصلت عليها من سائق الحافلة التي وقعت فيها وفقدت الوعي والتذكر لاي شيء حصل لي فيها حتى وصلت سيارة الإسعاف وحملت داخلها. سالتني الشرطية عن ما حدث، وابتسمت متسائلا: لماذا انا هنا؟، لا اعرف شيئا لاقول لها، سالتني عن اسمي وهاتفي وعنواني، ولا اعرف ماذا قلت لها، لكني اسمع المسعفة تصحح وترد لها ما هو صحيح عني مما نبهني واعاد لي بعض وعي. التفت الى المسعفة وسألتها ايضا، فقالت لي سقطت في الباص وسننقلك الى المستشفى. وسألتني الشرطية هل تريد ان تقاضي احدا؟ شكرتها وعرفتها عن نفسي بنفسي هذه المرة وهي تسجل كل ما سمعته بدفتر عندها، وسلمتني ورقة فيها رقم القضية وتاريخها والاتصال بالجهة التي ستتابع القضية، وسمعتها تقول انها ستذهب إلى سائق الحافلة لتأخذ نسخة من الفيلم المسجل عنده. وتحركت السيارة بي بهدوء ومازلت في حيرة ولكني وجدت نفسي مطمئنا لما حولي ووجودي وأسئلة المسعفة وزميلتها التي تقود السيارة. اسم المسعفة ايلين واسم السائقة جولي، وعرفت الثانية من الأولى، حيث تناديها باسمها بكل كلام معها، بينما الأولى عرفتها بعد سؤال، واستفسار لماذا لم تخاطبها السائقة باسمها مرة واحدة، وضحكنا على الملاحظة وأخذت تناديها باسمها بعد كل جملة معها.
وصلنا الى قاعات الطواريء واستقبلت من طبيبة بريطانية، والدها كان ضابطا في الجيش البريطاني في البصرة، وأخذنا نتحدث عن حبه للبصرة والعراق وهي تسهر على مداواتي، وسحب الدم والفحص ومن ثمّ تفرغت لخياطة الجرح على الجبين فوق العين اليسرى، واشعاري بالاعتناء "البصري" بوضعي. ونادت ممرضة للعناية بي، ونقلي الى غرفة التصوير الاشعاعي، بعد اتمام وضع وقراءة جهاز تخطيط القلب، ومن ثم توفير مستلزمات البقاء في المستشفى. عدت الى السرير مرة ثانية، وجاءني طبيب شاب تملأ الابتسامة وجهه وشاربه الرفيع الممتد على طول خديه، مخبرا بأن أحدا سيأتي لنقلي الى ردهة في الطابق الحادي عشر .
وصلت سريري في الطابق ووجدت عليه كيسا أنيقا يحتوي على مستلزمات الضيافة الفندقية، من فرشاة الأسنان ومعجونه، وقطع اسفنج ملونة توضع في الأذنين وقطعة قماش توضع لتغطية العينين عند النوم وجوارب ملونة ومهفة/ مروحة يدوية ومعلومات الاستضافة، وإلى جانبه بجامة جديدة ومنشفة ايضا، هل أنا في مستشفى أم فندق خمس نجوم؟!. وما أن استرحت قليلا دخل على "هجوم" من مجموعة أطباء يقودها مستشار طبي مسؤول، بدأ هو شرح حالتي: للاسف لديك قليلا من الدم في المخ، وسندرس ذلك ونعيد التصوير الاشعاعي للتأكد اكثر، والتفت إلى أحد مجموعته لتسجيل الأدوية التي استخدمها والجديدة، واخبرته بالم بالحوض من اليمين طلب ايضا من أحد مجموعته إرسالي الى التصوير الاشعاعي، وكذلك تنظيم اموري. بعد ذهاب المجموعة جاءت ممرضة مع أجهزة فحص ضغط الدم وقراءة نسبة السكر في الدم، وجهاز اخر يوضع في الاذن ومن ثم قراءة الحرارة تحت اللسان، وسبق أن اخذت مني أمثالها واكثر في بداية دخولي قاعات الطواريء. وهي فحوصات طبية أولية روتينية، ولكنها مطلوبة. وعادت طبيبة بعد التصوير فاخبرتني باسف بكسر في الحوض ونصحتني بعدم الحركة حتى داخل القاعة.
زارني اصدقائي محملين باكياس من الفواكه وكتب وصحف وحلويات، ممنوعة لي، وكأن المكوث سيكون طويلا، ولكن هناك من يستحق بعضها في القاعات. ولم ينقطع الهاتف من الرنين للاطمئنان علي، وكذلك الواتس آب وما حمله من كلمات لا تنسى ومشاعر مودة واعتزاز لا تقاس مدياتها، وانا لم اكن راغبا الاخبار، الا أن بعضه حصل لضرورة أو لصدفة غير محسوبة.
تكررت الفحوص على مدار كل ساعتين واعادة التصوير الاشعاعي بغرف اخرى، و"غارات" مجموعة الأطباء، والتأكد من وضعي الصحي والاطمئنان الطبي. واخيرا قال لي رئيسهم خبرا جيدا الآن أن وضعك مستقر ويمكنك الذهاب الى البيت، بعد أن يتم اخبارك من قسم الكسور وانجاز التقرير النهائي، والاستمرار في الأدوية والعلاج الذي ستخبر عنه اليوم.
بعد ايام في الطابق الحادي عشر وقاعة أخرى شعرت بتحسن ملحوظ ولكن الآلام لم تبرح بعد، ومازلت متسائلا: كيف حصل لي ما حصل، وماذا جرى؟!. رغم اني تجاوزت المحنة بسلام، عابرا همها، او مما خزنته لي الدنيا والايام. ارى نهر التايمز، من الطابق، جاريا ومستمرا، حيث مثله الحياة جارية، ومستمرة، ولا يمكن أن نغسل ايدينا في الماء نفسه ومن المجرى نفسه مرتين، كما قال الفلاسفة القدماء، فكل شيء في تغير وتجدد واستمرار.. وكما يغني فريد الاطرش، الحياة حلوة.. بس نفهمها، الحياة غنوة ما احلى انغامها، .. الحياة وردة للي يرعاها، والحياة مَرة وحدة نحياها...!.



#كاظم_الموسوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تظاهرات عمالية في العراق الجديد
- عن رسائل الجزائر الاخيرة
- بغداد يا بغداد*
- فاجعة الموصل الجديدة
- صدمة نيوزيلندا وسياسة التطرف
- معارض الكتب وأزمة القراءة
- عن المثقفين المزيفين وتصنيع الإعلام لهم (2-2)
- عن المثقفين المزيفين وتصنيع الإعلام لهم (2-1 )
- مشاكل الواتس آب
- جولة مقصودة وتحد صارخ
- ترامب يتسلل الى العراق
- اليمن وكارثة إنسانية كبرى
- دم في الشوارع العربية
- ما بعد انتصار العراق على -داعش-!
- الشيخ الخالصي والزعيم لينين
- العراق: حكومة محاصصة وتوافق خارجي
- وداعاً أم سعد
- في وداع سلامة كيله
- الخرف الالكتروني
- تغريبة الفلسطيني الجديدة


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كاظم الموسوي - من الطابق الحادي عشر ارى التايمز