محمد بن زكري
الحوار المتمدن-العدد: 6192 - 2019 / 4 / 5 - 22:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شيء كان يحمل طابع المفاجأة ، في ذلك المشهد المسرحي ، الذي بُثت وقائعه في نقل تلفزيّ مباشر ، من داخل البيت الأبيض بواشنطن ، يوم 25 مارس 2019 ، بينما كان دونالد ترمب (الرئيس الأوضح تعبيرا عن حقيقة أميركا) ، يوقع الإعلان الرئاسي الأميركي ، بتبني سيادة دولة إسرائيل على هضبة الجولان ؛ بدءً من (جرة القلم) بتوقيع وثيقة الإعلان ، على الطريقة الترامبية ، في حضور و تحت بصر بنيامين نتنياهو .. بوجهه الضاحك انتشاءً . و انتهاء بإهداء قلم توقيع الإعلان الرئاسي الأميركي (التاريخي) ، إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية .. كتذكار رمزي .
لقد كانت (جرة القلم) الترامبية تلك ، مجرد وضع نقطة على آخر السطر ، لتكريس اعتراف أميركا - رسميا - بشرعية " قانون الجولان " ، الصادر عن الكنيست ( البرلمان الإسرائيلي) ، في 14 ديسمبر 1981 ، بفرض سلطة القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان ؛ إيذانا - ضمنيّا - لبني إسرائيل بالشروع في استكمال كتابة سطر آخر ، من إصحاحات سفر الاحتلال ، بمباركة رب الجنود القابع في البيت الأبيض .
فمنذ تاريخ 16 نوفمبر 2018 ، عندما صوتت الولايات المتحدة ، لأول مرة - و كانت قبلها تكتفي بالامتناع عن التصويت - ضد قرار يدين استمرار احتلال إسرائيل للهضبة السورية ، درجت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إصداره (سنويا) ، تأكيدا لوجوب التزام إسرائيل بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 (http://www.palestineinarabic.com/Docs/inter_arab_res/UNSC/UNSC_Res_497_A.pdf) ، كانت الإدارة الأميركية بذلك ، قد كشفت عن نيتها الذهاب إلى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان ، بالمخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة . و مما كان له دلالته في حينه ، ما صرحت به السفيرة الأميركية لدى منظمة الأمم المتحدة (نيكي هايلي) ، من أن القرار " منحاز كليّاً ضد إسرائيل " .
قال ترمب ، في مراسم التوقيع : " إنني أتخذ اليوم خطوة تاريخية ، لدعم قدرات إسرائيل في الدفاع عن نفسها ، للتمتع بمستوى عالٍ من الأمن الذي تستحقه ، فإسرائيل سيطرت على مرتفعات الجولان عام 1967 لحماية نفسها من التهديدات المقبلة ... و اليوم عليها أن تدافع عن نفسها ضد إيران والتهديدات الإرهابية في سوريا ، بما في ذلك تهديد حزب الله ، الذي قد يشن هجمات محتملة على إسرائيل " . و القول هو ما قاله ترمب ، فرب البيت الأبيض يقول و يفعل .
و قال نتنياهو : " إن مرتفعات الجولان ستظل إلى الأبد تحت السيطرة الإسرائيلية .. و لن نتخلى عنها أبدا " . و القول هو ما قاله نتنياهو ، فلقد أثبت زعماء الصهيونية ، أنهم يقولون و يفعلون .
و عودة بالتاريخ إلى 1981 ، عند إعلان الولاية الإسرائيلية على هضبة الجولان ، قال مناحم بيغن رئيس وزراء إسرائيل آنذاك : " إن هضبة الجولان من الناحية التاريخية ، كانت وستبقى جزءً من أرض إسرائيل .. الجولان ستظل إلى الأبد أرضا إسرائيلية " . و لقد أثبتت الأحداث أن القول هو ما قاله بيغن ، فلقد قال و فعل .
و قال وزراء الخارجية العرب ، و رؤساء الحكومات العربية ، و أمراء ورؤساء و ملوك الدول العربية ، و أمين عام جامعة الدول العربية : إنه بحكم القانون الدولي ، أرض الجولان سورية . و لن تتغير هويتها السورية بجرة قلم ! و هم لا يعون و لا يعنون ما يقولون .
و قبل غيرهم ، يعرف الحكام العرب ، أنهم لا يقولون سوى الهراء . فوعد بلفور (1917) ، كان بجرة قلم . و اتفاقية سايكس - بيكو (1916) ، كانت بجرة قلم . و فك لواء الاسكندرون (1939) ، كان بجرة قلم . و حتى قرار تقسيم فلسطين (1947) ، الذي لم يقبل به العرب ! كان بجرة قلم . و لن يختلف الحال ، مع جرة قلم دونالد ترمب (2019) ، بإمضاء الإعلان الرئاسي الأميركي ، المكرِّس لسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة .
فماذا بإمكان الحكام العرب أن يفعلوه ، لاستعادة هضبة الجولان ، أو لاستعادة القدس (أورشليم) ؛ غير ما فعلوه في قمتهم الثلاثين المنعقدة بتونس ، من النوم العميق في مقاعدهم الوتيرة ؟! (https://www.youtube.com/watch?v=kETRgSbi48M) ، على مسافة خمسة أيام فقط من جرة قلم الرئيس الأميركي ترمب (!) .
و لن يكون " بيان الجولان " ، الصادر عن قمة النوم العربية ، برفض القادة العرب و إدانتهم لقرار اعتراف الولايات المتحدة الأميركية ، بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان ، أكثر من حبر متطاير ، على ورق تواليت من النوع الرخيص ؛ شأنُ " بيان الجولان " في ذلك ، كشأنِ كل قرارات الشجب و الاستنكار و الإدانة العربية ، بجُملها الإنشائيةِ الباهتةِ من كثرة الاستعمال ، و الباردة كبرودة اجتماعات القمم العربية ؛ ذلك أن أميركا و إسرائيل ، تعرفان حق المعرفة ، أن العرب ظاهرة صوتية جوفاء ، و أن القادة العرب يقولون ما لا يفعلون ، و أنهم - و لأنهم - عملاء و خونة و فاسدون و متخاذلون . و إنّ نومهم الفضائحيّ ، في اجتماع الدورة الثلاثين للقمة العربية ، كما في كل أدوار انعقاد الاجتماعات (المصيرية) ، هو خير شاهد و دليل . و هنا أتساءل : لماذا لا ينتحرون ؟!
و إلى أن يأتي الوقت على الضفة الغربية لنهر الأردن ، بزحف المستوطنات اليهودية على ما تبقى من الأرض الفلسطينية هناك ، لتعلن إسرائيل ضمها ، بقانون " يهودا و السامرة " ؛ سيظل القادة العرب (الذين يصدُق فيهم قول إبراهيم طوقان : و مدجّجٍ قاد السفينةَ و هو قوّادُ السفينة) ، يجترون مزاعم أنّ (جرة القلم) ، لا تغير الجغرافيا ، و لا تلغي الحقوق المصانة بالقانون الدولي ؛ بينما في المقابل ، تترسخ السيادة القومية لإسرائيل (اليهودية) على القدس (أورشليم) ، عاصمةً أبدية لدولة إسرائيل ، و تتأكد ولايتها السيادية على مرتفعات الجولان ، مع تغيير التركيبة الديموغرافية للهضبة ، بالتوسع الاستيطاني اليهودي على ترابها ، كجزء من أرض إسرائيل .
و اعتبارا من تاريخ جرة القلم ، بتوقيع ترمب على وثيقة المرسوم الرئاسي الأميركي ، القاضي بشرعية السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية ؛ فإنه قد بات من المستحيل استحالة مطلقة ، تجاوز الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي ، ضد أي مشروع قرار ، ينتقص من سيادة إسرائيل على الجولان .
و فيما إذا تم تفعيل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 377 ، المعروف باسم (الاتحاد من أجل السلم) ، بتحويل قضية مرتفعات الجولان السورية المحتلة ، إلى المناقشة و التصويت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، في جلسة طارئة ، نظرا لفشل مجلس الأمن الدولي (27 مارس 2019) في تحقيق إجماع بين أعضائه الخمسة دائمي العضوية ، بشأن مسألة اعتراف أميركا بالسيادة الإسرائيلية على الجولان ؛ حيث يكون لقرار الجمعية العامة ، في مثل هذه الحالة ، نفس قوة قرارات مجلس الأمن الدولي . أقول إنه في حالة تحويل قضية الجولان ، إلى الجمعية العامة ، بموجب قرار (الاتحاد من أجل السلم / 377) ، فإن المآل لن يختلف عما آلت إليه قضية اعتراف أميركا بأورشليم (القدس) عاصمة موحدة أبدية لدولة إسرائيل .
فبسبب الفيتو (رقم 43 لصالح إسرائيل) ، الذي استخدمته أميركا في مجلس الأمن ، بتاريخ 19 ديسمبر 2017 ، ضد مشروع قرار ، يدعو إلى سحب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب - 6 ديسمبر 2017 - اعتراف إدارته رسميا بأورشليم (القدس) عاصمة لإسرائيل ، و نقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب . و بإزاء إخفاق مجلس الأمن الدولي - من ثَم - في اتخاذ قرار يحفظ السلم فيما يخض قضية القدس ؛ تم تحويل القضية إلى اختصاص الجمعية العامة للأمم المتحدة .
و في جلستها الاستثنائية ، المنعقدة في 21 ديسمبر 2017 ، بموجب قرار (الاتحاد من أجل السلم) ، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة ، بأغلبية 128 دولة - مقابل اعتراض 9 دول ، منها أميركا و إسرائيل - لصالح قرار ، يقضي ببطلان اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل ، و بوجوب إلغائه امتثالا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ، و بعدم الاعتراف بأية إجراءات أو تدابير مخالفة لتلك القرارات .
فهل امتثلت أميركا أو إسرائيل ، لقرار الجمعية العامة ذاك ، الذي له نفس قوة قرارات مجلس الأمن ؟
الجواب هو ما يختصره تهديد الرئيس الأميركي ترمب - مُسبَّقا - بمعاقبة كل الدول التي تصوت لصالح القرار ، و ما أعلنته مندوبة الولايات المتحدة نيكي هيلي أمام الجمعية العامة ، من أنّ " أي تصويت في الأمم المتحدة ، لن يغيّر شيئا .. و سننقل سفارتنا إلى أورشليم " ، و لم تنس أن تهدد بأن " الولايات المتحدة ستذكر هذا اليوم " .
أما الجواب عند دولة إسرائيل ، فهو رفض جميع قرارات الأمم المتحدة ، التي تتعارض مع سياساتها ، كما في حالة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي بالضفة الغربية و تغيير تركيبتها الديموغرافية ، متحدية بذلك كل قرارات منظمات الأمم المتحدة ذات الصلة . و تحصيل حاصل أن يؤكد بنيامين نتنياهو رفضه المطلق لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، بإبطال اعتراف أميركا بأورشليم (القدس) عاصمة موحدة و أبدية لإسرائيل .
و الأمر لن يختلف مع جرة قلم دونالد ترمب ، بإعلان اعتراف أميركا بولاية إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة ؛ سواء على المستوى الرسمي الأميركي ، أم على المستوى الرسمي الإسرائيلي ؛ فهضبة الجولان انتهى أمرها ، كما سبق أن انتهى أمر فلسطين وفق ما حدده قرار التقسيم (https://ar.wikipedia.org/wiki/قرار_تقسيم_فلسطين) ؛ ذلك أنّ حال النظام الرسمي العربي اليوم ، هو من الضعف و التفكك و التخاذل (و العمالة و الخيانة) ، أسوأ كثيرا مما كان عليه عام 1948 .
أما المزاج العام للعقلية اليهودية في دولة إسرائيل ، كما خارجَها ، فيلخصه ما نقلته صحيفة هآرتس - 28 مارس 2019 - عن مسؤول إسرائيلي ، قالت الصحيفة إنه رافق نتنياهو في رحلة العودة من واشنطن ، حيث قال معلقا على الإعلان الرئاسي الأميركي بشرعنة سيادة إسرائيل على الجولان : " هذا يشكل مبدأً مُهماً في العلاقات الدولية ، فعندما تشن حربا عدوانية تخسر فيها أراضٍ ، فلا تأتي بعدها و تطالب باستعادتها . هذه الأراضي تعود لنا ، و لدينا جذور تاريخية في هضبة الجولان " .
و كم هو بائس و قاتم ، هذا المشهد البانورامي لواقع النظام الرسمي العربي ، حيث لا زال القادة العرب - و يا للعجب ! - يلوكون حديث مبادرة السلام العربية ، التي رفضتها إسرائيل في حينه ، كما لا زالوا - و يا للسخرية العالم ! - يطرحون على إسرائيل خيار (الأرض مقابل السلام) ، و كأنهم يملكون خيار اتخاذ قرار الحرب ، بدلا مما هم عليه من استسلام ! أو كأن جيوشهم المختصة بالقمع البوليسي ، تملك أن تهدد استقرار و أمن (الكيان الصهيونيّ) ، و هي التي لم تعرف إلا الهزائم أمام جيش الدفاع الإسرائيلي !
و مع جرة قلم الرئيس الأميركي ، بإعلان مرتفعات الجولان السورية المحتلة ، أرضا إسرائيلية ؛ ماذا كان سيمنع جرة قلم مماثلة (سواء في الكِنِست أم في البيت الأبيض) ، تفرض سيادة إسرائيل على نهري الحاصباني و الوزاني - و ربما أيضا نهر الليطاني - بدعوى صون الأمن المائي (الاستراتيجي) لدولة إسرائيل ؛ لولا انتصار المقاومة ، في حرب تحرير أرض الوطن من الاحتلال الإسرائيلي ، و إجبار إسرائيل على سحب جيشها من الجنوب اللبناني سنة 2000 ؟!
و قولا واحدا لا مِراء فيه : الحق تحميه القوة ، و القوة صِنو إرادة الحرية . أما مع الوهن و الانهزامية ، فكم من حق قد يضيع إلى الأبد ، بجرة قلم ! .
#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟