أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد زكريا توفيق - رسائل من مصر (الفلاح المصري)














المزيد.....

رسائل من مصر (الفلاح المصري)


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 6149 - 2019 / 2 / 18 - 08:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




نشأ جون نينيه (1815-1895م) في مدينة جنيف. بدأ في اقتفاء أثر ملك القطن من ميناء هارفر وحتى جورجيا. هناك تعلم نينيه كيفية إنتاج أفضل أنواع القطن.

استقر نينيه في دلتا النيل كمزارع ومصدر للقطن وصحفي. في الوقت الذي كانت قناة السويس، التي تم حفرها حديثا، تقع بالقرب من مزرعته.

كان يعيش نينيه بالقرب من الفلاحين المصريين. وراح يتابع بكل دقة جميع الخفايا التي تتعارض مع حقوق الإنسان. أرسلها في صورة رسائل من مصر في الفترة الحرجة بين (1879-1882م) لصحف فرنسية وإنجليزية وسويسرية منها التايمز.

هذه الرسائل تعتبر تحقيقا مهما حول مصر قبل الاحتلال البريطاني عام 1882م.

كتب لنا جون نينيه عن الفلاح المصري في كتابه رسائل من مصر ترجمة الأستاذ فتحي العشري يقول:

قمت بجولة داخل مصر ومررت بأفضل أقاليم الوجه البحري. في كل مكان من هذه الأرض الغنية بالطمي، والتي لاتستطيع أن تفصح عما ارتوت به من عرق وجهد مضن لإنتاج محاصيل وفيرة من القطن وغيره.

في كل مكان، ظهرت على وجه الفلاح المصري قسمات أنهكها الاستياء والبؤس. غير أن المصري بطبعه ليس نكد المزاج، يأخذ مشاكل هذا العالم بهدوء يحسد عليه، ربما بسبب تدينه العميق.

الأسرة من الفلاحين التي تستطيع أن تعيش على خبز يومي جاف أسود وبعض المش، إلى جانب بصلة كبيرة مخللة، هي في الواقع ليست أسرة فقيرة بالقياس بغيرها من عوام الفلاحين.

هذه الأسرة لا تمتلك أثاثا، إذ يقوم الحصير مقام السرير. أدوات المطبخ من الفخار متناثرة حول كوخ من الطين، يتكدس فيه الأب والأم والأبناء بلا نظام، عندما يأتي الليل ويحل الظلام، مع نباح كلب بدون داع ولا هدف.

فلا هناك شيء يستحق السرقة، لقد أخذ جباة الضرائب والمرابين كل نقوده ولم يبق له منها شيئا. أما الملابس فالزي هو زي الفقر الموحد، لا يتغير أو يتبدل، من العيد للعيد.

لم تعد الأمور كما كانت بالأمس. لقد غادرت البشاشة الهادئة الوجوه السمراء. وسقط طفل النيل وحفيد الفراعنة تحت وطأة نظام لم يترك له سوى عينين للبكاء.

إلا أن الدموع الصابرة في صمت، والتي تقاسي منذ ألفي عام بدون شكوى تثير الشفقة والإعجاب. ينتزع الكرباج صرخاته عندما يلقي المسكين نظرة على أقدامه المتورمة والدامية. لقد كان أجداده يعاملون فيما مضى بالطريقة نفسها، وكأن القدر يأبي إلا تخليد هذا النظام الكريه.

إن وضع الفلاح المصري غير محتمل. عما قريب لن يستطيع هذا الفلاح أن ينتج محاصيله. فهناك المديرون وجباة الرسوم والضرائب. ومن ناحية أخرى، هناك المرابون الأجانب الذين يقرضونه المال لزراعة حقله وتسديد ما عليه من ضرائب.

يدفع الفلاح المقترض ، بعد أن يقدم ضمان رهني، فائدة تتراوح بين 2.5 و 10% شهريا. ويكون موعد السداد مع جني المحصول أو قبله. ليس أمام الفلاح حق الاختيار، فحينما يطلب المرابي، لا يكون هناك مجال للتأجيل. وإلا تنهال ضربات الكرباج وتفتح السجون وتبكي النساء وتصرخ الأطفال.

هذا ما ينبغي ذكره والاعتراف به. فالشر يرتكب والجروح بشعة وغائرة. وممولونا مرهفو الحس الخيرون لا يرون هذا الأمر. لأن هذا يصدم أحاسيسهم وأعصابهم. على كل، الفلاحون المصريون في كل العصور، قد ولدوا كي يملأوا خزائن الحاكم، ليس إلا.

قد يحدث، وقريبا، ألا ينفذ الفلاح تعهداته. إما لنقص النقود أو المنتج. فالأعوام ليس دائما كريمة، خصبة أو رحيمة. عندئذ تتضخم الأرقام بدفاتر المرابين. فتصبح المئة جنيه إسترليني، 200، و 300، و 400، أو 500، بل وألف جنيه.

يترتب على ذلك استدعاء القانون. والحكومة غائبة عن الساحة. بسرعة شدية يجد الفلاح المصري المسكين نفسه وعائلته وقد ألقي بهم على قارعة الطريق.

إذا ما استمرت تلك الأوضاع ولم يحدث علاج سريع، فإن نصف الفلاحين أو ما يزيد عن ذلك، سيجدون محاصيلهم قد تم الحجز عليها قبل جمعها.

أسوأ ما في الأمر، هو أن غالبية المرابين هم من مواطنو الدولة العثمانية، من غير المصريين، المتمتعين بالحماية الأوروبية. وأن أصحاب هذه الوظيفة، أثروا بشكل هائل.

لقد كان أحد الفلاحين البؤساء يقوم بالأمس بدفع مبلغ 52100 جنيه استرليني سدادا لقرض تبلغ قيمته الأصلية 500 جنيه.

إن الأرض هي كل شئ بالنسبة للفلاح. جاموسته وأرضه وعائلته هم كل شئ. بالنسبة له، هذا أقصى ما تبلغه السعادة الإنسانية. فما الذي يتبقى لديه إن فقد أرضة وجاموسته وتشردت عائلته؟

انتهت رسالة جون نينيه عن الفلاح المصري في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.

فهل فلاح اليوم بأسعد حالا من فلاح الأمس؟



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مونتيسكو ومبدأ فصل السلطات
- من أين جاءت أساطير العهد القديم؟
- قصص وحكايات من زمن جميل فات - الجلشاني
- كيف تبني الطيور عشوشها
- الهروب من الحرية طلبا للأمان
- أوديسة هومير 1
- حكم المواشي وحكم البني آدميين
- الديموقراطية ونظام نقر الدواجن
- عندما كانت مصر جميلة
- كيف ولدت الشمس وكيف تموت
- الدستور وُضِعَ فى ظرف استثنائي، وبنوايا حسنة
- أوريستيا - ثلاثية أسخيليوس - أجاممنون
- دعوة لسماع الموسيقى الكلاسيكية الغربية
- لو كان ابن سلمان حصيفا
- تيران وصنافير ومبدأ فصل السلطات
- إلتماس إلى جوبيتر العظيم
- فرعون مصر المفترى عليه
- هذا ما تفعله السلطة بنا
- تفجير كنائس المحروسة، خط دفاعها الأخير
- تأثير نظرية التطور على الفكر المعاصر؟


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد زكريا توفيق - رسائل من مصر (الفلاح المصري)