لن تقوم العلمانية : بالطلاسم الثقافية ...

صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي
(Salah El Din Mohssein‏)

الحوار المتمدن-العدد: 1528 - 2006 / 4 / 22 - 10:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

العلمانية هي الحل ، وليس شيء آخر
فالعلمانية هي التي عليها تقوم نظم الحكم للدول المتقدمة والراقية ..
ماشي أوكيه ..
وأية دولة وأي شعب يريد النهوض واللحاق بأمم الأرض وشعوبها التي نهضت وتقدمت فعليه اتباع علمنة نظام الحكم ..
ماشي .. أوكيه
وبعدين ؟
وبعدين نعمل مؤتمر لتأسيس العلمانية ..
عال .. تمام ..
ولكن : ما هي العلمانية ؟؟؟
استضافت احدي قنوات التليفزيون المصري اثنين من المثقفين أحدهما عضو بالحزب العلماني الساعي لتأسيس العلمانية والمنظم لمؤتمر تأسيس العلمانية في مصر ، وسيدة فاضلة لا أعرف ان كانت عضوا بالحزب أيضا أم هي مدعوة بوصفها علمانية مستقلة .. وطلبت منهما أن يشرحا للناس ما هي العلمانية ..؟
عاوزين نفهم الناس ، وكان واضحا أن مقدمة البرنامج تقصد توجيه كلام سهل وبسيط لكي يفهم عامة الناس ، أي الأغلبية .. لا الخاصة فقط .. ما هي العلمانية .. ؟
فما كان منهما سوي أن قالا كلاما كثيرا جدا جميلا ورائعا بلغة المثقفين .. لا باللغة التي يمكن أن يفهمها عامة الناس ..
و في نهاية البرنامج .. ولأن مقدمة البرنامج قد أدركت بأن كل ما قالوه من الكلام الجميل لن يوصل معني العلمانية لعامة الناس .. عادت لتكرر السؤال : طيب لو أردنا أن نفهم الناس معني العلمانية باختصار ، نقول لهم ايه ؟
فراح كل منهما يكرر نفس الكلام :
" أن نتعامل مع النسبي بما هو نسبي ، لأن النسبي غير المطلق"
وفي حديث مماثل مع شخصية أخري يقال أنه مرشح لأن يكون نائبا لرئيس الحزب .. عن العلمانية .. قال أيضا كلاما رائعا جدا " بلغة المثقفين " وركز علي القول نفسه :
" العلمانية هي أن نتعامل مع النسبي بما هو نسبي لأن النسبي غير المطلق .. "
فبالله عليكم هل يمكن أن يفهم عامة الناس ، بل عامة المتعلمين ممن تخرجوا من الجامعات .. مثل تلك الأقوال عن النسبي والمطلق ، في بلد نسبة المثقفين بين المتعلمين متدنية جدا ، وناهيك عن الأميين حيث تزيد نسبتهم عن ال50 بالمائة من تعداد الشعب ..؟؟؟
ان القول بأن " العلمانية هي أن نتعامل مع النسبي بما هو نسبي " هو كما قلنا قول رائع وراقي وعمييييق وكبييييير
ولكن تلك اللغة يمكن أن نتحدث بها الي مفكر كبير مثل : محمود أمين العالم .. رئيس لجنة الفلسفة بوزارة الثقافة .. أرجو أن يكون بكامل الصحة والعافية ..
يمكن أن نتحدث بها الي : دكتور عاطف العراقي .. أشهر من يدرسون الفلسفة بالجامعات..
ممكن أن نتحدث بها الي : دكتور " جابر عصفور " الناقد والأكاديمي ، أمين عام المجلس الأعلي للثقافة ..
هؤلاء وأمثالهم من المثقفين المصريين .. وما أقلهم بالمجتمع .. هم القادرون علي فهم تلك اللغة ..
عندما يتكلم المثقفون الي الشعب عامة في التليفزيون ، وخاصة عندما يقدمون الي عامة الناس نظاما للحكم غريبا عليهم ويتعرض للتنفير منه والتسفيه من أعدائه وهو نظام العلمانية ، وعندما يكون الغرض من مخاطبة الناس عامة في التليفزيون هو تعريفهم بحزب جديد يسعي للنهوض بالبلاد بعد تسلمه للسلطة بالطريق الديموقراطي ... ولأن الطريق الديموقراطي لن يكون الا بموافقة عامة الناس في صناديق الانتخابات علي اختيار مرشح الحزب ...
في تلك الحالة : يجب ألا تسخدم التعابيرأو الاصطلاحات الثقافية والأكاديمية البتة .. وانما الكلام البسيط بما يمكن أن يستوعبه الجميع ..
لأن تعريف العلمانية بأنها : " التعامل مع النسبي بما هو نسبي " هو قول بالنسبة لعامة الناس يشبه :
" شمهورش .. أشتوت أشتات .. دستور يا أسياد "
وهي لغة طلسمية يستخدمها من يعالجون بالزار وتحضير العفاريت ...وربما يستشف العامة والبسطاء المعني المقصود من " أشتوت أشتات ، دستور يا أسياد " بأنه توسل واستنجاد بالعفاريت طلبا لمساعداتهم في الحصول علي الشفاء ..
أما القول بأن " العلمانية هي التعامل مع النسبي بما هو نسبي " فانني أشك كثيرا بأن أحدا من الشعب .. عدا المثقفين .. وهم قلة قليلة .. من الممكن أن يفهم منه شيئا ...
فتري : لو رشح الدكتور " محسن لطفي السيد "رئبس حزب " مصر الأم " العلماني ، أو الدكتور وسيم السيسي نائب رئيس الحزب ، وهو عالم موسوعي .. نفسه في انتخابات للرئاسة ، وقيل للفلاح والعامل والموظف من العامة ان المرشح يمثل العلمانية .. فهل فهم هؤلاء شيئا عن العلمانية ممن تكلموا في التليفزيون سوي أنهم اناس يتكلمون بلغة " شمهورش وأشتوت أشتات" الطلسمية ؟؟؟
فلمن سيعطي المواطن العادي .. الممثل للغالبية من الشعب .. صوته ؟؟؟
طبعا سوف يعطي المواطن صوته لمن يكون قد فهم ما يقوله .. فهم كلامه .. فهم عما يتكلم ..
لكي نعرف عامة الشعب ما هي العلمانية لازم نكلمهم بلغة يفهموها ويعرفوا بسهولة يعني ايه علمانية وما سيفعله العلمانيون لو مسكوا الحكم ..
يعني من تتاح له فرصة التحدث للناس بالتليفزيون وبالقنوات الفضائية عن العلمانية أو مؤتمرات شعبية تنظلم في مختلف المحافظات والمدن يجب أن يقول للناس ، كمثال :
العلمانية اننا نعيش بقوانين العالم اللي احنا عايشين فيه موش بقوانين من خارج العالم اللي بنعيشة ولا ضد طبيعة البشر .. ويطرح كمثال قضية المرأة :
المرأة دي بني آدم وبتحس مثل الرجل ومفيش رجل يقبل ان امرأته تتزوج عليه رجل آخر ..
وطبيعة المرأة انها تموت في جلدها ، وبجن جنونها لو تزوج زوجها عليها ..
هنا العلمانية تمنع تعدد الزوجات ..
لأن تعدد الزوجات ضد طبيعة المرأة وضد انسانيتها .. والعلمانية لا تقبل الا ما هو مع طبيعة وانسانية الناس
فهل هناك انسان يقبل أن يتزوج أبوه امرأة أخري علي أمه ويري أمه وهي تكاد تموت حزنا ويطير صوابها ؟؟؟
هل يقبل انسان عاقل عادل أن يتزوج زوج أخته عليها امرأة أخري ويري أخته وقد هجرت بيتها وجاءت بأولادها باكية كالمجنونة كارهة للحياة كلها ...؟
فكيف تقبل علي زوجتك ؟ ما لا تقبله علي أمك أو أختك ، ولا علي ابنتك ؟
منع تعدد الزوجات هو مما تحرص عليه العلمانية ...
المرأة هي الأم ، هي المدرسة الأولي وهي صانعة الرجال والأجيال.. فهل يسعدك أن تحصل زوجتك علي نصف نصيب فقط من ميراث أبيها ؟ فلما لا تكون لابنتك نصيبا كاملا من الميراث ؟ ولا يجوز أن تكون شهادتها بالمحكمة نصف شهادة فقط لأنها ليست نصف انسان لكي يحكم لها بنصف الحق وانما المرأة انسان كامل ، والعلمانية تحرص علي أن تكون حقوق المرأة كاملة في قوانين الدولة .
هنا تعرف كل النساء ما تعنيه العلمانية بالنسبة للمرأة
وهنا تعرف المرأة لمن يجب أن تعطي صوتها في الانتخابات ، وكيف تؤثر علي زوجها وعلي أولادها وعلي المحيطين بها لكي يعطوا أصواتهم في الانتخابات لمن ينصفوا المرأة ويقدروا انسانيتها .. ويعرف كل رجل عادل عاقل .. ما تعنيه العلمانية من تأمين لحياة أخته مع زوجها ، وتأمين لحياة أبنته مع زوجها ، وتأمين لحياة أمه مع أبيه فلا تأتيه أمه وهي في شيخوختها باكية هاجرة بيتها لأن أباه قد تزوج عليها من فتاة صغيرة .. .. فلا تعدد للزوجات في العلمانية كي لا تكون حيا ة المرأة علي كف عفريت ..
انه مثال ...
نقول للناس :
العلمانية تحمي الوطن من أن يدبح الناس بعضهم البعض ويحرقوا المنازل والمزارع ، وامكان اغراق البلاد في حرب أهلية أو تدخلات أجنبية بسبب الأديان ، من هنا فالعلمانية تقضي بأن :
الأديان في المعابد فقط وفي قلوب المؤمنين بها .. أما القوانين التي تظلل الجميع بالعدل والأمان فهي القوانين المدنية العصرية التي تحكم بها الدول المتقدمة الحديثة :
هنا يعرف الناس موقف العلمانية من الأديان و الدواعي والمبررات المعقولة ؟؟؟
نقول للناس :
الناس لأجل الحياة ، أن العسكريين هم أدري بأمور الحرب والضرب والقتال والقتل، ومهمتهم هي الدفاع عن الوطن فقط ، دون استلام الحكم والا اختلت الأمور مثلما هي مختلة الآن ..
و لعلمانية هي أن يكون الحكم للسياسييين المدنيين فهم أدري بشئون الحكم المدني وهم الأدري بشئون الحياة واحتياجات البشر ومتطلبات معاشاهم لا الحرب والضرب والقتال ..
العلمانية أن يكون الحكم بقوانين مدنية لا قوانين عسكرية .. وان اقتضي صالح البلاد الحكم بقانون طواريء فلفترة محددة تماما ، يوقف بعدها العمل بالطواريء وتعود البلاد للقوانين العادية.. فلا يلقي بالناس في السجون والمعتقلات بدون محاكمات وبدون حكم من المحكمة ولأكثر من عشر سنوات كما هو جاري الآن .. انه قانون عسكري والعلمانية ضد أن تحكم القوانين العسكرية حياة المواطنين المدنيين ..
هنا يفهم أهالي عشرات الآلاف من المعتقلين بقانون الطواريء العسكري في سجون مبارك ومعتقلاته معني من معاني العلمانية وميزة من مزاياها ....
ان الاقتراب من عامة الشعب لا يكون كما يتوهم مثقفون بأن نسمي المنتدي الثقافي : ورشة ابداعية .. بالعربية أو نسميها " أتيليه " بالفرنسية .. أي ورشة أيضا ..بينما هو معرض للوحات الفن التشكيلي واقامة الندوات الثقافية و الورش شيء مختلف تماما عن المنتديات الثقافية..
رأيت مثقفين باحدي مدن مصر افتتحوا مقها ثقافيا وأسموه " قهوة الشحاتين " ولا أحد من الشحاتين ولا حتي الفقراء العاديين يجلس علي تلك المقهي وانما كلهم مثقفون .. .. وكأن الاقتراب من الشعب يتم بمجرد النزول بالأسماء والهبوط غير المضبوط بها .. .. بينما اقتراب المثقفين من عامة الشعب لتوعيتهم وتنويرهم يتم بمخاطبتهم بلغة يفهمونها ومنطق سهل بسيط غير مركب يمكن للبسطاء استيعاب مغزاه ..
يجب أن يدرب العلمانيون ، والمثقفون عامة والعلمانيون خاصة أنفسهم علي كيفية افهام العامة ببساطة تناسبهم وبأقل الكلمات ما هي العلمانية عندما يخاطبوا الناس بوسائل الاعلام وأيضا في تعاملاتهم اليومية مع الناس .. واالتعابير والاصطلاحات الثقافية والأكاديمية فيمكنهم أن يقولوها في منتدياتهم الثقافية ، في المحاضرات بالجامعات ، في أطروحاتهم لرسالات الماجستير والدكتوراه فقط ..
أما مخاطبة شعب بسيط ، فتحتاج لكلمات بسيطة ومفهومة ، لكي يتحقق النهوض المنشود للأمة..

#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)       Salah_El_Din_Mohssein‏#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات