حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 6125 - 2019 / 1 / 25 - 00:09
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
جون سميث (الأول من حزيران ، 2015)
كلمة المترجم
فيما يتولى الأميون من مأجوري الحلف الأمريكي-الصهيوني-السعودي الفاشي الجديد في المنطقة القرع على رؤوسنا كل يوم من على صفحات موقع "الحوار المتمدن" الأغر بخزعبلات الأسطوانة المشروخة لجوقة "أفندية مضارب مدن القفار لآخر زمن " لمآتم الندابين المحترفين الوهمية على : "موت الرأسمالية" و "انتهاء الإنتاج" و "نهاية التاريخ و التطور" دون أن يكلفوا أنفسهم أصلاً بوعي ماهية كل من "رأس المال" و لا "الانتاج" و لا "التاريخ" و لا "التطور" الذي عنه يخزعلون و يلطمون للتعامي المغرض عن رؤية الحقائق الناصعة لعصر سواد رأسمالية النار على كل قارات الأرض و تغوّلها الرهيب على مقدرات البلدان الضعيفة شعوباً و ثروات بشرية و طبيعية .. وجدت أن من المفيد التفرغ لبعض الوقت لتقديم هذه الترجمة لمقالة بالعنوان أعلاه لجون سميث (John Smith) ، أستاذ مادة "الاقتصاد السياسي العالمي" في "جامعة كنغستن" (Kingston University) بلندن و هي البحث الملخص لكتابه المعنون "إمبريالية القرن الحادي و العشرين" من منشورات مطبعة مجلة : "المراجعة الشهرية" (Monthly Review) التقدمية الأمريكية الشهيرة لعام 2016 . ظهرت هذه المقالة في المجلد 67 للمجلة أعلاه ، العدد 3 ، (تموز-آب) من عام : 2015 . و تتضمن المقالة رسوماً بيانية توضيحية غاية في الأهمية و لكن يتعذر نشرها في هذا الموقع ، لذا فقد اضطررت لحذفها مع الملاحظات الخاصة بها آسفاً .
المقدمة
إن عولمة الإنتاج و انتقاله إلى البلدان ذات أجور العمالة المتدنية يمثلان أهم تحول دينامي في عصر اللبرالية الجديدة . و الدافع الأساسي لهما هو ما أطلق عليه بعض علماء الاقتصاديين مصطلح : "المراجحة العمالية العالمية" مُمَثلةً بالجهود التي تبذلها الشركات في أوروبا و أمريكا الشمالية و اليابان من أجل خفض تكاليف الإنتاج و زيادة الأرباح من خلال استبدال العمالة المحلية الأعلى أجراً بعمالة أجنبية أرخص ، يتم تحقيقها إما من خلال هجرة الإنتاج ("الاستعانة بمصادر خارجية" (outsourcing)، كما يُشار إليه هنا) أو من خلال هجرة العمال . حيث أدى خفض التعريفات الجمركية و إزالة الحواجز أمام تدفقات رأس المال إلى الدفع بهجرة الإنتاج إلى البلدان ذات الأجور المتدنية . غير أن عسكرة الحدود و ارتفاع مشاعر كراهية الأجانب كان لهما الأثر المعاكس على هجرة العمال من هذه البلدان - ليس وقفها تماماً ، و إنما منع استمرار تدفقها و عرقلة تحسين الوضع الحرج للمهاجرين من الدرجة الثانية إليها . و نتيجة لذلك ، نجد ان المصانع تجتاز الحدود الأمريكية المكسيكية بحرية تامة ، مثلما تجتاز بسهولة جدران القلاع الأوروبية ، أسوة بالسلع المنتجة فيها مع الرأسماليين الذين يمتلكونها - باستثناء البشر الذين يعملون فيها ، فأولئك ليس لهم حق المرور . . إنها صورة مأساوية للعولمة - لعَالمٍ بلا حدود لكل شيء و لكل شخص باستثناء البشر العاملين .
أن الفروقات العالمية في الأجور - الناجمة عن قمع الحركة الحرة للعمل إلى حد كبير - توفر انعكاساً مشوّهاً للاختلافات العالمية في معدل الاستغلال (الفرق بين القيمة التي يولّدها العمال وما يُدفع لهم من أجور) . حيث يشير تحول الإنتاج من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها إلى حقيقة أن أرباح الشركات التي تتواجد مقراتها في أوروبا و أمريكا الشمالية و اليابان ، و معها كل قيمة الأصول المالية المستمدة من هذه الأرباح ، مع مستويات المعيشة لمواطني هذه الدول قد أصبحت معتمدة بشكل كبير على ارتفاع معدلات استغلال عمال ما تسمى بـ "الدول الناشئة" . لذا ، يجب الاعتراف بأن العولمة اللبرالية الجديدة هي المرحلة الحديثة للتطور الرأسمالي الإمبريالي ، حيث يتم تعريف "الإمبريالية" بجوهرها الاقتصادي : استغلال العمالة الحية الجنوبية من طرف الرأسماليين في الشمال .
يقدم الجزء الأول من الكتاب نتائج التحليل الميداني للانتقال العالمي للإنتاج إلى الدول ذات الأجور المتدنية ، و يحدد ميزته الرئيسية : الاستغلال الإمبريالي الفائق (1) . أما الجزء الثاني ، فيسعى إلى شرح ذلك طبقاً إلى نظرية ماركس للقيمة ، عبر التطرق أولا إلى النقاش الذي قام في الستينيات والسبعينيات بين نظرية التبعية والنقاد الماركسيين "الأصوليين" ، ومن ثم تدبر نظرية لينين للإمبريالية ، و يختتم بإعادة قراءة نقدية لـ "رأس المال" لماركس .
الجزء الأول: العولمة والإمبريالية
عولمة الإنتاج والمنتجين
تتمثل عولمة الإنتاج بذلك التوسع الهائل للقوة و للمدى اللذين تحوزهما الشركات العابرة للحدود التي يمتلك غالبيتها العظمى الرأسماليون المقيمون في البلدان الإمبريالية . و يقدِّر الأونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) بأن : "حوالي 80 في المائة من التجارة العالمية .. يرتبط بشبكات الإنتاج الدولية للشركات العابرة للحدود" ، إما كاستثمار خارجي مباشر داخل البلدان الناشئة ، أو "كذراع" لطول العلاقات القائمة بين" الشركات الرائدة" مع مورديها المحليين المستقلين رسمياً" .
إن التصنيع الموجه للتصدير (أو ، حسب المصطلح الشمالي ، "الاستعانة بمصادر خارجية") أصبح هو الخيار الرأسمالي الوحيد المتاح أمام الدول الفقيرة التي لا تتمتع بثروات طبيعية وفيرة . و بسبب ذلك ، فقد ارتفعت حصة "الدول النامية" من الصادرات المصنعة العالمية من نسبة حوالي (5) بالمائة في فترة ما قبل العولمة إلى ما يقارب نسبة (30) بالمائة بحلول مطلع الألفية الثانية ، في حين أن حصة السلع المصنعة من صادرات الجنوب قد تضاعفت ثلاثة أضعاف في غضون عشر سنوات ، واستقرت في أوائل التسعينات عند نسبة أكثر من (60) بالمائة . و في عام 1970 ، كان ما يقرب من نسبة (10) بالمائة فقط من الواردات المصنعة تأتي مما كان يسمى آنذاك ببلدان "العالم الثالث" . و مع حلول مطلع الألفية الثانية ، كانت هذه الحصة - ضمن إجمالي متوسع إلى حد كبير - قد تضاعفت خمس مرات (2) .
و توضح صناعة السيارات الأمريكية هذا التحول على نحو جلي . ففي عام 1995 ، استوردت هذه الصناعة أربعة أضعاف القيمة المضافة للمواد ذات الصلة بالسيارات من كندا ، عنها من المكسيك ، أي بزيادة 10 بالمائة فقط عن عام 2005 ، وبحلول عام 2009 ، كانت المكسيك مصدراً للقيمة المضافة بنسبة 48 بالمائة مقارنة بالمواد المنتجة في كندا التي تستورها هذه الصناعة . كما كانت عمليات الإنتاج في البلدان المنخفضة الأجور هي على الأقل بنفس أهمية الشركات الأوروبية واليابانية مقارنة بمنافسيها في أمريكا الشمالية . و خلصت دراسة عن التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين إلى أن "إمكانية نقل أنشطة الإنتاج و التجميع التي تحتاج إلى المزيد من العمالة إلى الصين توفر فرصة لشركاتنا الخاصة للبقاء و النمو في بيئة متزايدة التنافس" ، في الوقت الذي تستمر فيه شركات الإلكترونيات اليابانية بالازدهار في الأسواق الأمريكية تحديدًا لأنها نقلت خطوط التجميع إلى الصين " (3) .
والنتيجة هي نشوء بنية غريبة للغاية للتجارة العالمية ، حيث تتنافس الشركات الشمالية مع الشركات الشمالية الأخرى ، و يعتمد نجاحها على قدرتها على خفض التكاليف من خلال الاستعانة بمصادر خارجية للإنتاج . و تتنافس الشركات في البلدان ذات الأجور المتدنية بشدة مع بعضها البعض ، و تسعى جميعها إلى الاستحواذ على "الأفضلية النسبية" نفسها ، و هي تحديداً الفوز بالعمال العاطلين عن العمل ممن هم بحاجة ماسة له . لكن الشركات الشمالية لا تتنافس بشكل عام مع الشركات الجنوبية (4) . وهذه الحقيقة البسيطة التي غالباً ما يتم تجاهلها هي القائمة في العلاقات بين الشركات الأم و شركاتها المحلية المملوكة لها بالكامل (أي الاستثمار الأجنبي المباشر) . لذا ، نجد أن العلاقة السائدة بين "بريمارك" و مورديها البنغلاديشيين ، و بين "جنرال موتورز" و الشركات المكسيكية التي تصنّع المزيد و المزيد من مكوناتها هي علاقة تكاملية ، و ليست تنافسية ، و أن كانت غير متكافئة إلى حد كبير . صحيح أن هناك استثناءات مهمة ضمن إطار غريب تمزقه التناقضات ، لكن النمط العام واضح : هناك تنافس بين الشمال و الشمال ، و تنافس بين الجنوب و الجنوب يصل إلى حد السباق ؛ و لكن هناك غياب عام للمنافسة المباشرة بين الشمال و الجنوب على صعيد الشركات . و في ذات الوقت ، يواجه العمال المنافسة الحادة بسبب الفجوة العالمية للأجور ، و قمع زيادة الأجور ، و الانخفاض المتسارع في حصة اليد العاملة من إجمالي الناتج المحلي في جميع البلدان (5) .
و لم تحوِّل عولمة الإنتاج إنتاج السلع فحسب ، بل و حوّلت أيضاً العلاقات الاجتماعية بشكل عام ، و خاصة العلاقة الاجتماعية التي تحدد الرأسمالية : علاقة رأس المال مع العمالة التي باتت بشكل متزايد هي العلاقة القائمة بين رأس المال الشمالي و العمالة الجنوبية . إن النمو الهائل للقوى العاملة الصناعية في الدول "النامية" يكشف عن حقيقة أنه في عام 2010 كان (79٪) ، أو (541) مليونًا من عمال الصناعة في العالم ، يعيشون في "المناطق الأقل نمواً" ، إزاء بنسبة (34) بالمائة في عام 1950 و (53) بالمائة في عام 1980 . و بالمقارنة ، فإن تعداد العمال الصناعيين في البلدان الامبريالية نفسها بلغ 145 مليون عامل صناعي ، و نسبتهم هي (21) بالمائة فقط من المجموع الكلي لعمال الصناعة في العالم عام 2010 (6) .
الملاحظات :
1.
لأغراض هذه المقالة ، يشير مصطلح : "الاستغلال الفائق" (super exploitation) إلى معدلات الاستغلال التي تفوق المعدل العالمي . و يُطلق هذا المصطلح على الدول التي تسود فيها الأجور المتدنية .
2.
UNCTAD ، تقرير الاستثمار العالمي 2013 (سويسرا : الأمم المتحدة ، 2013) ، http://unctad.org/en.
4.
بيانات من قاعدة بيانات "التجارة في القيمة المضافة" لمنظمة التعاون و التنمية في الميدان الاقتصادي ، http://stats.oecd.org ، بخصوص قيمة الصادرات الصافية من المدخلات المستوردة .
5.
Ari Van Assche, Chang Hong, and Veerle Slootmaekers, “China’s International Competitiveness: Reassessing the Evidence,” LICOS Discussion Paper Series, Discussion Paper 205/2008, 15, http://feb.kuleuven.be “The Great Unbundling,” Economist, January 18, 2007, http://economist.com.
6.
للدليل على ذلك ، انظر ريكاردو هاوسمان ، سيزار هيدالجو ، و آخرون ، أطلس التعقيد الاقتصادي ، 2011 ، http://atlas.media.mit.edu.
يتبع ، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟