أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمى محمد - من المكان الذي تنتظر فيه الشياطين -عليّ السوريّ- الجزء الثاني 11















المزيد.....

من المكان الذي تنتظر فيه الشياطين -عليّ السوريّ- الجزء الثاني 11


لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)


الحوار المتمدن-العدد: 6119 - 2019 / 1 / 19 - 00:16
المحور: الادب والفن
    


خرج عمّار و هو لا يعرف إلى أين يذهب.. قلبه يبكي فيما يصرّ على منع عينيه من البكاء.. الناس في الطرقات الغريبة مسرعون جداً، و هو مازال يجرّ عربة قلبه جراً...

شخصه الطبيب بالاكتئاب.. ضحك ببلاهة: يعني أنا مجنون..
قال الطبيب: هذا كلام قديم، الاكتئاب سببه نقص السيروتونين...
-السيرو؟ ما قلت.. ؟ هل تعني أنه يجب عليّ المسير؟
-الطبيب ابتسم، بينما عمّار من يومها و هو يمشي.. قطع المدينة كلها :
مرّ بدكان السمّان أبو مازن، أدار وجهه حتى لا يسلّم عليه، سمع صوته.. أستاذ عمّار كل عام و أنت ( تذكرنا)...
حساب أبو مازن خمسون ألفاً.. هل تعرفون ما معنى الخمسين ألف؟
-خمسون ألف غصة في اللقمة و قد غمسها الذل...

مرّ بمنزل سعاد، و سعاد التي كررت قصص ( الولايا) و الحريم و تركته من أجل صديق حميم.. غادرت المنزل، على أطلالها سكنت بهيّة الراقصة التي رمت له بخلخالها مع رسالة حمراء.. المهم هو لم يدنس المكان.. هذا ما قاله لنفسه...
مرّ بسيارة مديره، و رآه فيها يقبّل إحدى الموظفات.. لم تكن السكرتيرة-قال في نفسه- بعض الناس لا يقبّلون السكرتيرة!

وصل إلى منعطف طريق، و فيه شاهد على إحدى الجهات جسراً موحياً بفكرة دميمة تدور في خاطره منذ زمن، فكرة بشعة بشعة.. كافرة..مجرمة و قاتلة لمن حوله.. فكرة مهزومة وسامّة.. أجل فكر بالانتحار…
قال في نفسه: لمَ لا؟
ثمّ قرر أن يأخذ الجهة الثانية ليفكر في الأمر أكثر…
بدأت خطواته تتسارع في الجهة المعاكسة، يسأل نفسه: لماذا وجودي في هذي الحياة؟ كيف أتأقلم، لماذا تركتني تلك، لماذا غدرني ذاك.. لماذا فشلت.. لماذا لحقني الفشل كظلّ مصباح كهربائي استخدم في التعذيب.. لماذا لم تحبني هبة و داست قلبي عببر..

عزم أنه ما من حلّ آخر.. الجسر الأبيض معلقٌ في ذاكرته كوطن الآن.. قدماه تستعدان للعودة إليه.. فيما يد صغيرة تسحبه من معطفه البنيّ..
-أريد ماما…
طفلة في الرابعة من عمرها، وجهها أسمر عراقي أصيل يختلط عسل جماله بعسل العينين البريئتين الخائفتين.. ملابسها قديمة لكنها نظيفة…
-أين أمك يا صغيرة؟
-في البيت.. ثم بدأت بالبكاء…

حمل عمّار الطفلة : - لا تخافي أيتها الصغيرة، سنجد ماما اليوم…
************


عندما قالوا ل “ علي” أن المناطق كلها (تعفشت) لم يعرف ماذا يعني هذا، كان في قلبه قليل الأمل حول غد لا يخنق الحقد مستقبل أطفاله..
لكن بعد ما حدث من سرقة بيوت (تعفيش) من قبل المحسوبين على الموالاة و خطف سبايا (غنائم حرب) من قبل المحسوبين على المعارضة.. لم يعد من مجال للشك بأن البلد فتحت باب جهنم الأرضيّة…
جهنم هذه لا تشبه النار في شيء.. بل تقتلك دون أن تمسَّك: تقتل مستقبل أطفالك، تقتل أمان أحلامك.. تقتل قدرتك و جارك على مشاركة الوجع، و من لا تشارك معه الوجع يصبح في أحسن الأحوال عدوّاً.

كانت سوريا بالنسبة ل “ علي” أمه و أبوه، كتب لي في ذلك اليوم:
“ الوطن أغلى في قلب اليتامى، لذلك نقبر أحبتنا في أرضه.. أحس أنني يتيم جداً و بلا وطن” .
-متى ترجع؟
-حتى أُحضر ياسمين.. المسكينة تنتقل بين بيت و آخر، لم يبقَ لها أحد..
-ومتى تحضرها؟
-حتى أدخل حدود إمارة “ أبو ثعلبة التغلبي” …
-تمزح بالاسم ها؟
-لا هذا اسمه، أصله أردني، لكن قرر الجهاد من هنا و تخليص الأمة الإسلاميّة…
-إذاً تمزح في محاولتك دخول إمارته..ها..
-لا لا أمزح أربي لحيتي و قريباً سأظهر لك “ أبو قهّار الأدلبي” …
-ماهذا الاسم، بالله تتكم جد؟
-طبعاً و هل تتخيلين أن أدخل باسم نيتشه أو حتى علي؟
-لا أريدك أن تدخل الإمارة أبداً، هل تعرف ماذا يعني أن يمسكوك؟
-ههه.. لا أريد أن أعرف..
ثم أرسل لي وجه ضاحك…
-أنتِ خففتِ من هجومك على المسلمين، هل هددوكِ؟
-تقصد هجومي على المتأسلمين و نقدي للمسلمين؟
-ماالفرق؟
-كبير.. النقد هو تسليط الضوء الواعي على الأخطاء، لكونك تريد التغيير للأفضل.. الهجوم هو سلاحنا في مواجهة الذئاب إذا ما هاجمتنا.. وأنت تعلم أنه ما من عقلٍ لها.
عندما يهاجم المثقف المولود في بيئة مسلمة الإسلام ككل، و يعتبر المسلمين كلهم إرهابيين، فلماذا يكتب؟
-لم أفهمكِ؟
-أقصد إن كنت أنت كمثقف مولود في بيئة مسلمة، تهاجم كل المسلمين، فأنت تهمل من يشبهك بين المسلمين أولاً، ثانياً: كيف سيكون كلامك مسموعاً بينهم و أنت تدمغهم بما ليس فيهم.. إن أردت التغيير فالموعظة و الكلمة الحسنى.
-سآخذك معي إلى اإمارة “ التغلبي” .. حجتك بالغة…
**********


قالت له الطفلة أنّ اسمها: توتة.. و لم تعرف أكثر..
حملها عمّار إلى قسم الشرطة في المنطقة.. قالوا له: اتركها -يعطيك العافية- نحن نتكفل بالأمر، لكنه لم يقبل.. انتظر معها ست ساعات..اشترى لها (سندويشة جبنة) و سكاكر..أطعمها و لم يتركها و لو ثانية…
ثم انتظر ساعتين، وكان على وشك الجدال مع الشرطة حول تركها معهم.. أراد أن يأخذها إلى بيت هبة.. عندما حضرت “ بغداد” : امرأة في الثلاثينيات، نحيلة و شاحبة.. و برغم جمالها يشع الحزن من وجهها كأمنية محققة.. شعرها أسود كثيف و مضفور… عيناها باكيتان.. فستانها أسود طويل، و في قدميها حذاءٌ قديم ذكوريِّ الجلد و التصميم…
احتضنت الطفلة و غرقتا معاً في البكاء…

-شكراً لك لإنقاذك “توتة”.. تيماء طفلتي.. سحبوها من يدي في سوق الخضار، بحثت كالمجنونة كل اليوم.. لقد أنقذتني كنت أفكر في القفز عن الجسر الأبيض اللليلة..
الجسر الأبيض؟ الليلة…
توقف قلب و عقل عمّار لأجزاء الثانيّة.. لا يمكن أن يكون ما يحدث حقيقة.. هذا يشبه فلماً هندياً أو عربياً سيء الإخراج.. كان قد فقد إيمانه بالغيبيات و الأرواح من زمن.. وقف مندهشاً فاغراً فاه لدرجة أن “ بغداد “ ظنته “على البركة”…

-الله يوفقك.. الله يعطيك حتى يرضيك..لقد أنقذت روحيَن توتة و أنا.. أعطني يدك أبوسها.. جميلك على رأسي من فوق.. الله يحميك…
-لقد حماني…

“نحن موجودون في هذا المكان و هذه الساعة لغاية ما.. مهما فشلنا، ومهما كان لنا من قدرنا صفعاتٌ و خيبات.. فما خُلِقنا من أجله قادمٌ و لن يكون بسيطاً مهما اعتقدناه كذلك.. اليوم هو يوم ميلادي الذي اخترته: كل عام و أنا بخير.”.

كتب عمّار هذي الرسالة ل “هبة” من فوق الجسر الأبيض.. فيما سمح لعينيه أخيراً بالبكاء…


يتبع…



#لمى_محمد (هاشتاغ)       Lama_Muhammad#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عناوين القمر والشمس-الطب النفسي الاجتماعي-حكايتي14-
- كيف يتنزّل القرآن على شعوب لا تفهم في الكنايّة؟-عليّ السوريّ ...
- من المكان الذي ينظر منه الله- عليّ السوريّ: الجزء الثاني 9-
- جَلْدُ الذات-الطب النفسي الاجتماعي-حكايتي 13-
- مُسَلَّمَات: الطرف الثالث-الطب النفسي الاجتماعي- حكايتي12
- -اقرأنّ- الطب النفسي الاجتماعي-حكايتي 11
- سفاح المحارم النفسي -الاينمشمنت- : الطبّ النفسي الاجتماعي- ح ...
- اسرائيل و القضايا العالقة-عليّ السوريّ: الجزء الثاني 8-
- جنون العَظَمَة- الطبّ النفسي الاجتماعي- حكايتي 9
- للرجال فقط -الطب النفسي الاجتماعي- حكايتي 8-
- وهم فرويد-الطب النفسي الاجتماعي-حكايتي 7
- مرآتك -الطب النفسي الاجتماعي- حكايتي6
- “ أنا ما قتلت” التي كشفت الكعبة!
- غاردي دبيّ-عليّ السوريّ: الجزء الثاني 7-
- ليثيوم-الطب النفسي الاجتماعي-حكايتي 5
- ثلاث عيون و أنفيَن- عليّ السوريّ الجزء الثاني 6-
- سأضع الحجاب- العلاج النفسي الاجتماعي- حكايتي4
- بين الأكراد و اليزيديين: ضاع الشرف العربي-عليّ السوريّ الجزء ...
- لماذا طلّقني؟-الطب النفسيّ الاجتماعيّ- حكايتي3
- تظاهرات العراق: رعب الحكومات العربية في تجدّد دائم...


المزيد.....




- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمى محمد - من المكان الذي تنتظر فيه الشياطين -عليّ السوريّ- الجزء الثاني 11