أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد إبراهيم أحمد - بَرَاَءَةُ العَامِّيَّةِ مِنْ هَدْمِ الْفُصْحَىَ..















المزيد.....

بَرَاَءَةُ العَامِّيَّةِ مِنْ هَدْمِ الْفُصْحَىَ..


السيد إبراهيم أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 6118 - 2019 / 1 / 18 - 09:51
المحور: الادب والفن
    


لم تراوح قضية العامية كلهجة مكانها؛ ففي أدبيات علماء العربية الفصيحة وكذلك الذين ينافحون عن الإسلام اتهامًا ثابتًا رسَّخوه في أذهاننا منذ مطالع الصبا أنه ليس هناك من خطرٍ أكبر وأقدر على اللغة العربية ودين الإسلام من تلك العامية اللعينة، فعشنا ونحن نحس بالذنب يوميًا من اعتياد الحديث بها، فجعلنا جُل اجتهادنا في التحدث بالفصحى إلى درجة الدخول في حوارات يومية بالفصيحة البليغة بيني وبين أصدقائي بالساعات ونحن نتهارش باللفظ الحوشي المستغرب المستهجن، وكلما أغرقنا كلما أثبتنا جدارة الاصطفاء بشرف الانتساب إلى أهل تلك اللغة.

غير أن الأيام مرت ولم يثبت لنا أن العامية أو العاميات العربية في أساسها كانت وحدها هيَ الخطر الداهم في وقف زحف الفصحى والتسبب في ضعفها، كما عرفنا على طول البلاد العربية وعرضها أدباء وشعراء يكتبون العامية مع اتصالهم الوثيق بالعربية الفصيحة سواء في مكاتباتهم أو أعمالهم، وهم يملكون ناصية الإبداع باللغتين دون غضاضة أو تضاد، أو تنطوي في نفوسهم الرغبة الملحة في القضاء عليها، ولم يلجأوا إلى العامية استسهالاً أو هروبًا من معجمية الفصحى وقواعدها، والشعر الخليلي وعروضه، والدواوين خير شاهد على صدق ما أقول، والمجموعات القصصية التي تجد مبدعها واحدًا على الرغم من اختلاف الأجناس الأدبية واللغة واللهجة المستخدمة.

وحين سألني أحد الأدباء الذين يمارسون العامية والفصحى والكتابة: لماذا تنتصر للفصحى وتكتب بالعامية؟!
فأجبته: ليس ثمة تناقض؛ إذ كنا في مصر نستقبل الجزائرية عبر غناء رابح درياسة، والمغربية عبر عبد الوهاب الدوكالي، واللبنانية عبر صوت فيروز وكذلك الفن الخليجي، واستمتعنا بكل تلك اللهجات كما استمتع العرب باللهجة المصرية، وكانت لها السيادة لأنها امتلكت المواد الناقلة والحاملة لها عبر الأدب والفن والإعلام، وصرنا نميز بين اللهجة السعودية والتونسية.

لقد التقت لهجات العرب في إذاعة صوت العرب المصرية، لكن كان هناك اتفاق ضمني مبدئي أننا نتكلم العامية لكن في كتبنا وصلواتنا تجمعنا العربية الفصحى، فليس ثمة تناقض ولو حتى من باب العرف، والعرف عند العرب أقوى من القانون. وكتبتُ بالعامية ــ وقت كنت أكتب شعرًا بالعامية ـ لأنها نادتني تغلبتُ عليها تارة لكنها غالبتني في الزجل والقصيدة العامية والأغنية، كنت معها مثل الطفل الأعسر كلما حاول التيامُن لم يستطع، مع كوني لا أجد غضاضة في التعاطي مع القصيدة الفصحى قراءةً وكتابة، ووافقني أحد أصدقائي ممن يكتبون القصيدة العمودية الرأي الذي ذكرته وأنا في رابطة الأدب الإسلامي العالمي: عندما يكون المعنى أقوى في النص الشعري العامي، فهو أفضل من شعر موزون بالفصحى ولكنه خواء!

لقد شَكَّلت الثورة الفضائية في الاتصالات أحد روافد الوسائل الحمائية لتلاقح الأفكار بالعامية، فقد نقل جناح الدراما بأنواعه عامية كل قطر عربي إلى شقيقه من شعوب الأقطار الأخرى، وبعد أن كان عندنا إذاعة واحدة تضم العرب، صار عندنا قنوات لكل قطر وهذه القنوات على كثرتها لم تفرق العرب بل جمعتهم.

ليس هناك خوف على الفصحى من العامية، مثلما ليس ثمة خوف على العامية من جور الفصحى، بل أفادت الفصحى العامية حين هذَّبتها ورفعتها قريبًا منها، ودخلت العامية على الفصحى فأنَّستها وحببَّتها إلى المتلقي الذي كان ينفر منها، وبهذا أصبح لدينا لغة وسطى “ثالثة” يجتمع عليها الكل، ومن استطعم وتذوق اللغة في كل أحوالها وامتلك ناصية أكثر من جنس شاء له أن يُعبَّر بأقواها، والفكرة هيَ التي تختار قالبها لا المبدع.

يقول اللغوي خليل كلفت في دراسته حول الازدواج اللغوي بين الفصحى والعامية: (وهكذا نلتقى بفكرة أن التجاور بين اللغتين المسماتين بالفصحى والعامية كان قائمًا منذ البداية، منذ الجاهلية، وبفكرة أن التجاور الطويل أثبت عجز “الفصحى” عن القضاء على تلك “العامية”، وبفكرة أنه أثبت عجز “العامية” عن القضاء على “الفصحى”، وبفكرة ضرورة القضاء على هذه لصالح تلك، وبفكرة ضرورة القضاء على تلك لصالح هذه، وبفكرة أن التجاور سيظل قائما إلى ما شاء الله، وبفكرة أنه تجاور سعيد لا ينبغى أن يثير ضيق أحد).

يرى الشاعر والباحث كريم موزة الأسدي أن الفصحى وهى الأم ما عادت لغة يومية لأىِّ من الشعوب العربية لذا فإن تراثها من العصر الجاهلي وحتى الآن هو تراث عربي أصيل لكنه يقع خارج دائرة الفلكلور ليستقر ضمن التراث الرسمي بحكم أنها لغة القراءة والكتابة وليست لغة المشافهة، ولقد ميز الأدباء والمفكرين المعاصرين بين أدب الخاصة وأدب العامة.

كما يرى أن “اللغة العامية الدارجة” هي الوعاء الأكبر لفنون مثل الشعر الشعبي والأغاني الشعبية بجميع ألوانها وبما يرافقها من ألحان وموسيقى وحكايات وأمثال ونكت وطرائف وكل أشكال القولي الشفاهي، ولقد ظل هذا النوع حيّاً رغم تقلبات الأحوال والعصور وذلك لأن دورانه على الألسن والشفاه وليس على الورق يكون بمثابة دوران الدم في عروق الكائن الحي لذا فهو يرفض أن يجمد لكنه يتغير ويتنوع ويتطور باستمرار لأن ما يشكله هو ذاكرات وأناس في مواقف معينة وفقاً لمواهبهم المبدعة وتلبيةً فوريةً لاحتياجاتهم.

ينبه الأسدي إلى نقطة هامة يراها مرتبطة بعملية التنوير حيث يأتي دور الأدب العامي أكثر أثرًا من أدب الفصحى، وذلك لأن أدب الفصحى بماله من خصائص ومميزات يظل فوق مـدارك العامة مما يقلل أو يضعف تفاعلهم معه ويضعف بالتالي تأثيره فيهم بخلاف الأدب العامي الذى واسطته في مجتمعه عامة الشعب، فهو بحكم عفويته وبساطته ومجاراته لأحـداث الساعة وانتقاله السريع مشافهة يكون له النفوذ الطبيعي على جميع طبقات المجتمع.

وتأتي نظرة الأسدي مؤيدة لما قلته من نفي الخوف الموهوم والمهول من خطر العامية على العربية، فيقول: (وبالنظر إلى الشعر الشعبي أو العامي تحديدًا سنجده يرتبط بتقاليد الشعر العربي الفصيح ليس بتقاليده فقط وإنما أيضًا أغراضه وهذا الارتباط أسَّسَ للتشابه والتجانس بين جملة ما أُنتج في أدبنا العربي من شعر على اختلاف البيئات والعصور فهما في نظري مرتبطان دائمًا ببعضها البعض ولا أتخوف من أحدهما على الآخر .. وقد أدركت المؤسسات الثقافية والأدبية في عصرنا الأنى ما للأدب العامي من أهمية وفعالية في توجهـات الشعوب وقيادتها فاعتنت به).

يستند الرأي لما ذهب إليه الأسدي لمقولة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين التي أوردها في كتابه “الحياة الأدبية في جزيرة العرب”، حيث قال:
(لسوء الحظ لا يُعنى العلماء في الشرق العربي بهذا الأدب الشعبي عناية ما لأن لغته بعيدة عن القرآن، وأدباء المسلمين لم يستطيعوا بعد أن ينظروا إلى الأدب على أنه غاية تطلب لنفسها، وإنما الأدب عندهم وسيلة إلى الدين … وهذا الأدب الشعبي ــ وإن فسدت لغته ــ حي، قوي، له قيمته الممتازة من حيث أنه مرآة صافية لحياة منتجيه).

يدحض الأسدي خوف من يدافعون عن الفصحى من أن تلقى نفس مصير اللغة اللاتينية، الأمر الذي دفع المثقفين العرب لأن يُعْرِضُوا لوقت طويل عن دراسة الآداب العامية وجمع تراثها والعناية بها خشيةً من مداهمة العامية للفصحى، بحيث تحل العامية مع تطاول الزمن محل الفصحى وتزيحها نهائياً فتضيع الفصحى وبالتالي القرآن والدين والتراث العربي وتفقد الأمة بذلك أهم عناصر ومقومات وحدتها .. ولكن هذا التخوف الآن قد عفا عليه الدهر ولم يعد ذا بال بعد أن تأكد للجميع أن القرآن ولغة القرآن أقوى وأرسخ من أن يزعزعها أو يهدمها أي اهتمام بلهجة عامية.

ومن هنا وبعد ما تقدم أقول وكلي ثقة وإيمان أنه لم يثبت أن العامية كانت العائق الأكبر في تعلم الفصحى بطلاقة، أو أنها كانت الخطر الذي يجب أن يتحمل اللوم والوزر كله في تعثر الألسنة في النطق الصحيح بالفصحى، خاصة وأن عالم جليل مثل الراحل الدكتور أحمد مختار عمر هو الذي دعا إلى إنشاء قسم لدراسة الأدب الشعبي في جامعة الكويت وهو من هو في حرصه على الفصحى تدريسًا وتأليفا.

فالرجاء من سدنة الفصحى المنوط بهم تدريس اللغة العربية وتيسيرها وإفشائها في المعاهد التعليمية والعلمية ثم المجتمع بالضرورة: لا تشيطنوا العامية، ولا تعلقوا عليها فشلكم في إخراج أجيال جديدة تتحدث لغتها بسلاسة وسلامة ووضوح، فمناهجكم عقيمة، وأدواتكم قديمة، فلا تهيلوا التراب في كل مرة على رأس العامية، ذلك أنكم تعلمون علم اليقين أن لكل لغة دارجتها العامية، وأنها لن تنتهي مهما حاصرناها وحاربناها، فاعملوا على مكانتكم ببث الفصحى في النفوس بالحب، والفهم، والعلم، والتقنيات التعليمية الحديثة.



#السيد_إبراهيم_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دكتورة عزيزة الصيفي .. بنت العربية والأزهر
- ذكريات سويسية .. ما أحلاها!
- كابتن غزالي.. شاعر المقاومة وذاكرة الوطن..
- قصة السويس كما رواها سادات غريب..
- “القراءة”.. المكون الفكري للشباب.. عبد الناصر أنموذجًا…
- مصر إلى أين؟
- “حراء” في الشعر الهندي باللغة العربية ...
- قراءة في رواية -سيدة الضياء-.. للروائي السيد حنفي
- حوار مع الروائي المصري السيد حنفي
- -حراء.. في الشعر الأردي..
- قراءة في المجموعة القصصية -الحصان- للأديبة سميحة المناسترلي. ...
- قراءة في ديوان: -حارة الصبر- للشاعر عزت المتبولي..
- غار حراء وأثره في الفنون..
- عصام ستاتي: الْمِصّرِّيُ مَذْهَبًا..
- بين جاذبيتين: مصر بالحرف واللون...
- رمضان بين -التواحيش- ورجاء القبول..
- رمضان: مدرسة لا تغلق أبوابها..
- التاريخ وشهر رمضان تعانقا
- باكورة انتصارات الإسلام في رمضان
- السويس: مدينة النضال والجمال..


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد إبراهيم أحمد - بَرَاَءَةُ العَامِّيَّةِ مِنْ هَدْمِ الْفُصْحَىَ..