أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كفاح محمود كريم - تأسيس العراق بين الطهارة والتدنيس















المزيد.....

تأسيس العراق بين الطهارة والتدنيس


كفاح محمود كريم

الحوار المتمدن-العدد: 1520 - 2006 / 4 / 14 - 07:21
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


منذ البدءِ كانت الجريمة في تأسيسك يا عراق، حينما لم يتقو الله في شعوبك ومللك وأطيافك، وغيبوا عن عمدٍ وخباثةٍ خيرة مكوناتك أيها البلد الجريح مذ عرفناه، فأشاعوا الظلم والإقصاء وفرضوا العرق الواحد والمذهب الأوحد ومن ثم الحزب القائد ليتبعه الأب القائد والقائد المؤسس وأخيراً القائد الضرورة ولا غيره من ضرورة في الحياة الدنيا، فهو نعمة من السماء ومنة على الرجال والنساء.
كانت الغاية منذ البداية امتلاك مفاتيح الغرائز للتحكم بالناس وتحويل مخاليق الله إلى مجرد نزلاء في فندق أسمه العراق تمتلكه مجاميع عرقية ومذهبية وعشائرية أفضلها كانت تجيد القراءة والكتابة أو ربما أنتجتها كليات الجيش والغزوات ! وهيأتها فنياً لسحق أولئك (الأوغاد) الذين يحاولون تحويل الفندق إلى شيوع بين الورثة.
منذ البداية أطيح بأي مشروع للحضارة في بلدٍ أنتجته حضارات أجناس من بني البشر، وما كانت إحداها من بنات الجن أو أحفاد ملائكة أو مخلوقات راقية جاءتنا من عطارد أو زحل، فقد تم استيراد مليكا لا ناقة له فيه ولا جمل، وتم تأسيس حكومة أعيان وأطيان، لا أكثر ولا أقل (!).
منذ البداية اشتركت كل عصابات الشر والعمى القومي والمذهبي بمباركة من العراب الإنكليزي وغيره ممن كانوا يخططون لحصاد هذا اليوم، فاغتالوا معاهدة (سيفر) واستنسخوا مسخا في (لوزان) لتعتمر مائدة سايكس ورفيقه بيكو في وليمة كان الذبيح فيها هذا الذي ينزف دما ودموعاً حتى اليوم.
كانت الخطيئة في مملكة استهانت منذ الولادة بأصايل العراق واستقدمت (أشرافاً) ما عرفوا سر ما اقترفوا حتى ذُبِحوا. ولم يدركوا حقيقة مكونات العراق وأطيافه، فعبثوا بمقدراته ومفاتيح خلاصه. ولغسل عارات الولادة وما تلاها، جاء التغييرُ يتيماً يلملم جراحات وطن أنهكه الإقصاء والأبعاد والتهميش وسذاجة في الحكم والتأسيس، وحلول مجتزأة لظواهر الأمراض دونما المساس في أصل البلاء، حتى عادت نيران الحرب تلتهم أرض الكورد في شمال ما سمي بالعراق، ووحوش الفقر تفترس سكان الجنوب.
وهكذا انهمكت الجمهورية الخالدة بصراعات تمتد جذورها لذلك التأسيس البائس لدولة العراق، وبدلا من أن تصلح ما أفسدته دهور التخلف وفرضته عصابات الشر وعرابيها آنذاك، وتعترف بحقيقة مكونات العراق وأساس بلائه، عادت لغزوات الأعراب وصراعات القبائل والأحزاب لتلتهم زعيمها الذي غدره الأصحاب والأحباب، حتى عادت تلك القوى المتخلفة في تفكيرها وسلوكها ونهجها الشوفيني، لتستولي على العراق ولتبدأ دورة الظلام ودوامة التقهقر لأرض عرفت ذات يوم بأنها أرض الكتابة والعجلات.

وتولى البعثيون أمر هذا البلد العجب قبل أكثر من أربعين عاماً حينما افترسوا اللواء عبدالكريم قاسم، وانتشرت في أزقة بغداد وضواحيها مئات الجثث لرجال ونساء وأطفال قتلوا وعذبوا حتى الموت كما نرى هذه الأيام، غير الذين سحقتهم سرف الدبابات على أنغام وهتافات الجماهير المناضلة (!) ولم تكن الصورة أفضل من بغداد في الموصل وكركوك والبصرة وكل حواضر العراق، حيث الانتقام والقتل على الهوية والسحل والتعليق على أعمدة الكهرباء على أصوات الهتافات والأناشيد الوطنية والقومية، كل ذلك حدث في أسبوع واحد من عمر(عروس الثورات). حيث بلغ عدد الذين تم تصفيتهم (على طريقة الرئيس القائد حين شبه عمليات التصفية البعثية، بتصفية الرز والقمح من مخلفاتهما) أكثر من ألفين شخص في بغداد فقط وخلال أسبوع واحد لا غير(!).
ثم ما لبثوا فأنتجوا لنا أول جيل من عصابات المافيا التي أطلقوا عليها أسم (الحرس القومي). ثم عادوا في نهاية الستينات ليطوروا جيلا آخرا من عصاباتهم التي أسموها هذه المرة ب(الجيش الشعبي). وسواء الأولى أو الثانية فلم يتم استيراد أفرادها من كواكب أخر، أو على أقل تقدير من دول أخرى، باستثناء بعض التعديلات على ( الموديل ) الأخير وذلك بإدخال بعض التحسينات ( المصرية واليمنية والأردنية والفلسطينية ) على الشكل العام للنموذج ( القومي ).
ويكاد ينفرد الرفاق بتأسيسهم لمثل هذه الميليشيات وبالشكل الذي تطور لاحقاً فأصبح جيوشا من الانتهازيين والخانعين واللاهثين وراء المال و(السترعلى الحال)حتى غدت المشاركةُ في طقوسها من الفروض اللازمة وتركها يقترب من المحال (!)
وهكذا غدت هذه الفروض سلوكاً ونظاما وعادات وتقاليد، تراكمت عبر عشرات السنين وبدأت بإنتاج نماذج متخلفة ومرعبة من النظم السلوكية والاجتماعية التي انتشرت بين الملايين من البشر على أرض العراق وأنتجت (قواطعاً) و(فيالقاً) و(جيوشاً) من شواذ الآفاق والخانعين والأمعيين والأبطال الجبناء والانتهازيين والنرجسيين والقتلة والسراق والساكتين عن الحق والمسطحين والتافهين ومئات من الأحزاب (البيتية والعشائرية وعصابات الليل والدولار) وموديلات من رجال الدين المرسلين والمصنعين من وفي دهاليز الظلام والغباء ومدارس الحملة الإيمانية ودوائر العراق في (دول الجيران الشرفاء)ممن آلوا على أنفسهم تحرير العراق من شعبه أطفالا ورجالا ونساء.
وهكذا يا عراق؛ أربعون عاماً يلقن الأطفال منذ الرضاعة مبادئ الإلغاء والإقصاء، وإنهم أحفاد أمة ولا غيرها من أمم، وفرسان للقتل والأبادة والأنفلة وافتراض العداوة لكل الشعوب والملل!. وان القائد الملهم هو الإله الأصغر وليس غيره أو مثله بين البشر، فبه تنهض الأمة وتتوحد الدول!
إن ما يحدث اليوم بعد سنوات من انهيار ذلك النظام إنما يعبر عن منظومة فكرية وتربوية وسلوكية أختزنها مئات الآلاف من البشر إن لم يكونو ملايينا، وأعراضُ أمراضٍ مزمنة ابتلى بها الملايين من سكان بلاد ما بين النهرين عبر مئات السنين.
إن المشكلة باعتقادي لا تنحصر بطبيعة الأنظمة السياسية التي توالت على إدارة هذه البلاد، لأنها تحصيل حاصل، ونتاج لتربية وتثقيف خاطئ أمتد من المنبر والمضيف والمقهى ومن ثم من المدرسة ومناهج التربية والتعليم والمئات من الكتب الدينية والتفاسير الخاطئة والأجتهادات الظالمة لرجال الدين، البعيدة عن فلسفة الأديان وأشراقاتها والخاضعة لتأويلات أولئك الذين استخدموا الدين حصاناً لتنفيذ مآربهم وظلاميتهم، وصولا إلى الأسرة ومن ثم إلى المجتمع عموماً. وبذلك تم أنتاج مفاهيم وسلوكيات لا تنحصر بالعمل السياسي فحسب، بل تمتد لتشمل مجمل نواحي الحياة الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والدينية، لتأتي النظم السياسية نتاج لها.
ولعلنا بقليل من التساؤلات نضع أصابعنا على مواقع الألم، وربما يكون ما حدث في نيسان 2003 هو الطريق الصحيح للانتقال إلى مرحلة العلاج إن امتلكنا شجاعة التشخيص وإرادة المعالجة والإصرار على الشفاء.
أليس من المأساة ونحن نعيش في كيان واحدٍ يستصغرُ وينتقص أحدنا من الآخر؟
ثمانون عاماً ومعظمُ السنة يكفرون الشيعة ويتهمونهم بالولاء لدولة غير العراق؟ ويعتبرونهم خارجين عن العقيدة ومشركون بالله؟
ثمانون عاما ومعظمُ الشيعة يتهمون السنة بمسؤوليتهم عن اغتيال الأمام وذبح الحسين وأفراد أسرته بعد أكثر من ألف عام؟ وأن إسلامهم ظاهر وأيمانهم مبتور وعقيدتهم ناقصة؟
ثمانون عاماً يلقن الملايين بكفر الشيعة وعداوة السنة لآل البيت ونهج الأمام؟
ثمانون عاماً ومعظم السنة والشيعة لا يعرفون عن الكورد إلا أنهم عصاة ومخربون؟ وجبال ونكاتٌ وانتقاص حتى أوهموا أنفسهم بأنهم أعداءٌ وجب قتالهم كل حين؟
ثمانون عاماً من التربية والتثقيف بأن العرب وحدهم أسياد العراق والآخرون عبيد وأملاك؟
ثمانون عاماً والسنة وحدهم يقررون مصير العراق وشعوبه ومقدراته؟ وما على الآخرين إلا الإذعان والانسياق؟
ثمانون عاماً ونحن دون مواطنة لأن الكورد مخربون والشيعة كفرة مارقون والسنة أوغاد مجرمون والمسيحيون بلا هوية لأنهم ذميون وكذا الصابئة والآيزيديون، والتركمان والكلدان والآشوريون؟
ثمانون عاماً ونساؤنا جارياتٌ وعبيد؟ والمرأةُ حرمةٌ مهدورة الدم ومباحة الحدود؟ مهانةٌ في إنسانيتها، مغلوبة في أمرها، مسلوبة في قرارها، مثلومة في كرامتها، تارة باسم الدين وأخرى بالتقاليد، والدين براءٌ في أصله بالتحديد؟
ثمانون عاماً تحكمنا أعراف القرية وتقاليد الأشقياء والأغبياء، ونواميس الجاهلية والبداوة؟
ثمانون عاماً من التغييب والتسطيح والتجهيل والإلغاء والإقصاء والتكفير والإعدام لكل من يخالفنا الرأي والأصل والدين؟
ثمانون عاماً والسرقةُ شطارة ورجولة وأموال الدولة غنائمٌ مباحة أو مكاسب متاحة، والنهب والسلب أعراف تبيحها قوانين الغزو والإطاحة؟
بعد كل ذلك هل من سؤال لماذا يجري ما جرى منذ إنهيارالنظام، ولماذا سرقنا أنفسنا ونهبنا أموالنا وحرقنا مكتباتنا ومتاحفنا، وحتى مدارسنا وجامعاتنا؟ ونحرق كل يوم نفطنا وكهرباؤنا، ونقتل أساتذتنا وعلمائنا وأطبائنا؟ ونخطفُ الرجال والنساء ونقايضهم بالمال والإذعان؟
من له (إذن) مصلحة في كل ذلك؟؟ على أن لا نتهم الإمبريالية والصهيونية على عادتنا عبر ثمانين عاماً؟ ونجعل من الأمريكان وغيرهم شماعة لضعفنا وجبننا وقصورنا وقلة حجتنا وتخلفنا وازدواجيتنا ونفاقنا، وحينما ندرك حقيقة الأشياء والظواهر وبواطنها وأصولها، وأننا شركاء في بلد ما زال أسمه العراق، ولسنا نزلاء فندق لمالك بعينه، حينها سيكون العراق عراق(!).



#كفاح_محمود_كريم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هيئة الأعراب والدفاع عن شريعة الغاب ؟
- جامعة الأعراب ومؤتمرات الأزلام والأنصاب
- !إذا أردتم( الحريم ) حرائراً ... فحرروا الرجال
- كوردستان بين علي كيمياوي وحسن نصرالله !
- العراقيون ... ونظرية التطور بالأنتخاب الطبيعي
- ايها الاعراب : من منكم افضل من صدام حسين ؟
- قفوا :انتم على خطأ ايها السادة .. لا تقتلوا الرئيس !
- مهلا أيها السادة ... دعوا الرئيس يتكلم !
- دولة النقيق ... وإمبراطوريات القبائل !
- دولة ألضفادع ... بين حسين كامل وعبدالحليم خدام!


المزيد.....




- -عُثر عليه مقيد اليدين والقدمين ورصاصة برأسه-.. مقتل طبيب أس ...
- السلطات المكسيكية تعثر على 3 جثث خلال البحث عن سياح مفقودين ...
- شكري وعبد اللهيان يبحثان الأوضاع في غزة (فيديو)
- الصين تطلق مهمة لجلب عينات من -الجانب الخفي- للقمر
- تحذيرات ومخاوف من تنظيم احتجاجات ضد إسرائيل في جامعات ألماني ...
- نتنياهو سيبقى زعيما لإسرائيل والصفقة السعودية آخر همه!
- بلينكن : واشنطن تريد أن تمنح جزر المحيط الهادئ -خيارا أفضل- ...
- القدس.. فيض النور في كنيسة القيامة بحضور عدد كبير من المؤمني ...
- لوحة -ولادة بدون حمل- تثير ضجة كبيرة في مصر
- سلطات دونيتسك: قوات أوكرانيا لا تملك عمليا إمكانية نقل الاحت ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كفاح محمود كريم - تأسيس العراق بين الطهارة والتدنيس