أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيد طنطاوي - -السيسي والطيب- ..ومعركة -أنت عارف وأنا عارف-















المزيد.....

-السيسي والطيب- ..ومعركة -أنت عارف وأنا عارف-


سيد طنطاوي
(Sayed Tantawy)


الحوار المتمدن-العدد: 6067 - 2018 / 11 / 28 - 23:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يُحكى في الأمثال القديمة أن رجلًا أتى فعلًا فاضحًا في آخر، وهرب، ووقتما كان يُلاحقه أخذ حُفنة من قمحٍ وهو يجري ودخل السوق وعندما سأل الناس ماذا حدث؟، قال الأول: "يُداهمني الجوع فسرقت غرفةً من القمح لأطعم أبنائي فلاحقني هذا الرجل، فيما أنكر الثاني روايته، إلا أنه لم يستطع أن ينطق بحقيقة الأمر وقال: "هو عارف وأنا عارف".
المعركة ذاتها بين عبدالفتاح السيسي وأحمد الطيب شيخ الأزهر، فالهدف المُعلن "تجديد الخطاب الديني"، لكن حقيقة الأمر "أنت عارف وأنا عارف".
حافظ الطرفان على أن تبقى المعركة بينهما تحت الرماد، وتكون الابتسامة والمُداعبة حديث الكاميرات، لكن في الحقيقة أن كلاهما يُعد للحرب القادمة والتي أوشكت على الظهور للعلن.
منذ مشهد 3 يوليو لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي بدأ الاحتكاك الأول بينهما، إذ كان الموقف يتطلب وجود ممثل الإسلام والمسيحية أيضًا، ولولا الحرج السياسي لكان الإتيان بماجدة هارون رئيس الطائفة اليهودية في مصر واجبًا مُقدسًا، ويا حبذا لو حضر ممثل عن الصابئة والهندوس والملحدين، واللادينيين وغيرهم.
غياب شيخ الأزهر لم يكن ممكنًا باعتباره الممثل الرسمي للإسلام، في وقت عزل "رئيس المؤمنين" –على حد زعم البعض- ومن ثم قُدمت تنازلات كثيرة لفضيلة الإمام على أن يظهر معهم، وبعد إلحاح وافق على مضض.
انتهى الموقف، لكنه بقى عالقًا في القلوب لا يُنسى، وكلا الطرفان ينتظر الفرصة للرد.
جاءت الفرصة لـ"الطيب" يوم فض اعتصامي رابعة والنهضة، إذ خرج الإمام ببيان يسجل فيه أنه لم يعرف بأمر الفض إلا من وسائل الإعلام وكأنه يرفع عن نفسه مسئولية ما حدث، ويسجل موقفًا سيحتاجه لـ"التاريخ"، لكن حقيقة الأمر أنه لو كان يعلم القائمون على الأمور وقتها بفحوى "بيان الطيب" لما خرج على التلفزيون الرسمي من الأساس.
بدأ الإمام بيانه قائلًا أنه يسعى لجمع أطراف الصراع السياسي على مائدة حوار جادة مخلصة للوصول إلى حلٍ سلمي للأزمة، وأنه يؤكد دائمًا على حُرمة الدماء، وعلى عِظم مسئوليتها أمام الله والوطن والتاريخ، ويعلن الأزهر أسفة لوقوع عددٍ من الضحايا ويترحم عليهم، ثم عاد ليقول أنه يحذر من محاولة إقحام الأزهر في الصراع السياسي، وهنا بدا مرتبكًا، كيف يدعو أطراف الصراع السياسي لحل الأزمة، ثم يحذر من إدخاله في السياسة، رغم أنه دخلها بقدميه؟ ..ثم خرج الإمام في خلوةٍ مع أنصاره.
أدرك الطرفان أن المواجهة قادمة، لكنهما ارتضيا بالحرب الباردة ولو "مؤقتًا"، وخلالها تُجرى الاستعدادات للمعركة النهائية أو حتى تضع الحرب أوزارها، وخلال مرحلة الحرب الباردة استطاع الأزهر أن ينتزع لنفسه سلطات دينية في الدستور، ليُمسك بتلابيب الشعب من أفيونته، وبدأ بالمادة الثانية ونصها: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، ولم يكتف بها، بل انتزع مادة سلطوية، وهي المادة السابعة ونصها: "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء.
تحصن شيخ الأزهر بالدستور، الذي يصبح في أحيان كثيرة صنمًا من العجوة، لكنه يبقى حُجة ولو شكلية، وكانت المادة السابعة من الدستور وسيلة الإمام للتكشير عن أنيابه في بعض المعارك، ومنها معركة الطلاق الشفوي، التي أثارها السيسي، وأوقفها الإمام، وحرص على أن يخرج بيان رفض الطلاق الشفوي بإجماع هيئة كبار العلماء التي ينص الدستور على أن شيخ الأزهر لا يأتي إلا منها، وقال البيان: "انطلاقًا من المسئوليَّة الشرعيَّة للأزهر الشريف ومكانته في وجدان الأمَّة المصريَّة التي أكَّدها الدستور المصري، وأداءً للأمانة التي يحملُها على عاتقِه في الحِفاظ على الإسلام، انتهى الرأي في هذا المجلس -أي هيئة كبار العلماء- وبإجماعهم على اختلاف مذاهبهم وتخصُّصاتهم إلى وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ وحتى يوم الناس هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق، ومن حقِّ وليِّ الأمر شرعًا أن يَتَّخِذَ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسَنِّ تشريعٍ يَكفُل توقيع عقوبةً تعزيريَّةً رادعةً على مَن امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه.
لم يخلُ بيان "الطلاق الشفوي" من الغمز واللمز والتحذير والتذكير بما في يد الأزهر من قوةٍ دستورية، كما لم تخلُ جولات المعركة بينهما من المناوشات التي تعتريها الابتسامات، ومنها حينما قال السيسي لـ"الطيب": "تعبتني يا فضيلة الإمام بس أنا بحبك"، وضحك عاليًا.
في مراحل عدة ظهرت الأذرع الإعلامية تتحدث عن مشروع قانون جديد للأزهر، ويبدو أن بعضهم تسرع فأخذ مشروع قانون الإخوان للأزهر، رغم أنه يُعاديهم، وقدمه في البرلمان على أنه محاولة لتعديل جمود الأزهر الجامع والجامعة، لكن انتهى الأمر بالإجبار على التهدئة مع الإمام.
حاول السيسي التصدي لسلطات "الطيب" فاتخذ من "المعركة المُقدسة" لتجديد الخطاب الديني ذريعة للإطاحة بالإمام، وهو ما فطن إليه "الطيب"، وفي احتفالية المولد النبوي، تحدث السيسي عن ضرورة التجديد، لكن قطع عليه "الطيب"، الطريق بأن أخذ بنصيحة "هيكل إلى السادات في إطاحته برجال عبدالناصر، حينما أوعز إليه بتحويل المعركة من صراع على السلطة إلى صراع على الشرعية، وهنا حولها الطيب من معركة على تجديد الخطاب الديني إلى معركةٍ على الدين ذاته، ومن ثم أحرج السيسي.
"الإمام" لا يفرق معه التجديد كثيرًا فهو لا يحبذه، لكنه في الوقت ذاته لا يرفضه علميًا، لكنه يعلم أن التراث بمساوئه أحد أسلحته في القبض على تلابيب الأمور بالأزهر ومن ثم لم ولن يُفرط فيه.
كما أن له مواقف كثيرة يقول فيها بالرأي وضده، منها أنه رفض بلسانه أحاديث كثيرة، شن عليها المُجددون حربًا ضروس، منها أنه اعتبر زواج الصغيرة وإرضاع الكبير حالتان مرفوضتان، باعتبارهما حالات فردية لا تحظى بإجماع الأمة مستدلًا في ذلك بحديث "لا تجتمع أمتي على ضلالة، معلقًا: "ما سمعنا أن امرأة أرضعت بثديها رجلًا كبيرًا، وما سمعنا أيضًا عن زواج سيدة قبل البلوغ، وهو هنا رفضهما رغم وجود حديث عن جواز الزواج من الصغيرة، في صحيحي البخاري ومسلم عن السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهى بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين"، إذًا الزواج من الصغيرة أورده البُخاري ومسلم".
على الجانب الآخر حديث إرضاع الكبير ورد عند "مسلم" ونصه: "إنَ سَالما مولَى أَبِى حذيفَةَ كَانَ مَعَ أَبِى حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيتِهِم فَأَتت -تعنِى ابنَةَ سُهَيْلٍ- النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنَّ سالِمًا قَد بلَغَ مَا يَبْلُغُ الرجال وعقَل ما عَقَلوا وإنه يدخل علَينا وإني أَظُن أَن في نفسِ أَبِى حذَيفَةَ من ذلِك شيئًا، فَقَال لَها النبِي: "أرضِعِيهِ تحرمِي علَيه ويذهَبِ الذي في نفس أَبِي حُذيفَةَ"، فَرجعت فَقَالَت: إني قَدْ أرضعته فَذهَب الذِى فِي نَفْسِ أَبِى حُذيفَةَ.
رفض الإمام زواج القاصرات ورفض الاستدلال عليه بأن السيدة عائشة تزوجت النبي في سن صغيرة، وقال: "لا يمكن تحديد سن السيدة عائشة بالضبط عند الزواج"، لكن هناك حديثا عند البُخاري ومسلم وأحمد في "المسند": أن السيدة عائشة قالت "تزوَّجني النبيُّ وأنا بنتُ ستِّ سنينَ، وبنى بى وأنا بنتُ تسعِ سنينَ»، فهل أنكر الإمام الطيب هذه الأحاديث؟.
والسؤال: لماذا رفض فضيلة الإمام الأكبر ما أثبته البُخاري ومسلم، وفى الوقت ذاته يرفض الاقتراب من كتبهما ومحاولات تنقيحهما، ويعتبر البخاري من المقدسات الكبرى، وأن التفريط في هذه المقدسات يعنى التفريط في شرف الأمة، فهل حين رفض حالات نصت عليها الأحاديث، فإنه –أي الطيب- فرط في شرف الأمة؟!
القوة التي يستمدها "الطيب" من الدستور قد تكون الحبل الذي يلتف حول يديه، إذا نجحت محاولات تشويه الدستور أو ربما تعديله، إذ لن يكون ممكنًا الاكتفاء بتعديل مدد الرئاسة، وصلاحيات الرئيس، بل يمتد الأمر إلى الإطاحة بالمادة السابعة الخاصة بالأزهر وسلطاته وصلاحياته ..وأغلب الظن وقتها لن يكون "الطيب" طيبًا.
الصوت الثائر الآن والذي يُنادي بحتمية تنقيح التراث سيتحول إلى النقيض بعد الإطاحة بالإمام، وسيسبحون بحمد الأزهر الذي حافظ على الوسطية فلم يُفرط في صحيح الدين، ولم يأخذنا إلى السقوط في وحل "داعش"، وهذه لعبة يجيدها إعلاميو النظام.
مؤخرًا، وبعد إقرار تونس للمساواة في الميراث، خرجت هيئة كبار العلماء ببيان ثان لها في هذه الأزمة، إذ سبق أن رفضت هذا الطرح وقت مناقشته في تونس، وحذرت -في بيانها الثاني- مما قد تُقدم عليه الجماهيرَ المسلمةَ المتمسِّكةَ بدِينِها إذا ما استفزت، وهو يفتحَ البابَ لضَربِ استقرارِ المجتمعاتِ"، هذا التعبير لم يلق قبولًا سياسيًا، ومن ثم جاء الأمر بحذف بيان "كبار العلماء من المواقع، خاصة أن رفع أنصار "الطيب" لصوره في ساحته بالأقصر كان مستفزًا للبعض أيضًا.
المعركة ليست على الدين، والطرفان حريصان على سلطاتهما أكثر من حرصهما على الدين، لكنها معركة "أنت عارف وأنا عارف" وستبقى نارًا تحت الرماد إلى أن يُحدث الله أمرًا كان مفعولا.



#سيد_طنطاوي (هاشتاغ)       Sayed_Tantawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القول المفيد في جرائم -تركي والخطيب- ..الأزمة في السياسة
- ..وهل يليق بالصحفيين إلا النضال؟
- معتقلو الفسحة ..عيطي يا بهية على القوانين
- إلى الموهوب إبراهيم عيسى: -حمرا -
- في حب النيل وشيرين
- -عبدالناصر- .. كبيرهم الذي علمهم النصب


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيد طنطاوي - -السيسي والطيب- ..ومعركة -أنت عارف وأنا عارف-