أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق إطيمش - المتحجرات الفكرية















المزيد.....

المتحجرات الفكرية


صادق إطيمش

الحوار المتمدن-العدد: 6064 - 2018 / 11 / 25 - 02:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المتحجرات الفكرية
علم المتحجرات او ما يسمى علم الحفريات القديمة يتفرع من علم الأحياء ويبحث في اشكال الحياة القديمة في فترات تاريخية وجيولوجية مختلفة تصل الى ملايين السنين. ولهذا العلم فروع كثيرة اهتم بها علماء الأحياء ، فمنها المتحجرات الحيوانية والنباتية والصخرية التي تعطي الباحث معلومات عن نوعية الحياة العامة او الخاصة بفصيلة ذلك المتحجر قبل ملايين السنين.
إلا ان العلم ، بكل حداثته اليوم ، لم يخبرنا عن المتحجرات الفكرية التي لم تمض عليها ملايين السنين ، بل انها لم تزل تعيش بيننا وتشترك معنا في كل مفاصل حياتنا اليومية. نعيش هذه المتحجرات الفكرية ليس على شكل ديناصورات متحجرة او قواقع او نباتات وما شابه ، بل نعيشها ممثلة بأناس يشاركوننا هذه الحياة التي نعيشها اليوم، وهذا هو السر الكامن خلف ضرورة معالجتها وإيجاد الطرق الكفيلة بالتعامل معها كما ينبغي .
المتحجرات الجيولوجية عامة، صخوراً حيوانات ونباتات ، توفر لنا معلومات علمية يمكننا الرجوع اليها في مختلف البحوث التي تتناولها علوم الأحياء والتاريخ او حتى الأنواء الجوية .وبالعكس من ذلك فإن المتحجرات الفكرية لا يمكننا التعامل معها بنفس الأسلوب الذي نتبعه في التعامل مع المتحجرات الجيولوجية . إذ انه بالرغم من توصل المتحجرات الجيولوجية عامة إلى نتائج علمية تؤيدها وقائع الحياة وتدعمها الأدلة والبراهين الجلية ، إلا ان السؤال حول صحة او دقة هذه النتائج يظل مفتوحاً ليتفاعل مع تطورات العلم وأدواته وسبله، بعبارة اخرى يمكن القول ان هيأة المادة المتحجرة التي اخذت شكلاً ثابتاً لا يعني باي حال من الأحوال ثبات المعلومات المكتسبة من هذا الشكل الثابت ، إذ ان تطور العلم يمكن ان يأتينا يوماً ما بنتائج اخرى غير تلك التي الفناها من قبل . وهذا ما لا يمكن ان نجده في المتحجرات الفكرية التي تظل متقولبة على شكل لا تغادره حتى لو اثبتت لها كل مفاصل الحياة شذوذها عن القوانين الجديدة التي تتحكم بالمجتمع وابتعادها عن مسيرة التاريخ الذي غادر افكارها منذ امد طويل.
ما يهمني شخصياً في هذا الطرح هو التجني الفاضح الذي يمارسه حملة التحجر الفكري امام التطور الحضاري العام وأثر ذلك على الفكر العلمي وما يتبناه من فلسفة في الحياة ، خاصة الفلسفة الماركسية التي عادت لتحتل اليوم موقع الصدارة الفكرية ، خاصة بعد الأزمة التي تعرض لها النظام الرأسمالي العالمي في العقد الأول من هذا القرن، وعلى الأخص بعد ان فشلت كل مكائن الإعلام الرأسمالي عن تشويه الماركسية بعد ان انهارت الأنظمة التي كانت تدعي العمل بها.
التحجر الفكري الذي يجعل من الفلسفة الماركسية ، رائدة الديناميكية ولولب التطور ، اقوالاً تنام على معطيات ازمانها الغابرة تتمثل بنصوص لم يعِ حملة المتحجرات الفكرية كنهها ومضمون رسالتها التي ما استسلمت يوماً لما يريده هؤلاء منها والمقترن بترديدها من خلال ربطها بشكل الحرف ناكرين عليها طبيعة التطور الكامنة في مضمون هذا الحرف . إن الخطر البالغ الذي يسببه التحجر الفكري ، خاصة بالنسبة للفلسفة الماركسية ، يكمن في كثير من التوجهات التي سيسبب تفعيلها وضع عصا غليظة في عجلة التطور الحضاري والتلاقح المجتمعي مع هذا التطور .
الخطر الأول يتجلى بكل وضوح بما يعلنه التحجر الفكري عن نصوص للفكر الماركسي يعتبرها غير قابلة إلا لفهم واحد لا بديل له ، ولا يفهمه على شكله الصحيح إلا حامل هذا التحجر الفكري وحده دون منازع وكل من يقول بغير ذلك فهو اما عدو للماركسية او مفلس لا يملك من المبادئ الماركسية شيئاً ، هذا إن لم يصفه بالخيانة للماركسية التي لا يفهم كنهها إلا هو وحده لا شريك له. إن هذا الفهم للفلسفة بشكل عام ، وليس للفلسفة الماركسية فقط ، ينطلق من امتلاك الحقيقة المطلقة في حياة تعج بالمتغيرات اليومية التي تأتينا بحقائق تجبرنا على إعادة النظر بمفاهيمنا التي الفناها ليس قبل عشرات او مئات السنين فحسب ، بل وحتى بمفاهيمنا الحديثة المكتسبة عبر التطور العلمي الحديث الذي لا يثبت على حال. يظل السؤال والإستقصاء والتحليل والإستنتاج ومن ثم السؤال والإستقصاء وهكذا يمثل دورة حياة العلم عموماً والعلوم الفلسفية بشكل خاص والفلسفة الماركسية على الأخص ، وذلك نظراً لقناعة مؤسسي هذا العلم الذي سار به كارل ماركس وفردريك انجلس على خطى الفلاسفة الأوائل ولكن بعد ان الهما هذا العلم بكل ما وجدوه من متغيرات في الزمن الذي عاشوا فيه وما توقعوه للقادم من الزمن استناداً الى ما توفرت لديهما من معلومات آنية . لذلك فلا غرابة ان ينص البيان الشيوعي على
" إن الشيوعيين لا يتميزون عن الأحزاب البروليتارية الأخرى إلاّ في أنّهم: من ناحية، يُبرزون ويُغلِّبون المصالح المشتركة في الصراعات القومية المختلفة للبروليتاريين، بصرف النظر عن تابعية عموم البروليتاريا، ومن ناحية أخرى، يمثِّلون دائما مصلحة مُجمل الحركة في مختلف أطوار التطور، التي يمر بها الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية. "
ولابد لنا من التمعن هنا بالإشارة الى المصالح المشتركة في الصراعات القومية لمختلف البروليتاريين والتي تؤكد على صرف النظر عن تابعية عموم البروليتاريا . ومفهوم المصالح المشتركة هذا يعني اول ما يعني ضرورة التأكيد عليها ووضعها في صدارة النضال. وإذا ما علمنا بان هذه المصالح المشتركة قد تتفاوت من موقع الى آخر فإن ذلك يعني ضرورة ايجاد الوساءل النضالية الملائمة التي تتفق وهذا التغيير، وهذا لعمري يؤسس لفكر متحرر من قيود النمطية في العمل الجماهيري ، رافضاً لعبادة النص مهما كان مصدره ، مستلهماً لروحه الإبداعية ومضمونه الحضاري.
اما الإشارة الأخرى الى مجمل الحركة في مختلف اطورا التطور التي يمر بها الصراع فإنها تسجل علامة واضحة على ان مسألة الصراع لا تأخذ وتيرة واحدة، بل هي خاضعة لبلورة المصالح المشتركة في الصراعات القومية. ولا تمثل هذه الإشارة إلا التأكيد الواضح على دراسة الأوضاع الآنية التي يمر بها الصراع وعدم الإرتكاز على وصفات جاهزة او منسوخة لا علاقة لها بتطور المعطيات الآنية للمصالح الممشتركة.
أما النقطة الأشد وضوحاً والتي تشير الى مختلف اطوار التطور التي يمر بها الصراع ، فهي التي تشكل جوهر الفلسفة الماركسية التي جعلت من التعامل مع التطور على مختلف الأصعدة علامتها الفارقة وأكسير وجودها الدائم وتفاعلها المنسجم مع المستجدات المختلفة في اي مجتمع من المجتمعات. قد لا يعي التحجر الفكري الذي اُبتليت به الماركسية ، ومجموع حركة اليسار ، شر بلاء التنكر لفحوى هذه الأطروحة التي تضمنها البيان الشيوعي، وتنكرهم او جهلهم هذا يشكل بدوره عائقاً امام الطرح العلمي الموضوعي للفلسفة الماركسية امام الساعين لتبني هذه الفلسفة على الصعيد الإجتماعي العملي ، لا من خلال الأطروحات الصالونية.
اما الخطر الأكبر الذي تؤسس له المتحجرات الفكرية التي تدعي وحدانيتها في تبني وفهم وتفعيل ونشر الفلسفة الماركسية ، وتأتي بما لا يقبل به العقل ولا ينسجم مع الواقع المُعاش ويحوم في خيالات هؤلاء المتمركسين ، فيتمثل بان اطروحاتهم الخيالية واللامنطقية تصبح مصدراً من مصادر الفكر المعادي اساساً للفكر الماركسي ونظرته الى التغيير من خلال التراكمات الكمية الحادثة في مجرى الصراع الإجتماعي . إذ طالما يستند اعداء الفلسفة الماركسية على مقولات او تفسيرات او القيام بعمليات طائشة لا تستند على القاعدة العلمية الجدلية للماركسية يتبناها ويعمل على نشرها مدعو الفكر الماركسي ، ملوحين بقبضاتهم من اجل التغيير في الوقت الذي لا يملكون فيه اهم اساسيات هذا التغيير المتمثلة بقاعدته الجماهيرية ومؤهلاتها الفعلية للتغيير. وطالما ينطلق هؤلاء من اسلوب حرق المراحل التاريخية غير آبهين بما حذرت منه الماركسية نفسها حينما اكدت " إنّ البرجوازية تُنتج، قبل كل شيء، حفاري قبرها. " وإن إتمام حفر القبر لا يمكن ان يتم بالتمني بعيداً عن النضج المرحلي لكل حقبة من حقب النضال . فحينما يلجأ اعداء الفكر الماركسي الى امتشاق السلاح الذي هيأه مدعو الماركسية ، ليضعوا الفلسفة الماركسية على مشرحة : من فمك أدينك ، فإن ذلك يعني بدون ادنى شك المساهمة الجدية في إعلان الحرب على كل افكار التحرير والتغيير والتي تشكل الفلسفة الماركسية جوهرها العلمي ، وتشير الى دربها المفضي الى مستقبلها الأممي الخالي من الإستغلال والإضطهاد .
لا مناص من الوقوف بجد وبدون هوادة ، وبكل ما تقدمه افكار التحرر من معارف وسبل وتوجهات ثقافية وعلمية ، للرد الحضاري الملتزم بكل ما تعنيه الحضارة وما يهدف اليه التمدن ،على الهجمة الخطرة على الفلسفة الماركسية ، الهجمة التي يعمل على تنشيطها وتفعيلها نفر من الأدعياء الذين يقدمون اسباب هذه الهجمة على طبق جاهز لأعداءها الذين لا يتوانون عن تغليف افكارهم الشريرة بغلاف الدين او القومية او الوطنية او ما شابه ذلك من الإنتماءات التي يسخرونها نحو القتال والإعتداء بين ابناء الشعب الواحد ، هذا التسخير الفج الذي يعيشه اهلنا ووطننا العراق منذ اكثر من خمسة عشر سنة كنتيجة لتولي خلفاء البعثفاشية المقيتة امور هذا البلد الذي يمخرون في كل زاوية من زواياه دون ادنى شعور بمآسي اهله ودون اقل ذرة شرف تشير الى حرصهم على بلد قامت على ارضه حضارات الإنسانية الأولى .
لقد اصبح همّ عبيد الإحتلال وورثة دكتاتورية البعث التطبيل والتزمير لنشر الجهل والأكاذيب وكل ما تنتجه مخيلات مختبرات جرائمهم للنيل من الماركسية والشيوعية بكل ما توفر في جعبة اكاذيبهم من تهم لا يمكنها ان تنسجم بأي حال من الأحوال مع فلسفة تدعو الى التحرر والإنعتاق والتحضر والرفاه الإجتماعي . إن اكاذيبهم التي يختلقونها لنشر الرعب والخوف من الشيوعية لا تختلف في أساسها الفكري عن الخوف من الطنطل والسعلوة إذ أن كلاهما يتأسس على مبدأ الجهل بالحقيقة . الجهل عمومآ مرض يقتل صاحبه ببطئ حتى وإن فهمنا هذا القتل بمعناه المجازي . وجهل الحقائق الكونية والإجتماعية التي جاء بها العلم قديمه وحديثه ليشبع بعض رغبات ألإنسان المتطلع إلى المزيد من المعرفة دومآ , حفزت البعض على إستكشاف المزيد والمزيد ليشبع هذه الرغبة العارمة للتزود بالمعارف وإكتشاف أسرار الحياة ، وهذا ما يشكل واحداً من الأسس التي تقوم عليها الفلسفة الماركسية العصِّية على التحجر .
الدكتور صادق اطيمش



#صادق_إطيمش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلفية اليسارية
- صادق إطيمش - اكاديمي وكاتب يساري عراقي- في حوار مفتوح مع الق ...
- وثائق غربية تؤرخ لنضال الكرد
- بغداد الأزل بين الهزل والهزل
- مع الدولة .... وضد الحكومة
- خير أمة تستجدي الناس
- مسؤولية جيلنا امام حقائق التاريخ
- تجربة علَّها تكون نافعة
- مآزقهم ومنافذنا ...
- نحن وتجارب الثورات الجماهيرية
- ونظل نحتفل بالرابع عشر من تموز كعيد وطني
- وهكذا مر عام الفراق
- وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً ...
- تساؤلات عابرة للتحالفات
- ليفعلها تحالف - سائرون - ويقلب ميزان القوى السياسية
- يا اعداء الشيوعية ... إنحدروا
- انياب الإسلام السياسي تلاحقنا ..... فاقلعوها
- الفشل عنوان تجربة احزاب الإسلام السياسي التي لا ينبغي لها ان ...
- لا تنتخبوا . . .
- الأول من آيار والتشويه الرأسمالي لمضمونه


المزيد.....




- لكم وركل وفوضى عارمة.. فيديو من الأرض يظهر اشتباكات عنيفة في ...
- كازاخستان.. قريبة نزارباييف تخضع لمحاكمة بقضية فساد
- القوات الجوية الأمريكية تستعد لتوسيع اتهاماتها لمسرب وثائق ا ...
- ماتفيينكو تؤكد ضرورة محاكمة المسؤولين عن مأساة أوديسا بعد ان ...
- غضب رسمي أردني من -اعتداء- إسرائيليين على قافلتي مساعدات إلى ...
- الولايات المتحدة تتهم روسيا باستخدام أسلحة كيميائية في أوكرا ...
- ترامب: من الممتع مشاهدة شرطة نيويورك وهي تفض اعتصاماً مناصرا ...
- زلزال يضرب شرق تايوان
- الخارجية الأمريكية تؤكد رفض بكين مواصلة المفاوضات مع واشنطن ...
- الخارجية السودانية تتهم بريطانيا بالتدخل والتواطؤ مع الدعم ا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق إطيمش - المتحجرات الفكرية