أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محسن وحي - نيتشه وسؤال التربية والثقافة














المزيد.....

نيتشه وسؤال التربية والثقافة


محسن وحي

الحوار المتمدن-العدد: 6057 - 2018 / 11 / 18 - 16:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مما لا شك فيه أن كل من الطبيب والفيلسوف يقومان بوظيفة واحدة تتمثل في تشخيص المرض بهدف علاجه ووقاية الجسد منه. نجد الفيلسوف الألماني نيتشه تقمص وظيفة الطبيب عندما شخص الوضع المأساوي للحضارة والثقافة الغربية التي وصلت إلى الانحطاط . هذا الأخير هو نتيجة تحالف الدين والميتافيزيقا والأخلاق من أجل أن تسود قيم الانحطاط. إن الإنسان حسب نيتشه عمل على استعباد نفسه بحمله أعباء “مثل” الأخلاق والميتافيزيقا والدين. وهذا الاستعباد يبدو، في نظر نيتشه، أكثر حدة في الثقافة التي تسير في مساربها الخفية المثل القديمة، من خلال سيطرة الحركات الليبرالية والاشتراكية والديمقراطية والقومية، بالإضافة إلى عوامل أخرى ساهمت في تكريس الأزمة.
إن سؤال التربية والثقافة عند نيتشه يحتل مكانا مهما في مشروعه الفكري. نجد الرجل خصص له مجموعة من المؤلفات مثل “شوبنهاور مربيا” وخمس محاضرات حول مستقبل المؤسسات التعليمية في ألمانيا. وهذه المحاضرات هي ما سنعمل على تحليلها والوقوف عند رؤيته للثقافة الألمانية.
تجدر في البداية الإشارة إلى أن نيتشه ليس من أولئك الفلاسفة الذين نجد عندهم مذهبا في التربية كما عند فلاسفة من أمثال أفلاطون وروسو، وإنما نجد عنده إشكال التربية والثقافة باعتباره أفقا للحياة والوجود. وبالعودة إلى المحاضرات الخمسة التي ألقاها نيتشه في جامعة بازل، وهو في سن السابعة والعشرون ، التي عمل من خلالها على تشخيص أزمة العقل الألماني، وهي أزمة المؤسسات التعليمية. منذ المحاضرة الأولى يتساءل نيتشه عن مستقبل هذه المؤسسات، ولا يخفي كون أن هذه المؤسسات، الثانوية والجامعية، تعمل ضد الثقافة الحقيقية، ولم تستطع أن تنجب ولو عبقريا واحدا من أمثال غوته وشيلر ولسينغ ووينكلمان. هذه الأزمة حسب نيتشه ترجع إلى سيادة نزعتان متعارضتان في الظاهر ولكنهما متساويتان في النتائج وهما:
النزعة الأولى تعمل على توسيع نطاق الثقافة؛ أي توسيع نطاق التعليم إلى أكبر قدر ممكن. هذه النزعة هي نتيجة طبيعية لسيادة الصناعة التي تهدف إلى جعل المدرسة مجرد أداة لخلق مهنيين متخصصين لربح أكبر قدر من المال. هذه النزعة حسب نيتشه لا يمكن مطلقا أن تخلق العباقرة لأنها تهدف بالأساس إلى إيجاد رجال عاديين من أجل الاشتغال في المصانع وربح المال. والحال أن التعليم لا يجب أن يهدف إلى تفريخ المهنيين من أجل كسب لقمة العيش، وإنما التعليم يجب أن يعمل على تحرير الإنسان من الأغلال وهي أغلال الثقافة المنحطة والسامة التي تقتل ذلك الجانب المبدع في الإنسان.
أما النزعة الثانية وهي التي تعمل على تقليص نطاق الثقافة، بحيث تعمل الدولة على جعل رجل التعليم مختصا أكاديميا في مجال محدد يتخندق فيه، إنه شبيه بعامل المصنع الذي ينفق كل حياته من أجل صنع مفك براغي واحد أو مقبض لأداة. يعتبر نيتشه أن كلا هاتين النزعتين تجتمعان في الصحافة، إذ تعمل هذه الأخيرة على جعل نفسها بديلا عن الثقافة الحقيقية، في حين أن الصحافة هي تجسيد للانحطاط الثقافي.
إن أزمة الثقافة الألمانية ترتبط بشكل جوهري خاصة في المؤسسات التعليمية الثانوية بعدم الاشتغال على اللغة الأم، إذ أنها المدخل الأساسي للرقي بالثقافة من حالة الانحطاط إلى حالة السمو. نجد نيتشه يقول في هذا الصدد: “خدوا لغتكم بجد، فالذي لا يشعر بهذا شعوره بواجب مقدس فهو لا يمتلك النواة المناسبة لثقافة راقية. ومن خلال استعمالكم للغتكم الأم يمكننا أن نرى القيمة التي تعطونها للفن أو الازدراء الذي به تنظرون إليه . “ هذه اللغة في حاجة ماسة إلى العودة للعصر الإغريقي، ذلك العصر الذي تحدث عنه نيتشه مع الفلاسفة قبل سقراط، العصر الذي تجسدت فيه العبقرية الإغريقية. هذه العودة إلى ستؤدي إلى إحياء العقل الألماني الأصيل الذي يتشرط ان يكون المرء قد بلغ نسبة من تجاوز الصراع مع مطالب الحياة اليومية.
يشخص كذلك نيتشه وضع التعليم العالي في ألمانيا ويعتبره مجرد ترويض للأفراد لصالح الدولة. يرى نيتشه أن الثقافة الحقيقية والدولة لا يجتمعان، إذ أن الدولة غالبا ما تتحدث عن خدمة الثقافة في حين أنها تشكل العدو اللدود لها. إن الجامعات لا تعمل مطلقا على تربية العباقرة إنها تعمل على خلق المتخصص. أما في علاقتها مع الفن فإنها تعمل على اقباره ولا ترقى به لمستوى الفن الحقيقي.
خلاصة القول يمكن اعتبار هذه المحاضرات الخمسة التي ألقاها نيتشه في جامعة بازل الألمانية هي تشخيص لواقع العقل الألماني الذي وصل إلى حالة الانحطاط بسبب الثقافة السائدة في المؤسسات التعليمية. لم تعد هذه الثقافة تلعب أي دور في مسار الثقافة الغربية بصفة عامة. في الماضي كانت تؤدي إلى ظهور العباقرة مثل غوته وشبنهاور... أما في الحاضر فهي لا تقوم إلا بدور المضاد والعائق. ومن هنا فنيتشه يستشرف المستقبل انطلاقا من الماضي والحاضر. هذا المستقبل كان بالنسبة إليه غامضا ومقلقا. ونحن الآن في القرن الواحد والعشرين نقول لنيتشه إن الثقافة الألمانية لا خوف عليها ولا على الدولة، فهي من أكثر دول العالم تقدما في مجال التعليم، وفي نفس الوقت فإنها أنجبت فلاسفة عظام مثل هايدغروشلاير ماخر وفلاسفة مدرسة فرانكفورت كماكس هوركهايمر وادرنو وماركيوز وأكسيل هونيت وهابرماس.



#محسن_وحي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة التربية وبناء الإنسان


المزيد.....




- ريانا تُحوّل السجادة الزرقاء إلى عرض أزياء عائلي وتستعرض حمل ...
- فضيحة محرقة الجثث.. رماد مزيف وجثث متعفنة تشعل حالة صدمة بال ...
- مصر.. أول تعليق من السيسي على تصريحات ترامب حول أزمة سد النه ...
- الجيش السوري يدخل مدينة السويداء وإسرائيل تستهدفه
- أعلى محكمة ألمانية ترفض شكوى بشأن هجوم مسيرة أميركية باليمن ...
- المغرب: فرصة ثانية.. عودة الشباب الى مقاعد الدراسة
- هل دخلت قوات الأمن السورية إلى مدينة السويداء؟
- العراق.. مريض يعزف على العود خلال عملية جراحية!
- الجيش الإسرائيلي يقصف القوات الحكومية السورية في السويداء وا ...
- ما تأثير انسحاب حزب يهدوت هتوراه من الائتلاف الحاكم في إسرائ ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محسن وحي - نيتشه وسؤال التربية والثقافة