أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - ليس الحنين ذكرى ، بل هو ما ينتقى من متحف الذاكرة.. !!















المزيد.....

ليس الحنين ذكرى ، بل هو ما ينتقى من متحف الذاكرة.. !!


علي المسعود
(Ali Al- Masoud)


الحوار المتمدن-العدد: 6042 - 2018 / 11 / 2 - 15:35
المحور: الادب والفن
    


ليس الحنين ذكرى ، بل هو ما ينتقى من متحف الذاكرة.. !!

علي المسعود

هل تساءلت يوماً عن سر ما يدعى ” الحنين “؟ عن سر ذلك الشعور الذي يطاردك عندما تزور بيتك القديم الذي شهد أيام طفولتك أو شبابك، تلك الرائحة المألوفة، ذاك الاطمئنان الذي تشعر به عندما تذهب إلى مكانٍ من الماضي، غرفتك القديمة، الصور العائلية، متعلقاتك الشخصية القديمة، هل جربت يوماً أن يلتقطك الخيال إلى زمنٍ قد انقضى بالفعل ولكنك تنتمي إليه بكل جوارحك؟ زمن الطفولة الخالي من المسؤوليات والمخاوف، الراحة وتلك الأيام الدافئة، عندما كان كل شيء جيد وكان الجميع سعداء! , وتتمنى لو أنك تستعيد تلك الحياة ولو للحظات… أنت هنا في حالة ” نوستالجيا"."
" النوستالجيا ” كمفهوم هي ” الحنين إلى ماضي مثالي ، أو هي حالة عاطفية نصنعها نحن في إطارٍ معين وفي أوقات وأماكن معينة، أو يمكن وصفها بأنها عملية يتم فيها استرجاع مشاعر عابرة ولحظات سعيدة من الذاكرة وطرد جميع اللحظات السلبية و إحيانا يولد الحنين من رحم الوحدة !!
الحنين إلى الماضي شعور يلازم الإنسان كلما تقدّم به العمر , والنفس البشرية تتلذذ بالماضي أكثر من الحاضر وتتوق لاستنشاق عبق الزمن الراحل أكثر من تلذذها برائحة القادم من العمر.
المهاجرون والمغتربون عن أوطانهم هم أكثر الناس تعلّقاً بأشيائهم في وطنهم.. وكلما تقدّم بهم العمر في المهجر كلما ازدادوا حنيناً وشوقاً لأوطانهم وكم هي موجعة دمعة حارقة تسقط من عين مسنّ مغترب حين يُذكَر الوطن , فتتلمس آثار الحنين في دمعته تلك فتعلم أن الوطن ساكن في الروح ولا يُنسَى وأن الحنين إليه فطرة زرعت عنوة في قلوب المغتربين.
من أسباب الحنين إلى الماضي هو شعورنا الدائم برفض الواقع وعدم قبوله بسبب المعاناة اليومية التي نعانيها فيه سواء في العمل أو في الدراسة أو في مشاكل المنزل أو غيرها من هذه الأمور ولعل الجملة التي ذكرناها في المقدمة التي تتبع أي استحضار ذكرى سابقة “آه.. كانت أيام” أكبر دليل على أننا نعترف بأن الأيام الماضية هي الأيام بينما الأيام الحالية ليست أياما بأي حال بل هي معاناة متواصلة متتابعة فيما نسميه الحياة ولعل هذه الحالة توّلد الشعور الدائم بأن السعادة كانت في الماضي فحسب بينما لا نشهد في الأيام الحالية سوى السوء والألم والملل والرتابة، لذلك فإننا نحن للماضي باستمرار وننظر له نظرة مليئة بالحزن والشجن . عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي يقول (نحن لا نعود للماضي لجماله، ولكن لبشاعة الحاضر!), حالة الحنين إلى الماضي هذه نابعة من الشعور الدائم لدينا بأن كل شيء قديم هو أحلى، طعام الأم وأنت صغير وراجع من المدرسة بعد يوم دراسي منهك حيث تعده لك بمنتهى الحنان والرعاية وبين أنك مضطر الآن للأكل في المطاعم أو حتى الأكل في الشارع بسبب يومك المزدحم وافتقارك للدفء الأسري وحنان الأمومة، هذا مثال واحد فقط من العديد من الأمثلة التي تشرح لك كيف أننا ننظر لكل ما هو قديم على أنه أفضل بكثير وأن الحال كان أقل سوءا بكثير وأن الأسعار كانت زهيدة والسلع كانت أجود وحتى الموضة كانت أرقى والأخلاق كانت أبقى والنفوس كانت أنقى، كل هذه الأشياء كانت قديما بينما لا نحصد في زماننا الحالي سوى الرداءة وانعدام الذوق وانعدام الأخلاق والأسعار الباهظة مقارنة بالأجور المنخفضة وهكذا، هذه النظرة تسبب الحنين إلى الماضي . الحنين الى الماضي عاطفة تسكن فينا، وتزداد كلما تقدمنا في العمر. الماضي يعني الشباب الذي هرب ولن يعود. اوقات الفتوة والعشق الاول. ويكبر هذا الحنين ويلبس لباسا منطقيا حين يسوء الحاضر. وعندها نكون مجبرين للسكوت، وهز رؤوسنا كدلالة على الايمان بـ “نظرية” صاغها المسنون, ويصل الأمر الى قناعة تترسخ في مشاهدتنا صورا قديمة لمدننا. نظافة شوارع، وحدائق خضر، وباصات نقل خاضعة لنظام الوقت، و....الخ،. حتى يأخذنا الخيال او الوهم في تمثل حياة لم ندركها، وربما نحلم في منامنا بان نعود الى عقد السبعينات ، وغيرها من العقود التي باتت في عهدة عواطفنا وتاريخنا. الحنين الى الماضي هو مأتم نقيمه لأرواحنا، ولا يمكن ابدا ان يكون كرنفالا بأي حال من الاحوال. وما علينا الا ان نجيب عن سؤالنا في مقدمة هذه الكلمات، ونقول: بالتأكيد، سنتحسر على الزمن الذي نعيشه الآن، كونه زمننا الذي سنفتقده , لكن على الجانب ألآخر يرى آخرون إن الماضى كان مزيجأ من الالم و الوجع و الخوف ذاك هو زمن حين يكون فيه الانسان مطاردأ من رجال الامن وعصابات الديكتاتور ! ولازالت كوابيسه تطاردهم !! . هؤلاء يسخرون على من يطلق على الماضي ( الزمن الجميل ) . وقد كتبت شاعرة عراقية وهي ( ريم قيس كبة ) : عن هذه الحالة و وضعت توصيفأ لها وهو " أمراض الحنين" :
"كيف يمكن للماضي أن يكون زمنا جميلا مثلا وهو غارق في الحروب؟.. كيف للماضي أن يكون أحلى من الآن وقد كنا نرزح تحت ظل دكتاتوريات مميتة؟ .أرجوكم ألا تبكوا وتتباكو على أوطانكم التي ضاعت فأوطاننا إن لم تكن بخير فإنها ستكون حتما بخير.. وليس كل ما تتذكرونه عن الوطن هو أفضل وأحلى مما هو عليه الآن.. فدائما ثمة شيء جديد أفضل يحدث وسيحدث.. ".
كان الحنين إلى الماضي يؤرقنا .. واليوم نبكي على الماضي ويبكينا
من يرجع العمر منكم من يبادلني .. يوما بعمري ونحيي طيف ماضينا
مثل هذا النص لـ فاروق جويدة متكرر بصورة كبيرة في ثنايا الأدب العربي، والإنساني بشكل عام ، فالحنين للماضي قضية ارتبطت بجلاء مع الأدباء كمقدمة، لانهم بحكم مهنتهم و ميولهم فالحكم عندهم هو للعاطفة الغالبة للعقل الذي يميل إلى " التخلي " أكثر من التطرف باتجاه الحب والكره كما تفعل العاطفة، إلا أنّ ذلك لا ينفي وجود هذه الرغبة العارمة في العودة للماضي عند كل إنسان ، فلا بد و أن تعتريه في لحظة من لحظات حياته ، و لابد له من التباكي على اللبن المسكوب في ساعة من هذه الساعات . الحنينُ في شعر الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش مثلآ حاضر في كل أقواله واقتباساته، فقد لا تخلو قصيدة من قصائدهِ عن حنينهِ لوطنه أو لأمهِ أو لحبيبته، فقصائد حب محمود درويش وقصائدُ فراق محمود درويش وقصائد نسيان محمود درويش مغموسةٌ بالحنين، وقد تجلى ذلك في ديوانه" في حضرةِ الغياب " حينَ وصفَ محمود درويش الحنين بأجمل وصف . مثلآ" ألحنين هو اختصاص الذاكرة في تجميل ما احتجب من المشهد، وترميم شباك سقط دون أن يصل سقوطه إلى الشارع " . وكذالك (الحنين قصاصُ المنفى من المنفيّ، وخجل المنفيّ من الإعجاب بموسيقى منفى وحدائق . الحنين يكذب ولا يتعب من الكذب لأنه يكذب بصدق, فكذب الحنين مهنة . "لقد أبدع "درويش" في تحرير النص كعصفورة حائرة تتهادى، بين الغياب والحضور، الحنين والوجع، الوطن والمنفى، الحرية, والزنزانة، الموج والبحر، وبين الغناء والبكاء. فخرجت الكلمات بإيقاعات هادئة وحزينة، تأسر الروح معها في منفى الكلمة و من أجمل ماكتبه الغائب الحاضر محمود درويش عن الحنين " الحنين وجع لا يحن إلى وجع، هو الوجع الذي يسبه الهواء النقي القادم من أعالي جبال البعيدة، وجع البحث عن فرح سابق , لكنه وجع من نوع صحي لأنه يذكرنا بأننا مرضى بالأمل، وعاطفيون! والحنين شاعرمحبط يعيد كتابة القصيدة الواحدة مئات المرات, الحنين انتقائي كبستاني ماهر، وهو تكرار للذكرى وقد صفيت من الشوائب. وللحنين أعراض جانبية من بينها,إدمان الخيال النظر إلى الوراء، والحرج من رفع الكلفة مع الممكن، والإفراط في تحويل الحاضر إلى ماض، حتى في الحب, الحنين ندبة في القلب ، وبصمة بلد على جسد، لكن لا أحد يحن إلى جرحه، لا أحد يحن إلى وجع أو كابوس، بل يحن إلى ماقبله، إلى زمان لا ألم فيه سوى ألم الملذات الأولى التي تذوّب الوقت كقطعة سكر في فنجان شاي، إلى زمان فردوسي الصورة, والحنين نداء الناي للناي لترميم الجهة التي كسرتها حوافز الخيل في حملة عسكرية، هو المرض المتقطع الذي لا يُعدي ولا يميت، حتى لو اتخذ شكل الوباء الجمعي .
كُلنا مصابونَ بالحنين .


علي المسعود
المملكة المتحدة



#علي_المسعود (هاشتاغ)       Ali_Al-_Masoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- Banksy (بانكسي ) فنان بريطاني من فناني الشوارع المؤمن ب الان ...
- الشاعر التونسي الراحل الصغيّرأولاد أحمد: شاعر تمرّدَ على على ...
- لوحة - اليدان المصليتان - تكريم للتضحية والبذل والعطاء
- تحسسوا أنوفكم .. واسألوا أنفسكم: كم من الأشياء تم قطعها منكم ...
- لوحة (-عازف الغيتار العجوز-) تصوير لأقصى حدود الفقر والألم و ...
- رواية الراحل حميد العقابي - المرآة - تنقل الواقع بلغة أدبية ...
- قراءة في كتاب ( نزعة إلى الموسيقى)
- شتان مابين هذا ....وذاك!!
- الفيلم الهندي ( نجوم على الارض ) يحمل رسالة عظيمة في التربية ...
- فيلم ( الملاك ) حكاية الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل..؟؟
- رواية خوزيه ساراماجو (العمى ) بين الرواية والفيلم...
- فيلم أمريكي يكشف فضائح الامم المتحدة في العراق
- فيلم عطر : قصة قاتل (2006 )
- أيها الساسة المتنفذون :أنتم عار التاريخ ؟؟
- داخل حسن سفير الحزن العراقي
- سلام عليك ياوطني حتى وان قتلت فينا الاماني وانهكت فينا الاحل ...
- الفيلم الفنلندي ( الجانب الآخر من ألأمل ) تجسيد للأغتراب داخ ...
- هل باتت السياسة تسيّر الرياضة وتتحكم في مفاصلها؟
- القضية الفلسلطنية في الفيلم اللبناني -القضية ( 23 )
- الدراما السورية في 2018 مرآة للواقع السوري وإنعكاساته !!


المزيد.....




- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...
- تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 على النايل سات وتابع أفلام ال ...
- وفاة الكاتب والمخرج الأميركي بول أوستر صاحب -ثلاثية نيويورك- ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - ليس الحنين ذكرى ، بل هو ما ينتقى من متحف الذاكرة.. !!