أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صليبا جبرا طويل - ثورة اخلاقية















المزيد.....

ثورة اخلاقية


صليبا جبرا طويل

الحوار المتمدن-العدد: 6039 - 2018 / 10 / 30 - 20:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والديني، سببه انعدام العدالة، وتفشي الفساد والنفاق. تقويم المجتمع يحتاج الى ثورة اخلاقية على كل المستويات.


الجنس البشري خلال انتقاله عبر العصور من بدائيته المتوحشة الى تحضره المعاصر، لاحظ، وفسر، كل ما يدور حوله من مظاهر طبيعية، واحداث لا انسانية: من مآسي، ودمار، وخراب، وقتل، واستهتار بحقوق الناس ، ولجم لحرياتهم، وغياب الامن، والتفرقة بأنواعها، وأشكالها، ومسمياتها العديدة الخ... ما عزز وعيه لضرورة وضع تشريعات، وضوابط لمعالجة نتائجها السلبية على العلاقات الانسانية تحت مسمى "قوانين" و "أخلاق". تركيزه على الاهتمام " الاخلاقي" جاء بعد تحليل تأثير التجارب القاسية والنزاعات المريرة على العنصر البشري، وبعد مخاض فكري طويل مكنه من ان يفصل بين كل ما يعاني منه ويتسبب في "الشر" وما يجب فعله في المقابل من "خير". فتم بلورتها كمبادئ وقيم، تزداد حاجتنا اليها كلما تراجع سلوكنا على المستويين الشخصي والعام.

عالميا يتفق البشر على تعريف مصطلح الأخلاق: " على أنها القواعد المنظمة لسلوك الإنسان، والتي تتحكم في أفعاله، وردود أفعاله التي تصدر عنه، فإما أن تكون حسنة فيكون الإنسان ذا أخلاق حسنة، وإما أن تكون سيئة فيكون الإنسان ذا أخلاق سيئة." نتائج الممارسات السيئة الظاهرة على الساحة في العالم الثالث دليل على ازمة اخلاقية. دليل على عبث فكري وسلوك غير مستقر وناضج قادر على القيام بدوره القيادي، ليس هناك دليل أو مؤشر على وجود نهضة، فوضى منظمة لا هدف يلوح في الافق تغطيها طبقة رقيقة جدا من الرماد. فيها يذهلك التقدم العمراني، الشوارع العريضة، الاضاءات، الميزانيات الضخمة، ناطحات السحاب، وقوانين لا تنفذ الا على الضعفاء الفقراء الخ...، انه عالم ظاهري جميل يخفي بشاعة حقيقية، واخلاق سيئة تلبس عباءة التقوى، وشعوب اعياها غياب التغير.

هل الاخلاق تميز بين بشر وبشر؟ هل تميز عقيدة عن اخرى؟ ان قلنا نعم وقعنا في مطب العنصرية ، وان قلنا لا، اقررنا واعترفنا ان الاخلاق واحدة عند كل الشعوب، لكن هل يتميز مجتمع بأخلاقه عن مجتمع اخر؟ نعم، ما يميز فئة عن اخرى، بشكل خاص هو ما يصدر عنها من سلوك، من خلال تطبيقها للمفهوم الاخلاقي على كافة مجالات الحياة وبقوة من خلال تحكيم الضمير انسانيا وبانفتاح، وليس من خلال مفاهيم تربوية عقائدية أو اجتماعية ضيقة. ننظر للأشياء حسب تربيتنا ونحكم عليها حسب اخلاقنا، اتسأل اين الفضائل التي تعالج الرذائل المدمرة للفرد ولسلوكه الانساني. نتسأل اين الضمير؟ ألا يكتسب الضمير بنيته من تعاليم المجمع، ويرتقى بحكمه حسب وعى وثقافة الفرد وانفتاحه على الحريات والمفاهيم الانسانية لإصدار حكم منطقي وعقلاني . أليست الاخلاق انتاج تراكمي لمعايير ولمواقف محلية، لذلك استجاباتنا الاخلاقية لا تخرج عن الاطار التربوي الذي تلقناه منذ طفولتنا. اذن هل الاخلاق هي فعل الخير والابتعاد عن الشر؟ هل افعال الاخلاق الخيرة ضيقة بحيث لا تتعدى كل من يختلف عني بالجنس، واللون، والفكر، والعقيدة والعرق، والوطن ؟ هل الاخلاق تبيح أن أضع نفسي في مرتبة أعلى والاخرون في مرتبة ادنى؟ هل الاخلاق تمنحني حق الاستفادة من منصبي واثرائي؟ هل الاخلاق مصادرة حقوق الناس؟ هل الاخلاق التسلط وقمع الحريات... اسئلة تحتاج الى اجابات من كل فرد في المجتمع.

ممارسة بعض رجالات الدولة من ساسة، ومن يدعمهم من رجال دين تعكر صفاء المجتمعات البشرية، مستغلين مسمى الاخلاق، ليعملوا على قمع واجهاض كل المحاولات لتغير المجتمع نحو بناء اكثر تقدما وتطورا ،ترعبهم بشكل خاص الدعوات المطالبة بإطلاق الحريات، فيعملوا ضدها جاهدين مجتهدين على فرز سريع لثقافة بائسة مشوهة المفاهيم والقيم والعلاقات الانسانية من اجل قمع المجتمع والتحكم فيه. هذه التصرفات والسلوكيات لم تعد بالغة السرية، ظاهرة واضحة كوضوح الشمس الساطعة في دول غير مستقرة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا في العالم، دول تعمل على تصدير مفاهيمها بلباس سياسي ديني لإثارة المجتمع بدعوى خوفها وحرصها على اخلاق وانحلال المجتمع، مقارنة تميزها الاخلاقي بالمجتمعات العلمانية المنحلة – هكذا تدعي - شتان ما بين الثرى والثريا، ما يحصل في الخفاء والعلن في الدول المستورة من امور يندى لها الجبين لو سمح للنساء، والاطفال بالإفصاح عنها لملأت فضائحها مجلدات - للأسف في العالم الثالث العلاقة الجنسية تأخذ حجما كبيرا يصل الى اكثر من تسعون بالمئة من حجم الرزمة الاخلاقية متناسين تأثير السلوكيات الاخرى على المجتمع كأن المرأة الكائن المقموع اصلا هي اخلاق المجتمع -. شعوب بائسه اخلاقها وقيمها ترتبط بثقافة الجسد لا بثقافة الممارسات من عدالة ومساواة وسلام وتسامح الخ... بصراحة، بصمت مثقفيها دفنت الحقيقة، وبات من يدعون بأحرارها اسرى يرعون في حضائر من تسلطوا على وعيهم، وسجناء فكر في زنازينهم ومن سار في دربهم منهم شل فكره وارادته باع نفسه لإغراءات المال. الاكاذيب التي تروج، تظهر ان لا كرامة، أو أخلاق للأخر. هل الاخلاق تسمح الزنى بالكلمات، بينما خيرات الوطن مباحة للغرباء؟ هل تسمح بممارس الموبقات التي تفرق بين الملل والطوائف الدينية، والقبلية، والاحزاب السياسية؟ هل تسمح بتجاهل متطلبات المحتاجين والتميز بين اكثرية واقلية؟ هل الاخلاق تغليب الاحكام القبلية على القضائية والمدنية؟. هذا قيض من فيض.

حاضرا أخلاقنا تراجعت، ويري البعض ان وسيلتنا للخروج من هذا المأزق هو اعادة ترتيب تكرار ذاتنا التي نجتهد في صياغتها وتشريعها كما كانت في الماضي كمبادئ وكقوانين دون الاخذ بعين الاعتبار دوافع وميول الشعب الفكرية والعقائدية، والحداثة، والزمن الذي يفصل بين الماضي والحاضر، يقدمون للمواطنين رزمة اخلاقية لا تخضع للحوار أو النقاش، بالرغم من قساوة احكام بعضها، أو يسر بعضها الاخر عليهم الامتثال لها مهما كلف الامر.

بناء مجتمع مثالي – يوتوبيا - شيء مستحيل. بناء مجتمع منسجم اكثر واقعية من بناء مجتمع مثالي. المجتمع المثالي حلم لن يتحقق، والعيش في مجتمع يعاني من ازدواجية واضحة فيها ندعى الاخلاق ونمارس عكسها لا امان فيه. الايمان والتواجد في دور العبادة احدى مظاهرها، عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، خيانة الامانة والمركز الوظيفي، التغاضي عن الافعال السيئة لمن هم مقربون من اصحاب المراكز، تعين الانسان الغير مناسب في المكان الغير مناسب له ولقدراته، شراء الذمم في الانتخابات، التلاعب في اسعار السوق، عدم دفع المرتبات الكفيلة للعيش الكريم، عدم المساواة بالأجور، عدم تنفيذ مخططات المشاريع والتلاعب بميزانياتها، القضاء الغير عادل، بيع المواد الفاسدة من لحوم ومعلبات على انواعها المختلفة، استغلال النساء لحجاتهن الوظيفة الخ... كلها تنطوي تحت مسمى لا أخلاقيات.

الالتزام الاخلاقي يعتمد على العقل كما تم تغذيته، وبما تم تغذيه ليتناسب مع تعاليم المجتمع الذي ينتمي اليه الفرد. لماذا هكذا تم تغذيه؟ ولمصلحة من تجهل المناهج التربوية الاجيال القادمة؟ ومن هو الطرف المستفيد في النهاية؟ فان كانت التربية الأخلاقية قائمة على عناصر تنظم العلاقات فيها على اسس اختلاف في العقائد والافكار ولا تلتقي مع روح الانتماء الانساني فهذه عنصرية تدعو لعدم القبول والتحدي والتصدي وكراهية كل ما هو اخر. الفروق تدفع للتنافس من اجل البناء العام، خلاف ذلك تدفع للنزاع والاقتتال. لن تزول الاختلافات ما دامت هذه ثقافة المجتمع. الاخلاق التي يعلمها المجتمع قد تؤدي الى غرضين اما السيطرة على الانسان ضمن نظام محدد محكم الاغلاق، أو دفع المجتمع نحو تحقيق الحريات. فالتمتع بحرية الاختيار التي تعود الى كل ما استنتجه وفسره وحلله عقل الانسان ضرورة اخلاقية لإنقاذ المجتمع. لذلك ما احوجنا لثورة بناءَة تخدم الجميع نحتاج لثورة اخلاقية صادقة تخضع كل مكونات المجتمع افقيا وعموديا للقانون.

من المهم أن نتذكر، المبالغة بالحديث عن الاخلاق دليل على فقده وغيابه، الاخلاق استقامة في القول والفعل تجنبنا الوقوع في اخطاء تمنع العدالة كما انها تجسد حقيقة النقاء البشري، وتعبر عن استمرارية وجوده، ولا تتقيد في مكان أو زمان. الاخلاق التي تتعدى المفهوم الانساني العام وتنحصر في اتباعها فقط هي اخلاق كسيحة تهدف لمصلحة ذاتية لا عالمية شاملة. الثورة الاخلاقية هي الضمانة الوحيدة لإعادة الكرامة للإنسانية جمعاء، تحقيقها يكمن في نشر اسلوب تربوي جديد يعالج الاخطاء المدمرة للسلوك الانساني، وفي غيابها ضمانة لانتعاش واستمرار اللاأخلاقية.



#صليبا_جبرا_طويل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غربة وضياع
- هذا ما تعلمنا
- المعرفة حتمية ضرورية للاستمرار الحضاري
- بتحرر المرأة يتحرر العقل
- لا لوأد حرية الرأي والتعبير
- حقائق من الواقع العربي
- الزمن والهوية
- الأحزاب وديمقراطية العدالة
- الأديان بإنسانيتها
- عروبتنا تحتضر
- البحث عن مثقف
- الأديان في ظل صراع البقاء
- خطب منمقة وثورات قادمة
- الخير والشر من منظور علماني
- ثورة فكرية نحو العلمانية
- الاحترام قبل الحرية
- التمييز العنصري يحط من انسانيتنا
- الحرية ممنوعة حتى إشعار اخر
- لعبة الاسياد والعبيد
- حرر عقلك


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صليبا جبرا طويل - ثورة اخلاقية