أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - صليبا جبرا طويل - التمييز العنصري يحط من انسانيتنا















المزيد.....

التمييز العنصري يحط من انسانيتنا


صليبا جبرا طويل

الحوار المتمدن-العدد: 5239 - 2016 / 7 / 30 - 18:43
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لا يمكن للماضي والحاضر ان يلتقيا زمنيا،
لكنهما يلتقيا في عقلية كل من يستنسخ
الماضي ويجبر الناس على الايمان بما لا
يعتقدون، او ممارسة سلوك ما لا يريدون.
فرض الاعتقاد وفرض السلوك عنصرية.


تعرّف الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال العنصرية، التي بدء تنفيذها في 4 /كانون الثاني/ 1969 " التمييز العنصري": بانه أي تمييز، أو استثناء، أو تعبير، أو تفضيل، يقوم على أساس، العرق، أو اللون، أو النسب، أو الأصل القومي، أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل، أو عرقلة الاعتراف بحقوق الانسان والحريات الأساسية، أو التمتع بها، أو ممارستها، على قدم المساواة في الميدان السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي، أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.

لو توقفنا لبرهة وجيزة، وتأملنا حجم تطبيق هذه الاتفاقية بين شعوب دول العالم، لتبين لنا ان حجم تطبيقها يعتمد على حجم الحريات الممنوحة في كل من تلك الدول، ونظام الحكم فيها. تتفاوت تسهيلاتها من دولة لأخرى، ما بين تقديسها للحريات أو قمعها. بناء على هذا القياس يكون استحقاق تطبيقها في دول العالم الثالث – دول الشرق منها – مفزعا مرعبا، فنخرج بنتيجة حزينة، أن العنصرية قد تمكنت منا، وان كانت بدرجات قليلة نلاحظها ونعيها، فإننا نتدثر بالرياء لنخفيها، عدم القدرة على ضبطها ومعالجتها أدى الى استفحالها في بعض المناطق، فخرج المجتمع عن تماسكه ووحدته، وصعد الصراع ضد كل من هو اخر يختلف عني ومعي.

هذه القضية باتت تمس كل المجتمعات البشرية، يختلف حجمها باختلاف تركيبته الاجتماعية وتراثه وثقافته وعاداته ودينه ونزعاته القومية. العنصرية حول العالم باتت في تصاعد ملحوظ، الدول الغربية التي فتحت أبوابها للهجرة سعيا الى بناء اقتصاد قوي، ومجتمع متعدد الثقافات، وللفارين من جحيم الصراع في افريقيا واسيا بشكل خاص تواجه الإرهاب العنصري الممارس من قبل فئات قليلة، بعنصرية الخوف ليؤدي الى شحن بعض المتطرفين – امكانية وصولها لأحزاب أيضا واردة - في الغرب ودفعهم الى ارتكاب مجازر ضد الأقليات التي هاجرت اليها، ليس بدافع رفضهم لوجودهم لكن بسبب عدم قدرتهم على الاندماج الثقافي في المجتمعات التي وفدوا اليها. بالتالي، أصحاب قصر النظر السياسي والاجتماعي والديني – في اسيا وافريقيا - سيوجهون انتقامهم من الأقليات المسيحية في بلادها على أساس انهم امتداد ورأس حربة للغرب المسيحي الصليبي. كما أن الشيعة والسنة سيطالهم الانتقام بسبب قربهم الديني من إيران، او من السعودية وغيرها، كذلك الأقليات الأخرى. القصد لمن يدقق في الأمور هو تحويل الصراع من صراع مصالح الى صراع ديني. فيصبح كل من هو اخر معرض للإبادة والاستئصال من جذوره التاريخية في موطنه الأصلي بلد الإباء والاجداد. المستقبل قاتم للجميع، تصاعد حدة العنصرية سيخلف ويلات وماسي وكروب ودمار. جميعنا نعيش خطره ونلمسه اليوم في شرقنا الحبيب. من صعد وتيرة العنصرية هو من قسم العالم العربي، هو الغرب العلماني، وليس من يشارك في المواطنة.

التعصب سلاح يوجّه بالفتنة والإثارة لتحقيق اهداف جماعة ما تستحوذ عليها أيديولوجية وعقيدة بأنها متفوقة على كل من يختلف عنها من البشر. هذا التفوق يلغي التوجه السلمي لدى اتباعها مما يولد عندها دوافع الشرور والقتل والدمار. منذ ان تكونت الحياة على كوكب الأرض لم يستطع الانسان تهذيب سلوكه، ولم يتعلم من دروس التاريخ ولم يخرج بعبرة عن الأثار المدمرة للمجموعات والاعراق حول العالم. لذلك ما زال مستمرا في اندفاعه نحو التعصب الاعمى دون تمحيص او بحث يمكن أن يقوده أو يردعه عن الغاء كل ما هو اخر. لذلك أنعش بعضنا إعادة التاريخ الدموي.
العنصرية تشعل فتيل فتنة قاتلة، مرعبة، مدمرة بين الناس، الداعية لها لا يعرف كيف ومتى ستنتهي. للتوضيح نحتاج الى تعريف معنى الفتنة بين الناس، يعرفها قاموس المعاني: " هو مَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِن اخْتِلاَفٍ فِي الرَّأْيِ يَجْعَلُهُمْ يَتَطَاحَنُونَ وَيَتَقَاتَلُونَ ". هذا التعريف لا يبقى مجال للشك، ولا أي غموض، ولا أي التباس او ابهام للمقاربة بين العلاقتين -الفتنة والعنصرية - لان أحدهما لا بد أن تسبق الأخرى بالفكر ومن ثم بالعمل. لذلك نبهنا النبي محمد (صلعم) بحديث شرف يقول: "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها".

نتيجة فشل حركات الاحتجاج السلمي في معظم دول العالم العربي التي انطلقت في أواخر عام 2010 ومطلع 2011، تحول الاحتجاج الى صراع، واقتتال داخلي، ليتعداه الى احتكاك عالمي فيه تكاد الدول العظمي أن تتصارع بعضها مع بعض من أجل مطامعها، ونفوذها في المنطقة العربية. المجتمع العربي ابتلى بكراهية عمياء يؤجج بأجندات من الداخل والخارج لتتحول الى عنصرية مقيتة. ما طفى على السطح من عنصرية في صور شتى ما كان ليظهر ايضا لولا وجود احقاد دفينة لدى البعض في الشرق فقسم الوطن دينيا، وطائفيا، وعشائريا، وقبليا، وحزبيا، والى طبقات، واثنيات، وعائلات، وجنادرية الخ... بذلك قسم الوطن ليصبح الاخر المختلف عني هدفا لتصفيته. فظهرت موجات النازحين، واللاجئين الهاربين من الموت او المدفوعين قهرا بالملايين فتشتت العائلات وأبيحت الاعراض ودمرت بيوت العبادة المسيحية والإسلامية من سنّة وشيعة وازيدية، كما دمرت الاثار رمز حضارة الوطن ومجده.

لبناء مجتمع سليم متماسك خالي من العنصرية يتطلب تظافر جهود الدولة والشعب. من واجب الدولة العمل على تغيير الخطاب والكلمات والالفاظ والمصطلحات والمفاهيم التي لها دلالة على العنصرية. من واجب الشعب ان يطالب حكومته بتحقيق العدالة بدون تمييز، والانسجام بدون نزاع، وقبول الاخر بدون الغاء، والحريات بدون ظلم، والجنادرية بدون تفريق، والايمان بدون استخفاف، والمساواة بدون تحيز، والعمل بدون خداع، والتوافق بدون خبث، والتنوع الثقافي في جو من التسامح المتبادل. والبعد عن كل ما يضع العائلية والقبلية، والجنس الخ.. قبل الكفاءات الفردية، والابتعاد عن تكرار مقولة الواحد من أجل الجميع بل القول الجميع من أجل الفرد، ان بناء شخصيه الفرد المستقلة حتما ستوجّه اهتمامه نحو مصلحة الجميع وما عداه يصبح المواطن ظل لرجال يحكمونه.

عندما يكون رد فعلنا تجاه موقف عنصري بعنصرية معنى ذلك اننا لم نستفد من تربية الانفتاح. كما ان الإذعان لمثيري العنصرية يعني الاستسلام لهم في النهاية، المطلوب من الدولة والأحزاب ورجال الدين والمواطنين الخ... دراسة الموقف دراسة علمية تستوفى كل الشروط المطلوبة لتحديد السبب والمسببات لهذه الأفعال وتصويبها. كما اختلاط القيم بالفساد العنصري يؤدي الى تداعى المجتمع، وتبديد كفاءاته. القيمة الأكبر في مجتمعنا الذي لم تتبلور بعد صورة نظام الحكم فيه منذ عقود عدة هي المحافظة على الوحدة وصون كل ما هو اخر، والدعوة الى الترابط بين كل مكونات المجتمع، والمحافظة على الاختلافات الموجودة فيه. الشعور بالانتماء لوطن يمنحنا جميعا الامن والسلام. بمجرد النظر الى جماعة أنها تختلف عن الاخرين سيتولد لديها شعور بأنها مستهدفة وغير مرغوب فيها وينتابها القلق.

مواجهة العنصرية لا تكون الا من خلال إعادة رؤيتنا لكل ما تلقناه من معارف تشكل فيها عقولنا مفهوم الفوقية لدينا وكل من يختلف عنا فهو بمنزلة دونية. علينا ان نعيد دراستنا بشكل علمي مفهوم الذاتية المتفوقة المنحصر في موروثاتنا الفكرية والعقائدية والتاريخية. فكل من الأديان السماوية وغيرها من الأديان أيضا ساوى بين أتباعها فقط ولم تساوي بين الا خرين باتباعها. الجهل المطبق لكل من يختلف عنا، أدّى الى سوء التربية والثقافة التي تربينا عليها وهو عدم تقبل الاخر. ما لم تردم هذه الفجوة ستستمر البشرية في المعاناة من العنصرية.

البشر جميعا ينحدرون من ارومة واحدة، العنصرية بينهم تقوم على مبدأ تفوق متشدد لمجموعة ما، ضدّ كل من يختلف عنها. هي ليست ترجمة جينية تنتقل من الاباء الى الأبناء، ولا تنمو بين أحضان الجهل والتمييز فقط، انما منبتها الرئيس تربية وثقافة المجتمع القائم على الاحقاد والكراهية. في الشرق، دون إعادة تقيم مناهجنا الدراسية ومكانة ثقافتنا الحالية ضمن الثقافة العالمية المعاصرة، وما لم نتمكن من ايجاد ثقافة يرى فيها المسلم المسيحي من خلال الإنجيل المقدس، والمسيحي يرى فيها المسلم من خلال القران الكريم - (ألف الأب الدكتور بيتر دو برول اليسوعي، أستاذ مساعد في جامعة بيت لحم في الدراسات الثقافية، والدينية، والفلسفية كتاب بعنوان "بوصلة جديدة لقراءة القران الكريم". صدر في حزيران 2014، يحفز فيه الفرد المسيحي الى التعرف على القران وواقع الإسلام وواقعه المشرق. أتمنى من أعماق قلبي ان يخطوا اخوتي المسلمين وإصدار كتاب يعرف فيه القراء المسلمين على المسيحية من خلال الكتاب المقدس) -، وما لم نعيد تدرس مادة الفلسفة، ونعتني بالثقافة، فكل مساعينا للتغيير ستبوء بالفشل.

التمييز العنصري من أشد مظاهر الانحطاط الإنساني. بدلا من تبدد طاقتنا بالدفع نحو العنصرية لنوجه طاقتنا لبناء مجتمع سليم متعدد الثقافات والحريات، ينعم فيه مواطنوه رجالا ونساء بالرفاهية والعدل والمساواة والكرامة، ونستبدل عنصرية التفوق بعنصرية البناء السلمي الإنساني العادل الشامل.



#صليبا_جبرا_طويل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية ممنوعة حتى إشعار اخر
- لعبة الاسياد والعبيد
- حرر عقلك
- أعراف المجتمع تقيد المرأة
- الفساد لا يبني وطن
- كافر انت!؟
- استقلال العقل ضرورة حضارية
- دين وأخلاق
- العلمانية حل للإنسانية المفقودة
- حوار المواطنة أهم من حوار الأديان
- خطاب ديني وطني وَحْدَويّ
- أخي العربي.. مثلك أنا
- الإنسان صناعة الإنسان
- الله والعقل واستمرار والوجود
- النقد بابٌ للحريات وللتقدم
- متدين، أم مؤمن؟!
- الإعلام المرئي يحرض على الإرهاب
- ماذا بعد ضرب داعش؟
- داعش والأبجدية
- مسلمون ومسيحيون معا


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - صليبا جبرا طويل - التمييز العنصري يحط من انسانيتنا