أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صليبا جبرا طويل - النقد بابٌ للحريات وللتقدم















المزيد.....

النقد بابٌ للحريات وللتقدم


صليبا جبرا طويل

الحوار المتمدن-العدد: 4640 - 2014 / 11 / 21 - 08:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



من خلال النقد نستطيع أن نبني عالما أفضل وأجمل عن
طريق طرح أرائنا، وأفكارنا النيرة الجريئة الطموحة التي
تتطلع إلى رفع معنويات الروح الإنسانية من معاناتها،
وانتشالها من ظلمات القهر، والذل إلى نور الأمل بمستقبل
أخر واعد مشرق وحر.



الناقد الجيد يعيش حقيقة مجتمعه ويكون في قلب مكان الحدث وزمانه الذي لا يخشاه، ويقف موقف المناضل العنيد الصلب لجانب الحق ضد الباطل، غير متردد في تقديم رسالته، وعلى استعداد بالتضحية بعمله، وبروحه، فيتحدى المنطق المغلوط، والخطأ بلا حدود.

الناقد، يعتبر النقد واجبا مؤتمنا هو على فعله تدفعه الغيرة، والرغبة الإنسانية من قلب يتألم لأوجاع الآخرين، وقوة غير طبيعية، يهاب الكثيرون الخوض في غمارها. وفي معظم الأحيان يدفع الناقد ثمنا باهظا لشجاعته في تعرية الفساد، والفاسدين وإظهار الحقيقة خاصة في عالمنا العربي، الذي هو بأمس الحاجة إلى من ينتقده ليخرجه من بؤس غياب التقدم، وقمع الحريات. النقد والانتقاد يعدان من المحظورات في أوطاننا، فالمؤسسات كلها تختزل في شخص الزعامات، والقيادات، والمسئولين، الذين يعتبرون أنفسهم بشرا معصومين عن الخطأ، وانتقادهم تعد، وانتقاص لقدسيتهم ، لذلك فالناقد مقموع، ومرفوض، ومعتقل، ومفقود.

من صفات الناقد الجيد أن يكون واسع الاطلاع، وعلى مستوى عالي من المعرفة، لديه معلومات متكاملة كافية لإدانة، وفضح ممارسي الاخطاء، وقادرا على القياس، والتقويم، والتمييز، يمتلك تنوعا من الثقافة المحلية والعالمية، وصاحب رؤيا، ورأي سديدين. يمتلك استقلالية القرار، غير منحاز لصالح طرف ضد أخر، يقف على أرضية صلبة ليمثل، ولينطق، ويشهد للحق، قادرا على بلورة أفكاره، و صياغتها، وعرضها بطريقة علمية منطقية تخضع وقابلة للنقاش.

عبر العصور كان للنقد، وللكلمة الجريئة الحرة أثر كبير في بلورة الحضارات، وخير دليل على ذلك ما تركته تلك الحضارات من معالم أثرية ظاهرة للعيان، وأساطير وأدبيات تبين أثر العقل وحرية الكلمة على الانتقال من ازدهار إلى أخر أكثر رفاهية للإنسان. النقد ظاهرة ساهمت في بناء الحضارة العالمية المعاصرة التي ميزت النهضة الهائلة والتي تعرف بعصر الكترونيات، والاختراعات، والانتقال عبر الفضاء الخ...التي بلغتها البشرية في زمننا الحاضر. إن تفوّق دول عدة على وجه الأرض وارتقاء علومها، وتقدمها جاء عن طريق ممارستها للنقد، لأنها شكلت من النقد قاعدة ذهبية قوية ومتماسكة، لمحاسبة الذات من أجل بناء وترسيخ مؤسسات الدولة المدنية الناجحة، ودساتيرها، وحرية شعوبها، وتربعها على قمة العولمة.

عالمنا العربي في زمننا الحاضر يعيش في سبات عميق تمتد جذوره لقرون خلت، متردد وحائر لا يدري - وقد يتجاهل عن قصد - ما هي السبل الكفيلة لإقامة بناء حضاري جديد يخطو فيه أولى خطواته نحو مستقبل مزهر، ومزدهر. كما أنه متردد في قبول أفكار جديدة يقدمها المفكرون من أبنائه. للأسف، فان ممارساته نحو مواطنيه، ورعاياه موجهة لتمكنيه من إخضاع الفرد قسرا، وسلب حريته ليتمكن المنفذون من الاستمرار في سلطتهم، ونفوذهم. نتيجة لحكمهم، نرى المئات من الشرفاء المفكرين يقمعون، ويزجون في السجون ليتعفنوا، ويموتوا مع أفكارهم التي يحملونها. فبعض المفكرين نجحوا في الهجرة من أوطانهم خوفا على أرواحهم كي لا يصبحوا سجناء، وشهداء فكر، ورأي في مجتمع ينبذ حتى فكرة التغيير، والتقدم. إن اغتيال، وتصفية النقاد، والمفكرين يعيق إحكام العقل، وتفعيله في مسيرتنا، ويؤخر نهضتنا وتقدمها.

الأدب بأنواعه، والفن بأشكاله، وألوانه المختلفة، والفكر الإنساني، والقوانين، والدساتير، والعقائد، وممارسات الزعماء، والمسئولين من أعلى المراتب إلى أدناها الخ... خاضعة للنقد حتى ظهور صدق حقيقتها لتصويبها. في غياب، وقمع حرية النقد، والرأي، والفكر الحر يستحيل تطور المجتمعات الإنسانية.

من لديه حسنات، لديه سيئات. الإنسان ليس كاملا، الكمال لله فقط. لكن من كانت سيئاته أكثر من حسناته فتلك مصيبة، خاصة إذا كان من أصحاب المراكز، والنفوذ. فالضمير الإنساني ألحى يحتم علينا أن نبرز سيئاته ليعالجها. مصلحة الوطن، والمواطنين فوق كل مصلحة حزبية، وذاتية، وعقائدية. عندما تنتقد عقائد الآخرين تعتقد أن وجهة نظرك صحيحة، حقيقة الأمر أنك لا تدرك كم أنت تسيء إليهم، بشكل خاص عند المتشككين في حقيقتها، كونهم يتأرجحون بين القبول والرفض لمعتقدهم، ولنقدك ويعدونه تعد على حرماتهم، مما يدفعهم للعنف والتطرف. عندما تنتقد زعيما فأنت تعمل على لفت نظره إلى فساد حكمه، حقيقة الأمر أنك تعمل على إثارة سخطه وغضبه. بشكل خاص في مجتمعنا العربي علينا الابتعاد عن نقد عقائد البشر، وتركها إلى أهل المذاهب نفسها دون إقحام أنفسنا في أمر قد يؤدي نقده إلى نتائج لا تحمد عقباها، وتثير الضغائن، والتشدد، والعنصرية والاقتتال... لنتبنى إذن رؤية علمانية، ونفصل الدين عن مجريات حياتنا اليومية كي لا ندخل في متاهات نحن في غنى عنها.

تنحصر أسباب ظاهرة الربيع العربي في غياب الحريات، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، الخ... خلال عقود طويلة ظهر رجال حملوا على كاهلهم وزرا ثقيلا لبّوا صوت الحق المنبعث من أعماق ضمائرهم الحية لكل الممارسات الخاطئة. انتقدوا كل خلل في مجتمعاتهم، تحدّوا السلطة التي تعيش في حالة نزاع، وموت سريري دون أن تدركها النهاية. زعماؤنا المخلدون لم يتمكنوا من تقديم حلول لمشكلات مجتمعاتهم المتراكمة. كثير من المواطنين ظنّوا أن الربيع العربي سيكون الجواب الشافي والحل المناسب لكل الإشكاليات المتراكمة منذ عقود. للأسف خاب ظن معظم المواطنين، وتلاشى حلمهم في الوصول إلى مرادهم، وأحلامهم بالحريات. لذلك ما سينتج من الربيع العربي سيغير مجري حياتنا نحو الأسوأ لا الأفضل، ما لم ندرك معنى وأهمية التغيير، وما لم تكن خطواتنا مدروسة جيدا، وأهدافنا واضحة. التغيير يحتاج إلى عقول، والعقول تحتاج إلى حاضنة وبيئة فيها هامش كبير من الحرية الفكرية. في حال إقصاء واغتيال العقول، وفي حال وجود فئات يدين كل من لا يحمل فكرها وعقيدتها وفلسفتها يستحيل التغيير.

سجناء الرأي والفكر معرضون ليس فقط للسجن ولكن للاغتيال، يعدّون أفراد منسيين وراء القضبان، لا نعرف هل هم أحياء أم أموات. يصارعون التعذيب بجلد وصبر قويين لأجل رأي قالوه حول موضوع ما... سياسي كان، أو فكري، أو عقائدي. متى ستغلق أبواب سجون الرأي، ومتى سيحررون، ويتمتعون بحريتهم وينعمون بالعيش بكرامة، وإنسانية في أوطاننا؟ أليس النقد الطريق السليم لإقامة العدالة والحرية.

عندما يسقط المفكرون أصاحب الرأي والضمير في الوطن العربي، فأنهم يسقطون من قبل مناصريهم أيضا، وبسهولة وجبن يتخلون عنهم...ليخجل كل من تخلى عن إنسان ارتضى أن يحمل عنه ألامه، وتعاسته، وفقره الخ... هذا إن كان عنده حياء. ومن لا حياء عنده يستحق أن يداس ويمرغ بالوحل والأوساخ، وحمل معاناته، وقهره الذي لا يجابهه كرجل إلى إن يجيء أجله. ولكل جبان هياب أقول" إن لم تستطع أن تكن بطلا، أقلها كن رجلا". ثقافة مجتمعنا بائسة لا تعطي أولئك الأشخاص قيمتهم ولا تعترف بفضلهم. الكل يبتعد ويتخلى عنهم، ويتركون وحيدين يصارعون من أجل مواقفهم الحرة. نحن مجتمعات فاشلة قاسية تعلمنا من الأمثال..." نحن شعب بخاف ما بيستحي". ثقافتنا القائمة على قبول القمع لا تمنحنا فسحة ضيقة لأن نخجل من فعل السوء، ومواجهته بل القبول به قهرا لنصبح مواطنين مطيعين نقاد كنعاج.

لِمَ يخاف القادة، والزعماء، والمدراء الخ...من النقد؟... ببساطة، بنظرهم يعدّ النقد خطوة أولى لتخلخل مناصبهم، وتزعزع مكانتهم. ولأنهم لا يملكون إجابات واضحة صريحة يفسرون فيها سبب تراجع البلاد وقدراتها، وتراجعهم في الأداء أيضا، وعدم قدرتهم على إدارة دفة الحكم، أو المؤسسات، أو تقديم حلول مناسبة لمشكلات المواطنين، أو العمال، لذلك يلجأون إلى تبرير أفعالهم - صفة التبرير من الصفات الملازمة الملتصقة بالشخصية العربية من قمة الهرم حتى قاعدته- كشعوب نعد خبراء في فن التخوين، وإلصاق التهم، كونها وسائل سهلة جدا وجاهزة. يميل معظم الزعماء - وعن خبث - إلى أخذ الأمور على أنها شخصية، وليست قضايا وطنية مصيرية، أو قضايا شعب ينتظر حلول لأوضاعه البائسة، وليست وجهة نظر للإصلاح. لذلك يصبح الناقد عدوهم اللدود. النقد لا يهدف إلى الانتقاص من شخصية الزعيم، ولكن لتصويب أدائه. لنعترف بان الانتقاد تشخيص للحالات الكثيرة المتأزمة العالقة في مجتمعنا، والتي لم تحل بعد. النقد لا يهدف إلى إقصاء الزعيم، أو عزله بل تصويبه، كما وأن غياب وجود جهاز رقابة في الدولة، والمؤسسات يمنح الإدارات العفنة بالاستمرار في غيها، وتبجحها على أنها فوق القانون لا تحته. سيستمر جنوح الحكام، والقادة، والإداريين ما لم يخضعوا للمحاسبة وفق قوانين تحددها الدساتير... إلى متى سيبقى الناقد، وصاحب الضمير، والرأي الحرّ كبش فداء في عالمنا العربي؟

اعذروني إن قلت أننا شعب منافق، ودجال يعرف العلة، ويتحدث عنها، ولا يتفحصها، ولا يدقق في صحتها. مثاليتنا العمياء تدفعنا إلى ترديد، وتصرح " أنها مشيئة الله، قدرنا ومصيرنا المحتوم". بذلك يصنعون قدرنا باسم الله سبحانه وتعالى ويتدخلون بمشيئته للحفاظ على سلطتهم، والله منهم براء.

في الشرق يعد الناقد مجرما خطيرا، وفي الغرب مصلحا شريفا. الأول تعيس منسي مهمل، وضائع، والثاني مبجل مكرم، تؤخذ انتقاداته على محمل الجد، ويعمل بتوصياته ... أيها الزعماء، في أي مؤسسة تواجدتم، أو كان موقعكم استوعبوا أن النقد أداة ارتقاء، وليس أداة سلب لمراكزكم. صوت الحق يمكن أن يسكت ولكن لا يمكن أن يموت، الحكمة من النقد هو منع قطع الشجرة الضعيفة القليلة الثمار، بل تقويتها لتعطي ثمرا وافرا جيدا.



#صليبا_جبرا_طويل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متدين، أم مؤمن؟!
- الإعلام المرئي يحرض على الإرهاب
- ماذا بعد ضرب داعش؟
- داعش والأبجدية
- مسلمون ومسيحيون معا
- ما هذا الوطن؟؟؟
- مهزلة فكر وثقافة
- المراءون يغتالون الوطن
- أيها العاطلون عن العمل اتحدوا
- غياب المعرفة سبب تراجعنا
- طفل يتيم أنا
- سلام للمرأة في الثامن من آذار
- المرأة والحرية
- لك في عيد الحب - فالنيتين -
- عزيزي كيري
- الله ومعركة العقل
- أوطان هشة من ورق
- اضطهاد المرأة
- لاهوت في زمن الربيع العربي
- بين العلم والدين


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صليبا جبرا طويل - النقد بابٌ للحريات وللتقدم