أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد سوسه - المسرح التمرد لدى البير كامو















المزيد.....

المسرح التمرد لدى البير كامو


سعد سوسه

الحوار المتمدن-العدد: 6003 - 2018 / 9 / 24 - 09:51
المحور: الادب والفن
    


كان لانتقال كامو من فكرة العبث في ( أسطورة سيزيف ) الى فكرة التمرد في ( الانسان المتمرد ) تأثير واضح في نتاجه الادبي في تلك المرحلة ، لذا فان كتاباته الادبية قد تغيرت نحو أفكار التمرد والثورة وأحتوت على بعض المفاهيم الجديدة التي استعملها كامو في ذلك الكتاب نحو ، التمرد ، والعدالة ، والحرية ، والمقاومة ، والفوضى ، والخير والشر ، والانكار المطلق وما سواها من مفاهيم أخرى وردت في تلك ألاعمال0
وقد كان النتاج المسرحي من ضمن الاعمال التي طرأ عليها ذلك التغيير وهذا ما نجده في ( الحصار ) وبعدها ( العادلون) المسرحيتين اللتين كتبهما كامو آبان كتابته ( الانسان المتمرد ) ورواية ( الطاعون ) أو قبلهما بقليل ، فقد أستلهم فيهما أصول فلسفة التمرد بشكل أدبي ينسجم مع تلك الفلسفة ويعبر عنها0 فكانت (الحصار) و ( العادلون) خير معبر عن متيافيزيقا التمرد التي تناولها كامو بشكل فلسفي بحت في ( الانسان المتمرد) وكذلك عن طبيعة الوضع السياسي الذي كان سائداً في ذلك العصر0
وسنلاحظ من خلال عرضنا لهاتين المسرحيتين امكانية كامو في التصوير المسرحي ومدى نجاحه أو اخفاقه في نقل أفكاره عن التمرد وفي التعبير عن أوضاع عصره السياسية عبر مجال المسرح0
أولاً : الحصار 1948
ربما يتبادر لذهن بعضهم أن فكرة ( الحصار ) فكرة مقتبسة من رواية كامو (الطاعون ) وقد يكونون على حق ، أما بسبب المدة الزمنية المتقاربة بين العملين ، وهي المدة التي بدت فيها ذهنية كامو مشبعة بفلسفة التمرد ، أو بسبب تشابه الاجواء العامة والرموز المستعملة ( الطاعون رمزاً للاحتلال والسيطرة ) في العملين 0
إلا أن كامو ينفي مثل هذا التشابه ويؤكد استقلالية كل عمل عن الاخر لأن لكل عمل فكرته المختلفة وشخوصه المختلفين ، إذ يقول في مقدمة المسرحية " ينبغي أن أنبه إلى أن مسرحية " الحصار" ليست أقتباساً من روايتي " الطاعون " ، ذلك لأنها في الاصل كانت عبارة عن فكرة طرأت لـ (جان لوي بارو) مخرج مسرحي تعامل معه كامو اكثر من مرة ، وقد قام في هذه المسرحية بتمثيل دور ( دييغو) وكال له في فكرة المسرحية دور لم ينكره كامو ، إذ يذكر " إذا كنت قد كتبت كل المسرحية فأن الانصاف كان يقضيني أن أضع أسم (بارو) الى جوار أسمي ، ولكننا عدلنا عن ذلك لاسباب رأيناها وجيهه ، ومع ذلك أجد من واجبي أن أنوه بأنني مدين لجان لوي بارو " وقد أهدى كامو المسرحية له تعبيراً عن وفائه والتزامه الاخلاقي0
عام 1941 بشأن إنشاء مسرحية تدور عن أسطورة " الطاعون " وتكون مستقاة من كتاب ( دانييل دي فو ) " يوميات سنة الطاعون " فعهد لي بكتابة الحوار لها ، لكن مفهومي للموضوع أختلف عن مفهومه فكنت أفضل الا أكتب عن كتاب ( دانييل دي فو ) لذلك قررنا أن نكتب شيئاً يناسب جمهور سنة 1948 ، وليست مسرحية الحصار إلا تصويراً لهذه المحاولة" .
وخلاصة المسرحية " أن سكان أسبانيا ، وسكان قادش بالتحديد يجتمعون فجأة وعيونهم متطلعة نحو السماء لرؤية الكوكب السيار الذي يمر على المدينة فيأخذهم الذعر والخوف من ذلك الكوكب لأعتقادهم بأن مروره عليهم فأل سيئ سيجلب لهم النحس والشقاء ، فيفسر كل واحد منهم ذلك الحادث بشكل مختلف ، فمنهم من يعتقد بأنه نهاية العالم ، وأخر يعتقد بأنه مجلبة للشر والنحس ، أو انه علامة حرب وهلاك00 ويحاول الحاكم وحاشيته القاضي ، القس ، الحرس ، تهدئة الاوضاع وطمأنة الناس لعدم حدوث أي شيء0
إلا أن تلك الاعتقادات تصبح حقيقة بالفعل ويتحقق سوء الطالع ، بأن تخضع المدينة لمرض خطير يتمثل بحكم طاغية مستبد يجعل من نفسه حاكماً على البلاد ويولي نفسه مهمة أدارتها ويرمز لهذا الحاكم بـ " الطاعون " يسانده في ذلك سكرتيرة يجلبها معه و ( نادا ) الانسان العدمي الذي يلتقطه الحاكم " طاعون " من سكان المدينة ويضمه الى مرافقيه لأنه يلائم أفكاره وتوجهاته في الكراهية والظلم والاستبداد ، فيعمل ( نادا ) مع الطاعون ويكون حلقة الوصل بينه وبين أبناء مدينته التي ينزل بها وبأبناءها شتى مظاهر القسوة والتخريب والتنكيل فتعم الفوضى ويعم الدمار وتغلق كل ألابواب أمام السكان ولا يتمكنون من الهرب فلا يبقى أما مهم بعد ذلك الا التمرد والثورة على ذلك الظلم والعنف الذي كابدوه يقودهم في ذلك _ دييغو) الشاب الذي يضحي بحياته وبحبه من أجلهم وينبههم الى ضرورة التمرد والقضاء على ذلك الطغيان ، حتى يتمكنوا أخيراً من القضاء على الطاعون وطرده نهائياً من مدينتهم" 0
(الحصار ) عبارة عن حالة من الصراع بين الخير والشر أو بين الحياة والموت ، ويتجسد ذلك الصراع عبر شخوص المسرحية التي حاول كامو أن يجعل منهم صوراً لفكرته الفلسفية عن التمرد، فالمسرحية تتضمن جميع موضوعات الفلسفة المتمردة مثلما قلنا ، وجميع هذه الموضوعات متصلة فيما بينها ، متقابلة متممة بعضها بعضاً ، وهكذا تحقق الحصار وحدة فلسفية إذ تعطينا تمثيلها المحسوس عبر تلك الشخصيات ، فالمجنون ( نادا ) يجسد الانكار المطلق ، و (فيكتوريا) تجسد السعادة الفردية ، و( الطاعون ) يجسد القتل و (دييغو ) يجسد التمرد الموضوع في خدمة البشر 0 فضلاً عن باقي شخوص المسرحية التي يجسد كل منهم فكرة عن الموت أو فكرة عن الحياة أو عن الانانية أو عن التضامن أو الخير0
تعتمد المسرحية بشكل كبير على استعمال الرمز ، يظهر الحاكم الجديد وعلى حين غرة يستلم مكان الحاكم القديم ويستولي على عرشه ، ويبدو دخوله برفقة سكرتيرته ، التي تحمل كراسة تلازمها مسجل فيها أسماء أبناء المدينة ، دخولاً آلياً من دون أن نعرف صفة هذا القادم أو حقيقته ، فكامو يجعل دخوله الى القصر من دون ممهدات حتى أن الحاكم القديم يفاجأ بوصوله ويتساءل عمن يكون " الحاكم ، ومع ذلك وقبل أن أصدر أوامري ، ادعوك للمرة الاخيرة أن تقول لي من أنت وماذا تريد " وبعد مماطلة وتلاعب بالكلام يجيب " أنا الطاعون وأريد منصبك" 0
إذن ، كامو يمهد بالمرض الذي يفتك بالمدينة لمجيء الحاكم الجديد متخذاً من ذلك المرض رمزاً للحاكم الطاغي المستبد الذي يسيطر عليها ، بل أنه يتخذ من " الطاعون " رمزاً لكل طغيان واستبداد مهما أختلف شكله أو مكانه 0
أما السكرتيرة فأنها ترمز من خلال سلوكها الذي تقوم به الى القدر الذي لايمكن للانسان أن يفرضه ، وتلك صورة من صور العبث واللاجدوي التي رسمها كامو في أعماله السابقة ، فهي وبطريقة آلية مفزعة كلما شطبت أسماً من كراستها ، سقط ميتاً بـ (الطاعون ) ، وكأنها تتحكم بمصير البشر ، وتعلن نهايتهم كلما أمر
( حاكمها الطاعون ) بذلك ، ووفقاً لذلك ينسحب الحاكم الاول خوفاً على نفسه وحاشيته من الموت 0
ويبدأ (الطاعون ) وسكرتيرته يساعدهم ( نادا ) في ذلك ، في فرض القوانين الصارمة على الشعب بأسم العدالة والسعادة والنظام مثلما يرى الحاكم ويريد " الشعب : يريدنا أن نسعد كما يحب السعادة أن تكون ، لا كما نريدها لأنفسنا ، أنها السعادة المجبورون عليها ، والحياة الباردة والمسرة المؤبدة " 0 وتتوالى قوانينهم الجائرة تلك الى ما لانهاية ، وكل قانون يصدر أنما يدل على الظلم وعلى نقيض ما يوحي به، فما العدالة إلا الظلم ، وما النظام إلا الفوضى ، وما السعادة إلا التعاسة والشقاء 0 ومن تلك القوانين قانون ينص " وتجنباً لكل عدوى عن طريق الهواء ، وبما أن الكلام نفسه يمكن أن يكون وسيلة لنقل العدوى ، فعلى كل ساكن أن يضع في فمه دائماً خرقة مشبعة بالخل تحفظه من المرض وفي نفس الوقت تحفظ عليه التعقل والصمت" فلا يراد من مثل هذا القانون الا منع أي تمرد أو رفض ومنع حتى مجرد التفكير في ذلك 0 وما تلك القوانين في الحقيقة الا رمز للتدابير الادارية التي تمثل البيروقراطية في أسوأ صورها 0
ولا تنتهي الامور عند هذا الحد ، بل إن ( الطاعون ) يتدخل في كل شيء محاولاً تشويه صورته والسيطرة عليه ، فلا يكتفي بالسيطرة على السلطة وعلى المدينة وثرواتها ، وعلى حياة الناس ومصيرهم ، بل أنه يحاول أن يفسد مفاهيمهم عن الخير والعدل والحقيقة ، ويشوه كل قيمهم وعواطفهم النبيلة السامية " الطاعون: إنني الحاكم ، وحكمي أمر واقع ، وهو لذلك حق ولكنه حق لايناقش ، وعليكم أن تتلائموا معه0 أما غير ذلك فلا تخدعو أنفسكم به ، أرجو أن تلاحظوا أنه بوصولي تنتهي العواطف ، فالعواطف محظورة، كما يحظر القلق المضحك على السعادة ، والغباء البادي على وجوه العشاق ، والتأمل الاناني لمشاهد الطبيعة ، والسخرية الاثمة ، ومكان ذلك كله فانني أحل النظام" 0
وبهذا فأن ( الطاعون ) ما هو ألا رمز وتجسيد لصورة الفوضى والفساد والديكتاتورية التي رفضها كامو و أنكرها في ( الانسان المتمرد) ودعا الى مجابهتها والقضاء عليها0
ولأننا نسعى الى أبراز جوانب التداخل بين الفلسفة والادب عند كامو ، والى أظهار الترابط الواضح بين أعماله ، فأننا نلمس بعض أوجه الشبه بين شخوص هذه المسرحية وشخوص مسرحيتيه السابقتين، فالحاكم ( طاعون ) بشخصيته اللاأباليه التي تجمع بين الحماقة والجشع والقسوة كأنه مسخ لكاليجولا ولا يقل عنه رعباً 0 كما إن ( نادا ) العدمي المطلق وكأنه صورة لـ ( مارتا ) في ( سوء التفاهم) ، وألسكرتيرة قريبة الشبه بـ ( هيليكون وكايزونيا ) في ( كاليجولا) 0 وأوجه الشبه هذه تدل على فكرة واحدة لم تفارق كامو في كل كتاباته تقريباً ، وهي فكرة العبث واللامعقول التي تتجسد عبر سلوك الشخصيات العبثي واللامعقول أيضاً ، حينما تكون صورة لفعل القتل (كاليجولا، ومارتا ، والطاعون) أو صورة للموافقة عليه وتبريره والمشاركة فيه ( هيليكون ، وكايزونيا ، ونادا ، والسكرتيره)0
واذا كان الشر والموت والكراهية المتجسدة في (الطاعون وأتباعه ) يمثل الجانب المظلم من جانبي الصراع ، فأننا نواجه في الجهة الاخرى جانباً مضيئاً هو جانب الخير والحب ممثلاً بـ (دييغو وفيكتوريا) ، و( دييغو ) – رمز الانسان المتمرد – يقف في وجه الطاعون منذ مجيئه ، ويواجهه بالانكار والرفض ، وموقف ( دييغو) الرافض هذا ، ليس موقفاً شخصياً فقط ، فهو لاينشد الخلاص والسعادة لنفسه وأنما ينشدها للجميع وهذا يتأكد منذ بدء المسرحية من خلال حزنه على المصابين ، وعجزه عن مد يد العون والمساعدة لهم جميعاً " دييغو : أحس كما لو كان الذهول يخنق أنفاسي ، لا أدري كيف أعالج هؤلاء الناس ، كيف أديرهم على أسرتهم ، يداي ترتجفان مما تلمسان من بشاعة والشفقة تغلق عيني ، 000 مع ذلك ينادونني ويجب أن أذهب اليهم " أو بعد ذلك عندما يدعو سكان مدينته للخروج من صمتهم ومواجهة عدوهم ونيل الحرية0
دييغو : اين هي أسبانيا ؟ أين هي قادش ؟ ما أراه لاينتمي الى أي بلد من البلاد ، نحن في عالم أخر لايمكن أن يعيش فيه أنسان ، لماذا أنتم صامتون؟
الشعب: نحن خائفون ؟ آه لو هبت الرياح 000
دييغو : أنا ايضاً خائف 0 ولكن الجهر بالخوف يشفي الصدر، أصرخوا وسوف تجيبكم الرياح 0
والرياح هنا هي رمز للحرية التي يريدها ( دييغو ) لنفسه ولشعبه ، والتي لن يكتب لها التحقق من دون العون والمؤازرة بين أبناء المدينة للتخلص من حكم (الطاعون ) الظالم0
لكن ( دييغو ) الذي يؤشره ( الطاعون ) بعلامته الدالة على الاصابة بالمرض حتى ينثني عن تمرده ورفضه ، يبقى أقوى من كل ذلك ، فـ(الطاعون ) يماطل في موته بغية أن يجعله يتعذب إلا أنه لايستسلم لانه من " جنس يكرم الموت كما يكرم الحياة" ولايهمه الموت طالما أنه في سبيل الخلاص ، لذلك فهو يطالب السكرتيره بأن تنهي تلك المهزلة وتشطب أسمه ليموت ، إذا كانت بالفعل قادرة على ذلك ، ولكنها لن تستطيع طالما ان صراخه وتمرده اقوى منهم "دييغو : أن رجلاً واحداً أدعى الى الازعاج بصراخه وفرحه وآلامه0 وآنا مادمت حياً سأظل أعرض نظامكم الدقيق للخطر إنني ارفضكم ، أرفضكم بكل كياني000 أنتم مقهورون منذ الان لأن في ألانسان قوة لن تخسفوها ، وجنوناً صافياً مخلوطاً بالخوف والشجاعة ، جهولاً ومنتصراً الى الابد ، هذه هي القوة التي سوف تهب وعندئذِ ستعرفون أن مجدكم كان دخاناً" 0
وتمرد ( دييغو ) هذا واصراره وعناده هو الذي يشفيه من الطاعون فيتحسس تلك العلامات وهي تتلاشى شيئاً فشيئاً حتى تنتهي ، فرفضه للخضوع والاستسلام قد مكنه من التخلص من خوفه وقهر تردده ، ولذلك فأنه يدعو أبناء مدينته ليكونوا مثله ويتخلصوا من طاعونهم حتى ينالوا حريتهم حين يحدثهم " دييغو : لاتخافوا بعد الآن ، هذا هو الشرط 0000 أقذفوا بكماماتكم واصرخوا معي أنكم لم تعودوا تخافون ، أيتها الثورة المقدسة ، أيها الرفض الحي ، ياشرف الشعب ، أمنح هؤلاء المكممين قوة صرختك" 0
إلا أن ( الطاعون ) عندما يعجز عن تحطيم ( دييغو ) نفسه ، يسلب منه حبيبته ( فيكتوريا ) ويساومه بين حياتها أو تراجعه عن التمرد ، ويحرضه على ترك الاخرين لانهم لن يحققوا له السعادة " فلا يستطيع المرء أن يكون سعيداً دون أن يلحق الاذى بالاخرين ، أنها عدالة الارض " مثلما يرى الطاعون 0
ولكن ( دييغو ) يرفض المساومة ويستبدل ( فكتوريا) بحياته هو فيختار الموت ويرحب ( الطاعون ) بذلك ، إلا أنه حين يموت ، يموت وهو مطمئن على مبادئه التي حملها والتي ناضل من أجلها لأنها قد أصبحت بيد الشعب الان إذن فلا خوف طالما أصبح الشعب كله مؤمناً بالتمرد0
وبموت ( دييغو ) تصفر الرياح بقوة معلنة بدء الحرية ومؤكدة ما قالته أحدى العرافات في بداية المسرحية ، عندما حل الطاعون " الرياح : هاهي الرياح : الوباء قد فزع من الرياح ، سينصلح الحال وسترون" 0
لقد كان بأمكان ( دييغو ) أن يكتفي بحريته وسعادته ويعيش مع من يحب من دون أن يتعرض لسوء ، ألا أنه أثر خلاص وسعادة المجموع، وقبل بالتحدي مهما كانت نتائجه0 وفي هذا الموقف بالذات تتضح لنا قيمة التضامن بصورة جلية ، فلا سعادة إلا مع الاخرين ، ولا خلاص الا من أجلهم ، وتلك هي اكثر أشكال التمرد نجاحاً ووضوحاً والتي تذكرنا بصرخة ( كرامازوف ) " أذا لم يسلم الجميع فما قيمة أن يسلم شخص واحد فقط" 0
وموقف ( دييغو ) هذا هو عكس موقف ( فيكتوريا ) التي كانت تنشد طوال المسرحية سعادتها الفردية من دون أن تأبه بأي شيء ، فهي تقول مخاطبة " دييغو " عند موته " كان ينبغي أن تختار ضد السماء نفسها ، كان ينبغي أن تؤثرني على الارض بأسرها" وموقفها هذا لاينم ألا عن ألانانية والفردية وهو الشيء الذي ينكره كامو بكونه داعية أخلاق تسعى لخير الجميع0
إذن كان التمرد ضد العبث ولاسيما ضد أشكاله السياسية والاجتماعية هو الموضوع الرئيسي في مسرحية ( الحصار) ، فقد تناولت المسرحية عجز الديكتاتورية السياسية والجنون البيروقراطي في النهاية أمام موقف الانسانية الباسلة0كما كانت من اكثر مسرحيات كامو طموحاً وتطلعاً نحو أفاق كبيرة ، فقد خلق كامو أسطورة جديدة ووضع فيها جوهر تحليله ونقده للمجتمع الذي عاصره فكانت المسرحية تعبيراً فنياً عن بعض مواقفه الرئيسة التي تبناها ومنها موقفه من التمرد والتضامن والحب والتضحية واخيراً موقفه من الاحزاب والحكومات الديكتاتورية التي كانت تفرض سلطانها على الشعوب من دون تروِ أو تبصر0
وفضلاً عن كون ( الحصار ) مسرحية فكرية نقلت فلسفة كامو في التمرد ، فأنها أيضاً مسرحية سياسية حملت بالكثير من الاشارات والرموز ، لأنها لم تكن ترمز لنظام حكم معين أو لاحتلال من دون غيره وأنما كانت تستهدف مهاجمة الاستبداد بوجه عام ، وهذا يفسر الاشارات المختلفة الى السياسة ، ( فالطاعون ) قد البس على المسرح ملابس ضابط ألماني وكان في ذلك أشارة الى الاحتلال النازي لفرنسا، وكانت (اسبانيا ) التي دارت فيها احداث المسرحية رمزاً لحكم ( فرانكو ) الديكتاتوري، وكذلك نجد فيها أشارته لمظاهر الستالينية التي تعبر عن مظاهر الاسترقاق والعبودية في روسيا 0
ولم تصادف هذه المسرحية أي نجاح يذكر لا من النقاد ولا من الجمهور فوصفت بأنها " مملة وتستخدم الفاظاً ضخمة وتتخللها مشاهد راقصة وتحفل بالشخصيات الرمزية التي لا يشدنا ما تعانيه سواء في الحب أو من الظلم" ونسب بعض آخر من النقاد فشلها لـ ( جان لوي بارو ) واتهموه بأنه قد جذب كامو الى مدرسته وجعله يكتب مسرحية توافق اسلوبه هو 0
إلا أن أعنف نقد تعرضت له المسرحية كان نقد غابريل مارسيل الذي اعترض على اختيار اسبانيا مسرحاً للاحداث ، فرد كامو على ذلك الاتهام في خطاب وجهه الى مارسيل اكد فيه " أن الظروف الخاصة التي وردت في الحصار ، لها نطاق واسع في مجال التطبيق ، فهي مهاجمة للديكتاتورية من حيث هي ، سواء كانت في أسبانيا أو الاتحاد السوفيتي أو في المانيا أو في غيرها من الدول" 0
وايا تكن الانتقادات التي وجهت الى المسرحية سواء من الناحية الفنية أو من الناحية السياسية ، فأنها على الاقل قد نقلت لنا صوراً جميلة للقيم الانسانية النبيلة ، وعكست لنا أفكار كامو الفلسفية بصورة دقيقة وموفقة وهو الامر الذي يهمنا في نطاق بحثنا بغض النظر عن نجاحها او فشلها فنياً وجماهيريا0



#سعد_سوسه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حياة البير كامو ج 1
- حياة البير كامو ج 2
- قصص قصيرة لأمرأة
- خذلته عندما ماتت ( قصة قصيرة )
- رسالة الى أمراة ما .
- الموت عند العرب قبل الإسلام
- النهاية ق . ق
- الموت في الحضارة اليونانية
- فكرة الموت في وادي الرافدين ووادي النيل
- حكايا فصيرة
- محاولات اخرى
- محاولات جديدة 2
- قصص قصيرة جدا مهداة
- قصص قصيرة جدا ( 5 )
- عطر ما ق . ق . جدا
- محاولات جديدة
- محاولات
- غيرة ق . ق .
- الكاذبة قصة قصيرة
- بعد الرحيل ( 5 )


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد سوسه - المسرح التمرد لدى البير كامو