أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود سلامة محمود الهايشة - فمن يشتكي إذا؟! ... قصة قصيرة واقعية














المزيد.....

فمن يشتكي إذا؟! ... قصة قصيرة واقعية


محمود سلامة محمود الهايشة
(Mahmoud Salama Mahmoud El-haysha)


الحوار المتمدن-العدد: 5982 - 2018 / 9 / 2 - 00:06
المحور: الادب والفن
    


فمن يشتكي إذا؟!
بقلم
محمود سلامه الهايشه Mahmoud Salama El-Haysha
كاتب وباحث مصري
[email protected]
كلَّما تقدَّم خطوةً جاء مَن يُفسِد عليه فرحته، إذا ساعَد أحدًا، أو تفوَّق في شيءٍ بعمَلِه، كُتِبَ فيه شَكوى تَصِلُ لإدارة العمل، كلَّما أنجز إنجازًا جاءت الكلمات كالرَّصاص مكتوبةً بقلم بارد، كلُّ خطوة يَخطُوها يجدها بعد أيَّام بل ساعات معدودة على ورقٍ أبيض مسطر، بقلمٍ جافٍّ أخضر، بخط رقعه، المدهش تفاصيل التفاصيل، فمن أين أتى بها صاحب الدم البارد؟! لا يدري! يحدِّث نفسه: "أنا الذي كتَبَها في أنا"، هل هذا معقول؟! أأكتب في نفسي شكوى تِلوَ الأخرى؟! فمَن إذًا الذي أخبَرَه بكلِّ نَفَسٍ أتنفَّسه، فيعده عليَّ؟ كذلك حركاتي، سكناتي، كل مرَّةٍ تصل شكوى يُحِيلها المدير العام لمديري المباشر؛ كي يُحقِّق فيها، إلى أنْ وصلَتْه ورقة بها كلمات تنمُّ عن مشاعر حقدٍ وكرهٍ دفينٍ واضحٍ من صاحب تلك القَنابِل تجاهي؛ ممَّا دفَع المدير العام أنْ يَكتُب عليها عِبارة: مُؤكَّدٌ أنَّ هذه الشكوى من أحد الأصدقاء أو الزُّمَلاء المقرَّبين جِدًّا للمُشتَكى في حقِّه، فحذِّرْه وانصَحْه، حتى ينتبه لما حولَه ويأخذ حذره، فإنها بالتأكيد شَكاوَى كيديَّة الغرض منها إيذاؤه بأيِّ طريقة.

كلُّ ذلك وهو لا يَعرِف مَن يكتبها، ظَلَّ يُفكِّر، فكلُّ مَن حوله كلُّهم خارِج نِطاق الشكِّ وفوقَ الشُّبهات، علاقته بالجميع ممتازَة، فمَن يتبعه إذًا؟! أعفريت يُصاحِبه دون أنْ يَشعُر؟! تحوَّلت حياتُه لكابوسٍ اسمه الشكاوى، لدرجة أنَّه كلَّما دخَل محلَّ العمل، انتَظَر أنْ يُنادِيَه مديرُه ويدفع في وجهِه ورقةً أو عدَّة وُرَيقات تَحمِل في طيَّاتها كلامًا جديدًا فيه إدانةٌ له، إلى أنْ أصبَحَ مشهورًا وسط زملائه ومَعارِفِه في العمل بـ"المشكو في حقِّه"، إلى أنْ جاء يومٌ ناداه أحدُهم وطلب التحدُّث معه على انفِراد، فسأله:
♦ هل بالشكاوى تواريخ وأرقام؟!

فنظر إليه يُحَملِق في وجهه وفمُه مفتوحٌ نصف فتحة، فكرَّر عليه السؤال:
♦ هل بها أرقامٌ وتواريخ.
♦ آه.. نعم.. بها..!

فابتسم ابتسامةَ المتأكِّد من كلامه:
♦ هناك شخصٌ واحد يستَخدِم هذا الأسلوب في كتابته للشكاوى!
♦ أتقصد الأرقام والتواريخ؟!
♦ نعم.

♦ أهو معروف لهذه الدرجة؟!
♦ بكلِّ تأكيد، فمنذ أنْ عرفناه وهو يشتَكِي الدنيا كلَّها؛ حيث إنَّه إذا سمع أيَّ رقمٍ أو تاريخ يخصُّ أيَّ شيءٍ يحفَظُه على الفور، يختَزِله ثم يَكتُبُه في دفترٍ خاصٍّ مخبًّأٍ في غرفة نومه، ثم يربط بعد ذلك عِدَّة تواريخ أو أرقام في شكوى واحدة، بعدَ أسبوع أو أشهر أو سنوات؛ ممَّا يجعل الشكوى قويَّة وذات قيمةٍ كبيرة عند المسؤولين الذين تَصِلُهم الشكوى المدعَّمة بالإحصائيَّات!

♦ هذا تفكيرٌ خطيرٌ من شخصٍ ليس بالسهل أبدًا، مَن هو؟!
♦ وائل.

♦ يا رجل، كيف هذا؟! هذا الشخص بالتحديد بيني وبينه علاقة طيِّبة للغاية، فلم يكن بيننا في يومٍ من الأيام أيُّ سوء، فهو بالتحديد آخِر إنسانٍ في الكون أفكِّر - مجرَّد التفكير - أنْ أشكَّ فيه!
♦ الأوراق التي بها الشكاوى موجودة، ارجِع إليها وضاهِها بخطِّه في أيِّ ورقهٍ كتَبَها تخصُّ العمل، فهذا لن يكلِّف شيئًا.

نزَل عليه الحديث كأنَّه جبلٌ انهار فوقَ رأسِه، لم يستَطِع أنْ يتفوَّه بكلمةٍ واحدة يردُّ بها على صاحِب النَّصِيحة الغالية، التي من المُمكِن أن تفكَّ اللغز الذي حيَّرَه منذ أكثَر من شهرَيْن، ذهَب إلى بيته وعقلُه به ثورة، يُفكِّر في اتِّهام وائل بكتبه الشكاوي فيه، لم يستَطِع النومَ طوال الليل، جفنُه لم يغمض، فقام وتوضَّأ وصلَّى، فتذكَّر موقفًا دارَ في بيت وائل، فتذكَّر الحديث الذي حدَث بينهما، أخبَرَه فيه بسرٍّ معيَّن لم يسمعه غيرهما، ولم يشهد عليهما إلا الله - سبحانه - فجاءَتْ شكوى بعد تلك الواقعة بيومَيْن فقط تَحمِل ما جرَى بينهما بالضبط، لدرجة أنها كانت أسرع شكوى تُكتَب فيه.

وفي صباح اليوم التالي، تَوَجَّه في بداية الدَّوام إلى موظف الأرشيف يَطلُب منه أيَّ أوراقٍ مخطوطة بيد وائل، فرَفَض في بداية الأمر، فهمس في أذنه بأنَّ هذا الأمر قد يُوصِله لِمَن يَكتُب فيه الشكاوى، فقام على الفَوْر بإخراج الملفَّات من بين الأرفف، ظَلَّ يبحث فيها إلى أنْ وصَل لمذكرة كامِلة بخط يد وائل، فبمجرَّد أنْ وقعَتْ عينه على خطَّته، قال:
♦ الحمد لله رب العالمين.

♦ فسأله موظف الأرشيف:
♦ هل هو؟!

فأخرج من حقيبته صورًا ضوئيَّة ممَّا كُتب في حَقِّه من شكاوى:
♦ انظر وقارِن بين هذا وذاك!
♦ نعم، فعلاً، هذا الخطُّ هو هذا، لا يحتاج إلى خبير خطوط، مبروك؛ قد أظهر الله الحقيقة.



#محمود_سلامة_محمود_الهايشة (هاشتاغ)       Mahmoud_Salama_Mahmoud_El-haysha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نقف البحث العلمي ؟!
- ليس كل ما هو سلبي سيء..وليس كل ما هو إيجابي حسن!!
- في عصر جوجل تحولت فنون التراسل والمرسلة إلى ثرثرة الكترونية
- فضفضة ثقافية (419)
- عواصف العرب..بين الماضي والحاضر!!
- عقد زواج!!
- التسامح يقوى ويتطور الجهاز المناعي للأفراد والمجتمعات
- الصفر قيمة أما لا شيء..فلا سبيل للتقدم والرقي ألا بقيمة الحب ...
- قراءة سريعة في العدد 171-172 من مجلة أبقار وأغنام الشرق الأو ...
- جدري الحوار! .. قصة قصيرة عن مرض جدري صغار الإبل
- حاصد الجوائز!.. قصة قصيرة
- تطوير السياحة الداخلية سبيل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية
- ديكور مسروق!!.. قصة قصيرة
- المحاميات السعوديات: أرقام لها معني!
- صدق عندما سرق!!
- رؤيةٌ تحليليةٌ لقصيدة -سالي- لدوحة الشعراء عبد الكريم اللامي
- علبة كبريت! .. قصة قصيرة
- أوعية وأواني المعرفة في ظل التكنولوجيا!!
- فضفضة ثقافية (418)
- القصة القصيرة بين الإبداع والتأويل!


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود سلامة محمود الهايشة - فمن يشتكي إذا؟! ... قصة قصيرة واقعية