|
حكاية الفتى الباحث عن الخوف قصة لبناء عقل الطفل
صلاح شعير
الحوار المتمدن-العدد: 5966 - 2018 / 8 / 17 - 19:59
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
حكايات الأخوين جريم تراث ألماني للصغار يدعونا إلى تفعيل فكرة التعلم بالاكتشاف، لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
يرتبط أدب الطفل بألمانيا بثقافة مجتمعية متكاملة، وهذه الثقافة مستمدة من الدستور، والبرامج التعليمية، والنظم القانونية، وكل ذلك بهدف بناء الطفل بكافة وسائل البناء ومنها الأدب، وسوف يتضح لنا مدى عمق توظيف المضمون والخيال في أدب الطفل في ألمانيا، وذلك من خلال مطالعة الحكايات الشعبية " حكاية الفتى الباحث عن الخوف" من حكايات الأخوين جريم، والصادرة عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، ترجمة علية عبد السلام.
ملخص القصة:
كان لأحد الآباء في ألمانيا ولدين، الأكبر عاقل وحكيم، والصغير غبيًا، وفي ذات يوم طلب الأب من الابن الكبير الذهاب في وقت متأخر من الليل إلي طريق مخيف، فتراجع الابن الكبير عن الذهاب خوفًا؛ لأنه يشعر بالقشعريرة. كانت مشكلة الابن الصغير أنه لا يشعر بالقشعريرة ورجفت الخوف، وأخذ يلح على والده أن يساعده على تذوق طعمها، ذهل الأب من الفتى الصغير، وخيل له أن هذا الطلب أحمق، وأرسله لأحد الشماسين بالكنيسة لعله يتعلم ما يريد، فما كان منه إلا أن دفع الشماس من فوق الكنيسة أثناء قرع الجرس، فتكسرت أرجله.
شعر الأب بالعار وطلب من ولده الرحيل وأعطاه خمسين جنيهًا، ليدبر أموره بعيدًا عنه، وطلب منه ألا يخبر أحد عن اسم أبيه حتى لا يجلب له العار.
كانت مشكلة الفتى أنه لا يشعر بالخوف، وعندما خرج يلح في أنه يريد أن يشعر بالقشعريرة، فأخبره الناس بأن الملك سيزوج ابنته لمن يبيت بالقلعة المهجورة ثلاث ليال، ويستخرج منها الكنز الكبير، فذهب الفتى إلى الملك يستأذنه في الدخول إلى القلعة لاستخراج الكنز، ولكن الملك حذره بأن هذه القلعة مليئة بالأرواح الشريرة، ولم يدخل أحد فيها إلا وعثروا عليه في اليوم التالي مقتولًا.
فصمم الفتى على الدخول، فقال له الملك لك أن تاخذ ثلاثة أشياء: فطلب نارًا، ومخرطة بلوح تقطيع، وسكينا، ودخل القلعة. وفي صباح كل يوم كان الملك يذهب ليطمئن عليه فيجده قد انتصر على الأرواح الشريرة، بقوة خارقة للعادة، حتى خرج سالمًا في اليوم الثالث يحمل الكنز الكبير، فزوجه الملك من ابنته.
ولكن يبقى حلم الفتى في أن يشعر بالقشعريرة، ويرتجف جسده حلمًا غير قابل للتحقق، فتتدخل الخادمة وتعده بذلك، وتذهب إلى الجدول وملئت دلوًا بالماء البارد بها سريا من أسماك نطاط الطين، النهر ، ثم سكبته على جسده، فارتعد وعرف الفتي معنى القشعريرة.
استغلال القدرات الخاصة:
أهم ما في القصة أنه تم توظيف قدرة الفتى الصغير في عدم الخوف في دخول القلعة، ومحاربة الأرواح الشريرة، واستخراج الكنز. إن لكل إنسان قدرات خاصة، وهذه القدرات يمكن توظيفها فيما يفيد المجتمع، لقد أكدت الحكاية على أن الإمكانية الحالية لدى أي شخص تمثل ما يمكن القيام به من أعمال، في حالة توافر الظروف الخارجية اللازمة.
يجب أن نعلم أن القدرات البشرية الخارقة للطبيعة لها أكثر من مصدر، فمنها ما يرجع إلى موهبة خاصة في الإنسان نفسه وتنبع من ذاته ومنها ما يرجع إلى استخدام علم من العلوم غير المتداولة عند العديد من الناس، وبعضها يرجع مصدرها إلى الاكتساب عن طريق بذل الجهد والعمل. كما أن بعضها يُنسب إلى الروح البشرية وأخرى تُنسب إلى القدرات العقلية.
وعلى سيبل ذلك قد أوضحت البحوث التي أُجرِيت في مجال التوجيه التربوي والمهني أن للقدرات الميكانيكية للفرد دورًا مهمًا في اختيار من يصلحون للأعمال المختلفة، وأن لهذه القدرة صلة كبيرة بالقدرة على التصور البصري، والقدرة على الإدراك السريع، وقدرات التوافق الحركي والمهارات اليدوية، وعلى هذا تكون القدرة الميكانيكية بمعناها الضيق قدرة عقلية، وبمعناها الواسع قدرة عقلية وحركية. وقد توصل العلماء إلى أن هناك قدرة ميكانيكية مركزية عامة، أسموها "القدرة الميكانيكية العامة"، وإلى جانب هذه القدرة العامة قدرات متخصصة، وهناك قدرات عسكرية، وأمنية، وسياسية، وفنية، وعلمية، وهذه القدرات تحتاج من يكتشفها، ومن ثَمَّ توظيف هذه القدرات في خدمة المجتمع، ومن ثَمَّ على المحيط الأسرة، والمدرسة، والمجتمع توجه الكوادر البشرية نحو نقاط التميز، حتى تكون عملية استغلال الكوادر في بناء الأمم متسقة مع إمكانيات الفرد في مجال منتج.
وهذا يدعونا إلى تفعيل فكرة التعلم بالاكتشاف، لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ولعل أهم فائدة يوفرها التعلم بالاكتشاف هي تحويل الفرد من متلق سلبي للمعلومات إلى متعلمٍ نشيط باحث عن المعرفة.
بساطة الحل:
تشير القصة إلى أن الحل قد يكون بسيط، ولكن هذا يحتاج إلى التركيز لوضع أيدينا فوقه، ففي القصة تتدخلت الخادمة وذهبت إلى الجدول وأحضرت دلوا بالماء البارد بها أسماك نطاط الطين، ثم سكبته على جسد الفتى، فارتعد وحدثت القشعريرة.
نتائج بناء الطفل الألماني:
تحقق ألمانيا نهضة شاملة؛ لأنها تبني مستقبل شعبها عبر العلم، في إطار منظومة من البرامج التربوية، ومنها الأدب، ولذا أسفر نجاحها عبر بناء الإنسان إلى تحقق المعجزة الاقتصادية الألمانية، لأنها وظفت كل فرد بالمجتمع طبقُا لإمكانيته، ويكفي لأثبات ذلك النظر في حجم الفائض التجاري الـذي سجلته ألمـانيا 2016م والذي بلغ نحو 271 مليـار دولار، وهـو فائض لا يمكن مقارنته حتى بالفائض التجاري الصيني الأكبر، الذي بلغ 510 مليار دولار.
المقارنة العميقة التي تأخذ في الاعتبار جميع العوامل ستميل حتمًا لصالح ألمانيا لأسباب كثيرة أولهـا الفـارق السكـاني الهائل بين ألمانيا التي لا يزيد سكانها على 81 مليون نسمـة، في حين يـزيد سكـان الصين على 1.4 مليار نسمة، إضافة إلى طبيعة المرحلة الاقتصادية التي يمر بها البلدان. فالصين اقتصاد صاعد ويتمتع بمزايا كبيرة مثل: الأيدي العاملة الرخيصة وانخفاض تكلفة جميع عوامل الإنتاج، مقارنة بألمانيا التي تصل فيها مستويات الأجور، وتكاليف عوامل الإنتاج من أراضٍ، وعقارات، ومواد الأولية إلى أعلى المستويات العالمية.
لقد بلغ متوسط مساهمة الفرد في الفائض التجاري بألمانيا نحو 3345.6 مليون دولار، بينما تبلغ مساهمة الفرد في الفائض التجاري بنحو 364.3 مليون دولار، وهذا يعني أن الفرد الألماني ينتج أكثر من الصيني بنحو 9.1 مرة، وهذه القوى الخارقة تعكس مدي قوة بناء البشر في ألمانيا منذ الطفولة، وهذا هو سر التقدم.
إن القوى الخارقة للفتى الصغير في حكايات الأخوين جريم، خرجت من الإطار الورقي للأدب، لتصبح نموذج حياة، انعكس على الاقتصاد، ومن ثم على كافة القطاعات التنموية، لتصبح معدلات الدخل في ألمانيا من أعلى معدلات الدخل في العالم.
#صلاح_شعير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية العنيدة والذئاب تحمل خصائص الأدب العالمي
-
الساحرة والحكيم مسرحيّات متنوعة شديدة التميّز
-
رواية العنيدة والذئاب لصلاح شعير قاموسًا لغويًا نفسيًا
-
-عمل المرأة في ظل التحديات الاقتصادية- كتاب ينتصر للنساء الم
...
-
-سنوات المراهقة تمر بهدوء- كتاب لحماية الطفل العربي من الضيا
...
-
-الهروب من جنة آدم - تصور معاناة المغتربين في الخارج.
-
العنيدة والذئاب لصلاح شعير بروفيل كروكي للشخصية المحورية.
-
سابق الريح .. قصة روسية للأطفال تؤكد عالمية القيم الإنسانية
-
رواية -العنيدة والذئاب- بين الأدب والتحليل النفسي.
-
-بيوت آمنة- كتاب جماعي يطالب بوقاية الأسرة العربية من الأوجا
...
-
شرين عبد الوهاب ونهر النيل
-
-قصة شجرة في مهب الريح- نمط إبداعي فريد موجه إلي الطفل.
-
تجربني في أدب الخيال العلمي رواية -الظمأ والحنين-
-
-صورة صلاح الدين الأيوبي في الآداب الأوربية- بين الأنصاف وال
...
-
التواصل الأدبي بين الشعوب حوار ثقافي بين الحضارات
-
-رئيس التحرير- تكشف أسرار صاحبة الجلالة
-
أدب الطفل من أدوات بناء الإنسان.
-
الإرهاب وتصدع الجبهة الداخلية بمصر
-
-المفتري ندمان- مسرحية جديدة للفتيان
-
أخلاق الفرسان وتحديات أدب الأطفال
المزيد.....
-
اليونيسف تُطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان: طفل واحد ع
...
-
حظر الأونروا: بروكسل تلوّح بمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائي
...
-
الأمم المتحدة: إسرائيل قصفت الإمدادات الطبية إلى مستشفى كمال
...
-
برلين تغلق القنصليات الإيرانية على أراضيها بعد إعدام طهران م
...
-
حظر الأونروا: بروكسل تلوّح بإلغاء اتفاقية الشراكة مع إسرائيل
...
-
الأونروا تحذر: حظرنا يعني الحكم بإعدام غزة.. ولم نتلق إخطارا
...
-
الجامعة العربية تدين قرار حظر الأونروا: إسرائيل تعمل على إلغ
...
-
شاهد بماذا إتهمت منظمة العفو الدولية قوات الدعم السريع؟
-
صندوق الامم المتحدة للسكان: توقف آخر وحدة عناية مركزة لحيثي
...
-
صندوق الامم المتحدة للسكان: توقف آخر وحدة عناية مركزة لحديثي
...
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|