|
كوابيس جورج أورويل
محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 5963 - 2018 / 8 / 14 - 11:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربما كانت تسمية الأورويلية تنطبق على كل شيء مؤرق ونكدي في هذه الحياة فعندما تطلق التسمية على شخص ما فإنك بالتأكيد لا تمتدحه بل توجه النقد اللاذع لأنك تصفه بالظلم والاستبداد والمراقبة والقمع رغم أن جورج أورويل كاتب عبقري في منتهى اللطف والأدب . لقد أتت رواية 1984 التي كتبها الرجل لترسم خطوطا عريضة لدولة المستقبل وكأنه نبوءة مكتوبة بين جنبات كتاب جميل . على سبيل المثال لا الحصر ، شاهد طيار في الايطالية للطيران في يوم من الأيام طائرة من دون طيار تحلق في الجو قرب مطار جي كي أف وغيرها كثيرا من النبوءات المستقبلية التي تحققت في المستقبل القريب وخلال فترة لا تتجاوز العشرين عاما . رواية 1984 مليئة بالكوابيس والتجسس وكميرات المراقبة على مدار الساعة ويبدو أن الرواية دليل عمل للسياسيين والمخترعين ورواد التكنولوجيا العالية . ومن بين كوابيس جورج أورويل المستقبلية والتي تحقق معظمها يمكن أن نذكر: المراقبة بالكميرات في كل مكان : في عام 2003 زرت مدينة لاهاي في زيارة قصيرة استمرت عشرة أيام عمل وكنت ضيفا في إحدى الفنادق القريبة من محكمة العدل الدولية وكانت صدمتي على أشدها لرؤية كميرات المراقبة في كل مكان وأكثر ما أدهشني وجود كميرات المراقبة في السويت الذي أقيم فيه وعلى الجدار لافتة أنيقة تقول :" لسلامتك وسلامة الفندق المكان مراقب بالكميرات". هنا لا وجود للخصوصية بحجة السلامة . في رواية 1984 يبدأ جورج أورويل بهذا الكابوس وبدءا من نهاية التسعينات وحتى الآن ازدهرت صناعة الكميرات والكميرات الرقمية والمدمجة والمخفية وحاليا ينتشر الغبار الذكي الذي يعتدي على أقصى درجات الخصوصية وصارت كميرات المراقبة بأشكالها المختلفة جزءا طبيعيا من حياتنا في المنازل والبنوك والمكاتب والشوارع والزوايا وأمام البنايات والمحلات وربما كانت مدينة لندن رمزا للمراقبة الدائمة على مدار الساعة في كل مكان . تتحجج الحكومات والمؤسسات العامة والخاصة بأنها تركب الكميرات في كل مكان تحسبا لشيء ما قد يحدث. في زمن جورج أوريل كانت الحديث عن كميرات المراقبة نوعا من قصص الخيال العلمي ومصدر الفكاهة والمتعة. أما اليوم وفي أقل من عشرين عاما صارت حقيقة دامغة بل ويتفنن صناع الكميرات والمراقبة بأساليب مبتكرة لمراقبة كل شيء عن بعد وعلى مدار الساعة .
اعادة كتابة التاريخ وفق ما يحلو للحكومات : تقترح رواية 1984 وجود وزارة للحقيقة تعيد كتابة التاريخ وفق ما يحلو للحلفاء خلف المحيط وهذا ينطبق على العالم اليوم . فتاريخنا مليء بالقصص العبثية الكاذبة حيث تؤلف وسائل الاعلام الغربية والأمريكية القصص والأكاذيب والتلفيق والمغالطات المنطقية لتشويه صورة أعداء الغرب والدول الأخرى التي لا تسير في ركاب الولايات المتحدة الأمريكية وربما كانت الحرب على سورية خير دليل على الأسطول المخيف من وسائل الاعلام المتنوعة والمتخصصة في صناعة الأخبار وتصدير الموت لهذا البلد الصغير المسالم بهدف تدميره وتدمير قيم شعبه ، وعلينا أن نقارن توجهات الإعلام الأمريكي نحو كوريا الشمالية قبل وبعد اللقاء بين الرئيس الأمريكي والرئيس الكوري الشمالي ويستمر الاعلام الغربي في تطوير أساليبه في اعادة كتابة التاريخ بدءا من رحلة كريستوفر كولمبوس المعروفة . لم تكن فكرة وزارة الحقيقة إلا تورية صادقة لوزارات الكذب التي انتشرت في العالم خلال الخمسين سنة التي تلت كتابة رواية 1984. التفكير المزدوج : وصفت رواية 1984 التفكير المزدوج على أصوله ووصفت الحالة البشرية الحكومية والفردية التي تجري في هذا الكون . فالكيل بمكيالين من سمات العصر القادم والقراءة بين السطور أهم بكثير من الوضوح في المعنى وصرنا ندرّس أولادنا طرائق استنباط المعاني التي لا يتجرأ الكاتب على قولها علنا خوفا من المقصلة أو مقص الرقيب . وقد تنبأت الرواية أن يصير التفكير المزدوج جزءا من الحياة المستقبلية القادمة وجزءا من الحياة السياسية في كل البلدان وكيف يصير تفسير القوانين والتشريعات مناقضا لنصوصها إذ ستصدر قوانين تمس الحياة العامة وستفرغها التعليمات التنفيذية من مضمونها ويمكن أن نؤكد أنه خلال السنوات العشرين الماضية ساهمت اتفاقية السماء النظيفة في زيادة التلوث الكوني وسمحت المبادرة الدولية للحفاظ على الغابات في تدمير الغابات وزيادة القطع المقونن أما القوانين التي تحافظ على الحياة البرية في الكثير من دول العالم فقد سمحت بتدمير الحياة البرية كما ساهمت الاتفاقيات الدولية لحماية التراث الثقافي العالمي في تدمير العديد من المواقع الأثرية وسهلت عمليات السطو والسرقة والتدمير بدءا من تمثال بوذا في أفغانستان وانتهاء بالأثار في سورية حيث قامت المجموعات الإرهابية ومشغلوها بتدمير كل المواقع الأثرية التي تمكنوا من الوصول إليها . الشاشات العملاقة والمشاهدة عن بعد : يمكن أن نذكر أن الشاشات العملاقة والمشاهدة عن بعد والتجسس بالأقمار الصناعية والتصوير الجوي والاعتداء على الخصوصية أحدى العناصر المزعجة والكوابيس المقلقة في رواية 1984 لأن الأخ الأكبر يراقب كل شيء وكل شخص من خلف المحيط عبر الأقمار الصناعية . يقوم الأخ الأكبر بالتجسس على الثروات الباطنية والذهب الموجود لدى الأخرين من دون علمهم ويتجسس على مكالماتهم وبريدهم الالكتروني وحاليا يشجع الحوكمة الإلكترونية ليصبح كل شيء في متناول يده . وتنتشر حاليا الكميرات عبر الشبكة والغبار الذكي في كل مكان يريده الأخ الأكبر بحيث يستطيع أن يعلم كل ما يجري حوله على مدار الساعة وأنت لا حول لك ولا قوة . الخرق الفاضح والمستمر للخصوصية بكل تأكيد ليس هذا العنوان مزحة . فأنت وأنا في متناول أجهزة مكتب التحقيقيات الفيدرالي تتجسس على المكالمات الهاتفية وتسجلها وتأخذ نسخا من الايميلات والفاكسات على مدار الساعة وتراقب الأرض والشوارع وتحركات الجيوش وتستقرئ المستقبل من دون اعتبار للحرمات أو الخصوصية وهي تتجسس بنوع من العمل المحترف على الأعداء والأصدقاء ومن دون المعرفة أو الأذن من الآخرين . هذه مجموعة بسيطة من الكوابيس التي أتت بها رواية 1984 والحكاية مستمرة في سباق محموم نحو التكنولوجيا والتكنولوجيا العالية ونحن أشبه ما نكون بالفراشة التي تنبهر بنور الشمعة لتسرع وتنتحر فيه .
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخائفون من نعوم تشومسكي
-
المغفرة ...عَوْدٌ على بدء
-
علم الأخلاق وأنماط التفكير الإنساني
-
الايقاع البيولوجي وتأثيره على حياتنا
-
أشهر الفضائح السياسية
-
الموت في أدب شكسبير
-
الشعور بالكمال يَعْدِلُ الشعور بالموت
-
الممنوعات في شبكات التواصل الاجتماعي
-
تطبيقات الذكاء البصري المكاني
-
أنظمة الحكم الكبرى من الديموقراطية إلى الرشوقراطية
-
جمالُ الزهرة يَجني عليها
-
الغبار الذكي بين المزايا والرزايا
-
نشوء علم الذكاء البصري
-
لحظة الأوج ولحظة الحضيض
-
التفكير البصري ومجالاته في الحياة
-
بوح ربيع خمسيني
-
العظماء والمرأة
-
مجتمع المخابرات الأمريكي
-
مصادفات غيرت مجرى التاريخ
-
لودفيغ فان بيتهوفن - الجزء الأول
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|