أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سلام حسين الهلالي - مدينة الشطرة العراقية في كتابات الرحاله الأجانب (الجزء الثالث) رحلة عالم الاثار الأمريكي جيمس هنري برستد 1920















المزيد.....


مدينة الشطرة العراقية في كتابات الرحاله الأجانب (الجزء الثالث) رحلة عالم الاثار الأمريكي جيمس هنري برستد 1920


سلام حسين الهلالي

الحوار المتمدن-العدد: 5960 - 2018 / 8 / 11 - 13:59
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مدينة الشطرة العراقية في كتابات الرحاله الأجانب (الجزء الثالث)
رحلة عالم الاثار الأمريكي جيمس هنري برستد 1920

في عام 1920 وقبل ثورة العشرين بثلاثة أشهر قام فريق من المعهد الشرقي التابع لجامعة شيكاغو يرأسه جيمس هنري برستد (James Henry Breasted) (1865- 1935) عالم الآثار والمؤرخ الأمريكي الشهير بجولة في الشرق الاوسط ومنها العراق، ومن ضمن جولته زار مدن أور والوركاء وأريدو وتللو وبابل ونينوى ومر بالقرى والمدن التي في طريقه وذكر وصور بعض المواقع ننقل هنا منها مايقع ضمن موضوعنا وهو مايخص مدينة الشطرة وجوارها. والفقرات التالية مترجمه بتصرف من كتاب (رسائل جيمس هنري بريستد الى عائلته, أب 1919- تموز 1920) ,(Letters from James Henry Breasted to His Family) لمؤلفه John A. Larson من أصدار جامعة شيكاغو 2010.
يقول جيمس هنري برستد: في صباح يوم الخميس ١٨ أذار ١٩٢٠وفي خيمة المطعم في محطة قطار أور، التقيت الكابتن باركلي Barkley، المسؤول السياسي في الشطرة. كان لديه سيارة إسعاف تابعة للصليب الأحمر تحت تصرفه وهو في طريقه إلى الناصرية. أتفقنا أن يأخذ معه كل أمتعتنا، ويبقيها في الناصرية حتى نعود من رحلة اليوم إلى أبو شهرين (أريدو القديمة). لقد جمعنا سياراتنا معاً وتركناها وذهبنا في الشاحنه الى المحطة، لكن فاتنا القطار وأمضينا الليلة في الشاحنة نعاني من البرد القارس، على الرغم من البطانيات. لذا عدنا إلى سياراتنا وأنزلنا أمتعتنا مرة أخرى، وغادرنا لمسافة 16 ميلاً عبر الصحراء في عرباتنا الفورد إلى أريدو القديمة، التي كانت في يوم من الأيام ميناء أور وتقع على بعد حوالي 175 كم عن الخليج الفارسي.
في صباح الأحد 21 أذار 1920، سرنا بالزورق البخاري "باليا" من الشطرة واتجهنا شمالا ضد التيار القوي في شط الحي قاصدين قلعة سكر التي تبعد أربع ساعات. على يميننا (شرقًا) تقع تللو Tello , التي نقب فيها
de Sarzec وهي على بعد 20 ميلاً إلى الشمال من شطرة المنتفق. الماء موحل لدرجة أنني لم أحصل على غسيل لائق لمدة 48 ساعة. يضطرب سطح ماء النهر الملون في موجات يصل ارتفاعها إلى عدة أقدام، والمياه عالية جدا والشواطئ منخفضة، المنطقة سهل مسطح رتيب يمتد بعيدا في جميع الاتجاهات ومستواه أقل من سطح النهر والماء مقيد بواسطة سد منخفض. التربة هي بالضبط نفس لون الماء ويتم خبزها مثل الطوب في حرارة الشمس القوية.
الفلاحون العرب يحرثون سطح الأرض في مجموعات بمحراث خشبي بسيط ويجمعون محصولا جيدا ولكن ليس سوى جزء صغير مما يمكن توقعه من تربة ومناخ مثل هذا.
على طول الشواطئ، هناك مجموعات صغيرة من الأكواخ التي جدرانها من الطين وسقوفها من القصب. ترعى قطعان كثيرة من الأغنام والماعز في أنحاء المنطقة في رقع قليله من العشب هنا وهناك بين مساحات كبيرة من الأرض الصلبة المغبرة. يترك النساء والأطفال القطعان ويخرجون من الأكواخ ليحدقوا فينا بفضول عند مرورنا. كانت مجموعات من الفلاحين العرب يرفعون ثيابهم الى الأعلى ويقفون في عمق خنادق الريّ التي يسقون بها حقولهم. وهم يحملون أدوات البستنة الطويلة (المساحي) والمعاول التي يستعملونها لإصلاح الخروقات أو بناء السدود أو تعميق المجرى. بعد ذلك مررنا بأكلاك قصب كبيرة ترتفع أعلى من الماء، أحدها فيه سرب من النساء بملابس سوداء وقائد الكلك يواجه صعوبة كبيره في مواجهة الرياح العاتية الثقيلة.
عدنا الى الشطرة وفي حوالي الساعة الرابعة عصرا جلسنا لتناول الغداء مع الكابتن بيركلي وحصلنا على برنامج مبدئي تم ترتيبه مع الضابط السياسي في شط الحي ، النقيب كروفورد. Crawford
أخذنا بيركلي في جوله حول بازار(سوق) الشطرة. إنها مدينة صغيرة يعيش فيها 6000 شخص ولدى بيركلي حوالي 60،000 نسمة في منطقته. وهو هنا يحكم مثل الملك مع أن عمره 22 عامًا فقط ، ويذهب الشيوخ والوجهاء إليه ويتشاورون معه.
لسنوات عديدة ، أدت المشاكل القبلية بين عرب المنتفك إلى مقتل ما لا يقل عن 2000 رجل حسب التقارير المحلية، ولم يكن الأتراك يتحكمون بالمنطقه ولم تدفع مقاطعة الشطرة أي ضرائب ولم يبذل الأتراك أي جهد لجمعها من قبل لمدة 15 سنة قبل أن يتولى الكابتن بيركلي المسؤولية. فمثلا دفع شيخ عجوز غني واحد لوحده ضرائب بقيمة 60،000 روبية (حوالي 25،000 دولار) وبيركلي الآن يجمع 300،000 روبية سنوياً من المنطقة. لقد بنى مقرًا أنيقًا لمكاتبه بتكلفة 15000 روبية ، ومن ضمنها سجن صغير، حيث رأيت اثنين من الجناة السياسيين مسجونين. أنه شيء جميل أن ترى شاباً انكليزياً يقوم بأنشاء بناية سوق جديدة مسقوفة للنساء مع الترتيبات التي قام بها من أجل النظافة في السوق العامة. أنتهت جولتنا بجلسة لتناول الشاي في بيت سيد، وهو تاجر ثري، حيث أنضم الينا كل الرجال المهمين في البلدة وبقينا نتحدث لمدة حوالي ساعة.
في صباح اليوم التالي (السبت 20 أذار) ، بدأنا الاستعداد في وقت مبكر من أجل تللو ، (لكش القديمة). كان قارب بيركلي البخاري معطلاً ، وكان علينا أن نأخذ قاربًا محليًا (بلم) ونذهب إلى النقطة التي كان بيركلي قد رتبها لمقابلتنا على الخيول، وسرعان ما خرجنا بين خنادق وقنوات الري التي كانت تكلفنا في كثير من الأحيان تحويلات طويلة. وصلنا في الساعة الواحدة ظهرا وتناولنا طعام الغداء على التل بين الاطلال، بينما كان حارسانا العربيان ، الذين أرسلوا إلينا من قبل النقيب بيركلي ، يجلسان يراقبان خيولنا ، وبنادقهم فوق ركبهم.
تللو هو المكان الأكثر اتساعا الذي قمنا بزيارته ، ولكنه أمر محبط للغاية، لا يوجد سوى مبنى واحد من الطوب المحترق لايزال واقفا، وهو قصر بارثي مبني من الطوب مأخوذ من قصر أقدم للأمير الشهير كوديا Gudea وكان الطوب كله مختوما باسمه. وبالفعل فإن مبنى الدار الذي يسكنه بيركلي مرصوف أيضا بالطوب الذي يحمل اسم كوديا.
كان ما يقرب من الرابعة مساء عندما ركبنا خيولنا مرة أخرى وانطلقنا إلى النهرأي إلى الغرب تقريبًا. الماء والقنوات أخرتنا إلى حد ما. أرسلنا الحارسين علي وعباس وواحد أخر إلى النهر مع تعليمات لمعاكسة التيار إلى قرية السويج أو سويج أبن شكبان ، أو سويج ابن سرحان ، الذي يقابل تقريباً تللو لأجل الحصول على العشاء.
عندما اقتربنا من السويج أقترب منا فارس عربي، صافحنا ورحب بنا بود لقد كان شيخ السويج ، العربي الأنيق الذي يمتطي حصانه مثل الأمير ساجت أبن شكبان . Sheikh Sajed ibn Sagbân
عندما اقتربنا شاهدنا خيامنا تنصب بالقرب من النهر. تجمعت كل القرية حولنا تنظر الينا وبعد أن أغتسلنا في النهر جاء علي الآن وقال إنه لم يكن لديه طعام جاهز، لقد دعانا الشيخ ساجت إلى منزله. لذلك فقط عند الغسق، ظهر عبيد ساجت وقدموا لنا القهوة بجانب خيامنا وعندما بدأنا بشربها بدأ المطر، لذلك طلب منا الشيخ ساجت الانتقال إلى منزله وتم تنظبف الشوارع والممرات الصغيرة أمامنا ، وقادنا الشيخ ساجت إلى خيمة الضيافة الواسعة، التي لا يقل طولهاعن 50 قدمًا، وهي مفتوحة تمامًا على أحد الجوانب الطويلة وسقفها من شعر الجمل الداكن. كانت ناركبيره تتصاعد في موقد كبير من الطين وسط الخيمة وعلى الجانبين الطويلين يجلس رجال القرية البارزين الذين جاءوا عندما سمعوا بوصولنا، لقد استقبلتهم بأفضل ما يمكنني، وكانوا يستجيبون بلطف، عادة ما يقول المرء "السلام عليكم" عند دخول المسكن والأسرة تجيب "عليكم السلام" . أجلسونا في أقصى نهاية الخيمة حيث انتشرت البسط والوسائد وتم إخلاء مساحة خاصة بي وبرفاقي على يميني وعلى يساري، وجهت كلامي الى المضيف وسألته أن يجلس بدل ان يظل واقفاً، لكنه رفض بأدب، وعندما كررت ذلك عليه، قال، (أنا خادمك وأنت ضيفي) ، كررت الطلب منه الى أن جلس في أخر الأمر.
كان مشهدًا جميلاً أمامنا حيث كنا جالسين لفترة طويلة، في الوسط، كان الخدم يعدون القهوة على الموقد الطيني المغطى بالأواني النحاسية البراقة، وعلى الجانبين جلس وجهاء القرية بصفين طويلين، كانوا يرتدون ثيابهم الأصلية ملتفين بعباءاتهم الواسعه وتغطي رؤوسهم الكوفيات التي تحيط بوجوههم السمراء وعيونهم الداكنة المتألقة في حين انتشرت المظلة الداكنة لسقف خيمة وبر الجمل الهائلة.
تم تقديم القهوة عدة مرات، ووزع الشيخ علينا سجائر من صنعه، وأصر على أشعالها بنفسه بعد ذلك جاء إلينا خادمنا عباس وسألني همسا، إذا كنت أود أن يحضر لي شوكاً وسكاكين من خيمتنا، قلت له لا، سوف نأكل كما يفعل مضيفنا. قال: "بيدك"! قلت "نعم بالفعل".
طبق دائري ضخم قطره أكثر من يارده مملوء بالرز المطبوخ مع الزبيب تم إحضاره أمامنا ووضع على سجادة على الأرض. تم نشر العديد من الأطباق الصغيرة التي تحتوي على دجاج مشوي كامل أو قطع من لحم الضأن المشوي حول الرز، مع طبق من الحلويات لكل ضيف. طلبنا من مضيفنا الجلوس معنا.لكنه كان يقطع اللحم ويوزع الخبز ويحثنا على الاكل، لذلك اقبلنا على الوليمه بشجاعه، وكنا مستعجلين للعودة ولا نستطيع الاستمرار في هذا العشاء العربي.
عند دخولنا إلى القرية، قابلني رسول محلي من النقيب كروفورد، قائلاً إنه أرسل قاربه Launch Ballia (بعد ان تم إصلاحه) لينقلنا ويمكننا أن نصعد إليه هذا الصباح. ظهر الشيخ ساجت في خيمتنا منذ الفجرمع البيض والخبز، الان اصبح لدينا مانريد، فهذه سفينة قوية وكبيره طولها قرابة 50 قدمًا، ونحن محظوظون لأنها ستحمينا من الرياح حيث كانت هناك عاصفة رملية عنيفة مستعرة، وعيوننا وآذاننا مليئة بالغبار. غيوم من الرمال والغبار الصحراوي تسير عبر النهر وبعيدًا عن السهل ، تحجب عنا معالم قلعة سكر التي نقترب منها الآن ، وأشجار النخيل القليله التي شهدناها منذ مغادرتنا للشطرة أمس.
في مساء الأحد 21 أذار 1920 كان النقيب كروفورد قد نزل الى النهر لمقابلتنا وتم نقل أشياءنا دفعة واحدة إلى منزله و كانت الساعة 1:30 عندما نزلنا وأصبحت 2:30 قبل أن نحصل على أي غداء. وأخبرنا كروفورد إنه يريد أن يخرج معنا إلى هدفنا التالي، ولأنه لا يستطيع الذهاب غداً بسبب لقاء مهمّ له مع شيوخ المنطقه ، يريدنا أن نذهب إلى اثار آخرى لنقضي اليوم كله هناك ثم نذهب الى تل جوخا (مدينة أوما القديمه Umma ) معه وبالطبع فقد أذعنا لرأيه.
بعد يوم الأربعاء 24 مارس 1920 كان اليومان في قلعة سكر حافلين بالأحداث. أتمنى لو أستطيع أن أخبركم عن أماكن الإقامة لدينا والكوخ البائس الذي يعيش فيه النقيب كروفورد والذي كان كل ما كان يمكنه أن يقدمه لنا، لقد أمضينا بعد ظهر يوم الأحد وما تبقى منه نناقش خططنا مع كراوفورد.
بعد الإفطار مباشرة ، كان النقيب كروفورد قد أحضر خيولاً جاهزة لنا ، ووفر لنا مرشدًا ومخزنًا وحراسًا عربًا ببنادق. كنا موجودين في الشمال الشرقي من قلعة سكر خارج البوابة الخلابة للمدينة الصغيرة، حيث كانت النساء يحملن جلود الماء الثقيلة على ظهورهن أو الجرار على رؤوسهن. كانت الأرض صحراء منبسطة تماماً لكن سواقي الرى كانت تواجهنا كل 100 ياردة.
بعد مدة ساعتين ونصف وصلنا إلى تل أميد Tell Amûd ، وهي مدينة قديمة مجهولة. كانت قد أمطرت على نحو مخيف على طول الطريق وأصبح سطح التلة بحرا من الوحل اللزج وجعل من الصعب علينا الاحتفاظ بسجلاتنا. عندما التهمنا طعام الغداء، جلسنا في المطر على كومة طوب قديم. تغطى التل قطع من الشقوق المكسورة، الكثير منها شظايا مزججة رقيقة من مزهريات العصورالفارسية ومن الواضح أن المكان لم يسكن منذ تلك العصور. لقد عثرت أخيراً على شظايا مزهرية فارسية كبيرة جميله ذات لونين من التزجيج الأخضر مع زخرفة متسلسلة والتي عندما تكون مجتمعة تتكون من عينة كاملة قيمتها تساوي 100 باوند على الأقل. لكننا لم نتمكن من نقل الشظايا إلى المنزل على ظهور الخيل وبقيت على التل.
بحثنا عبثا عن نقوش أو كتابات على الطوب أوالاختام تكشف عن اسم المكان.دون جدوى.
في اليوم التالي (الثلاثاء 23 آذار) كان لدى النقيب كروفورد خيولًا على الجانب الآخر من النهر (الجانب الغربي) وتركنا في اتجاه الجنوب الغربي من تل جوخا. كانت رحلة طويلة ومضنية من ما يقرب من خمس ساعات، ولكن مثيرة للاهتمام ومفيدة في كل خطوة على الطريق، كان هناك خمسة من المشايخ الخياله قد أشاروا إلى رغبتهم في المسير معنا، وكان كراوفورد معنا. كان لدينا خمسة حراس عرب مسلحين ببنادق، ومجموعتنا تضم ستة عشر.فارسا.
وصلنا أولا الى مخيم يضم أكثر من مائة خيمة من وبر الإبل الداكن، وكان هناك حصن طيني قوي مع أبراج مستديرة طويلة، كانت مقصودة كمكان وملجأ للقبائل عندما كانت واحدة من الحروب القبلية المتواصلة تنشب. خرج الشيخ لتحيتنا، يرافقه خادم يحمل القهوة، وهي علامه لعدم ملائمة الوقت للضيافة، وقبل أن نغادر، دخل اثنان من المشايخ من قبيلة مضطربة بعض الشيء، والتي قصفها مؤخراً طيارون بريطانيون، واتخذوا موقفاً ودياً.
في كل مكان من حولنا كان السهل مليئا بتلال المدن القديمة و كلها أسمائها غير معروفة. أعطاني أحد العرب الذين يستطيعون القراءة أسماؤهم، وقمت بتسجيلها وعددها ستة مع التهجئة الصحيحة باللغة العربية، صعدنا على تلال أحدها Libadîyeh (تل لبادية)، لكن لم يكن هناك أي شيء على السطح للكشف عن هويته. حوالي الساعة 1:30 وبعد أن كنا على الخيل ما يقرب من 5 ساعات وبعيدا بحوالي 23 ميلا عن قلعة سكر، وصلنا الى تل جوخا. لدهشتي وجدنا تلك التل تعانى من انجرافات وكثبان رملية كبيرة، والتي انجرفت من امتداد الصحراء لمدة 4 ساعات إلى الشمال، وظهر بوضوح شديد ما كنت أعرفه منذ فترة طويلة، أن هناك صحراء رملية حتى بين النهرين. تلال جوخا واسعة النطاق وكانت الرياح الشمالية القوية تقود الرمال إلى أعيننا، وإلى جانب ذلك، كان الأوان قد فات لتكملة مخططنا لمشاهدة كل الاثار.
رأينا مجموعة مكونة من 30 أو 40 فارسًا عربيًا ، يحاصرون منحدر التلة مباشرة علينا. كان كروفورد على بعد خمسين خطوة بعيدا ولم يرهم. توجهت إليه وطلبت منه أن ينظر. لم يتغير وجهه أبدا ، وبأقصى قدر من الهدوء، طلب من حراسنا العرب أن يعرفوا لنا من هؤلاء الفرسان.
أجابوا أنهم كانوا بني غوينين Ghweinîn. في لحظة توقفنا لأننا كنا قد سمعنا أن بني غوينين قد تم قصفهم مؤخرا من قبل طيارين بريطانيين وكان شيخهم والعديد من أتباعه مطلوبين، هؤلاء الرجال أمامنا الأن على بعد مائة خطوة، كروفورد كان رائعا، طوى ذراعيه وفكر بهدوء الفرسان. كان لدينا 5 بنادق وكان لديهم 30 أو 40. كنا في رحمتهم في البرية العربية. قال كروفورد بعد ذلك ، "كنت أعتقد أننا قضينا عليهم" ، هو في السادسة والعشرين من عمره، ولكنه مصاب بجرح في ساقه لم يلتئم بعد بالكامل، وجزء من يده اليمنى، ورصاصة في معدته. وغني عن القول أن جماعة من الخارجين عن القانون لن تزعجه! أربعة من المشايخ ترجلوا عن خيولهم، وجائوا إلينا. تقدم المشايخ الذين كانوا معنا إليهم وهم جميعاً تقدموا إلى الأمام وقبّلوا كتف كروفورد الأيمن ، وفي نفس الوقت أنزلوا العقال من رؤوسهم (وهي على شكل أغلال شبيهة بالحبال مرتبة في لفات على أغطية الرأس). إن السماح بسقوط العقال على الكتفين هو مقدمة للأستسلام الكامل. كان من الواضح تماما أن هذا قد تم ترتيبه مسبقا من قبل الشيوخ الذين رافقونا. أخبر كروفورد الشيخ مزعل أنه يجب عليه أن يأتي معه إلى قلعة سكر وبعد ذلك إلى المقر الرئيسي في الناصرية لتتم محاكمته بسبب أفعاله السيئة. لم يكن مزعل يتوقع هذا، ويبدو أن هناك سوء تفاهم قد حصل، لكننا ركبنا مع ذلك إلى خيام قبيلته، وهي على بعد ساعتين شرقاً نحو النهر، حيث كان العرب يصرخون ويتسابقون ببطأ، ويجرون خيولهم في منحنيات عريضة ويحملون بنادقهم.
وصلنا هناك حوالي الساعة 4:30 مساءً. وتم أخذنا جميعا الى خيمة ضيوف الشيخ مطلك، شقيق مزعل الذي أصبح الآن شيخًا بدلا عنه. كانت خيمة وبر الجمل السوداء الكبيرة ، المفتوحة على جانب واحد ، مغطاة بالسجاد، وعلى اليمين كانت توجد حشائش حيث جلست أنا وكروفورد، وبقية جماعتنا على يميننا، ثم الشيوخ الذين كانوا معنا، و الرجال البارزين من القبيلة. تم جلب الشاي والسجائر وتوزيعها من قبل الشيخ مطلك نفسه.
ثم ظهر أربعة رجال يحملون معهم صينية ضخمة مملوءة بالرز المسلوق الذي وضع عليه اثنين من الأغنام المشوية إلى جانب العديد من الدجاج المشوي، وقطع من لحم الضأن المشوي، وأوعية من اللبن، وأكوام سخية من الخبز العربي، تجمع شيوخ القبائل حول الصينية الكبيرة، وحملت دائرة من الأيدي السوداء الطعام إلى دائرة من الوجوه السمراء في مشهد يصعب وصفه. كان الطعام مطبوخًا ولذيذًا جدًا، ولكن تخيل شرب حليب يطفو الزبد عليه والقذارة وبعد العديد من الأفواه العربية. فكرت في الكؤوس الورقية لدينا في أماكن الشرب العامة، لكنه الجوع والعطش (لأنه لم يكن لدينا ما نأكله منذ الصباح الباكر) ، أغلقت عيني وشربت. أكملت الدائرة في الدوران حول الصينية الكبيرة ثم سمح للنساء والأطفال. فقط الهياكل العظمية لاثنين من الأغنام لا تزال تعلو بقايا الرز.
كان هناك الآن ضجة في التجمع وفجأة ، حيث كانت جماعة كبيرة قد وقفت للتو وظهر رجلان مقدسان (سيدان) برفقة الشيخ مزعل. ركع المطلوبون الثلاثة أمام كروفورد ، وسجد مزعل نفسه وجبهته على الأرض ، ومع كلام التوسل وطلب المغفرة وتوسط الرجلين المقدسين أيضا نيابة عنه. العربي رجل فخور جدا، وكانت حالة غير عادية لرؤية الشيخ هكذا وإذلال نفسه أمام قبيلته كلها. على طول الجانب المفتوح للخيمة ، أندفع رجال القبيله المتعاطفين مع شيخهم إلى الأمام لرؤية كامل المشهد. كما توسط شيوخ آخرون لصالح مزعل ولكن كروفورد لم يقبل. يجب على الشيخ أن يركب معه إلى قلعة سكر، وبعد ذلك يحاكم في الناصرية. أستمر هذا المشهد لمدة نصف ساعة. هذا الرجل الإنجليزي الشاب الجريح يجلس هنا غير مسلح في وسط قبيلة عربية برية، تفوقنا بنسبة 50 إلى واحد، وكان يمكن أن يذبحونا جميعاً في بضعة دقائق، لكنهم يأمرهم وكأنه ملك.
عندما أنهى المقابلة وقام وخرج ليمتطي حصانه، قفزت القبيلة بأكملها، وفي نفس الوقت فتح ممر وخمس نساء مررن بسرعة وهن زوجات مزعل الأربعة وأمه اللواتي خرجن للدفاع عنه، أنا خرجت و ركبت حصاني لالتقاط صور للمشهد الاستثنائي. انطلقنا جميعًا بسرعة ، نظرنا إلى كروفورد مرة أخرى لمعرفة ما إذا كان مزعل يتبعه، كان من الواضح أن قومه نصحوه بعدم الذهاب.
رحلة أخرى لمدة ساعتين والنصف ساعة الأخيرة في الظلام متجنبين شبكة القنوات والخنادق والجسور الضيقة التي يصعب الاهتداء اليها ، وصلنا إلى النهر بعد فترة من التأخير ثم الى مركب كروفورد. لقد كنا على الخيل لما يقرب من تسع ساعات وقطعنا 40 ميلا. في الساعة 7:30 ، وصلنا الى قلعة سكر، وكان النهر قد ارتفع كثيرًا والتيار سريعً جدًا.
في يوم الخميس 25 أذار 1920،غادرنا قلعة سكر في وقت مبكر من الصباح في مركب كراوفورد الى الشطرة حيث وصلنا من دون حادث على بعد 40 ميلاً إلى الجنوب من قلعة سكر على شط الحي. في الشطرة وجدنا ألسيارات تنتظرنا: شاحنتان و 5 سيارات ركاب. لم نتوقف لتناول طعام الغداء، بل تقدمنا في الحال لنتجاوز الأربعين ميلاً من الطريق السيء للغاية من الشطرة إلى الناصرية قبل حلول الظلام. عند وصولنا إلى الناصرية بعد الساعة الرابعة من بعد الظهر بقليل ، بدأنا الاستعداد للذهاب الى الدراجي حيث أثار الوركاء Warka الشهيره المذكورة في العهد القديم باسم Erech .
الصور:
1- الشطرة: منظر من الجانب الاخر للنهر.
2- الشطرة : كما تبدو من الجنوب الغربي من سطح منزل بيركلي في الشطرة.
3- الشطرة : من على سطح منزل بيركلي. ١٩ مارس ١٩٢٠.
4- شط الحي: قارب يحمل أمتعتنا من الشطرة إلى السويج. ٢٠ مارس ١٩٢٠.
5- تللو: جدار قص كوديا وأساسه. ٢٠ مارس ١٩٢٠.
6- شط الحي: منظر لقرية على طول الشاطئ.
7- قلعة سكّر: استقبال عربي لشيخ مطلك ومزعل.
8- قلعة سكر: النساء العربيات ، زوجات مزعل ، يهرعون إلى النقيب كروفورد للتوسط للشيخ المخلوع.
9- قلعة سكر: استقبال مطلك ، خليفة مزعل.
10- قلعة سكر: استقبال عربي لمطلك ، خليفة مزعل ، عند مدخل الخيمة.
11- قلعة سكر: منظر على طول الشاطئ.
12- تل جوخا: الخارج عن القانون الشيخ مزعل وزملائه الخارجين عن القانون من ألبو-غوينين بعد تقديمه رسمياً إلى النقيب كروفورد ، 23 مارس 1920



#سلام_حسين_الهلالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدينة الشطرة العراقية في كتابات الرحاله الأجانب (الجزء الثان ...
- مدينة الشطرة العراقية في كتابات الرحالة الأجانب (الجزء ألاول ...
- مدينة الشطرة العراقية في السالنامات العثمانية 1890-1902م
- الاسباب المحتملة لزيادة نسب الأصابة بالسرطان والتشوهات الخلق ...


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سلام حسين الهلالي - مدينة الشطرة العراقية في كتابات الرحاله الأجانب (الجزء الثالث) رحلة عالم الاثار الأمريكي جيمس هنري برستد 1920