أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - سجناء الطونا(جان بول سارتر):محاكمة للفرد نفسه















المزيد.....

سجناء الطونا(جان بول سارتر):محاكمة للفرد نفسه


بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 5957 - 2018 / 8 / 8 - 03:32
المحور: الادب والفن
    


سجناء الطونا(جان بول سارتر):محاكمة للفرد نفسه
يا سكان السقوف المقنعين...انتبهوا يا سكان السقوف المقنعين انتبهوا!
الجميع يكذبون عليكم.ملايين الملايين من شهود الزور.ملايين من شهود الزور في كل ثانية!انصتوا الى شكاوي الناس،لقد خانتنا افعالنا،وخاننا كلامنا وخانتنا حياتنا القذرة.اشهد انهم كانوا لايعون ما يقولون ولايفعلون ما يريدون.أننا ندفع بأننا غير مذنبين.
ولاتصدروا على الاخص احكاما على اساس اعترافات وان كانت موقعه.كان يقال في عصرنا لقد اعترف المتهم فهو بريء اذا.
ايها المستمعون الاعزاء،ان عصري اشبه بمزاد علني،حيث قررت تصفية الجنس البشري سلطات عليا.بدأت بالمانيا حتى العظم-(يصب الشراب في قدح ويشرب) واحد فقط قال الحقيقة:التيتان المهشم عاهد الله أو لم يعاهده شاهد عيان الى ابد الآبدين...لقد مات الانسان وانا شاهده...(من مسرحية سجناء الطونا)
إذا يعلن جان بول سارتر في آخر مسرحياته موت الانسان....
الموت بالتأكيد،وهو موت حضاري واخلاقي في مسرحية كئيبة هدفها نعي القرن العشرين...بل نعي التاريخ الانساني برمته اكثر من تأكيد العنصر الجوهري الوجودي،وبالنسبة لما نعرفه عن سارتر كفيلسوف يستخدم الرواية والمسرحية لشرح المفاهيم والحالة الوجودية-السارترية-تكاد تكون هذه المسرحية خالية من هذا الهدف ويمكن قراءة العنصر الوحيد الواضح للوجودية وهو حرية الاختيار بشكل محايد بل والتغاضي عنه،لتقرأ مسرحية عن انحسار الخيار الاخلاقي تامة حين يكون الانسان معلقا بين العديد من الخيارات افضلها سيء....أي غير اخلاقي
هذا الحوار المكثف الكئيب المشبع بالندم على خيارات الماضي،على الحرية المعلقة تماما على الاختيار،وبهذا يعقب سارتر ان الخيار المتاح للإنسان لن يكون ابدا ذو مسار صحيح،بل ان حرية الاختيار بحد ذاتها هي عبء على صاحبها لأن فرانتر المعتزل البشرية قد أوصله الندم على خيارات الماضي الاجرامي حد الجنون،وليس الخيار اللحظي مقبول،بل ان الانسان هنا مجبر كاره مضطر احيانا أن يتجه نحو الخيار الأسوأ،لأن الخيار معلق بالفرد...فإذا قامت الحرب مثلا وكنت ألمانيا فيجب ان تحارب مع الألمان،على انه خيار سيء على أية حال،ولو خيرت بين التضحية باسير أو التضحية بأخاك فطبعا أنت واقع في خيارين كلاهما فظيع،ولكن القرارالفردي يسقط كل التفكير المنطقي لهذا القرار والتبعيات الاجتماعية ايضا وهذا عين مذهب المسرحية.
وكأن سارتر يرثي الانسان وحالته الوجودية التي جعلت منه أساسا معلق بالخيار،الخيار سيمتاز لاحقا عندما يصبح فرانتر مجرم حرب،بل ويحاكم نفسه عى اساس انه مجرم حرب.
فالحتمية للقرار في النهاية واقعة،وبالتالي فان الوجودية ليست مثالية،بل ليست مثالية على الاطلاق،فالقرار هو الذي قاد الى القلق الذي قال عنه سارتر ذات يوم انا قلق فأنا موجود.
وعندما تنهزم ألمانيا في الحرب ستنقلب الموازين وستصبح الضحية هي الجلاد،وحتى لو كان فرانتر يقول:
أنني احتقر الضحايا الذين يحترمون جلاديهم...
انعزاله عن العالم لمدة ثلاثة عشرة سنة اساسه هذه الجملة،لأن الضحية وقعت ضمن هذا المصطلح بناءا على قرار مسبق مختار من قبل الجلاد،والضحية –وهي وصف اتهامي للشخص الذي جعل منها ضحية-وعند انقلاب الموازين،ستصبح المانيا بعد معاهدة فرساي،على ان التكرار يفرض علينا احترام الجلاد حتى لو أن المانيا اصبحت هي الضحية بناءا على حتمية القرار للطرف الآخر..فالكل ضحايا حتى لو اصبح تصرف أو فعل أو خيار الجلاد مبررا،وبالتالي يصبح التاريخ البشري ضحية للقرارات المحسومة ولكن غير المحسوبة،وهذا هو انتقاد للحروب برمتها ومن ضمنها المأساة التي ارتكبتها الاستعمارية الفرنسية في الجزائر...
الأب-أب فرانتر-كان قد وشى بجندي في مقابل انقاذ حياة ابنه...تتساوى الحيوات-جمع حياة- ولكن حياة الابن هي الخيار الأبوي.
بالضبط هذا ممكن قياسه على التاريخ برمته...
فرانتر يعلق في غرفته صورة كبيرة لهتلر،ويسجل صوته على اشرطة ويعتقد بانه يعيد صياغة التاريخ:
كل شيء يتماسك(التاريخ) كلمة مقدسة.أذا غيرت فيه فصلة واحدة لن يبقى منه شيء
التاريخ هو الحكم...هو الذي سيقدم الحكم لاحقا بكل هدوء والتاريخ مزدوج ايضا لأنه كان ذات يوم محكوم عليه،هي المحكمة التاريخية التي تختار رجالها بعشوائية مطلقة لتقدمهم لاحقا الى المحاكمة تمتلك فعلا كل الحقوق...وكأن فرانتر يقول بأنه ايضا كان معدوم الخيار أمام هذا الاختيار التاريخي المطلق.
لماذا يختار التاريخ رجاله ثم يحكم عليهم...
ثم أن فرانتر يعتقد بوجود سرطانات البحر من حوله،فيتعمق سارتر بالخيال وبالذكرى السيئة لسرطانات البحر القابعة في ذهنه،وربما يكون هذا التصور هو اشهر ما في المسرحية وهو ما دعوته ب(الحالة الشعبية للرؤيا)
يعتبر سارتر سرطانات البحررمزا لشيء غير انساني،وان عالمها متعارض تماما مع عالم الانسان وان محكمة الكابوريا والمحار لشيء مرعب فظيع الى اقصى حد....
ويستطرد سارتر:أنني اعتقد ان محكمة التاريخ تحكم على الناس وفقا لمقاييس لا نعرفها،وقيم لايمكن ابدا ان نتصورها،وربما راى التاريخ ان هتلر عظيم-بالرغم من ان ذلك يصيبني بدهشة هائلة-والمسألة هنا أننا نعرف التاريخ سيحكم على انفسنا وعلى اعمالنا،وهذا شيء مرعب،وعلاوة على ذلك،يقال ان التاريخ في تقدمه يسير بطريقة جانبية،في حركة جانبية اشبه بحركة الكابوريا وقد كان هذا جزءا من فكرتي التي اردت تصويرها...
ولكن لماذا يجعل سارتر من ليني مفتاحا لكل رغبات فرانتر الجنسية وهي في الحقيقة اخته...لماذا يقدم السفاح بالشكل الواضح والمفضوح الى هذه الدرجة...في الحقيقة من الممكن ان اقدم تعليلان:
أولها تأكيد سارتر على حمق الشخصية الرئيسية(فرانتر) صاحب المسؤولية التاريخية أو ربما ليقدم صورة اخرى عن التشتت الذهني للشخصيات،فالشخصيات تسير بقدم واثقة الى الجنون وان كان الجنون واضحا على فرانتر ومن ثم الأب ومن ثم ليني الاخت الصغرى التي تعلقت باخيها المحبوس في الغرفة منذ 13 عاما الى حد الامتلاك.
ان جميع شخصيات المسرحية سجناء في اسر لامهرب منه،رغم ما فيه من تفسخ وعبث...انه عالم مسدود

هذا التكثيف الدرامي الحزين والكئيب عالي المستوى بدا انه بعيد جدا عن الوجودية.
وصفت المسرحية بأنها الأقل من كتب ساتر اهتماما بالفلسفة والاكثر اهتماما بالانسان-ولكن لانستطيع القول ابدا
-وان كان المعنى والمغزى عام- ان سجناء الطونا تقدم محاكمة مفتوحة للتاريخ الجرمي للانسان،بل انها تقدم محاكمة للفرد نفسه.
بلال سمير الصدّر
6/8/2018



#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرانز كافكا والمسألة الوجودية:الصراع هم الآخرون
- ماكبث1948(أورسون ويلز):دراسة أدبية
- إمرأة من شنغهاي1947(أورسون ويلز):هكذا بالتأكيد بدأت قصتي...أ ...
- الرجل الثالث1949(من اخراج كارل ريد وتمثيل اورسون ويلز):عودة ...
- آل امبرسون الرائعون1942(أورسون ويلز):عن صدمات اورسون ويلز
- 1000عين للدكتور مابوس:فيلم في غاية الروعة ولكن في نفس الوقت ...
- M1931(فريتر لانغ): فيلم ممتاز متكامل في الحبكة وفي التصميم و ...
- الفيلم الايطالي(عاقبة الحب Consequence Of Love ) :تقاطع الاد ...
- وصية الدكتور مابوس1933(فريتر لانغ):عبقرية اجرامية مبنية على ...
- جملة عن افلام صامتة لفرتر لانغ
- الدكتور مابوس 1922 (فريتر لانغ):سينما حديثة متطورة سابقة لعص ...
- عن عيادة الدكتور كاليغاري1919-1920:مفهوم الفن المضاد
- المصير أو الأضواء الثلاثة 1921(فريتر لانغ):ابداع توظيف فن جد ...
- سيد الظلام فريتر لانغ:الأعمال المبكرة ورحلة الى القمر لجيو م ...
- وداعا للغة (جان لوك غودار): وداعا لدور اللغة التعبيري....أو ...
- في باريس الحب 2001 (جان لوك غودار):عرّف الولايات المتحدة
- الى الابد يا مودزات 1996(جان لوك غودار):مودزارت سيظل على قيد ...
- موجة جديدة 1990(جان لوك غودار): الاسلام لم يبني على الشك مثل ...
- keep you right up1987(جان لوك غودار):لملمة أفكار-الانسان في ...
- محقق 1985(جان لوك غودار):بورنو فكري


المزيد.....




- خطوة جرئية من 50 فناناً امريكياً وبريطانياً لدعم فلسطين!
- الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان
- مش هتغيرها أبدا.. تردد قناة وان موفيز “one movies” الجديد 20 ...
- دق الباب.. اغنية أنثى السنجاب للأطفال الجديدة شغليها لعيالك ...
- بعد أنباء -إصابته بالسرطان-.. مدير أعمال الفنان محمد عبده يك ...
- شارك بـ-تيتانيك- و-سيد الخواتم-.. رحيل الممثل البريطاني برنا ...
- برنامج -عن السينما- يعود إلى منصة الجزيرة 360
- مسلسل المتوحش الحلقه 32 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- -الكتابة البصرية في الفن المعاصر-كتاب جديد للمغربي شرف الدين ...
- معرض الرباط للنشر والكتاب ينطلق الخميس و-يونيسكو-ضيف شرف 


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - سجناء الطونا(جان بول سارتر):محاكمة للفرد نفسه