أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض طه شمسان - الواقع الدولي و المشهد اليمني: مقاربات سياسية و أمنية















المزيد.....



الواقع الدولي و المشهد اليمني: مقاربات سياسية و أمنية


رياض طه شمسان
حقوقي و أكاديمي

(Reyad Taha Shamsan)


الحوار المتمدن-العدد: 5923 - 2018 / 7 / 4 - 14:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الواقع الدولي و المشهد اليمني: مقاربات سياسية و أمنية

الدكتور| رياض طه شمسان

الحضارات الإنسانية بهوياتها الثقافية المتعددة تشترك جميعها في كثير من القيم الإنسانية و خاصة في مجال حقوق الإنسان و الديمقراطية. عدم القبول بالاستبداد و الظلم و تجريم الفساد بكل أشكاله و صوره، و أحترام العهود و الكرامة الإنسانية و مبدأ العدالة و الإنصاف و التسامح...الخ هي ثوابت لا خلاف عليها في جميع الأديان. و هذه القيم الاجتماعية و غيرها الدينية و الثقافية المشتركة وجدت انعكاساً لها في المعايير العالمية لحقوق الإنسان و القانون الدولي العام.

القوانين العامة للتطور الاجتماعي، لا تلغي التفاوت التاريخي بين الدول و لا السمات الثقافية الخاصة بكل مجتمع. فالتنوع هو احد القوى المحركة للتفاعل، و التفاعل هو أساس التطور العام، الذي لا يلغي الخصوصية.

الديمقراطية و سيادة القانون و ضمان حقوق الإنسان أصبحت اليوم قضايا عالمية و لم تعد شأناً داخلياً، و ما ضاعف من أهميتها واقع التطور التاريخي الإنساني المعاصر و زيادة وتيرة التفاعل بين القانون الدولي و القوانين الوطنية و نشوء القانون العالمي الموحد و الاعتماد المتبادل بين الدول.

بروز المشاكل و التحديات العالمية التي من غير الممكن حلها بدون جهود و تعاون كافة الدول، عملت على إيجاد شراكة واسعة للمصالح الأساسية للإنسانية. و هذه الشراكة بدورها من المفروض أن تؤدي إلى تغيير العلاقة بين المصالح القومية للدول و المصالح العامة على المستوى العالمي، في المقدمة بالذات من المفترض أن تبرز الثانية، لأنها مرتبطة بدرجة أساسية ببقاء البشرية. ضمان المصالح القومية في هذه المتغيرات لا يأتي إلا من خلال ضمان المصالح العامة. لكن في نفس الوقت يجب الأخذ بعين الاعتبار أولاً :أن أمتلاك الاقتصاد العالمي الأسس العامة و اكتساب العالم الشكل الموحد و التكامل المنظومي منذ نهاية الحرب الباردة لا يعني الانسجام و لا أختفاء جميع الصراعات، فالبنية الاقتصادية و السياسية للنظام الدولي متناقضة.

ثانياً: النظام العالمي الجديد الذي يقوم على أساس توازن المصالح القومية مع المصالح العامة، لا يمكن أن ينشأ عفوياً. من الضروري الأرادة السياسية والتوجه الواعي و الأرتقاء إلى مستوى المسؤولية العالمية من قبل دائرة واسعة من الدول. و هذه أحد أهم القضايا المعاصرة.

و ثالثاً: النظام العالمي مازال في طور التشكل. هل سيكون نظام متعدد الأقطاب لدول أو لتكتلات من الدول، هذا ما ستحدده المرحلة القادمة. و ما يمكن تأكيده هو أن النظام العالي الجديد لا يمكن إستيعابه إلا كنظام ديمقراطي. ليس بوسع أي دولة أن تحتكر حق اتخاذ القرار، جميع الدول تمتلك الحق في المشاركة و ضرورة ضمان المصالح المشروعة لجميع المشاركين في العلاقات الدولية، بغض النظر عن تنوعها، و التوصل إلى توافق هذه المصالح. موازين القوى يجب أن تحل محلها موازين المصالح، التي بإمكانها أن تكون أساساً لأستقرار النظام الدولي. و الوضع المهيمن للولايات المتحدة الإمريكية في الظروف الحالية نسبي و في تراجع، و لا يمكن أن يكون مطلق و دائم مع وجود اعضاء مهمين في المجتمع الدولي، مثل الأتحاد الأوروبي و روسيا و كندا و البرازيل و جنوب أفريقيا و الدول التي تتطور بشكل سريع كالصين و الهند، بالإضافة إلى تزايد دور المنظمات الدولية الغير حكومية و تنامي تأثير الرأي العام العالمي في العلاقات الدولية و على مستوى الدول. و الهيمنة الأمريكية تعتمد بدرجة رئيسية على القوة العسكرية التي ليست كافية على الغاء ضرورة التعاون الدولي مع هذه الدول أو تلك أو مع المجتمع الدولي.

رابعاً : بفعل أن النظام الدولي يمر بمرحلة انتقالية عادة في مثل هذه المراحل الخطيرة كما أشار كيسينجرفي كتابه ("النظام الدولي" 2015)، "الضوابط والقيود تختفي، ويصبح الميدان مفتوحاً لأكثر المساعي توسعية ولأكثر اللاعبين عناداً. والفوضى تعقب إلى أن يتم تأسيس ترتيب جديد للنظام". وهو تقييم واقعي تماماً ولكنه نسبي بالنسبة للمرحلة الراهنة من تطور العلاقات الدولية مقارنة بالمراحل السابقة.

اليوم يمر النظام العالمي بمرحلة من الاضطراب تشهد إعادة ترتيب للقوى بين مجموعة من الدول بما قد يزيد من مخاطر اندلاع المزيد من الحروب المحلية و حروب اقليمية و دولية بالوكالة.

الدول الكبرى، على ما يبدو باتت تستعد للمرحلة المقبلة التي يتوقع أن تشهد مواجهات بين الدول. فقد بلغ حجم الإنفاق العسكري في العام المنصرم و فقاً للتقارير الدولية تريليونًا و600 مليار دولار على مستوى العالم. وجاءت أمريكا والصين وروسيا والهند واليابان وألمانيا على رأس قائمة أكثر الدول إنفاقًا على شراء الأسلحة، و من الشرق الأوسط إسرائيل والسعودية.

اتساع دائرة الإرهاب على مستوى العالم أدى إلى تداعيات أمنية بالغة الخطورة على جميع الدول، و ظهور النزعات و الحروب الأهلية و الحروب الطائفية و العرقية، و فشل التنمية و تدهور الأحوال الاقتصادية و انتشار الفقر و البطالة و انتهاك حقوق الإنسان في البلدان الضعيف النمو و الأقل نمواً، بسبب غياب الحكم الرشيد و الفساد و المحسوبيات و الأستبداد أدى إلى أرتفاع اعداد اللاجئين و المهاجرين غير الشرعيين إلى معدلات غير مسبوقة و خطيرة، لها تداعيات اقتصادية و أمنية و سياسية و اجتماعية على الدول المقصودة، حتى أن مشكلة اللاجئين و الهجرة الغير مشروعة أصبحت معضلة أوروبية و دولية، مما أسهم ذلك في رفع مستوى النزعات القومية والشعبوية و بروز الأفكار الاستبدادية، و توسعت شعبية الأحزاب اليمينية بشكل ملحوظ، و تقلص نسبياً نفوذ الليبرالية الأمر الذي من شأنه أن يساعد في الميول أو العودة إلى حد ما نحو الدكتاتوريات شيئاً فشيئاً إذا ظلت الأمور على حالها. ناهيك على أن تنامي النزعة القومية في بعض دول أوروبا تهدد الهوية الأوروبية الموحدة.

أن تقديم المصالح القومية من قبل الدول و خاصة الدول العظمى التي تتحمل بموجب ميثاق الأمم المتحدة مسؤولية الحفاظ على الأمن و السلام الدوليين و الاستقرار العالمي أمام المصالح العامة و استغلال ظروف العولمة لتحقيق مكاسب لا تتجاوب غالباً مع المصالح العامة و عدم مراعات القانون الدولي في كثير من الحالات، أدى مؤقتاً إلى تراجع أو أبطئ أو عرقل من سير العملية الديمقراطية العالمية وأثر على حقوق الإنسان على المستوى العالمي و سيادة القانون و ساعد في تقوية التوتر و النزاعات العرقية و الطائفية و الحروب الأهلية و خاصة في أكثر الدول تخلفاً و التي زاد من تصاعدها و حدتها و تعقدها التدخل الخارجي.

جميع الدول العربية و أن كان بدرجات متفاوتة تعاني من الفساد و غياب الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و الحكم الرشيد. اليمن مقارنة ببعضها أن لم يكن غالبيتها كان يمثل حالة متقدمة نسبياً من حيث البدايات الديمقراطية كحرية الرأي و التعددية السياسية. لكن كانت و ما زالت المشكلة الرئيسية في اليمن الفساد المنظومي و المحسوبيات المناطقية و الأسرية و الحزبية و الإدارة السيئة التي أدت إلى الفقر و البطالة و تعثر التنمية و التطرف و ثقافة الكراهية و الأنتقام و أخيراً الحرب الأهلية العبثية و التدخل الخارجي و الأطماع الإقليمية و إهدار السيادة الوطنية و أحتمال أنهيار ما تبقى من مقومات الدولة بالكامل.

الثورات العفوية التي شهدتها العديد من الدول بما فيها اليمن، هي ثورات شعبية سلمية كانت تهدف إما إلى التخلص من أنظمة الفساد و المحسوبيات و الإدارة السيئة أو المطالبة بالأصلاحات الشاملة و جاءت ضمن السياق التاريخي لطبيعة التطور العالمي، و لكن تدخل الإسلام السياسي و الجهادي و القوى السياسية الأخرى العقيمة دون مشروع وطني عدا الوصول إلى السلطة أو تنفيذ لأهداف خارجية و تدخل دول إقليمية بشكل مباشر أو غير مباشرفي هذه الثورات افرغها من مضامينها الديمقراطية و السلمية و الاجتماعية و السياسية و حولها عن مسارها الحقيقي و ادخلها في دوائر من العنف أو في حروب كما حصل في اليمن تخدم مصالح دول إقليمية و دولية و مصالح أفراد و دوائر ضيقة من القوى السياسية المحلية التي لا تتطابق مصالحها مع المصالح الوطنية تماماً و أن بدأت كذلك.

و لهذا من الخطأ التعاطي من قبل بعض الساسة و الإعلاميين و غيرهم مع هذه الثورات الديمقراطية بأعتبارها مؤامرات خارجية و أن الإسلام السياسي هو من قام بها بتنسيق أو بدون تنسيق مع الدول الغربية و الولايات المتحدة بالذات، و هذا القول لا يعني عدم الأعتراف بالمشاركة بعد بدايات الثورات لقوى الأسلام السياسي و الأحزاب المشاركة الأخرى، التي تتطلع إلى تحقيق مصالحها الذاتية. و بالفعل الدول الغربية كانت على علم بالواقع السياسي و الأحتقان المجتمعي و غياب الآفاق الواعدة في تلك البلدان حتى أنها كانت تنصح بالقيام ببعض الأصلاحات الضرورية تجنباً لأي تعقيدات أو مخاطر سياسية مستقبلاً تهدد انظمة الدول الحليفة و الاستقرار في المنطقة، لكنها لم تكن تتوقع موعد حدوثها بسبب عدم وجود القوى الديمقراطية المنظمة و هذا ما جعل هذه الثورات بالنسبة لها مفاجئة و حتى للقوى السياسية المشاركة، و لم يفوتها الأوان حاولت أستثمار نتائج انتكاساتها بعقلانية بما يخدم مشاريعها في المنطقة و أستغلت أمريكا المزاج الديمقراطي للقضاء على بعض الأنظمة كما حصل في ليبيا على سبيل المثال.

و قبل الإشارة إلى العوامل التي ساعدة في بروز الإسلام السياسي في تلك الثورات من بين القوى السياسية الأخرى، يجب التفريق بين الإسلام كعقيدة دينية سمحاء و الإسلام كإيديولوجية لأحزاب سياسية أو لأنظمة حاكمة، و بين الثقافة السياسية العامة و الثقافة السياسية للنخب الحاكمة اللتان أحياناً لا تتطابقان.

ضمن العوامل التي ساعدت في بروز الإسلام السياسي بمختلف اتجاهاته سواءً كان في اليمن أو غيره من البلدان التي شهدت الحراك الديمقراطي يمكن إيجازأهمها بما يلي:

- البيئة الاجتماعية ومناهضة الإسلام السياسي للاستبداد والإستناد على الدين و النشاط الخيري الذي أكسبه شعبية و في نفس الوقت أعطاه شبكة اقتصادية عالمية خاصة و قوة اقتصادية.

- نجاح النموذج التركي. و تجدر الإشارة هنا إلى أن حزب العدالة و التنمية الذي و صل إلى إلى السلطة عن طريق الأنتخابات الحرة و النزيهة في ظل وجود الدولة الديمقراطية على الرغم من أصوله الإسلامية، إلا أنه لم يستخدم الإسلام كأيديولوجية سياسية لنظام الحكم و التزم بالمبادئ الديمقراطية. و في هذا يكمن سر نجاح حزب العدالة و التنمية. و هذا ما يجب أن تستوعبه أحزاب الإسلام السياسي العربية.

- استبداد و فساد الأنظمة و فشلها في تحقيق التنمية، و فشل المعارضة العلمانية من القوى القومية و اليسارية، و فقدان الأخيرة شعبيتها بعد انهيار النظام الأشتراكي في الاتحاد السوفيتي، و ضعف القوى الديمقراطية و الليبرالية و افتقارها للعمل المنظم.

بالنسبة لليمن فشل التجربة الأشتراكية أدى إلى تقلص شعبية الحزب الأشتراكي و ساعد في تمدد ونفوذ القوى الإسلامية بمختلف توجهاتها بما في ذلك بروز الأتجاهات الإصولية.

لكن لا يعني كل هذا أن شعبية الإسلام السياسي بمختلف اتجاته لم تتراجع. فقد نجح الإسلاميون المعتدلون في البروز سياسياً و في الأنتخابات التشريعية و الديمقراطية و لكنهم لم ينجحوا في القيادة السياسة و في فترات وجيزة من الزمن، مما كان لهذا انعكاساته على الشارع السياسي التي ليست من مصلحة الإسلام السياسي، و ذلك يعود إلى عدة أسباب أهما:

- صعوبة و تعقد المشاكل القائمة و غياب الخبرة السياسية في تحمل المسؤولية الفعلية و أنعدام التجربة في ادارة شؤون الدولة. فهم ربما يجيدون المعارضة و لكنهم لايجيدون فن قيادة الدولة، و ليس لديهم القدرة و المرونة في التعامل مع الأحزاب السياسية الأخرى و إيجاد صيغ للتحالفات البناءة عند وصولهم السلطة لأسباب فكرية و ليست عملية.

-الأعتقاد بأمتلاك الحقيقة المطلقة و جعل السلطة هدف و ليست وسيلة وعدم الأمتلاك لتصور محدد للمستقبل و الأهتمام بالقضايا الفكرية و أهمال القضايا الملحة، و أعطى الأولوية للصراعات الفكرية و الأخلاقية أمام القضايا الاقتصادية و الاجتماعية، على الرغم من حب دعاته لحياة الرفاهية.

- الأعتماد على الخطاب الديني الأنشائي دون أمتلاك المشاربع و البرامج و الخطط العملية و المحددة. و عدم القدرة في ترجمة الشعارات في الخطاب الديني إلى مشاريع سياسية ملموسة، و عدم تطابق الخطابات في المنابر مع الممارسات اليومية و أفتقارهم للمتختصصين في العلوم الإنسانية.

ممارسة حزب الأصلاح في اليمن في بعض الوزارات اظهرت فشله على الواقع العملي أثناء مشاركته السلطة مع حزب المؤتمر 1997م-2006م ، أو في مشاركته في الحكومة التوافقية أثناء المرحلة الأنتقالية .

و الحوثيون قدموا هم الآخر نموذج سيئاً في إدارة الدولة في اليمن. وما يميز حركة الحوثيين عن الإسلام السياسي هو أنها حركة دينية عسكرية مذهبية تقوم على إيديولوجية عقائدية فئوية على عكس الإسلام السياسي الذي تقوم ايديولوجيته على مفهوم الأمة.

أن تحقيق التنمية و الاستقرار الاجتماعي إلى حد ما في دول الخليج مقارنة مع الدول العربية الأخرى بسبب عائدات بيع النفط و الغاز الطائلة، و قيام بعضها ببعض الإصلاحات السياسية و الإجراءات الفورية الملحة كرفع الرواتب و إيجاد فرص عمل وغيرها، جنبها ذلك حراك التغيير، إلا أن ذلك لا يعني أنها آمنة. فانظمه الخليج السياسية تعاني من الانعدام المزمن للديمقراطية و أنتهاك حقوق الإنسان. و لا تتجاوب تلك الأنظمة مع آفاق طبيعة التوجه العالمي و هي بحاجة إلى إصلاحات سياسية فعلية. فالديمقراطية قد تضمن الحكم الملكي و الأسري، و لكن ضمن الملكيات الدستورية و لكن أيضاً في الوقت ذاته ستمنحه الاستقلالية الكاملة عن أمريكا. و هذا حالة أفضل بالنسبة للنخب الحاكمة من غيرها من الاحتمالات غير المتوقعة في المستقبل القريب. و التسويق للعلمانية بمفهومها الضيق " فصل الدين عن الدولة" يهدف إلى استبعاد الإسلام السياسي من أي مشاركة سياسية وإرضاءً للدول الغربية وتأكيداً على التوجه نحو الأنفتاح. و وضع الخطط الاقتصادية في السعودية و الترويج لحوار الحضارات و مكافحة الأرهاب و سيادة القانون هي إجراءات ضرورية و لكنها ليست كافية، و يجب أن تتجاوز تلبية المطالب الغربية انطلاقاً مما يلي:

- التوجه نحو التنمية الاقتصادية لا يجب أن يتم بمعزل عن التنمية السياسية، التنمية يجب أن تكون شاملة لا تقتصر على الاقتصاد دون السياسة.

- العلمانية بمفهومها التقليدي تعني فصل الدولة عن الدين - عن الكنيسة. و هذه الحالة كانت سائدة في أوروبا أثناء سلطة الكنيسة لما قبل معاهدة وستفيليا للسلام و ظهور الدول القومية. الكنيسة حينها أستخدمت الدولة لحماية سلطتها الدينية. في الدول العربية، الدول أو بالأصح النخب الحاكمة أستخدمت أو تستخدم الدين لحماية سلطتها و تحقيق أهداف سياسية. بل و حتى أمريكا غير المسلمة أستخدمت الدين عن طريق حلفائها و بمساعدة الإسلام الجهادي لمحاربة ما كان حينها يسمى بالخطر الشيوعي أثناء الحرب الباردة و نجحت في ذلك على سبيل المثال في افغانستان. و بالنسبة لبعض الأحزاب و الجماعات المعارضة تستخدم الدين هي الأخرى للوصول إلى السلطة، و في ما يخص بعض الأفراد الذين يحسبون أنفسهم على رجال الدين يستغلون الإسلام للحصول على منافع شخصية ليس لها علاقة بالدين سوى الإثراء أو التكسب المادي غير المشروع. فهم بشكل واضح يتناقضون بين ما يدعون له من المنابر و ما يمارسونه على الواقع و اعطاء الفتاوى حسب الطلب و حسب المصالح. ففي هذه الحالات العربية يجب أن يكون الحديث عن استقلال الدين عن السياسة و المصالح الشخصية، لأنه لا توجد دولة دينية إسلامية حتى يمكن الحديث عن استقلال الدولة عن الدين. فالترويج للعلمانية في المنطقة العربية هو للأستهلاك الأعلامي و الدعائي و أقصاء الإسلام السياسي من المشاركة في الحياة السياسية و مغازلة الغرب، و ليس له علاقة بالديمقراطية من أساسة.

- توجد 15 دولة علمانية دستوريا أغلب سكانها مسلمون، و كثير منها تعاني من أنتهاك حقوق الإنسان و غياب الديمقراطية و الفساد المنظومي و الفردي. فليس كل دولة علمانية هي ديمقراطية، و إنما من المؤكد أن يكون العكس تماماً.

- توجد دول تنص دساتيرها بأنها دول اسلامية و دول لا تشير بدساتيرها بذلك و جميعها دول استبدادية.الأنظمة العربية الحالية، مهما اختلفت أشكالها ومظاهرها، وما يكتب في دساتيرها و ما يردد في إعلامها الرسمي، فهي ليست ديمقراطية ولا دينية، وإن كانت بنسب متفاوتة.

أن المرتكز الأساسي للمشروع العلماني الإماراتي و المشروع السعودي و الخليجي بشكل عام لحوار الحضارات و سيادة القانون يجب أن يقوم على أساس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كونه يمثل الحد الأدنى للتلاقي الثقافي و الحضاري لجميع الديانات و ثقافات الشعوب و يشكل أساساً للديمقراطية و التنمية الدائمة و المستدامة و الانفتاح على العالم و الحوار داخل و ما بين الحضارات، أو بالأصح التفاعل الحضاري على كل المستويات. و سيادة القانون لن تسود إذا لم تكن حقوق الإنسان و حرياته مشمولة بالحماية.

الولايات المتحدة و الدول الغربية عامة و أن كان بمستويات مختلفة حتى في ظروف الأنتقال العالمي إلى النظام الجديد مازالت تتعامل مع المتغيرات الدولية و تأثيراتها على المنطقة بما تمليه مصالحها الاقتصادية و الأمنية، و لا تهتم بقضايا التطور الديمقراطي في هذه البلدان إلا بما يخدم مصالحها القومية الأستراتيجية. و هذا ما هو ملاحظ سواءً من خلال ربط مشروع الديمقراطية بالعالم العربي فقط بالقضاء على التطرف والارهاب والاعتقاد بأن غياب الديمقراطية قد ادى الى نشوء الايديولوجيات المتطرفة، أو الأهتمام بالأصلاحات الضرورية من أجل استمرارية الأنظمة الأستبدادية الموالية. فأولويات السياسية الأمريكية فيما يتعلق بالمنطقة العربية تقوم على المحددات التالية:
_ مكافحة الأرهاب.
_ الحفاظ على المصالح الأمريكية و دعم استقرار الأنظمة الأستبدادية الحليفة و العمل على تغيير الأنظمة المناوئة و محاولة الهيمنة على مصادر الطاقة والتحكم في مجريات الأمور بما يخدم تلك المصالح.
– مواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل.

الولايات المتحدة، حريصة على استقرار منطقة الخليج لما لها من أهمية عالمية و ما تحتويه من مصادر الطاقة، و لكي تضمن من خلال ذلك "استقرار" تدفق النفط و وصول الغاز من الخليج إلى الأسواق العالمية، وهي تخشى من أي تغييرات و لو نحو الديمقراطية ليس فقط إلى احتمال فقدان حقها المكتسب في احتكار اتخاذ القرار في المنطقة و المنافع الأقتصادية و المالية التي تجنيها من خلال تقديم الحماية لتلك الأنظمة، و إنما الأمن و الاستقرار السياسي، خاصة و تقريباً غالبية دول الخليج لا يوجد فيها معارضة قوية و منظمة قادرة على قيادة البلدان في حال انهيار الأنظمة و سيكون الوضع فيها نتيجة لذلك أسوأ بكثير مما هو حاصل في ليبيا. في الوقت ذاته العمل على إجراء تحولات نحو الأنفتاح في البلدان المنغلقة التي تستثمر الإسلام الذي يؤدي في النتيجة إلى ظهور اتجاهات جديدة جهادية معادية لأمريكا.

وما تغير في ظل التحولات الدولية فقط هو الوظيفة الرئيسية للدول التي ما زالت حليفة للولايات المتحدة. فإذا كانت و ظيفتها الرئيسية في فترة الحرب الباردة الوقوف أمام ما سمي بالتمدد الشيوعي و الحد من نمو الحركات القومية و اليسارية المناهضة للمصالح الأمريكية في المنطقة، فبعد فترة الحرب الباردة اصبحت الوظيفة الرئيسية مكافحة الأرهاب و التطرف. و تغيرت إيضاً طريقة التعامل مع تلك الأنظمة، ففي فترة الحرب الباردة دعمت أمريكا أنظمة عديدة بغض النظر عن طبيعتها في سياق المواجهة ضد الخطر الشيوعي على أسس ايديولوجية. و اليوم أضحت علاقة برجماتية خالصة، مما جعل تكلفة الحماية للأنظمة باهظة الثمن. و هذا يبدو واضحاً في علاقة ترامب مع دول الخليج و خطابته الواضحة و الصريحة بهذا الشأن.

و قضايا الإصلاح السياسي و التغيير في المنطقة العربية أضحى مسألة استراتيجية للدول الغربية بشكل عام منذ أحداث سبتمبر 2011م تحديداً. و هذا بدا واضحاً من خلال مبادرة الشرق الأوسط الكبير التي قدمتها امريكا عام 2002م، و المشروع الأوروبي في وثيقة اعادة تنشيط أعمال الأتحاد في حقوق الإنسان و الديمقراطية عام 2003م.

الولايات المتحدة و جميع الدول الغربية أيدت ثورات التغيير الديمقراطية التي حدثت في عام 2011م في المنطقة العربية وأن تباينت مواقفها، و كانت تدرك جيداً أن المستقبل السياسي لإدارة الدول في تلك البلدان في ظل ضعف القوى اليسارية العلمانية سيكون لقوى الإسلام السياسي بمختلف مسمياته، فهو ليس فقط أكثر تنظيماً، و إنما أكثر شعبية نتيجة للأنشطة الخيرية و غياب دور الدول في مجال الرعاية الاجتماعية و الاعتبارات التي وردت سابقاً. و قد توافق الخطاب الرسمي الأمريكي و الأوروبي حينها في اتجاه تبني سياسة قبول الأسلام السياسي المعتدل بمختلف توجهاته كفاعل و شريك محتمل في المنطقة العربية مع امكانية أدماجهم في الحياة السياسية. فحسب الرؤية الغربية و خاصة الأمريكية وصول الإسلام السياسي المعتدل إلى السلطة من ناحية سيقلص نفوذ الإسلام المتطرف و سيجعله يواجه المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية المتراكمة و المعقدة، و الذي ليس بمقدوره معالجتها أو الحد منها من دون المساعدة الغربية والأنفتاح على العالم الخارجي و القوى السياسية الفاعلة والتخلي عن التشدد الأيدلوجي، و من ناحية أخرى سيضعه في صراع مع الجهاد الإسلامي، الذي يطالب بتطبيق الشريعة و العودة إلى الخلافة الإسلامية مما يجعل الصراع داخلي بين المسلمين أنفسهم و ليس مع أمريكا و الغرب، الأمر الذي من شأنه تقليل التهديدات على الغرب، و تقليص المبررات للأسلام السياسي في مواجهة أمريكاعلى وجه الخصوص.

إضافة إلى ذلك جعل المشكلة الرئيسية للإسلام السياسي" القائمة على فكرة ان الاسلام دين ودولة" مع المجتمعات التي نشأت فيها و ليس مع الغرب من خلال رفع الدعم السياسي للدول التي تعاني من مشاكل الإسلام السياسي و التطرف مما يعمل ذلك على تحجيم مشكلة الإسلام و حصره في مجتمعاته و ليس مع الغرب و الأكتفاء فقط بتقديم الخدمات اللوجستية و الظربات الجوية عند الضرورة. و قد ظهر هذا و اضحاً على سبيل المثال من خلال الصراع بين تيارات الجهاد الإسلامي نفسه ­ بين تنظيم الدولة "داعش" الذي يتبنى مشروع دولة الخلافة و جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة التي تتبنى مشروع مواجهة أمريكا بصفتها الداعم للأنظمة الأستبدادية في المنطقة، أو الصراع بين السنة و الشيعة، أو السلفيين و الأخوان ...الخ

الدول الغربية و الولايات المتحدة بدرجة رئيسية كانت على دراية كاملة سواءً بضعف ثورات الحراك الديمقراطي المتمثل بعدم وجود قيادة سياسية منظمة أو ضعف الإسلام السياسي لأفتقاره برامج و خطط عمل و رؤية موضوعية. و كانت تدرك جيداً بأن الإسلام السياسي ليس بمقدوره أو عدم استعداده لأي تحولات ديمقراطية جذرية. هذا الضعف في الجانبين استغلته أمريكا لتوجيه العملية السياسية و التحكم بمساراتها لما يخدم مصالحها وشكل هذا الضعف المزدوج أحد مكونات ما يسمى بالفوضى الخلاقة على مستوى المنطقة العربية، و نجحت في ذلك إلى حد كبير.

و كل ما ورد يفسر الموقف الأمريكي المتعدد المعايير من قضايا الديمقراطية و الإستبداد، والتعامل المتباين، في كلٍ من العراق و سوريا و اليمن و ليبيا و مصر.

المملكة العربية السعودية ظلت و مازالت تخشى وجود دولة قوية وديمقراطية على الجانب الآخر من حدودها و هذه عقيدة سياسية قديمة تم صياغتها منذ نشأت الدولة السعودية. و هذه العقيدة السياسية فقدت حيوتها في ظل المتغيرات العالمية و هي بحاجة إلى مراجعة موضوعية.

من المؤكد بأن للسعودية و الأمارات أهداف و خطط محددة تتعدى وقف التهديدات الأيرانية المحتملة في اليمن، و هذا ما يبدو واضحاً حينها من عدم التحرك سواء لدعم الأنتقال السياسي في الوقت المحددة بموجب المبادرة الخليجية أو وقف ممارسات الحوثيين و منعهم أنذاك من التقدم العسكري و خاصة في دماج و عمران قبل أجتياح صنعاء عندما كانت أمكانياتهم العسكرية محدودة للغاية، خاصة و العلاقة مع ايران بدأت منذ سنوات و تم ضبط شحنات من الأسلحة الإيرانية عدد من المرات أو في تشجيع الفساد و المحسوبيات داخل حكومة الشرعية لاحقاً.

كثير من المعلومات المتداولة تؤكد أن السعودية و الإمارات ساعدوا الحوثيين في إجتياح صنعاء في سبتمبر 2014م هذا على المستوى الإقليمي، و على المستوى اليمني جميع القوى السياسية التي تتصدر اليوم المشهد السياسي و العسكري في اليمن بإستثناء حزب الاصلاح، و كان كل طرف له حساباته و خططه و أهدافه و مصالحة. فالسعودية و الإمارات أرادت من الحوثيين مواجهة الجماعات الإرهابية التي تشكل خطر على الأمن الدولي و هذا يتجاوب مع الرغبات الأمريكية، و إزاحة حزب الأصلاح من العملية السياسية من خلال العمل العسكري الذي بالتالي سيضعف الطرفين - حزب الإصلاح و الحوثيين غير المرحب بوجودهما في المستقبل السياسي لليمن و إضعاف مؤسسات الدولة اليمنية. أما إيران التي قيل أنها نصحت الحوثيين من عدم مغامرة اقتحام العاصمة إلا أن مصلحتها بالطبع أن يسيطر الحوثيين على اليمن بالكامل لأعتبارات سياسية و إيديولوجية تخدم التوسع الخارجي الأيراني.

مما يعني هذا أن الهدف الرئيسي للتدخل العسكري في اليمن للتحالف بقيادة السعودية ليس استعادة الدولة كما هو معلن عنه، و إنما لأهداف سياسية و أستراتيجية نورد منها ما يلي:

-الوقوف أمام التهديدات لدول الخليج التي أصبحت قائمة من جراء انتزاع الحوثيين السلطة بالقوة المرتبطين و المدعومين من أيران المنافس الإقليمي الرئيسي للسعودية، و خاصة بعد محاولتهم السيطرة على كامل الأراضي اليمنية بدلاً من ما كان متوقع حدوثه.

- تحقيق رغبات توسعية استراتيجية في اليمن لأهمية اليمن الجغرافية و السياسية، ظلت مشاريع غامضة منذ ما قبل ثورة التغيير، و برزت الفرصة في تحقيقها بعد فشل القوى السياسية اليمنية في قيادة المرحلة الانتقالية. و تبرز هذه الأهمية بما يلي:

1- اليمن كما هو معروف يقع في جنوب غرب آسيا بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية. ويحده من الشمال السعودية ويبلغ طول الشريط الحدودي بين البلدين 1500 كم تقريباً و 288 كم مع عمان من جهة الشرق. ومن الجنوب بحر العرب والغرب البحر الأحمر وتمتد الجبهة البحرية لليمن على مسافة قدرها (2500 كم) و سواحل اليمن طويلة نسبيا، مما جعل مختلف المناطق السياحية قريبة من السواحل. واليمن بحكم موقعه الجغرافي يطل بصورة مباشرة على مضيق باب المندب الذي يعد من أهم الممرات المائية في العالم، الذي يربط المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ومما يضاعف من أهمية موقع اليمن انتشار جزرها البحرية في مياهها الإقليمية على امتداد بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر.

2- المحيط الهندي الذي يقع في متوسط العالم، ويلامس بصورة مباشرة 37 دولة أصبح اليوم مسرحاً لصراع قوي بين الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا من جهة، والصين و روسيا من الجهة الأخرى. وهذا ينطوي على رهانات استراتيجية في هذه المنطقة البحرية. و بحر العرب وخليج عدن امتدادا طبيعيا للمحيط الهندي، مما يعني أن الصراع على المحيط الهندي يزيد من الأهمية الاستراتيجية لليمن .

3 - بالإضافة إلى الموارد الطبيعية و الفرص الاقتصادية الواعدة، اليمن يمتلك إمكانات لم تستغل حتى الآن لتوفير مجموعة بديلة من طرق الشحن العابر للنفط والغاز لتصدير النفط السعودي، بحيث لا تمر عن طريق إيران ومضيق هرمز، و هذا ما أشارت إليه بعض المواقع الغربية. و الخوف من الحصار الإيراني لمضيق هرمز الذي سيكون له تأثيرات كارثية على الاقتصاد العالمي هاجس دولي منذو سنوات.

و أنشاء خط أنابيب عبر حضرموت اليمنية سيمكن السعودية و حلفاءها من دول الخليج وصولاً مباشراً إلى خليج عدن و المحيط الهندي، دون العبور بمضيق هرمز، الذي يمكن أن يغلق و لو بشكل مؤقت إذا ما حصلت مواجهة عسكرية مع إيران في المستقبل، كما أن تأمين الطريق لبناء خط أنابيب من خلال حضرموت أستراتيجية طويلة المدى للسعودية. و من هنا تأتي أهمية حضرموت للمملكة.

اليمن له أهمية بالغة لأمريكا، ليس لأنه غني بالنفط والغاز، بل بسبب موقعه الجيوستراتيجي وهذا ما أكدت عليه هيلاري مان لافيريت، الباحثة بشؤون الشرق الأوسط سابقا لدى وزارة الخارجية الأمريكية في أحدى المقابلات مع شبكة "سي إن إن" حول الأوضاع في اليمن حينها مع بداية الأحداث.

و لهذا تسارع الأحداث في اليمن والتدخل السعودي و حلفاءها ضد الحوثيين، جاء بدعم أمريكي مباشر، لان الأوضاع في اليمن كانت مهيأة لسيطرة الحوثيون، المدعومين من إيران كما اسلفنا على أجزاء كبيرة من اليمن بما فيها المناطق المواني البحرية ذات الأهمية العالمية.

و التطلعات السعودية و الإماراتية غير المشروعة نحو اليمن عرفت بنفسها من خلال بعض التصرفات و الممارسات سواءً على سبيل المثال في حضرموت و شبوة من قبل السعودية أو في عدن و سقطرة من قبل الإمارات.

غياب المشروع الوطني اليمني من بين أجندة التحالف يظهر و اضحاً من خلال الممارسات على الواقع العملي و المواقف السياسية و سير المعارك العسكرية. و غياب الرؤية المستقبلية الخليجة تجاه اليمن تظهر من خلال الخلافات السعودية الإمارتية بصفتها الدولتان التي تقودان التحالف، التي من الممكن إيجازها استناداً إلى الباحث الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط "ستيفان لاكروا" في تقرير نشره موقع أوريان 21 الفرنسي حول ما يلي:

- مشاركة حزب الإصلاح في الحرب، فإن كانت السعودية قادرة على التحلي بالواقعية، فإن الإمارات تظل متمسكة بالعقائدية أي السلوك الأيديولوجي
- التصورات لفترة ما بعد انتهاء الحرب، "فالدولتان تختلفان فيما يتعلق بالنموذج السياسي".
- شرعية هادي لما له من علاقة وجودية سياسية بحزب الإصلاح
- معالجة الملف اليمني سياسياً

و ما حصل مؤخراً حول جزيرة سقطرى من توتر سياسي بين الشرعية و دولة الإمارات نتيجة التصرفات الإماراتية الغير مبررة و الإستفزازية لا يعني عدم وجود توافق سعودي أمارتي، و لا يلغي في نفس الوقت وجود أختلاف في التفاصيل. زد على ذلك أن الخلافات المعلنة و المخفية بشأن الحدود و النفوذ بين السعودية و الأمارات موجودة منذ ما قبل التدخل، فكلا الدولتان يسعيان إلى زيادة نفوذهما في المنطقة وكلٍ له أهدافه و استراتيجياته و هذه مسألة طبيعية في العلاقات الدولية و لن نتناول هذا المسألة لأنها موضوع مستقل بحد ذاته.

جزيرة سقطرى يمنية و لا يوجد أي نزاع حول سيادتها بين اليمن و الأمارات، و هذه حقيقة ليست قابلة للجدل، و ضم الجزيرة من قبل الأمارات في هذه الظروف غير و ارد على الإطلاق لأن هذه مسألة غير ممكنة في العلاقات الدولية المعاصرة و سيكون إذا ما حصل خرقاً واضحاً لا لبس فية للمبادئ الأساسية الآمرة للقانون الدولي. و هذا لا يعني أن الأمارات لا تتطلع إلى تحقيق هذا الهدف، و لكن ليس بالطرق التقليدية لأن هذا مستحيل، و إنما من الممكن من خلال مايلي:

أولاً: إيجاد نفوذ لها بإنشاء و حدات عسكرية موالية و شراء الولاءات و كسب ود المواطنين من خلال تقديم مختلف المساعدات و القيام ببعض المشاريع. ثانياً: من خلال الدفع نحو الانفصال في حالة قيام دولة اتحادية في اليمن عامة أو في الجنوب على وجه التحديد، التي بكل تأكيد ستكون هشه في كلتى الحالتين و التي ستواجه مختلف المشاكل و ستعجز عن الحفاظ على الاستقرار، و سيتحقق ذلك من خلال العمل على المطالبة بالاستفتاء تحت شعار حق تقرير المصير. و سيلعب بعد موقعها الجغرافي عن اليابسة و وجود اللغة اليمنية القديمة الخاصة التي يتحدث بها سكان الجزيرة إلى جانب اللغة العربية و التنوع الثقافي دوراً في هذا الاتجاه. و ليس مهماً الاعتراف الدولي، و إنما الأهم خروجها الفعلي عن السيادة اليمنية و دخولها تحت النفوذ ألإمارتي. و هذا هو الهدف النهائي. و أحتلال أيران للجزر الإمارتية نموذجاً، و أن أختلفت الوسائل و الظروف الزمانية و المكانية. و هذا ما استشعرت خطورته الحكومة الشرعية اليمنية حتى أنها حاولت التحرك من خلال الأمم المتحدة بهذا الشأن. لكن تسوية الأوضاع من حيث المبدأ، لا يعني أن الإمارات قد تراجعت عن تحقيق هدفها.

و بكل شفافية و موضوعية مشروع الفدرلة اليمنية يتجاوب مع التطلعات السعودية و الإماراتية في اليمن و لا يتجاوب مع المصالح الوطنية اليمنية، الفدرلة المخطط لها هي أضعاف للدولة اليمنية و بالتالي أضعاف للسيادة الإقليمية من أجل استقطاع أراضي يمنية أو مد النفوذ إليها و السيطرة على المنافذ البحرية اليمنية، فالسعودية بدرجة أساسية تتطلع إلى حضرموت و الجوف و شبوه و الإمارات إلى المواني البحرية و الجزر و خاصة سقطرى. فالسعودية أكبر أو ستبقى من بين أكبر مصدري للنفط في العالم و تتطلع إلى أن تكون دولة إقليمية، و الأمارات تمتلك موانئ دبي العالمية التي تعتبر واحدة من أكبر مشغلي الموانئ في العالم. وهي متخصصة في مجال المواصلات البحرية والبرية والجوية والخدمات اللوجيستية المتعلقة بهذه القطاعات، و الساحل اليمني و خاصة جزيرة سقطرى تحمل أهمية استراتيجية في هذا الاتجاه و تسعى هي الأخرى إلى دور إقليمي مؤثر. و مدينة عدن؛ يرى فيها الأماراتيون امتداد طبيعي للمرافق الساحلية لدبي، وهو ما سوف يمنحهم سهولة الوصول إلى المحيط الهندي، وبديلا لمضيق هرمز الذي تتشاركه بصعوبة مع إيران هي ودول الخليج الأخرى.

بالأمكان الآن أعلان الأنفصال في الجنوب، لكن هذا ما لا تريده الأمارات. الهدف ليس تقسيم اليمن إلى شمال و جنوب، و إنما إلى ستة أقاليم لأضعاف بنية الدولة من جهة مما يسهل تحقيق الخطط التوسعية و من جهة أخرى لعزل الحوثيين عن المناطق الساحلية. و هذا ما يفسر دعم الفدرلة على الرغم من مخاطرها على دول الجوار.

والفدرلة ستكون فاشلة و مؤقتة، لأن الفدرالية الناجحة تهدد السلامة الإقليمية لدول الجوار لأنها ستكون نموذجاً للنزعات نحو الفدرالة في دول مهيئة بطبيعتها الاجتماعية و السياسية و الثقافية للنظام الفدرالي .
فاشلة بسبب غياب مؤسسات الدولة الديمقراطية ووجود قوى الفساد و المحسوبيات و الإدارة السيئة التي تسيطر الآن على الوضع السياسي و ستكون هي المستفيدة و المسيطرة على الكيانات السياسية المناطقية أو ما تسمى بالأقاليم.

- الفدرالية الفاشلة المطلقة ستكون لها أنعكاسات سلبية أمنية على دول الجوارلأنها ستهيئ أفضل المناخات للتطرف و الأرهاب خاصة و أن الآلاف من الشباب اليمنيين و الأطفال اصبحوا لا يجيدون إلا فنون القتال. و هذا مالم يقبل به الغرب و خاصة أمريكا. و يبقى أنها تكون مؤقتة مهمتها محدودة فقط بتلبية التطلعات الإماراتية السعودية في اليمن مع تحولها إلى دويلات "لما ما قبل الدولة" متناحرة بسبب التباينات في المواردو مشغوله عن العالم الخارجي و المحيط الإقليمي في توضيح علاقاتها البينية.

-الإمارات تؤيد الأنفصال و لكن ليس بدولة موحدة و قوية لا تمكنها من السيطرة على المواني و السواحل اليمنية و أرخبيل سقطرة. و من مصلحتها أيضاً قيام دولة فدرالية في الشمال مع و جود دويلة على حدود المملكة.

و بأختصار الفدرلة هي عبارة عن خصخصة للدولة اليمنية بين قوى لا تعبر عن إرادة الشعب و تطلعاته و قوى إقليمية لا يهمها إلا مصالحها القومية بلا عقلانية.

بكل تأكيد وحدة اليمن تحمل أهمية أستراتيجية تتجاوز الحدود اليمنية لما لها من تأثير كبير لتحقيق التنمية و الأستقرار المستدامين للشعب اليمني في الجنوب و الشمال، و لكن يستحيل الحفاظ على وحدة اليمن من دون دولة ديمقراطية و خاصة في هذه الظروف، و وجود دولة ديمقراطية لا يمنع مطلقاً من شكل الدولة الفدرالي "الذي سيكون ناجحاً" أو قيام دولتين مستقلتين في الجنوب و الشمال مستقبلاً. و لكن الفدرلة لليمن في ظل هذه الظروف "ضعف البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية و غياب القيادة السياسية المؤهلة و مؤسسات الدولة الديمقراطية"مسألة في غاية الخطورة، و الأفضل قيام دولتين مستقلتين في الشمال و الجنوب بناءً على الأستفتاء الذي يخير الشعب على مستوى كل شطر بين دولة لا مركزية ذات أقاليم على غرار جنوب أفريقا أو قيام دولتين مستقلتين. لأن هذا سيساعد على الحفاظ على السيادة اليمنية على الأقل في جزئين. و ثانياً العملية الديمقراطية ستكون أسرع في ساحة جغرافية متكاملة على مستوى كل شطر من ستة دويلات مناطقية قروية متناحرة، بالإضافة إلى أن قيام دولتين مستقلتين سيخلق نوع من التنافس، و أن كان في نفس الوقت ستشهد العلاقة بين الدولتين كثير من التوتر و لكنه لن يكون أخطر من التوتر في دولة اتحادية.

أن هزيمة الخطط الإيرانية في اليمن و مواجهة خطر الإسلام السياسي على دول الخليج، لا يأتي إلا من خلال انتصار المشروع الديمقراطي المتمثل ببناء الدولة الليبرالية في اليمن (الدولة التي تحترم و تضمن حقوق الإنسان و سيادة القانون). و القضاء على ظاهرة الإرهاب لا يمكن أن يكون إلا من خلال حل المشاكل التي أوجدته، لأن التعامل الأمني واستخدام القوة يعتبر إجراء وقائي مؤقت. أن بناء الديمقراطية و إقامة العدالة الاجتماعية و ضمان حقوق الإنسان و القضاء على الفساد هي المنطلق الصحيح و الفعال نحو القضاء على ظاهرة الإرهاب نهائياً في اليمن. و تأمين الممرات البحرية الدولية لا يأتي إيضاً إلا من خلال وجود دولة يمنية قوية و ديمقراطية

ما يتميز به اليمن بالإضافة إلى الإرث الحضاري هو أنه أكثر أنفتاحاً و تقبلاً للحداثة. فاليمن من الناحية التاريخية كان من أقدم الشعوب التي عرفت نظام الدولة، و من الناحية الدينية أحتضن اليهودية و تقبل بالمسحية و آمن و نصر الإسلام، و من الناحية السياسية و الاجتماعية و الثقافية يتطلع كغيره من الشعوب للعدالة و المساواة، فعندما قدم النظام الاشتراكي للعالم نفسه في فترة من الفترات التاريخية بأنه الأفضل حينها في تحقيق العدالة و المساواة و مكافحته الاستعمار و العنصرية حاول اليمينيون بناء الدولة ذات التوجه الاشتراكي بقيادة حزب سياسي يتبنى "الاشتراكية العلمية"مع الحفاض على الهوية اليمنية و الدينية، و كان هذا لأول مرة في في تاريخ المنطقة. و الشعب اليمني يتطلع الآن إلى بناء الدولة الديمقراطية و المشكلة في القوى السياسية اليمنية التي تتصدر المشهد اليمني. و على جميع الأشقاء في دول التحالف استيعاب هذه الحقيقائق التاريخية. استيعاب هذه الحقيقائق سيخدم مستقبل العلاقات اليمنية الخليجية و العربية و الاستقرار في منطقة الخليج.


تطلعات الأمارات و السعودية في اليمن و حل الخلافات المرحلية و الأستراتيجية المخفية و العلنية القديمة و المؤجلة و القادمة الحدودية و غيرها بين الأمارات و السعودية بالإضافة إلى المخاوف السعودية من قيام دولة يمنية قوية و التهديدات الديمجرافية الأسيوية و غيرها للهوية الإماراتية، و ضمان المصالح المشروعة لجميع الأطراف يمكن حلها من خلال قيام دولة اتحادية بين اليمن و الأمارات و السعودية، شعوب هذه البلدان تشترك في كثير من مقومات الدولة الواحدة بالأضافة إلى التاريخ و الثقافة و الدين و اللغة و المصالح المشتركة و العمق الحضاري. و التنوع في أنظمة الحكم ليست مشكلة. و وجود دولة ديمقراطية في اليمن سيمنع أي تهديدات محتملة من الإسلام السياسي، و سيقضي نهائياً على تطلعات إيران تجاه المنطقة.



#رياض_طه_شمسان (هاشتاغ)       Reyad_Taha_Shamsan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضية اليمنية و مسؤولية مجلس الأمن الدولي
- شرعية ومشروعية السلطة و اشكاليتها القانونية و السياسية في ال ...
- محاور التسوية البناءة للأزمة اليمنية
- التدخل الإنساني في اليمن ضرورة أخلاقية و مسؤولية قانونية
- التحولات العالمية و الواقع اليمني
- التشكيلة السياسية للمشهد اليمني و آفاق المستقبل
- تفاصيل الأزمة اليمنية و مساراتها
- اليمن وقضية بناء الدولة و مسألة الانضمام لمجلس التعاون
- اخطاء المرحلة الأنتقالية في اليمن و آفاق الحل السياسي
- الدوافع الرئيسية لعاصفة الحزم و الصفة القانونية
- دستور الدولة المدنية الحقوقية و كيفية الوصول إلى حل الأزمة ا ...
- الأسباب الحقيقية لأجتياح صنعاء و المخارج العملية لمنع الأنهي ...
- التبعات القانونية و السياسية لعدم انتهاء مؤتمر حواراليمن الو ...
- مفهوم شكل البناء الأداري لأقليم الدولة والأشكالية في بناء ال ...
- نهاية الشرعية الوطنية والصلاحيات الدولية للسلطة السياسية في ...
- الواقع السياسي في مصر وغيرها من بلدان النظام الأنتقالي والمع ...


المزيد.....




- بعدما حوصر في بحيرة لأسابيع.. حوت قاتل يشق طريقه إلى المحيط ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لأعمال إنشاء الرصيف البحري في قط ...
- محمد صلاح بعد المشادة اللفظية مع كلوب: -إذا تحدثت سوف تشتعل ...
- طلاب جامعة كولومبيا يتحدّون إدارتهم مدفوعين بتاريخ حافل من ا ...
- روسيا تعترض سرب مسيّرات وتنديد أوكراني بقصف أنابيب الغاز
- مظاهرات طلبة أميركا .. بداية تحول النظر إلى إسرائيل
- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض طه شمسان - الواقع الدولي و المشهد اليمني: مقاربات سياسية و أمنية