أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وئام الحلبي - -بشر من الدرجة الثالثة-















المزيد.....

-بشر من الدرجة الثالثة-


وئام الحلبي

الحوار المتمدن-العدد: 5904 - 2018 / 6 / 15 - 17:25
المحور: الادب والفن
    


لم أجاهر برغبتي بالبوح ساعة لثمة ذقني وعنقي، صاحب العطر الغريب والانامل المتسربلة ببطئ داخل شعري، ليس اللسان ما يتحرك بتلك الطريقة، إنما الطريقة التي قرر بها خوض المبادرة مع جسدي، اول مكان قرر لثمه كان باب شهوة لم يكن باب حنان او مشاعر ، بدا ذكيا جدا ليقرر مصير علاقة لم تبدأ. وكما قال درويش ولن. أعتصرت جانبا كعقرب لم يجد من يقرصه داخل نيرانه فقرص نفسه، مازلت أجبن لأقود ثورة بسيطة، كثورة قبلة!
طأطأ رأسه ساخراً، متأملاً قلما يتمايل بين يديه كأمرأة بلحظة الغواية، بصوته الرزين المنمق والفاضه المحددة بعناية لا الوان فيها الا لون واحد لا لون رمادي بتعابيره "لست مسؤول عن فعل طالما خرج من أفكاري ومبادئي، لست مسؤول عنه عندما ينغمس عبثاً مع افكارك ومبادئك، ذلك الخليط لا يعنيني، طالما عنيت ما أقول عليكِ فلترة كلماتي ومبادئي من كلماتك ومبادئك"
بدت الغرفة أضيق الألوان أغمق، الأصوات عبثية باهتة، تمتزج بروائح مبهمة، سائلا ما أرتفع من معدتي للأعلى، ابتسمت كطفلة لم تفهم توبيخا جليا وواضحا جدا، قاومت رغبتي بالتقيؤ، كل ما اشتهيته صوتك، شعورا يخامرني حينما اجالسك، اشيائا تطفو هنا وهناك ساعة لقياك، هموما تختبئ حيثما لا ادري ساعة رؤياك، لم اكن أشتهي مستقبلا لا أملكه، اكتفيت بالابتسام عضضت على شفتي خوفا من كلماتي ان تتسرب مني عنوة، اتخذت من خطواتي سبيلا للخروج للهروب من عيناه، من تجنيه بأطلاق احكام عبثية تستقصد اهانة شعورا خامرني دون سلطة مني عليه.
لم يظهر المصعد أي علامات تلقيه أية أوامر، بدا صلباً، جلفاً، متيبساً، كحال زوجي يومياً، كحال أحلامي التي تسربلت من بين أصابعي ، انساب عطره من خلفي ، الذي لم يبارح كف يدي، لم التفت بنية إظهار عدم الأكتراث رغم توقي لنظرة وداع، لو ملكت جرأة بوشكين لكنت استدرت وطوقت عنقه بيدي وقبلته، لكنت اخبرته اقتباسا عنه "لقد احببتك بصمت، بلا امل، بكل خجل، ومع ذلك مزقتني الغيرة" غيرتي التي ابتعلها وأكظمها بأبتسامة صفراء وعيونا تتوق لنوم لا استيقاض بعده، صعدت المصعد بعد معاناة كأمرأة هرمة، تبرر بطئ حركاتها وتنسبه لعمرها، وقف امامي، وأزيز فتّح الباب كنعيق غراب، كان من الممكن أن اسلك باب خروجي من الدرج، إلا أنني اشتهي عطره المتسرب من خلفي، ابتهل لفرصة عجز المصعد لأبرر وقوفي لمدة أطول.
خرجت من المصعد بهدوء، قاتلة نفسي هذا لقب استحقه، ابحث عن الأوجاع وأركض لاهثة لألتهمها، كثيرة الاشياء التي اشتهيها واعلم كم الأوجاع التي تنتظرني عند خط النهاية، لا اعلم من قال اللقاء ليس إلا بداية للبعد لكنه كان صائب جدا بحالتي.
جررت خطواتي على طريق العودة، بدا طريق طويلا جداً للأبتعاد عن من هو خلفي، وقريباً جداً للأقتراب لمن أذهب إليه، هل نقيس الطرقات بمشاعرنا!!
عند الركن للطريق المنحني أستكان رجلاً هرماً اعتدت رؤيته لستة أشهر وهو نصف نائم خلف طاولته التي اتخذت حيزاً بسيطاً بما عليه من سلع تجارية انتشرت بالأونة الأخيرة، من المعونات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الكبرى لكنها وجدت طريقها للتجارة وأصبحت منتجات تجارية لا انسانية ، قطرات من المطر تجمعت فوق علب السردين والطونة ، تحسست جيبة سروالي على أمل إيجاد مبلغاً أزيل فيه نعاس عينيه، لكنني كنت اساوي ما هو أقل من علبة السردين الواحدة، ألسنا نساوي ما نملك؟ حسناً املك 50ليرة، وزوج سكير، وابنة تعاني اضطرابات في الطيف الذاتوي، ومنذ خمس دقائق أصبحت خائنة ،فماذا اساوي اذاً؟؟

البارحة تجادلنا حتى الساعة الثانية صباحاً، حول عودة سيا للمراكز المختصة بالتوحد، والتوقف عن ذهابها للشيوخ التي لم تزد من حالتها الا انتكاسا على نفسها وخوفا غير مبرر عند اقتراب أحد منها، بأستفزازية امتص كلماتي كما يمتص دخان سيجارته، دون أن ينبس ببنت شفة، تبادل مع سيجارته القبلات حتى قاربت الساعة الثانية والنصف صباحاً، صوت الأمطار بالخارج كان قوياً، لكنه لم يطغى على الصرخات بداخلي، صوت سيجارته تدق بالمنفضى كناقوس خطر له إيقاعه المنفصل عن الحياة، انفاس زوجي المنفصلة حقا عني، غير آبه بتحشرج انفاسي بجانبه رغم علمه بعجزي الرئوي من قبل زواجنا، تلك تراكمات تبرر تصرفاتي أو تدينني!!
لا انسى ذلك اليوم، يوم نعتت أم زوجي طفلتي سيا بالمعتوهة، المجنونة، الممسوسة، البكماء، لم تقل أسمها بعد ذلك اليوم بل تختار إحدى تلك النعوت لتصف ذلك الشيئ، لكنها قررت إيقاف هذه المهزلة وايجاد حلاً جذري، المراكز المختصة بالتوحد وجدتها أم زوجي مشفى للمجانين، جذبت زوجي من يده للغرفة المجاورة وهيي تتقافز كالبجعة من فوق الألبسة والألعاب المرمية على الأرض، بعد إحدى نوبات غضب سيا، ثبتت نظاراتها الطبية على عينيها التي أبرزت جيوب عيناها، وثبتت وشاحها الملون فوق رأسها، زمته بشدة حول عنقها، تحت معطفها الطويل تهز أردافها، يخيّل إلي ان ما تحته شيئاً مقرفاً مقزز كل الأشياء التي تغطى توحي إلي انها بالية مقرفة تحتاج شيئاً يتكدس فوقها ليهذبها.
اقفلوا الباب كما تقفل معطفها على جسدها النتن، قلت لنفسي لابد أنها فكرة نتنة حتى اقفلوا الباب عليها.
بعدها بساعة شدو سيا من يدها واطبقوا ابواب السؤال في وجهي، عادوا بعد عدة ساعات، ومعهم سيا بشعر مخربط وملابس غير مهندمة.
دموعها تملئ وجهها، جرّت نحوي وضمتني وهي تضرب يدها بقوة على صدري بنبرات صوت تعبر عن اللوم، ترمقني بعينيها البنيتين للأعلى، وشفتاها القرمزية ترتجف.
حاذيت السور الحديدي، تمرّ السيارات بجانبي مسرعة تتجاوزني، وأتخاذل اللحاق بها، انظر اليها، أراها ولا تراني، مثل تخاذلي مع سيا، تجاوزوني متأبطين ذراعها، ساقوها لأبا عطا كمن يساق لموته، بعودتها وضعت يدي على فرجها وبدأت بالتربيت، لم تكن طفلتي قادرة على الكلام رغم بلوغها خمسة عشرة عاما ، احدى أعراض التوحد عدم القدرة على التوظيف اللغوي، لذا تصدر اصوات تعبر عن حالتها النفسية أصبحت أفهم نغمات صوتها جيدا حتى اخالها تتحدث معي احيانا بتلك النغمات، لكن أم زوجي تراها بكماء فيها مساً من الجنون، فعالجتها بأبا عطا، بفضه بكارتها، وضربها بالسوط على ظهرها، وجد زوجي المراكز المتخصصة تعالج الحالات بطرق غير انسانية لما فيه من تعديل للسلوك، أما أغتصاب ابنته البكماء خلف ستار ابا عطا امرا يتوجب فعله بداعي العلاج، بينما ابنتي تساق للعلاج بفض بكارتها وجلدها ،طفلا يعاني التوحد بدبي مثلا انساق لعالم دبي المائي لعلاجه من خلال لمس الدلافين لإثارة انتباه الطفل عن طريق اللعب بالسباحة مع الدلافين فيرتفع انتباهه وتركيزه فيسهل تلقينه وتعليمه، وفق خطة علاج تقتضي تلقين الطفل المعلومات بعد خروجه من الماء بدقائق فيستجيب بسرعة للتعلم انتظارا لمكافأته باللعب مع الدلافين من جديد، وبتكرار هذه التمرينات بإنتظام يتحسن تفاعل الطفل مع المجتمع، او حتى العلاج بالأحصنة حيث يظهر الطفل قدرة أفضل على التكيف مع المواقف الإجتماعية والسيطرة على حواسهم مقارنة مع مرضى التوحد الأخرين. سيا من الأطفال مادون الأخرين، أصبحت الدول تحدد من نحن وكأنها الملعقة الذهبية التي يولد بها البعض ويجرد منها الأخرين.
قطعت الشارع بسرعة حيث تتقاطع أربعة شوارع رئيسية، لم تكن قدمي تدق الارض بقوة كحال قدم أمي، التي تعلن عن وصولها قبل وصولها بعدة دقائق، قدماي مثلي تختبئ، تتلصص لا تجاهر، تتمنى أن تنسحب قبل وصولها
ألم يحن وقت البوح؟
لأجلس أمام المرآة لأخر مرة وأخبرها أنني اكتفيت، لأزيل كل تلك الأتربة من فوقي لأزهر ولو لمرة ولكن بطريقتي، حتى الضحك وصمة متوجب علي أن أخفض وتيرته، حتى يفقد عفويته، مجبرة تملق وجوه لا أطيق وصلها، مجبرة فتح الأبواب ساعة رغبتي بأقفالها، مجبرة على التنفس ساعة رغبتي بقطعه، لكن اليوم يومي سأكون أنا سأمتهن رغباتي لا رغبات أحد غيري.
أدخلت المفتاح بالباب وأدرته، كل مبادئ الحياة بين داخل ومدخول، وشتى الخلافات حول سؤال واحد، من المسيطر؟ ومكامن القوة بيد من؟ أهو الدافع أم المدفوع؟
دفعت الباب بصعوبة لتكوم شيئا خلف الباب، قبالة الباب بالصالون الرئيسي كانت سيا تمسك والدها، وتدفعه لإيقاضه من احدى سكراته، كجثة بين يديها فاغرا فاهه لا يبدي اية ردة فعل، يتداعى مع هزات سيا العنيفة، ليته جثة حقاً، لو كان مالتوس نبياً لأعتنقت دينه، ونفذت تعاليمه بخصوص التكاثر وزيادة عدد السكان، لما لا نعتنق ديانة أفكارنا؟ لما نواربها وندعي عكس ما نضمر ؟
كفراشة ترتعش بين يدي، قدماها مدماة، وعيناها تتلئلئ بغضب، استكانت تحت ذراعي، اخذتها لتستحم، ثم عادت لمجلسها بالأرض، أمسكت سيارتها الصغيرة، بيديها الصغيرتين، وبدأت تكورها حول نفسها، وتهتز للأمام والخلف، عندما استشعرتها هادئة، بدأت تنظيف المنزل وأعددت عشائنا الأخير، وضعتها بفراشها، ونمت بجانبها حتى استكانت لنوم عميق، طوقت يدها بخرقة بالية ، حتى انتفض وريدها، واخرجت أبرة من الدرج بجانبي ملئته بالهواء وغرزته عميقا داخله، قبلتها وهمست بأذنها سنغادر نحو الربيع يا صغيرتي لربما كان فان خوخ محقا بربيعه، وإذا لم يكن، سنجعلها مغامرة تستحق أن نخوضها، محاولة لا بد منها، فككت يدها ولففت يدي، كنت قاتلة نفسي، أصبحت قاتلة لطفلتي أيضا، سكون لذيذ اطبق على صدري وصوت طائر أدغار الن بو بدأ بالنعيق فوق سرير نجاتنا أنا وصغيرتي

لا شيئ بعد ذلك لفظ
ولا حتى ريشة تنتفض
وهكذا إلى أنني بالكاد تمتمت
أصدقاء أخرون طارو من قبل
وفي الغد سيتركني
مثل أمالي التي تركتني من قبل
حينها نعق الطير " أبداً ليس بعد الأن "

كاتبة و قاصة سورية



#وئام_الحلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبديةٌ هي
- -كبتاغون-


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وئام الحلبي - -بشر من الدرجة الثالثة-