أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حمدى عبد العزيز - سرب الإوز المحلق فى السماء














المزيد.....

سرب الإوز المحلق فى السماء


حمدى عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 5886 - 2018 / 5 / 28 - 18:05
المحور: سيرة ذاتية
    


سرب الأوز الذي كان يرتفع صوته صياحاً قوياً متميزاً يعلو على أصوات الديكة والدجاجات وذلك البط المتنوع مابين السوداني والبكيني والبلدي والمجنس ذو الصوت المبحوح في الساعات الأولى من صباحات تلك الأيام ، والتي كانت تبدأ عقب أن تنتهي جدتي القروية من وضع وجبة الإفطار لهم ، وقبل أن توقظ كل من في الدار التي كانت أغلب قاعاتها مشيدة بالطين الممزوج بالتبن ..

والبيوت المشيدة بهذه الخلطة من المواد الأولية البسيطة كانت تشيع الدفء في المكان إذا ماكان الجو سقيعاً وترطب المكان إذا ماكان صهد الحر صيفاً ؛

جدي كان قد شيد لجدتي قاعة للخبيز وقاعة لخزين الدار من الدقيق والأرز والبصل والثوم وجرار المش التي كانت تحوي خلاف الجبن المملح قرون من الترمس الأخضر والبشائر المبكرة للقتة والخيار التي تقطف قبل النضج وبعض حبات من الطماطم الخضراء أو أعواد اللفت لكنها لم تكن تخلو من قرون الشطة القانية الإحمرار التي كنت أكرهها في ذلك الحين ، لكنني أحب جداً أن تخرج لي جدتي أعواد الترمس الخضراء مع المش وقطع الجبن القديم وكنت أعتبر ذلك مع رغيف البتاو هدية كبرى أستعد مبتهجاً لإلتهامها بطفاسة لا أنكرها

ضمن ما شيد جدي لجدتي من قاعات بتلك الخلطة الطينية قاعة واسعة لتربية الطيور فلم يكن بيتاً في القرية يخلو من قاعة للطيور حتى وإن خلا من غرفات نوم إضافية للأبناء
كانت القاعة في نصفها العلوي تحوي اقفاصاً للحمام القطاوي الذي لايطير بعيداً عن المكان وكان الجدار في نصفه السفلي يحوي تجويفات تشبه الكهوف الصغيرة للأرانب ثم تتكدس القاعة بأعشاش الدجاج وأخنان للبط والأوز بينما تتناثر هنا وهناك في تلك القاعة الجهنمية أقفاص يسمونها ( سباتيات) لمبيت الدجاج وحيث تبيض وثانية وثالثة لأفراخها من الكتاكيت وأخرى وغيرها لأفراخ البط والأوز

كانت هذه القاعة عالم عجيب من الطيور البرية التي كان يعمر بها الريف في ذلك الوقت
وكنت أصحو مبكراً على صوت تلك الجلبة التي تحدثها أصوات طيور جدتي بعد الفجر بقليل ..

الآن عندما أتذكرها وأنا ابن التمدن الحضري المولع بموسيقي تشايكوفيسكي وكورساكوف ، ورحمانينوف ، وشتراوس ، وكارل أولف ، وشوبان وخانشادوريان وأندريا رايدار ، وعلي إسماعيل ، وفؤاد الظاهري ، وراجح داود وغيرهم .. تبدو لي هذه الجلبة كعازفي الأوركسترا الذين قرروا في لحظة إستثنائية ممارسة حالة من العزف العشوائي المتداخل في غياب المايسترو

للغرابة لم أكن أنا الصبي حمدي أصحوا منزعجاً بهذا
على العكس كانت تشتعل في جسدي حالة من النشاط الممتزج بالحبور
لإقفز من سريري وقبل أن أقوم بأعمال النظافة الصباحية أو أن أغتسل اقفز مباشرة ً لحضور طقس خروج أسراب البط والأوز الصباحي إلى الترعة المقابلة لبيت جدي
لاشئ كان يعوضني عن مشاهدة حالة الطيور وهي تنطلق من محبسها إلى الفضاء الوسيع بعد تناولهم لوجبة الفطور التي تعدها لهم جدتي من الردة المبللة بالماء وأعواد البرسيم الخضراء إذا كان الأوان هو أوان البرسيم

يالها من لحظة لامانع لدى أن يتوقف العمر عندها
أسراب الأوز المتنوع الألوان مابين الأبيض الشاهق ومابين الأبيض المختلط بالرمادي ومابين الرمادي الخالص باستثناء شريط الرقبة الأبيض أو الأبيض الخالص باستثناء شريط الرقبة الرمادي أو ربما الأجنحة

هي اللحظة التي أريد لهذا الطفل ثم الصبي الصغير الذي هو أنا أن أقف عندها عمراً آخر
إنها لحظة اشتعال فرحة الأوز وتأججها ليشرع سرب كامل من الأوز أجنجته في آن واحد فيطير لبضعة أمتار فوق سطح مياه الترعة الصباحي الرقراق صائحاً
كما لوكان يصرخ مشتعلاً بالفرح
أنا البهجة
أنا البهجة
_____________

حمدي عبد العزيز



#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شباك خلفى فى الدور الأخرانى
- فتافيت ورق بتطير
- فى مصر انتظار أخبار المير الفني أهم من انتظار التغييرات الوز ...
- على هامش أحاديث الرئيس
- ما كل هذا القلق
- سلامه محلاوي وقسوة أوجاع وداعه
- قراءة في حيثيات حكم
- الحرية لصديقي الناصري حسن حسين
- إحتمالات لصفقة القرن في جنوب شرق آسيا
- (4) حكايات رجل معتل الفقرات يطارد أرنبا برياً
- حكايات رجل معتل الفقرات يطارد أرنبا برياً (3)
- رجل معتل الفقرات يطارد أرنبا بريا (2)
- تعقيب هامشي
- في فضح الفاشية الدينية
- أقنعة مليئة بالثقوب الكاشفة ..
- منين بييجي الشجن (3)
- سيد حجاب .. واحد من مهندسي الوجدان (2)
- سيد حجاب .. واحد من مهندسي الوجدان
- موقف الحزب الإشتراكي المصري من انتخابات الرئاسة
- كان الله في عوننا نحن اليساريين


المزيد.....




- -حظا سعيدا- و-استمر-.. ترامب يوجه رسالتين منفصلتين إلى خامنئ ...
- متى تندلع الحرب؟ عند عامل توصيل البيتزا الخبر اليقين!
- إصبع طهران على الزناد: هذه خطة إيران لمواجهة حرب محتملة مع أ ...
- ترامب: سئمت من الوضع في إيران وأريد استسلاما غير مشروط
- واشنطن بوست: ترامب يسعى لتفادي أي صراع مع إيران
- وزير الدفاع الإسرائيلي: سلاح الجو دمر مقر قيادة الأمن الداخل ...
- انقسام داخل إدارة ترامب بشأن التدخل في الحرب الإسرائيلية الإ ...
- استراتيجية إسرائيل في حربها ضد إيران: تدمير القدرات النووية ...
- صحة الفم، كيف تؤثر على صحتنا الجسدية والنفسية؟
- الإقطاعيون الرقميون.. من فلاحة الأرض إلى حرث البيانات


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حمدى عبد العزيز - سرب الإوز المحلق فى السماء