أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابتسام يوسف الطاهر - الرجل الذي فقد صوته














المزيد.....

الرجل الذي فقد صوته


ابتسام يوسف الطاهر

الحوار المتمدن-العدد: 1492 - 2006 / 3 / 17 - 11:51
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
لقد اعتاد الحوار مع الذات بصمت. لكنه اليوم وفي هذا الوقت المبكر من الصباح، احتوته رغبة ان يرفع صوته. فخرج الى حيث لن يتهمه احد بالجنون ، فليس هناك سوى حفيف اوراق الاشجار والريح تداعبها.
لكنه شعر فجأة بالكلمات تتعثر وهو يحاور نفسه، كأن هناك هوة سحيقة تبتلع صوته. فتحولت تلك الرغبة، الى حاجة مُلّحة.. تطلع حوله بشئ من القلق، المكان خال في هذه الساعة المبكرة، اذن ليصيح.. ليسمع صوته. فتح فمه محاولا ان يقول شئ ما.. او ليدندن لحنا من الالحان التي كان يرددها في الشارع، في الحمام، او وهو في طريقه للعمل.. كان يضحك من اعتراض اولاده عليه، وهم يشعرون بالحرج حين يسمعونه يغني بصوت مسموع في الشارع. حاول ان يشرح لهم حاجته تلك، واحساسه بالاختناق لو قمع تلك الرغبة. يعرف ان صوته ليس جميلا، لكنها اشبه بحاجة للبكاء لخيبة ما، او اشبه بالحاجة للضحك لموقف طريف، او ربما هي حالة الحلم بالفرح او الرغبة بالصراخ..
لم يفهموه، فتجنبوا السير معه تدريجيا! هاهم اختفوا وتضاءلت زياراتهم، حتى اتصالاتهم التلفونية تلاشت هي الاخرى.
فكر ان يسأل احد المارة، يسأل عن شئ ما. فقط ليسمع صوته، ليتأكد انه مازال قادرا على الحديث، مازال حيوان ناطق! فكر باشياء عديدة.. منها ان يسأل عن الوقت، عن محطة ما. استوقف شابا كان يسير مع فتاة جميلة تتهادي بسيرها. أشار لهما بيده مبتسما، لم يسمعا تحيته على مايبدو, فقد بدا على ابتسامتهما الحيرة والتساؤل:
ـ نعم، هل انت بحاجة لشئ ما ؟ كيف نستطيع مساعدتك؟
تطلع لهما بعيون حيرى متوسلة، بذل جهده لاستخراج السؤال من بين شفتيه اللتين جففهما الارتباك. ظنّا انه اخرس، او اطرش، فصاروا يحاولون سؤاله بالاشارة!
إحتار كيف يوصل لهم انه يسمعهم، والسؤال فقط ليشعره انه مازال له صوت وانه لم يفقده هو الاخر! ثم اشار بيده لهما شاكرا مبتعدا بسرعة قبل اكتشاف دمعته.
ـ أما مجنون او غبي..
سمع تعليق الفتاة ولم يسمع اعتراض الشاب عليها.
ارتمى على اقرب اريكة من الارائك المنتشرة في حديقة الهايد بارك. فاجأه الصوت الذي اعتقد انه اختفى, ليهمس بتشفي من بين اغصان الشجرة التي يتضلل بها، او كأنه يهبط مع أحدى الوريقات الصفراء الخريفية التي تتطاير من الاغصان.
"انت غبي.. واناني" قالتها قبل عشرون عام ومازالت طرية تتجدد كتلك الاوراق.
اعتقد في بدايات حياتهم ان مجئ الاولاد مبكرا، سيمنحها دفء الامومة ويطهر روحها من نزعات التلاعب بمشاعره... لذا أصر على الاحتفاظ بعلاقتهما بالرغم من توسلاتها, في بادئ الامر، ثم اصرارها الوقح على التخلي عنه، بعد ان لاحظت تهرب الاخر منها..
اصرت على قتل الحب الذي توهمه قويا, بعد نموه لسنوات قبل الزواج! لكنه عاند كرامته والاحساس بمرارة الخيبة، وراهن على حبه لها بالرغم من انتقاد الجميع له!
لماذا أحبَّها؟ بعد كل تلك السنين مازال ذلك السؤال يعذبه.. وبالرغم من ابتعادها ورحيلها عنه منذ زمن.
نهض متثاقلا وسار بلا اتجاه، وضع يديه بجيبي معطفه الداكن، منحنيا يتدلي رأسه المثقل بالحيرة والاسئلة. يتأمل قدميه وهي تهرس اوراق الخريف الجافة، منحه ذلك ابتسامة ازاحت بعض من غيوم ذلك الكابوس. تذكر ابنه الاصغر حين كانا يتسابقان ليدوسا الاوراق الاكثر جفافا فيأنسا للصوت الذي يشبه قروطة الكرسب ـ شرائح البطاطا الرقيقة المقلية ـ كما يعلق ابنه بفرح.
اين هو الان؟ انقطعت مكالماته هو الاخر، حتى رسائله صارت شحيحة.
باغتته فكرة تحمس لها، لم يبق امامه الا ان يتصل باحدهم، ليسمع صوته! فهو بعد ان اتعبته قوائم التلفون، حيث صار كلما تراكمت في دواخله الحوارات والاسئلة بالسياسة او الادب ، اتصل باحدهم، فتطول الحوارات معهم بالساعات. اراد اختبار اهتماهم به وسؤالهم عنه! فرمي دفتر العناوين..وجعل خط التلفون للاستقبال فقط، ليسمع اولاده على الاقل، لكنهم هم ايضا انقطعوا تدريجيا. لابد انها نجحت بتحويل مشاعرهم عنه، بطريقتها الذكية البارعة باختلاق كذبات عن كرهه للاصدقاء، عن بخله وانانيته! عن عنفه وقسوته معها او مع الاولاد؟ كل ذلك لتبرر سلوكها, الذي حاول ان يكتمه ولا يخبرهم بشئ لالا تتشوه صورتها بنظرهم.
وصل احدى كابينات التلفون العمومي، حاول ان يتذكر اي من الارقام التي كان يحفظها، لم يتذكر سوى رقم احدها "لابد انه رقم تلفون ابنه الاصغر" ، الذي كان اقربهم اليه واكثرهم حميمية.
هلل للفكرة، فضرب الارقام، شعر ان قلبه هو الذي ينبض باصابعه..
لم يرن سوى مرة واحدة.. فجاءه الصوت حادا قويا، عرفه توا، انه صوتها... تدلت السماعة من يده. خرج مسرعا من الكابينة, وهو يسمع صوتها بعيدا كأنه آت من هوة سحيقة.
"...الو ..نعم ..غريب ..الخط مفتوح.. من ياتري..."


لندن تموز 2001



#ابتسام_يوسف_الطاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رهينة الحصارات
- الشجاعة في الاعتذار
- خراب العراق , قدرٌ ام مؤامرة؟
- السياسة بين التجارة والمبادئ
- عن اي انتصار يتحدثون؟
- فرشاة على الرصيف
- شارع الرشيد...ضحية الحصار ام الحروب ام الاهمال؟
- اليد التي تبني المحبة هي الابقى
- الدوائر المستطيلة
- اللغة الكردية ومايكل جاكسون
- الشعب العراقي بين الفتاوي والتهديد؟
- .......وظلم ذوي القربي
- المتعاونين مع الاحتلال
- العري السياسي والاخلاقي ازاء محنة العراق
- من يرفع الراية
- الانتخابات البريطانيةوالسؤال الاهم
- لمصلحة من، قتل العراقيين؟
- من هم اعداء الاسلام، اليوم؟
- صدي الايام
- اليسار واليمين وصراع المصالح


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابتسام يوسف الطاهر - الرجل الذي فقد صوته