أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - قمر الجزائر 9














المزيد.....

قمر الجزائر 9


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 5853 - 2018 / 4 / 22 - 14:43
المحور: الادب والفن
    


عند وصوله إلى ساحة بور سعيد، اندس سعدي في صفوف السيارات التي لا تتوقف عن التزمير، وتطلع إلى أشجار الزيزفون التي تبتهل إلى الله. فكر بحزن في الدم الذي نزفته مدينة بور سعيد، حيث جاء الجنرال ماسو بحثًا عن النصر بعد هزيمته في ديان-بيان-فو. هذا النصر، تم له في الجزائر، عاصمة الإمبراطورية، قبل أن يعود هذا النصر نفسه إلى أولئك الفلاحين المساكين، الذين سلبوهم، واغتصبوهم، في ذاكرتهم، غير أن سعدي من أجلهم افتض جانين. أحس بالناس فجأة، بجماهير "خويا الكبير" الشعبية أقرب إليه، وهو يعتز بالحرية. وعندما رأى فلاحًا يرتدي البرنس والشاشية والقَبقاب، أحس بنفسه فجأة، بنفس سعدي الفردية أبعد عنه، وهو يهتز بالأخوة. دَرِنًا، تَعِسًا، قَذِرًا، غبيًا، حُيَيًا، عنيفًا، كان الرجل يلقي بظله الألوف، مثل لطخة غامقة لا تُمحى، في قلب حضارة بارقة. أراد أن يوقفه، ويعترف بأخطائه: "أنا من افتض جانين، باريسية لم تكد تبلغ الثالثة عشرة، في الوقت الذي كنتُ فيه سوقيًا في باريس". وأراد أن يقول له ما قاله فرحات عباس، وزير الخارجية ذاك في الحكومة المؤقتة في المنفى، عن التروس والسيور: ""الذين نصحوك بالتمرد خانوك، شانوا تعاستك في الأمس، دفعوك ضد فرنسيين مساكين لم يكونوا أعداءك، وفي سنة 1934 ضد يهود لم يكونوا هم أيضًا أعداءك، وفي الغد سيدفعونك ضد مسلمين، ضد مزابيين، وبعد ذلك سيدفعون ناس الجبل ضد ناس السهل!". كان ذاك وزيرًا من وزراء ثورتهم المفلسة من قال هذا.
لكن الفلاح ضاع بين جموع الناس. صعد سعدي على درجات الأوبرا ليبحث عنه بعينيه، دون جدوى. عادت إلى ذاكرته لهثات حسيبة، عذبت أفكاره نداءات استغاثاتها، فمضى قاطعًا شارع الجمهورية. تلاطم البحر مُهيبًا إلى يمينه، وودعت الشمس بعض السفن الآيبة بالشفق الدموي. فكر أن عليه الإسراع ليجد صلاح قبل أن يقفل الدكان، إلا أنه كان تعبًا. لم يتوقف منذ الوقت الذي أفاق فيه من نومه. كل واحد يركض، ويلهث، ويشق هكذا طريقه، وكأنه آخر طريق، آخر هدف، وفي الحقيقة ليس هناك أي هدف. كان إرهاب الدولة جميلاً. مَظهرًا آخرَ. ربما الأكثر عتوًا.
ثم على حين غِرة، وبقوة هذا الإرهاب الغامض اللامرئي، يصبح الكل كسولاً. كانت لعبة، مع الملائكة تارة، ومع الشياطين تارة، لتجريب قدرة الجماهير الشعبية "لخويا الكبير" على التبدل بطقطقة بسيطة لإصبعين. واحدٌ نصفُ مسترخٍ في خموده، يعاني كل معاناة العالم في تحريك قدمه إلى اليمين ثم إلى الشمال، طَقْ... طُقْ، ليقول بقدمه لا، فلا ينطق، ولا ينهق: "ما كانش!". لم تكن لديه أية رغبة في بيع بضاعته، حتى أنه يقتصد بكلماته متداركًا نطق ما لم ينطق: "مع الأسف، ليس لدينا هذا المُنْتَج". بينما الزبونة، سيدة عجوز ملعونة، تسدد إصبعها باتجاه المُنْتَج المطموع فيه، وتصيح مستنكرة: "كاين!". طَقْ... طُقْ! فالبائع الزهقان زهق حيتان الجزائر، الطالعة روحه طلوع روح موتاها، شكله شكل من توكل على الله، فالرزق بيده، وهو إن لم يبع عندئذ، باع بعدئذ. جماهير "خويا الكبير" الشعبية ديدان جائعة، لكنها لا تجد ما تحشو به أفواهها في هذا البلد الاشتراكي، طَقْ... طُقْ، الذي حقَّره هونيكر وزميله شاوشيسكو –الله لا يرحمهما القذران- تحت حجة أن اشتراكيته مسلمة. الجزائر لا تشبه بلديهما! طَقْ... طُقْ، طَقْ... طُق، طًقْ... طُقْ. للجزائر نظام أصلي، بفضل عبقرية وزير الأوقاف والشئون الدينية بِقَدِّهِ وَقَديدِهِ! نظام، حسب الراديو والتلفزيون، يقوم على بناء المساجد في كل مكان، في كل مكان، في كل مكان، في كل مكان، حتى في أبعد قرية نائية، الشمس فيها هي الله، حتى قرب الناس الأبعد عن الدين، الله لهم هو الشمس. ليطلق هؤلاء الذين يعيشون في البؤس والآلام مكبوتاتهم في الصلاة، ولا يأتون ليعكروا صفو مِزاج الجنرالات. لكن عندما لا تكفي الصلاة الناس في الإمساك عن غضبهم، ويبدأون في رد التهم على أصحابها، يتدخل الجنرالات بدباباتهم وكل عتاد ماكينتهم الحربية، ليعيدوهم إلى المساجد، وهلم جرا. هذه هي اشتراكيتهم المسلمة، اشتراكية غريبة عن الإسلام، مُدارة بالحديد والنار... طَقْ... طُقْ!
رغب سعدي في الصراخ في وجه علي، ذاك المدعي: "هذه هي الجماهير الشعبية التي تتشرف بها، هذه الجموع العديمة الشكل! ما لَكَ غيرُ أن تشدها حول بطنك، لو تستطيع! أية قوة في العالم لا تستطيع ردعها، أي تهديد، أي إرهاب، في وضع تكون فيه نفسها، وتكون لها فيه حريتها. دفعها العنف دون شك إلى التمرد، لأنها كانت تخشى الموت. حاضرًا والثورة قد اكتملت، وكل الثورات قد انتهت، ها هم الناس يعودون عبيدًا كما كانوا عليه، في وضعٍ ليسوا فيه أنفسَهُم، وهم سعيدونَ بعبوديتهم. أما عن الاضطرابات القادمة، فلن تكونَ غيرَ أحداثٍ عابرة!". "عابرة؟ قُلْتَ عابرة؟".











#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قمر الجزائر 8
- قمر الجزائر 7
- قمر الجزائر 6
- قمر الجزائر 5
- قمر الجزائر 4
- قمر الجزائر 3
- قمر الجزائر 2
- قمر الجزائر 1
- حبيبتي إيران
- الملكة مارجو
- لبن العرب
- عسل اليهود
- فواكه الفرس
- إلى واشنطن
- من باريس
- في لندن
- بانتظار رد طهران... أربعة مواقف 5 وأخير
- بانتظار رد طهران... أربعة مواقف 4
- بانتظار رد طهران... أربعة مواقف 3
- بانتظار رد طهران... أربعة مواقف 2


المزيد.....




- رحيل التشكيلي المغترب غالب المنصوري
- جواد الأسدي يحاضر عن (الإنتاج المسرحي بين الإبداع والحاجة) ف ...
- معرض علي شمس الدين في بيروت.. الأمل يشتبك مع العنف في حوار ن ...
- من مصر إلى كوت ديفوار.. رحلة شعب أبوري وأساطيرهم المذهلة
- المؤرخ ناصر الرباط: المقريزي مؤرخ عمراني تفوق على أستاذه ابن ...
- فنانون وشخصيات عامة يطالبون فرنسا وبلجيكا بتوفير حماية دبلوم ...
- من عروض ايام بجاية السينمائية.. -بين أو بين-... حين يلتقي ال ...
- إبراهيم قالن.. أكاديمي وفنان يقود الاستخبارات التركية
- صناعة النفاق الثقافي في فكر ماركس وروسو
- بين شبرا والمطار


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - قمر الجزائر 9