|
حوار مع السفسطائي المادي 5
أيمن عبد الخالق
الحوار المتمدن-العدد: 5831 - 2018 / 3 / 30 - 13:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
حوار مع السفسطائي المادي ـ 5 "في المدرسة يعلمونك الدرس ثم يختبرونك، أما الحياة فتختبرك ثم تعلمك الدرس"...البرت اينشتين
o السفسطائي المادي: أثبتم لي في الجلسة السابقة بكل وضوح، وموضوعية، أنّ المعرفة البشرية أعم من المعرفة الحسية، وغير الحسية، وأنّ المعرفة العقلية المحضة هي أساس كل معرفة. • الفيلسوف: نعم هذا صحيح، وواقع، وليس مجرد وجهة نظرشخصية. o نعم أتفهم ذلك....ولكن يبقى هذا الكلام مقبولا عندي على المستوى النظري، وغير مستساغ على المستوى العملي، للأسبا ب التي ذكرتها لكم المرة الفائتة، وهي أنّ فتح باب الميتافيزيقا، والمعارف الغيبية، ينفتح معه أبواب الخرافة، والتعصب، والتطرف، والاستبداد الديني والسياسي، وهذا هو في الواقع الدافع الحقيقي الذي دعا فلاسفة التنوير في الغرب إلى غلق هذا الباب بالكلية. • الفيلسوف: أنا لاأنكر وقوع مثل هذه الأمور على مر التاريخ، الخرافات، والتعصب، والتطرف، والاستبداد، ولكن دعنا نحللها بهدوء، ونستكشف أسبابها، وهل أن لها علاقة باستعمال العقل الإنساني الميتافيزيقي، أم لها مناشيء أخرى o السفسطائي المادي: هم جميعا يدّعون الارتباط بالغيب، فهذا الإدعاء هو مصدرها. • الفيلسوف: يعني في نظرك الذين لايؤمنون بالغيب، ويحصرون المعرفة البشرية في المحسوسات، ليس لديهم تلك المشاكل؟ o السفسطائي: ماذا تقصد؟ • الفيلسوف: أليس هناك من الماديين من يؤمن بوجود كائنات فضائية تريد أن تدمر هذا العالم،وقد انتجت هوليوود عشرات الأفلام حول هذه الخرافة كحرب النجوم(Star war)، وغيرها...أليس هناك من الفيزيائيين الكبار من يصرح بصدور العالم بنفسه من العدم إلى الوجود؟!..أليست هذه أكبر خرافة، يعجز الخيال عن تصورها؟! o السفسطائي المادي: صحيح ولكن..... • الفيلسوف: أليست لدينا اتجاهات فكرية مادية في غاية التعصب والتطرف لأفكارها، وغاية الإقصاء لغيرها، كبعض جماعات اليمين الليبرالي المتطرف في الغرب، أو بعض جماعات اليسار الشيوعي في الشرق، بالإضافة إلى الجماعات الفاشية ، والنازية، والعنصرية، وغيرها....ألم يكن أمثال هتلر، وستالين، وماوتسي تونج من الماديين، في قمة القهر والظلم والاستبداد، وانتهاك حقوق الإنسان.....فهل يمكننا أن نقول أنّ اعتقاد كل هؤلاء بالمنهج العلمي التجريبي هو السبب في أوهامهم، وتعصبهم، وتطرفهم، واستبدادهم؟ o السفسطائي المادي: لا طبعا لايمكن، هذه اعتقادات وتصرفات لاشأن لها بالمنهج العلمي • الفيلسوف: كذلك ياعزيزي هذه الخرافات والتعصبات، والاستبداد، المنسوبة إلى عالم الغيب والميتافيزيقا، لاعلاقة لها بالمنهج العقلي الإنساني، بل هي عند التحليل تتموضع في النقطة المقابلة له تماما. o السفسطائي المادي: غريبة !أنا لايمكنني أن اتخيل ذلك...ممكن توضح لي الأمر أكثر • الفيلسوف: دعنا نبدأ بالخرافة...ماهي الخرافة؟ الخرافة هي كل اعتقاد يقيني غيبي لايقوم عليه دليل عقلي برهاني، أو يخالف العقل، أو اعتقاد مادي لايقوم عليه دليل علمي تجريبي، أو يخالف العلم. o السفسطائي المادي: هل يمكنكم أن تضربوا لي أمثلة على ذلك؟ • الفيلسوف: يعني...على سبيل المثال، إن كنت تعتقد بأن لهذا الكون البديع صانع حكيم، ومهندس خبير، أخرجه من العدم إلى الوجود، وصممه على هذا الوجه المنظّم والمتكامل، فهذا اعتقاد عقلي برهاني، لأن العقل يدرك استحالة أن يخرج الشيء نفسه من العدم إلى الوجود، أو من الفوضى إلى النظام الدقيق والبديع...أمّا إن كان يعتقد بوجود آلهة متعددة تتعارك مع نفسها في السماء، ثم تنزل إلى الأرض، وتتمشى في الشوارع، ثم تتعارك مع الناس، وتعتدي عليهم، فيقابلوها بالمثل، فتفر إلى السماء مرة أخرى، كما جاء في أساطير اليونان التي نقلها لنا "هوميروس"، أو مثل من يعتقد بأن الشياطين هي السبب في حصول الزلازل والبراكين، كما يتوهم بعض المتدينين، على خلاف الأدلة العلمية البرهانية، فهذه كلها خرافات لامحالة. o السفسطائي المادي: نعم واضح. • الفيلسوف: أما التعصب والتطرف، فمنشؤه عدم الموضوعية، والخروج عن حد الاعتدال، فهو مرض نفسي، وليس استدلالا عقليا. o السفسطائي المادي: ولكن في رأيي أنّ سببه هو الاعتقاد اليقيني المطلق، حيث يظن الإنسان بأن الحق كله عنده، وأن الاخرين على باطل، وهذا ماتدعونه أنتم أيها الفلاسفة. • الفيلسوف: أنا معك أنّ الإنسان المتعصب، والمتطرف، يتوهم هكذا، ولكن سؤالي هنا، هو هل أنّ سبب التعصب هو اليقين المطلق في نفسه، أم اليقين غير العقلاني، الحاصل له بالتلقين العرفي، والتقليد الديني الأعمى؟ o السفسطائي المادي: يمكن أن توضحوا كلامكم أكثر • الفيلسوف: إذا كان اليقين العقلي البرهاني الميتافيزيقي، المبتني على المبادئ البديهية الموضوعية الواضحة، هو سبب التعصب والتطرف، لكان كل الفلاسفة العقليين، من أمثال أرسطو، والفارابي ، وابن سينا، وابن رشد، وديكارت، واسبينوزا، من المتعصبين المتطرفين، مع كونهم من كبار الحكماء المعتدلين، الذين يشار إليهم بالبنان في رجاحة االعقل، ورصانة السلوك....فمن هنا نفهم أنّ التعصب والتطرف، إنما هو من شيمة العاجز، الذي يعجز عن إقناع الاخرين بقوة المنطق، فيلجأ إلى منطق القوة، منطق التكفير والتفجير، كما يفعل الكثير من المنتسبين إلى الأديان، والمذاهب الخرافية. o السفسطائي المادي: يعني تقصدون أن سبب التعصب والتطرف هو اليقين غير المبتني على البرهان العقلي، بل على التقليد الأعمي؟ • الفيلسوف: بالضبط...اليقين هو منشأ الراحة والاستقرار، والظنون والشكوك هي منشأ القلق والاضطراب، ولكن بشرط أن يكون يقينا منطقيا عقليا، لايقينا عرفيا، أو شخصيا ، أو فئويا، ناشئ من التلقين، والأنس، والاستحسان، كأكثر اليقين الناشئ من التعصبات الشخصية والفئوية، والعرقية والدينية، وكلها يقينيات لاعقلانية....فاليقين العقلي الميتافيزيقي عند الفلاسفة، كاليقين العلمي الفيزيائي الرياضي عند العلماء الفيزيائيين والرياضيين، يقين منشؤه الوضوح والترتيب المنطقي، ومثل هذا اليقين لايمكن بأي حال من الأحوال أن يكون منشأً للتعصب والتطرف، بل هو معيار الوسطية، والموضوعية، والاعتدال. o السفسطائي المادي: نعم الفرق أصبح الان واضحا بين اليقين العقلي وغير العقلي، لقد التبس الأمر علي بالفعل • الفيلسوف: ومن هنا يتبين لك بوضوح أيضا، أن الاستبداد الديني والسياسي، لاعلاقة له من قريب أو بعيد، بالمعرفة العقلية الميتافيزيقية، وكيف وأن العقل يدعو بنفسه إلى التحرر، والعدالة والمساواة، بل منشأ الاستبداد هو السلوك الانتهازي، الحاصل من الزواج غير الشرعي بين المؤسسة الدينية الانتهازية، والأنظمة السياسية الشمولية، حيث تكسب الأولى القدرة من الثانية، وتكتسب الثانية من الأولى الشرعية. وفي النهاية يتبين لنا أن المعرفة العقلية الميتافيزيقية ليست منشأ الخرافة والتعصب والاستبداد، بل منشأ العلم، والاعتدال، والعدالة والحرية. o العاقل: أنا أشكركم من كل قلبي، بعد أن حررتم ذهني من النظرة المادية الضيقة، .الان اتضحت لي الأمور بكل شفافية، وأصبحت أنظر إلى الأمور بنحو أوسع، واكثر واقعية، وأيقنت أن المنهج العقلي الميتافيزيقي هو الأب الروحي للمنهج العلمي الفيزيائي الرياضي، ولايستغنى أحدهما عن الاخر، وكل واحد منهما يكمل الاخرين، فليضع الفلاسفة والعلماء اياديهم في أيدي بعضهم البعض، من أجل النهوض بالإنسانية، ومكافحة الخرافة والتعصب، والاستبداد، والأفكار الرجعية، وتحقيق التقدم والتحرر، والعدالة الاجتماعية.
#أيمن_عبد_الخالق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع السفسطائي المادي-4
-
حوار مع السفسطائي المادي-3
-
حوار مع السفسطائي المادي-2
-
حوار مع السفسطائي المادي-1
-
الحوار الأخير مع السفسطائي المطلق-4
-
حوار مع السفسطائي المطلق-3
-
حوار مع السفسطائي المطلق - 2
-
حوار مع السفسطائي المطلق 1
-
حوار مع السفسطائي
-
الخروج من المتاهة - 3
-
الخروج من المتاهة 2
-
الخروج من المتاهة 1
-
المتاهة الروحانية
-
مناشئ التطرف الديني
-
مآسي المتاهة الدينية
-
اللاعقلانية الدينية
-
المتاهة الدينية
-
المشاكل الاقتصادية للمتاهة الرأسمالية
-
هيمنة الرأسمالية على المراكز العلمية
-
مشكلات المتاهة الرأسمالية
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
المزيد.....
|