أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - نقد نقد النسق السلفي















المزيد.....



نقد نقد النسق السلفي


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 5825 - 2018 / 3 / 24 - 23:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الفكرة هنا، ليست الدفاع عن السلفيَّة؛ فأنا ضد الفكر السَّلفي، كما أنَّ الفكرة ليست هي الانتصار لمنهجٍ فكريٍ ضد منهجٍ فكريٍ آخر، ولكن الفكرة هي نقد المنهج الفكري الذي يتبعه التجديديون، لأسبابٍ سوف يأتي ذكرها في هذا المقال.
مبدئيًا، تجدر بنا مناقشة فكرة الدين نفسها أولًا، فهل الدين نشاطٌ (أُفقيٌ) بشريٌ، يتم بناؤه ضمن حركة المُجتمع الإنساني، ووفق شروطه، وآلياته الزمانيَّة والمكانيَّة أم هو نشاطٌ (رأسيٌ) مُتعالٍ على النشاط البشري؟
علماء الاجتماع، وعلماء الأنثروبولوجيا يدرسون الدين باعتباره ظاهرةً ونشاطًا بشريًا، وعلى هذا الأساس؛ فهو نتاجٌ لحركة المُجتمع البشري، وتطوره، على اعتبار أنَّ الدين هو نتاج مُحاولات الإنسان الفلسفيَّة لفهم الطبيعة، والتصالح معها، فهو تطورٌ طبيعيٌ للأفكار البدائيَّة للإنسان عن السحر والأرواح، وما إلى ذلك، فهو جُهدٌ بشريٌ يتطور بتطور البشر، وبتراكم خبرات ومعارف الإنسان يتم تطوير الدين أيضًا، لأنَّه كلَّما تنوَّعت معارف الإنسان تراكميًا، تعمَّقت فكرته عن الكون والطبيعة؛ وبالتالي تغيَّرت وتطوَّرت أفكاره الدينيَّة، ويُمكننا تتبُّع نشأة الدين، وتطوره عبر التاريخ البشري.
وعلى هذا فإنَّ الدين -باعتباره جهدًا بشريًا لفهم الطبيعة- قد يكون جهدًا جمعيًا أو فرديًا، ولهذا يتم اعتبار الدين مسألةً (شخصيَّةً)، لأنَّ الأمر –في النهاية- لا يخرج عن كونه –أي الدين- مُحاولةً لفهم المُحرّك الأول للعالم، وإقامة علاقةٍ طيبةٍ معه، بدافع الحصول على الراحة النفسيَّة والطمأنينة، وهذه العلاقة بين الإنسان (الفرد)، وبين الإله، تكون وفقًا لأفكارٍ وتصوّراتٍ فرديَّة عن الإله، لأنَّ هذه الأفكار والتصوُّرات نشأت –في الأساس- وفقًا لمجهودٍ بشري (سواءٌ كان مجهودًا فرديًا أو جماعيًا)، ولكنه يظل مجهودًا بشريًا صرفًا، سواءٌ –أيضًا- كانت هذه الأفكار والتصورات حول الإله أو حول قضايا أخرى كالأخلاق، والميتافيزيقا، والأفكار المختلفة لما بعد الموت ... إلخ.
ولكن في حالة الأديان (الرساليَّة)، والتي تدعي التواصل المُباشر مع الآلهة، فإنَّها تختلف عن الدين الشخصاني، المُتأتي عبر المجهود البشري، زاعمًا أنَّ الأفكار والتصورات عن الإله وعن طبيعته، وعمَّا بعد الموت ما هي إلَّا أفكار الإله نفسه، وليست أفكار الإنسان؛ وبالتالي فهي تفترض الحقيقة المُطلقة، في تعارضٍ صارخٍ مع النسق الديني الشخصاني، القائم على النسبيَّة، والتي على أساسها يتم قبول التعدديَّة، على اعتبار بشريَّة الأفكار والمعتقدات؛ وبالتالي لا إطلاقها.
ولكن مع الفكر الديني الذي يعتمد على مبدأ (الوحي الإلهي)، فلم يعد بمقدور الإنسان الاجتهاد في مسائل العقيدة، أي فيما يتعلَّق بطبيعة الإله وصفاته، وليس بمقدوره الاجتهاد في مسائل الميتافيزيقا، وما بعد الموت، فلا يُمكنه إثبات ما لم يُثبته الوحي أو إنكار ما أثبته الوحي، فالفكر الديني هنا، مُلتزم بالوحي تمامًا، طالما أنَّه مُؤمن أنَّ هذا الوحي من الإله مباشرةً، وليس مجهودًا بشريًا، كالأديان الفلسفيَّة الشخصانيَّة.
الأديان الفلسفيَّة الشخصانيَّة –بطبيعتها- تتمتع بمساحة حريَّةٍ أكبر، لأنَّ الآلهة، وكل ما يتعلَّق بها، هي من صنيع الإنسان نفسه، فيحق له أن يرى الإله كما يحلو له، فيحق له –مثلًا- أن يرى أنَّ الحكمة من خلق الإله له، هي: التماهي مع خصائصه ومبادئه، كالقدرة على الخلق، وتجلي رحمته في مخلوقاته مثلًا، ولن يكون بإمكان كائنٍ مَن كان أن يعترض عليه في ذلك، لأنَّ الفكرة هي نتاج تفكيره الخاص، وتلك هي الحكمة التي يعتقد ويُؤمن بأنَّ إلهه خلقه من أجلها، ولكن لا يُمكن للمؤمن المُنتمي للدين الرسالي أن يفترض الأمر ذاته، إلَّا بالرجوع إلى الوحي، وما يقوله في هذا الخصوص، فإذا نصَّ الوحي الإلهي على {وَمَاْ خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوُنْ} فتُصبح فكرة تجلي الرحمة، والتماهي مع خصائص ومبادئ الإله، فكرة غير صحيحة (وفقًا لهذا الدين الرسالي تحديدًا).
وهنا تكمن أزمة الفكر الديني المُنتمي إلى الأديان الرساليَّة، لأنَّ الإنسان –بطبيعته- كائنٌ مُفكّر، ويُحب أن يُضفي لمسته الخاصة على كل شيءٍ، فيأتي الوحي ليسلب هذه الحريَّة الفكريَّة من الإنسان، ويُحدّد له الأفكار بشكلٍ شديد الوضوح، ولا يدع له مساحة من الحريَّة؛ إلَّا فيما سكت عنه الوحي، ولم يتكلَّم فيه.
ومن هنا برزت أزمة العقل الديني الرسالي، في تجاوز الوحي (النَّص)، عبر التلاعب على اللغة نفسها؛ لاسيما وأنَّ الوحي نفسه استخدم لغةً بشريَّةً، مُعبَّرةً عن الحالة الفكريَّة والثقافيَّة للمجتمع البشري، ولهذا نجد أنَّ التجديديين يتعاملون مع الوحي باعتباره نصًا أدبيًا قابلًا للتأويل، واحتمال أكثر من معنًى. وقد تجسَّدت هذه الأزمة أوَّل الأمر عند المُعتزلة ثم المُتصوّفة، ولهذا نجد من المُعتزلة من نظَّر في الدين الرسالي حتَّى وجد نفسه خارج الملَّة نهائيًا، سواءٌ بإقرار منه هو نفسه أو بحكم العامة الذين اتهموه –بناءً على أفكاره- بالكُفر والإلحاد والزندقة.
وفي الوقت الذي يخون فيه التجديديون اللغة، لتسمح لهم باستيراد معانٍ لا يحتملها النص، وليُصبح النص نصًا أدبيًا مفتوحًا على جميع التأويلات (لأنَّ هذا يخدم غرضهم)، فهم يرفضون –في الوقت ذاته- التأويلات السلفيَّة، التي تعتمد على ظاهر النَّص، وكأنَّ مشروع التجديد الديني لا يقوم فقط بإنشاء معانٍ جديدةٍ للنص الديني؛ بل بإلغاء وإقصاء المعاني القديمة.
وواقع الأمر، فإنَّ المتأمل في المنهج التجديدي، يجد أنَّه يُحاول إنكار المعنى السلفي تمامًا، ليزعم أنَّ المعنى السلفي لم يكن صحيحًا يومًا ما؛ وبالتالي فما يقومون به يُمكن إدراجه تحت مُسمَّى (إعادة إحياء المعنى)، وليس (التجديد)، لأنَّ فلسفة التجديد، تعتمد -في المقام الأول- على الاعتراف بقِدم النَّص، وعدم صلاحية استخدامه كما هو، ولكن النسق التجديدي القائم اليوم، يُحاول إيهامنا بأنَّ المعنى الجديد هو عينه المعنى القديم، الذي غطَّى عليه السلفيون عبر القرون الماضية مُباشرةً مُنذ وفاة الرسول، وهو تحديدًا ما تحتمله فكرة (اختطاف الإسلام)، والتي يُروّج لها بعض التجديديين. ولهذا فإنَّه من المهم –في المقام الأول- أن نعرف ما إذا كان المنهج الذي نحن بصدد دراسته الآن منهجًا تجديديًا أم منهجًا إحيائيًا.
الأزمة الأخرى التي يُعاني منها العقل الديني الرسالي، يكمن في التعامل مع التاريخ أو التراث. في الحقيقة فإنَّ التاريخ (كلَّه) عبارةٌ عن مروياتٍ، ونقليَّاتٍ سماعيَّةٍ لا أكثر؛ وبالتالي فإنَّ الموقف المثالي المتماسك، والمتسق تجاه التاريخ، هو التعامل معه بحذر، على اعتبار أنَّه من المُحتمل ألَّا يكون صحيحًا، كما قد يكون صحيحًا بنفس النسبة تقريبًا. ولهذا فإنَّ كل ما يُمكن أن يُقرأ في التاريخ، سواء ما قيل عن الإسكندر الأكبر أو هتلر أو عن المهاتما غاندي أو كونفشيوس أو أي شخصيَّةٍ تاريخيَّةٍ، قد يكون صحيحًا، وقد لا يكون صحيحًا بنفس القدر.
وللأسف لا تُوجد طريقةٌ ما، تجعلنا نفترض الصحة المُطلقة أو الخطأ المُطلق في أي حادثةٍ تاريخيَّةٍ على الإطلاق، والطريقة الوحيدة التي يُمكننا الحكم بها على التاريخ هي –للأسف- طريقةٌ خاطئةٌ، فعندما يروي لنا أحد المُؤرخين عن فتوحات وغزوات الإسكندر الأكبر، ونرى آثاره الماديَّة في تلك البلدان، التي ذكر لنا المُؤرخ أنَّه تواجد فيها، فهذا يُعتبر دليلًا على صحَّة كلامه، فيما يخص الفتوحات والغزوات، وطالما أنَّه كان صادقًا فيما قاله عن هذه الفتوحات، فهو –غالبًا- صادقٌ فيما ذكره عن الإسكندر الأكبر، فيما يخص أشياء أُخرى غير الفتوحات.
وقد نعتمد –أحيانًا- على الحقبة الزمنيَّة التي تفصل بين المُؤرخ والشخصيَّة التي كتب عنها، وكلَّما كان أقرب إلى زمانه، كنَّا أميل إلى تصديقه، في حين أنَّه لو كان مُعاصرًا له، فإنَّ هذا يزيد من درجة مصداقيته لدينا، وهذا المنهج تحديدًا اتبعه بعض علماء الحديث، وبعض رواة الآثار، وجامعي التراث.
ولكن –للأسف- كل هذه المناهج لا تهب اليقين القطعي، لأنَّ اليقين القطعي لا يقوم إلَّا بدليل، والدليل (evidence) هو ما لا خلاف حول علاقته المُباشرة بالحدث. وهو –بطبيعة الحال- أمرٌ مُختلفٌ عن الحجَّة المنطقيَّة، لأنَّ الحجَّة المنطقيَّة (logical argument) لا تقود إلى اليقين؛ بل تقود إلى الترجيح السلبي أو الإيجابي.
فعلى سبيل المثال، يُمكننا –في جريمة قتلٍ ما- الاعتماد على معرفتنا المُسبقة بخلافاتٍ وشجاراتٍ قديمةٍ بين شخصين، لنحكم على الآخر بأنَّه من المُرجَّح أن يكون القاتل، فهذا ربطٌ منطقيٌ، ولكنه لا يقود إلى حقيقةٍ مُطلقة، وسنظل بحاجةٍ إلى دليلٍ يمنحنا اليقين المُطلق. في حين أنَّ ما تُظهره كاميرا المُراقبة –مثلًا- يُعتبر دليلًا دامغًا، لأنَّه يُقدّم لنا معلومةٍ يقينيَّةٍ لا يُمكن الطعن بها، بصرف النظر عن موقفنا الشخصي من المُتهم. مثل هذه الأدلة لا يُمكننا العثور عليها في كثير من القضايا والأحداث التاريخيَّة؛ لذا فإنَّنا نتعامل مع التاريخ بمبدأ الترجيح السلبي أو الإيجابي.
تكمن أزمة التجديديين، في أنَّهم يتعاملون مع التراث الإسلامي بجرأةٍ تقترب كثيرًا من الوقاحة، عندما يرفضون تصديق بعض المرويات رفضًا قاطعًا، دون أن يمتلكوا دليلًا قاطعًا على رفضهم، سوى المنهج الاستبعادي (ruling out method) القائم على الإيمان القلبي. ولهذا نجد أن كثيرًا منهم قد يضحك ساخرًا، عندما تستدل له بحديثٍ أو مرويَّةٍ تاريخيَّةٍ من كُتب التاريخ الإسلامي، فيتعامل معها، ليس كأنَّها لم تقع على وجه اليقين؛ بل وكأنَّها يقينًا لم تقع.
فلو أخذنا حديث: "المرأة ناقصة عقل ودين." على سبيل المثال، سنجد أنَّ أغلب التجديديين يرفضون نسبة هذا الحديث إلى الرسول، باعتبار أنَّه من المُستحيل أن يكون الرسول -بكل التصورات المثاليَّة التي بناها الإيمان الديني لشخصيَّة الرسول- قد يحمل أفكارًا هجوميَّة ضد المرأة.
فهُم –واقع الأمر- ينطلقون من قاعدة أنَّ الإسلام دينٌ مثاليٌ؛ وبالتالي فإنَّهم يرفضون –مطلقًا- الاعتراف بأي شيءٍ يُمكن أن يخدش هذه التصورات المثاليَّة للدين، سواء كان حديثًا أو مرويَّة تاريخيَّة أو حتى معنى ظاهريًا في الوحي. في حين أنَّ فكرة مثاليَّة الدين يجب أن تكون نتيجةً، وليست قاعدة تفكير.
وأغلب ظنَّي أنَّ أزمة الفكر الديني جاءت –في أساسها- من الالتزام بنصٍ تاريخيٍ (حتى وإن كان وحيًا) والإصرار على استحضاره في كل واقع زمانيٍ ومكاني. في حين أنَّ هذا الاستحضار ليس أكثر من مُجرَّد لزوم ما لا يلزم. فنحن –عادةً- لا نتوقف كثيرًا أمام المقولات والمواقف التاريخيَّة، لإنشاء مواقف وقيم جديدة، فنحن غير مُهتمين بما ينقله لنا التاريخ من موقف المُجتمعات البشريَّة من قضيَّة العنصريَّة مثلًا، فلا نستحضر التاريخ للإقرار بأنَّ العنصريَّة أمرٌ غير أخلاقي، ولسنا -أصلًا- بحاجةٍ إلى التاريخ في مثل هذا المواقف، وإلَّا لم تطوَّرت المُجتمعات والقيم الإنسانيَّة.
إذن؛ فالعقل التجديدي يقع في منطقة وسطيَّةٍ بين العقل السلفي، والعقل النقدي، فلا هم قادرون على التخلص من الوحي، وتجاوزه بصورةٍ واضحةٍ، ولا هم قادرون على التصالح والتعامل معه كما هو. وهم –في ذلك- يُنزلون الوحي منزلة النص البشري القابل للدراسة النقديَّة، والفنيَّة، والتأويليَّة، مُتناسين أنَّ النص الإلهي هو جزءٌ من الإله نفسه، وبطريقةٍ ما، فهو يحمل بعضًا من خصائصه الكاملة، وليس كالنص البشري الذي يُؤدي نقصه إلى تداعيات التأويل المعروفة بكل زخمها.
علمًا بأنَّ خاصيَّة قابليَّة التأويل –حتى في النصوص الأدبيَّة- لا ترتبط بالنص؛ بل بالقارئ أو المُتلقي. فالنص -بارتباطه العضوي بالمُؤلف- يمتلك معنًى واحدًا، وهو ما أراده المُؤلف منه، ولكن اختلاف أفهام القراء والمُتلقي هو ما يُحدث زخم التأويلات، فقد يحدث أن يكتب شاعرٌ قصيدةً يتغزَّل فيها بمحبوبته، فيجد فيها القارئ رسالة سياسيَّة رمزيَّة، ولولا تواضع النُّقاد على ضرورة إتاحة الحريَّة للقارئ أن يُعمل خياله في النص، ويرى فيه ما يراه، لكان لزامًا على كل مُبدع أن يُرفق مع عمله مُختصرًا للفكرة التي يُريد إيصالها، وهذا هو الفارق بين النص الإبداعي والنص القانوني، لأنَّ الفكرة الأساسيَّة من النص القانوني هو إيصال معنًى واحدًا، لا مجموعةً مُتناقضة ومُتضاربةً من التأويلات.
وإذ يحتوي الوحي على مجموعة من التعاليم والأحكام المُصاغة بافعل ولا تفعل، وطالما أنَّ الغرض من هذه النصوص هو مُحاسبة الإنسان عليها بناءً على مبدأ الإفراط أو التفريط، فكان لزامًا فهم النص على نحو لا يقبل الشك والتأويل، لا كما في النصوص الأدبيَّة التي لا يضير أبدًا فيه اختلاف التأويلات، رغم أنَّ كثيرًا من الكُتَّاب تتم محاكمتهم أخلاقيًا بناءً على كتاباتهم أو لنكون أكثر دقَّة: بناءً على ما يُفهم من كتاباتهم.
ولهذا فإنَّ النصوص التي نقرأها في الأساطير البابليَّة والأغريقيَّة يُمكن فعلًا التعامل معها باعتبارها نصوصٌ أدبيَّة، ليس فقط لمعرفتنا بالمصدر البشري للنصوص، ولكن لأنَّها لا تحتوي على تعاليم وأوامر ونواهي، وإنَّما هي نصوصٌ تتكلَّم في طبيعة الآلهات، وحروبها مع بعضها البعض، وتُحاول تقديم تفسيرات (بدائيَّة) للطبيعة وظواهرها المُختلفة.
إنَّ ما يُمكننا حمله من حجج منطقيَّة يجعلنا نبني تصوراتنا المبدئيَّة ضد فكر كمال الدين، وضد فكرة كمال الشخصيات التاريخيَّة، بما فيها الأنبياء، اعتمادًا على واقعٍ ملموسٍ، وهو التناقض والنقص اللذان يُعتبران من أحد مكوّنات النفس البشريَّة، ولا نجد غضاضةً أبدًا في الاعتراف بهذا، إزاء أي شخصيَّةٍ تاريخيَّةٍ مهما كانت مرموقةً ومُحترمةً، لأنَّ معرفتنا بالنفس البشريَّة تسمح لنا بترك هامشٍ للنواحي السلبيَّة في كل شخصيَّة.
ولكن العقل الديني لا يُمكنه فعل الأمر نفسه، مع الشخصيَّات الدينيَّة، كالأنبياء مثلًا. مع الأخذ بالاعتبار إيمانهم ببشريَّة هؤلاء الأنبياء، ولكن بطريقةٍ ما، نجدهم يتعاملون مع الأنبياء بشيءٍ من الخصوصيَّة التي تُخرجهم -في بعض الأحيان- من الحالة البشريَّة الاعتياديَّة، ليقعوا مباشرةً في حالةٍ شديدة الخصوصيَّة تُسمّى (العصمة الإلهيَّة)، والتي لا يُعرف حدودها على وجه الدقة. وهنالك اختلافاتٌ كبيرةٌ في مفهوم العصمة الإلهيَّة في كل مذهبٍ وطائفةٍ دينيَّةٍ، ولكن ينتهي الأمر برفضٍ تام لإلصاق أي خصلةٍ ذميمةٍ (مهما كانت درجة بشريتها) بشخصيَّة الأنبياء (مع الاعتراف ببشريتهم)، ليُجسّد الأنبياء في العقليَّة الدينيَّة فكرة الإنسان الكامل المطلق أو كما أطلق عليه نيتشه اسم (Superman). ولهذا نجد أنَّ مُجرَّد المُقارنة بالأنبياء في الجوانب البشريَّة يُعتبر أمرًا غير مقبولٍ على الإطلاق في الفِكر الديني الرسالي.
من ضمن الحجج المنطقيَّة التي تجعلنا نميل إلى تصديق نسبة حديث "المرأة ناقصة عقل ودين" مثلًا، للرسول، أنَّ نَقلة هذا الحديث هم المُسلمون أنفسهم، فهذا الحديث لم نجده في كتب يهوديَّة أو مسيحيَّة، لنتوقع التحريف أو مُحاولات التشويه، فليست هنالك قرينة تدعونا للشك في شبهة تشويهٍ للإسلام أو لرسول الإسلام، حتى نفترض ذلك؛ بل وجدنا الحديث في كتابات المُسلمين أنفسهم، وأكثر من ذلك، فإنَّ علماء المُسلمين (المُؤمنين بكمال أخلاق الرسول) على مدار قرونٍ طويلةٍ راجعوا كُتب الأحاديث، وحاولوا تنقيحها؛ فلم يجدوا في هذا الحديث ما يجعلهم يشكون في صحَّة نسبته إليه.
الأمر الآخر أنَّ هذا الحديث متسقٌ تمامًا مع النسق الذكوري للمجتمع العربي في ذلك الوقت، والذي انعكس في تصوراته عن المرأة. وافتراض أنَّ الرسول لم يقل هذا الحديث، ولا أي حديث مهينٍ للمرأة، هو افتراضٌ لا يحترم التاريخ، ويفترض أنَّ الرسول كان مُنفصلًا عن واقعه، غير مُرتبطٍ به ثقافيًا أو فكريًا بأي حالٍ من الأحوال، وكأنَّه مُسافرٌ عبر الزمن أو إنسانٌ من كوكبٍ آخر، عاش في مُجتمعٍ ذكوريٍ يضطهد المرأة ويقمعها، والافتراض الآخر الذي يُقدّمه العقل الديني هو افتراضٌ خرافيٌ يلزم دليلًا أكبر من دليل أنَّ الرسول قال الحديث أو لم يقله، وأعني بذلك افتراض أنَّ الرسول إنسانٌ كاملٌ، وأنَّه على تواصلٍ مباشرٍ مع الإله.
ومن الحجج المنطقيَّة التي تجعلنا نميل إلى قبول نسبة الحديث إلى الرسول، هو عدم تعارضه مع الوحي الذي من المُفترض أنَّه نصٌ إلهي؛ بل على العكس تمامًا، النص القرآني ينقل ويُجسّد -في أكثر من موضع- رؤية الإسلام للمرأة مُقارنة بالرجل، وكيف أنَّها تجعل المرأة على النصف منه، تارة في الميراث، وتارة في الشهادة الجنائيَّة، والذريعة التي قدَّمها الوحي لمسألة الشهادة الجنائيَّة فيها تأكيدٌ واضحٌ على مسألة نقص العقل {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ}.
هذه الحجج المنطقيَّة مُجتمعةً أو مُتفرقة تجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأنَّ الرسول قد يكون قال هذا الحديث بنسبةٍ كبيرةٍ. في حين أنَّ ما يُقدّمه العقل التجديدي هو الرفض المُطلق والتام لنسبة مثل هذا الحديث إلى الرسول، وفي هذه الحالة، فهو ليس مُطالبًا بتقديم حججٍ منطقيَّةٍ؛ بل هو أمام مُطالب بتقديم (دليلٍ) يُثبت موقفه اليقيني هذا. على أنَّه حتى لو قبلنا منه الحجج المنطقيَّة؛ فإنَّنا سوف نجدها غير منطقيَّةٍ على الإطلاق، فحجّة الاستبعاد ليست حجَّةً منطقيَّةً على الإطلاق؛ بل هي حجَّةٌ إيمانيَّة، وكذلك حجَّة العصمة الإلهيَّة والكمال البشري.
إنَّ النسق التجديدي القائم الآن، يُعاني من مُشكلتين مزدوجتين، لا فكاك منهما، وتتجلَّى هاتان المُشكلتان لتتجسَّدا في مُشكلةٍ واحدةٍ مُتمثلةٍ في الصراع مع السلفيَّة أو الفكر السلفي، في حين أنَّ مُشكلة التجديديين الحقيقيَّة هي مع الوحي الديني، ومع النسق الرسالي للدين، وهو ما أنشأ –بادئ الأمر- الفكر السلفي كنتيجةٍ حتميَّةٍ لإلزاميَّة الوحي، وهيمنته على الفِكر البشري، بكل ما يحمله من اجتهاداتٍ نيّرةٍ وضروريَّةٍ.
ويُمكننا تصوير هذه الأزمة في قالبٍ مسرحي يتمثّل في مجموعةٍ من الأطفال تتكوَّن من عشرة صبيان، وأربع فتيات، يلعبون في فناء المنزل، فيُجَابهون بأمرٍ صارمٍ شديد الوضوح من أحد البالغين: "كُفُّوا عن الإزعاج يا أولاد!" فإذا كان الأطفال يتمتعون بفِكر سلفي، فإنَّهم سوف يلتزمون بظاهر الأمر أو النص، على اعتبار أنَّ الأمر يشمل الجميع، فيما إذا كان الأطفال يتمتعون بفكر تجديدي، فإنَّهم سوف يلجأون إلى اعتبار أنَّ الأمر مُخصصٌ فقط للذكور دونًا عن الإناث، على اعتبار أنَّ كلمة (أولاد) في الأمر، لا تشمل الفتيات أيضًا.
هذا الأمر يقودنا مُباشرةً إلى مُناقشة السمة الأكثر نفعيَّة في النسق التجديدي؛ إذ يتعامل التجديديون بنفعيَّةٍ لا يرون فيها بأسًا، عندما يتعلَّق الأمر بتحقيق مصلحةٍ ما، على أنَّ المصلحة هنا، قد تكون أمرًا جيدًا وأخلاقيًا، ولكن مُحاولة ربطه بمُجمل الوحي الرسالي، تجعلنا نُصرَّح بعدم صلاحيته، كادعاء مساواة الإسلام بين المرأة والرجل، فيما يتعلَّق بالقضايا الدنيويَّة، فإنكارنا لوجود هذا الأمر في الإسلام، ليس رفضًا لفكرة المساواة، ولكنه رفضٌ لربط هذه الفكرة بالوحي الرسالي للإسلام.
إنَّ واحدةً من أكبر الانتقادات التي يسقوها التجديديون ضد الفِكر السلفي، أنَّه فكرٌ نصوصيٌ، يعتمد على النص بشكلٍ كامل؛ لاسيما النص الظاهر، ولهذا فإنَّهم يُعانون من حساسيَّةٍ مُفرطةٍ في منهج (قال الله وقال الرسول)، لأنَّ هذا المنهج يُحد من طاقة الإبداع، والاجتهاد البشري، رغم أنَّ الديانات الرساليَّة مُقيَّدةٌ بالوحي كما أسلفنا، ولو أرادت الآلهة الحريَّة للإنسان، لتركته دون وحي، ليُعمل عقله وفكره كما تُحب، ولكن هذا لم يحدث (على الأقل في الديانات الرساليَّة).
يأتي هذا الانتقاد للنسق السلفي في ظاهره، ليرفع شعار الإبداع الفِكري الحر، وهو شعارٌ لا يُمكن رفضه أو مُجابهته، ولكنه أشبه بالمُصحف الذي رفعه المُسلمون على أسنة الرماح في معركة صفين، فمَن سوف يمتلك جرأة أن يعترض على إعمال العقل الحر؟ من سوف يعترض على الإبداع والفِكر؟ فيرى في شعار (قال الله وقال الرسول) إرهابًا فكريًا، يدعو إلى الخمول والكسل العقلي، فهو من ناحيةٍ يجعلنا لا نحتكم إلى عقولنا وآرائنا الذاتيَّة؛ بل إلى الوحي الموضوعي، والذي ليس بالضرورة أن ينسجم مع الآراء الذاتيَّة، فالوحي الذي يُحرّم الزنا مثلًا، هو ضد مصلحة الفرد الذي يُحب الزنا، ويستمتع به، ولكن النص هنا حاكمٌ على الفرد، وعلى آرائه، وتصوراته الخاصة؛ بل وعلى مصلحته الخاصة، لتحقيق مصلحةٍ أكبر، وكذلك الوحي الذي يُحرّم الربا، هو بالضرورة ضد مصلحة الفرد، الذي يجد في الربا وسيلةً للربح، ولكن النص هنا حاكمٌ على الفرد، وعلى آرائه، وتصوراته، وعلى مصلحته. لماذا؟ لأنَّ للوحي تصوراتٍ مُسبقةٍ عمَّا يجب أن يكون عليه الواقع، وفقًا لمبادئ إلهيَّةٍ مُتعاليةٍ على الرغبات البشريَّة؛ بل وحتى على التفكير البشري المحدود.
وعندما أقول ذلك، فأنا لستُ بالضرورة أسرد رأيي الشخصي، ولكنَّني –هنا- أسرد ما يعنيه الوحي الموضوعي صراحةً، على العكس من الدين الشخصاني الحر. ولهذا فإنَّ فكرة الاحتكام إلى الفِكر الحر، ضمن نسق دينٍ رساليٍ له وحيٌ موضوعي هو –في حد ذاته- مُغالطةٌ منطقيَّةٌ تُعبّر عن عُمق أزمة الفِكر الديني الرسالي. وهو –بالتالي- أشبه بدعوى إعمال العقل الحر في تطبيق العقوبات، في حال وجود نصوص قانونيَّة. فواقع الحال أنَّ هذا النص القانوني لم يُوضع ليجتهد الناس بفِكرهم الحر، وإنَّما ليلتزموا حرفيًا بما جاء في القانون. وفي حال عجز القانون عن تطبيق العدالة، فإنَّنا نُجري التعديلات اللازمة على نص القانون، وليس على فهمنا نحن للقانون.
هذا المنهج الرافض للنسق النصوصي، يجعل التجديدين يرفضون ليس النص؛ بل معانيه الظاهريَّة، ويرفضون إلزاميَّة تطبيقه، بحججٍ وذرائع مُختلفة، كما فعل الأستاذ محمود محمَّد طه من قبل، عندما زعم بأنَّ النصوص المدنيَّة ليست مُلزمةً لنا في هذا العصر، وأنَّها كانت خاصةٌ بأهل زمانها، وهو منهج الاحتجاج بما يُسمَّى (التسلسل التاريخي) أو (السياق التاريخي)، ولهذا فهم يرون أنَّ آية مثل {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ..} خاصةٌ بواقعةٍ تاريخيَّةٍ بعينها، ولا يصح اتخاذها كمبدأ عسكري بالعموم، كما أنَّ عبارة (الَّذِينَ كَفَرُوا) القرآنيَّة خاصةٌ بمجموعةٍ خاصةٍ من البشر، الذين عاشوا في تلك الحقبة، وانقرضوا الآن، وهو ما قال به إسلام البحيري.
ولكن هذا المنهج الرافض للنسق النصوصي، يتحوَّل فجأةً إلى نسقٍ نصوصيٍ بامتياز، عندما تقتضي الضرورة، فعندما يتعلَّق الأمر بحكمٍ مُستقًى بطريقةٍ فقهيَّةٍ، وهي طريقة جمع الأدلة أو الشواهد أو النصوص، كقتل المُرتد، يرفض التجديديون ذلك بحجَّة أنَّه لا يوجد فيه نصٌ واضحٌ وصريحٌ لا يقبل التأويل. وإنَّما هم يقولون بذلك لأنَّ الفقهاء يعتمدون -في حكمهم بمشروعيَّة قتل المُرتد- على عددٍ من شواهد الوحي، والتي لا تحمل أمرًا واضحًا بقتل المُرتد نصيًا. ببساطة، لأنَّهم يستنبطون الحكم استنباطًا من مجموع هذه الشواهد؛ بالإضافة إلى الشواهد التاريخيَّة، التي يرفضها التجديديون، باعتبار أنَّها مرويَّات غير ثابتة النسبة إلى الرسول، ولا يُمكن الاعتماد عليها.
وقد رأينا من قبل أنَّ المنهج التجديدي يعتمد على فتح النص القرآني على التأويل، في الوقت الذي يُطالبون فيه (في مثل حالة قتل المرتد) بنصٍ مُغلقٍ لا يقبل التأويل، ولا يُمكن الاعتماد على باطنه، باعتبار أنَّه لا يُمكن إعدام شخصٍ ما، اعتمادًا على باطن النص لا ظاهره. فنرى كيف أنَّهم يتناقضون مع منهجهم في التعامل مع الوحي، ليكون سند التعامل هو الرأي الشَّخصي، لا المنهج الثابت الموحَّد، والذي يجعله ثباته ووحدته أهلًا للثقة.
هم لا يبحون عن نصٍ يُمكن أن يُفهم منه إنَّه يجوز قتل المُرتد؛ بل يُطالبون بشاهدٍ ينص حرفيًا على أنَّ المُرتد يجب أن يُقتل، وهذا النسق النصوصي هو -في حقيقته- أحد المآخذ التي يأخذها التجديديون أنفسهم على السلفيين، في حين أنَّ منهج السلفيين في استنباط الأحكام الفقهيَّة منهجٌ ثابتٌ وموحَّد، وهو ما يُعطيه صفة الموضوعيَّة، مُقارنةً بصفة الذاتيَّة التي نجدها في منهج التجديديين. وهذا لا يعني أنَّ منهج السلفيين صحيحٌ بالضرورة، ولكنه يعني أنَّه منهجٌ مُستق وموضوعي، ولكن الحكم عليه بالخطأ أو الصواب أمرٌ آخر.
إنَّ الدارس الحصيف للمنهج التجديدي، يجد أنَّه يقوم على أعمدةٍ هشَّة، ويُمكننا إجمالها فيما يلي:
1) اللعب على وتر العاطفة: إذ يعتمد التجديديون على أنَّ موقفهم الأخلاقي من بعض القضايا كالقتل، والسبي، وحرية الاعتقاد كفيلٌ بأن يجعل منهجهم صحيحًا أو على الأقل أهلًا للدعم والتأييد، ولهذا فإنَّ مُنتقدي المنهج التجديدي يتم تصنيفهم –غالبًا- في قالب السلفيَّة؛ حتى وإن لم يكونوا سلفيين. ولقد رأينا كيف أنَّ السلفيَّة ليست منهجًا تاريخيًا نشأ كتيار فكري؛ بل هو –في حقيقة الأمر- نتيجة حتميَّة للأديان الرساليَّة، التي يكون يُمثل فيها الوحي الإلهي العمود الأساس في الفكر الديني بأكمله.
2) الإغراء الفكري: يعتمد التجديديون على أنَّ دعوتهم بضرورة إعمال العقل، وحرية الفِكر، وبالمُقابل نبذ الجمود الفِكري كفيلةُ بأن تجعل منهجهم صحيحًا، ورأينا كيف أنَّ هذا الأمر أشبه برفع المصاحف على أسنة الرماح أو كدعوة الحق التي يُراد بها الباطل. لا أحد يرفض الفِكر الحر، ولكن ادعاء الفِكر الحر في دينٍ رساليٍ محكومٍ بوحيٍ إلهيٍ، فهذا يُعتبر إغراءً فكريًا لا أكثر.
3) مُعضلة رجل القش: يعتمد التجديديون في منهجهم على اتخاذ السلفيَّة كرجل قش، يُهاجمونه أو يهاجمون عبره العقل الديني الذي ينتمون إليه، مُخفين بذلك رغبتهم في أن يكون الدين مُتحررًا من عبئه التاريخي والنصوصي قدر الإمكان، ولهذا فإنَّهم في هجومهم على الفِكر السلفي إنَّما يُهاجمون الدين نفسه دون أن يشعروا بذلك.
4) سحر اللغة: يعتمد التجديديون في منهجهم على الخاصيَّة الفضفاضة للغة، ولقد عرفنا أنَّ اللغة (أي لغة) لا تخلو من العيوب وذلك بحكم أنَّها مُنتج بشري خاضع للتجربة البشريَّة، وللتطور البشري. والحقيقة أنَّهم يقعون في خلط غير مُبرر بين اللغة وبين النص، فهم يتعاملون مع النص باعتباره لغة، في حين أنَّ النص يستخدم اللغة، ولكنه ليس لغة، فاللغة كائن حي يتغيّر ويتطور مع تطور المُجتمعات البشريَّة، ومع تغيّر نمط الإنتاج ونمط المعيشة، ولكن النص هو ابن البيئة التي كُتب فيها، والزمن الذي كُتب فيه، وبالتالي فلا يُمكن إسقاط خصائص اللغة على النص أبدًا. كما أنَّه يعتمدوا في تأويل بعض النصوص على خاصيَّة المُترادفات وهو اشتراك ألفاظ مختلفة في معنىً واحد أو المُشترك اللفظي وهو اشتراك لفظ واحد في معانٍ مُختلفة. مُتجاهلين بذلك الحالات التي يُمكن بها معرفة المعنى والدلالات، والتي من ضمنها سياق الجُملة نفسها؛ إذ بالإمكان استخدم لفظةٍ في سياقٍ ما، ليُعطي معنًى ما، في حين يُمكن استخدام نفس اللفظة في سياقٍ آخر، فيُعطي معنًى آخرًا، دون أن يُحدث ذلك أي لبس في المعنيين في السياقين المُختلفين، وذلك كقولنا: "زيدٌ ضرب في الأرض" و "زيدٌ ضرب عمرو" و "زيدٌ ضرب موعدًا." فاختلاف دلالات لفظة (ضرب) في السياقات لم تجعل دلالة اللفظة تختلف في كل سياق على حدة، لأنَّ سياق الجُملة هو الذي أسقط دلالات اللفظة في دلالةٍ واحدة.



#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام الجديد
- الفلسفة في خدمة الله
- ملحدون مع الإسلام
- الإرهاب له دين
- المُسلمون الجُدد
- المُنافقون في دولة الإسلام
- توضيحاتٌ بخصوص مقال: الحجاب في الإسلام
- دردشةٌ فقهيَّة: الحجاب في الإسلام
- نظرة إلى مصطلح الرواية والقصة القصيرة
- الأسئلة الوجوديَّة
- تطبيقاتٌ فقهيَّة - 1
- الحربُ على النَّقد
- جناية الإسلام المُعتدل
- ميكانيزم النفي
- الإيقاع والموسيقى في الشِّعر
- أزمة اللاأدرية العربيَّة
- دكتاتورية -الله- في القرآن – 2
- دكتاتورية -الله- في القرآن – 1
- الكوزمولوجيا الدينية
- هل تذكرون كاجومي؟


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - نقد نقد النسق السلفي