أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - فيما يمكن أن يفيدنا الاستقلال؟















المزيد.....

فيما يمكن أن يفيدنا الاستقلال؟


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 5821 - 2018 / 3 / 20 - 04:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سماء بلدي مرصعة بالنجوم المتلألئة في الذكرى 62 لاستـقلال تونس.
و معلوم ان "انشتاين" سلبنا متعة التمتع كثيرا بالنجوم فضوئها هو ما تبقى منها، و هكذا تـنـقضي الوجودات الملموسة لتـفصح عن ضيائها كوجود مستـقبلي للموجودات المتبقية المتـنطعة الى ضوء النجوم بتطلعها الى المستـقبل المضيء.
جوهر وجودنا و عمقه ان نتوجه الى المستـقبل دوما، و آفة عقلية الانحطاط التي لازالت تجر نفسها عبر محيط الخيبات العربية انها مصرة على الموت في الماضي و الماضوية و الوقوف هناك بعيدا دوما و دائما عن الحضور الوجودي الفعلي في الوجود.. مغيبة نفـسها عن ألهنا و الهناك في الغد الأرحب.. الغد المنـفـتح.. الغد التعبير الأرحب و المنتـشي بأعمق ما يمكن للنفس الانسانية ان ترقص بمرح رقصة الحرية الخالدة.. رقصة الخلق للجديد.. لحظة الخلق اللحظة الالالهية الانسانية الجوهرية...
و هكذا يتـفـنـن العربي بكل ما أوتي من بؤس وجودي على تكئيب مناخاته النفسية و العقلية بالانغلاق في ماضويات الحسرة و التحسر و اختلاق خسارات كأنها فعلا كانت آيلة للتحقق الفعلي و لم تـتحقـق..في النهاية الحقيقي هو ما يتحقق و بالتالي هو ما هو قابل من قبل للتحقـق و ما لا يتحقق هو ما ليس بقابل للتحقـق..فكل معقول موجود و كل موجود معقول وفق الآية الهيغلية...
و يا لها من عقلية فاسدة تلك التي تريد ان تـنـفي كفاحات التحرر لأجل لحظة الاستـقلال الأولى في العصر الحديث. ذاك الحدث المركزي المتمثل في الاستـقلال من الاستعمار الاوربي المباشر. و تـتغنى الكآبة بأن استـقلال تونس مزيف و ليس حقيقيا.
من بين التبريرات الكبرى لذلك هو المتعلق بالصراع البورقيبي اليوسفي الذي لازال يمثل ذاكرة أليمة. لكن بقدر ما يلوم البعض بورقيبة فإن صالح بن يوسف جدير ليس باللوم فقط و انما بالاستهزاء و التسخيف. فدعوته آنذاك هي الاستـقلال التام في اطار معركة واحدة للمغرب العربي. و على افتراض صدقية دعوته و اخراجها من مربع الايديولوجية في اطار الصراع على السلطة، و بتـناسي كونه الرجل الثاني في الحزب الدستوري بعد الزعيم "حبيب بورقيبة" و بكونه من صناع تكتيكات الحزب في العمل على احراز الاستـقلال الداخلي بل انه شارك في حكومة "شنيق" تحت سلطة الباي و هي الحكومة المتـفـق على دورها في التـفاوض لأجل الاستـقلال.. بغض النظر عن كل ذلك، فانه يبدو من السخف الكبير ان تـشترط تونس شرط الاستـقلال الكامل للمغرب العربي و القيام بتأسيس دولة واحدة..و مأتى السخافة ليس في عدم مشروعية هذا المطلب و انما في عدم توفره على امكانات التحقق ليس من تونس و انما من البقية على امتداد الوطن العربي.. فالجميع يتغنى بكآبة باتفاقية "سايكس بيكو" التي قسمت العرب، و لكن الجميع اتجه بكل قوة نحو هذه الاوطان و الدول القديمة الجديدة. بل ان الجزائر و المغرب الاقصى بعد استـقلالهما نشبت حرب بينهما و صراع كان و لا يزال الى اليوم عائقا كبيرا امام اي تكتل مغاربي..
و لازال البعض ينفخ في بوق الكآبة بالتذكير بما قام به "بورقيبة" من قضاء على بعض فلول الفلاقة اللذين رفضوا تسليم السلاح بمساعدة القوات الفرنسية، و مستدلين بذلك على عمالته لفرنسا، و كأن الجنين ينفصل مباشرة عن أمه بعد الولادة. و من جهة اخرى فأي دولة جديدة يمكن أن تولد و هي لا تحتكر السلاح و القوات المسلحة؟ و أي ثوار هؤلاء يرفضون السلطة الجديدة بتمسكهم بالسلاح فأليس في ذلك رفض للسلطة الجديدة. اذن خرجنا هنا من منطق الصراع ضد الاستعمار الى الصراع على السلطة. هذا الصراع يحكمه الاقوى و الاقوى هو الذي تمكن فعليا من اقـتـناص السلطة وفق ما يمكن تحقيقه في ذلك..
و اننا نجد انفـسنا منجرين الى هذه الرجعة الكئيبة كرد على الكآبة الطافحة من جديد هذه الفترة و التي تريد نفي الاستـقلال و نفي وطنية الزعيم "بورقيبة"..و لكن ليس في ذلك سقوطا في مربعات الماضوية و انما لان بورقيبة لازال يمثل مشروعا مستـقبليا خاصة وراء التيهان الكبير الذي نعانيه اليوم في التقييمات و الأفكار..
كان و لازال "بورقيبة" سابقا لعصره.. ضرب هذا الزعيم التيهان العربي في الخيالات المركبة من عنجهيات فارغة.. و قبل حرب 1967 كان دوما يردد ان سبيل القوة في هذا العصر هو بناء عقل علمي جديد يستـند الى المعرفة. ذاك هو الاساس. كان يسخر من أبواق عبد الناصر التي اشعلت العواطف و أوهمت بالقدرة و القوة على محاربة العالم. بماذا ستحاربون؟ ماذا أعددتم و اي انسان سيحارب و بأي عقل؟ و كانت المهزلة الكبرى لحرب الستة ايام التي ابتلعت فيها اسرائيل كامل فلسطين و جزءا من سوريا و ابتلعت سيناء في مصر..ستة ايام تحت رايات الزعامة العربية النافخة لتعبيرات المجد العربي.. و تم التعبير عنها بالنكسة و من عنان السماء انحطت الروحية العامة الى العالم السفلي لتعود القهقري الى صور عذاب القبر و ثـقـافة الموت..
بينما كان بورقيبة في قمة هرم سخريته المتألمة. يبني المدارس و المسارح و دور الثـقافـة و دور الشباب في مختلف مناطق تونس. كان يتابع باستمرار مدى نجاعة البرامج التعليمية و التـثـقـيفية..
كان بورقيبة يدرك بوضوح ان التـقدم و النهوض و التحرر هو تـقدم و نهوض و تحرر الانسان في عقله و بالتالي في طبيعة حياته. ليس التـقدم ان تفرض صورة مركبة و مسقطة للتـنـفيذ دون روح و إرادة.
لأجل ذلك كانت حقوق المرأة و انهاء دور اي سلطة دينية و سياسة تحديد النسل و سياسة الصحة العمومية و سياسة السياحة الاوربية للاحتكاك المباشر مع الاوربي و التفاعل معه كجسد حاضر فعلي بعواطفه و كلماته...
الحضارة اليوم هي الحضارة الاوربية لذلك لنتعرف عليها و نقـترب منها و ننصهر فيها بإرادتنا لأنها حضارة انسانية عالمية. من يقرأ التاريخ يعلم جيدا ان الحضارة الاوربية المعاصرة هي الوحيدة في التاريخ التي انتـشرت في جميع ربوع الأرض و فرضت ثـقافتها لأنها ثـقافة انسانية جديدة.. اللباس الاوربي الحديث هو اللباس العملي المتوافق مع سرعة الحركة و بالتالي هو لباس عالمي. سيارة الاوربي التي تختـزل الزمن و المسافات هي عالمية لان جميع البشر يستهويه ذاك الاختـزال.. الشاحنات و التلفزيون و السينما و المسرح و الفن التـشكيلي و الرواية و الافلام و الشامبو و الادواش و المراحيض و ادوات الاكل و و و و..
و لكن ابعد من ذلك و في العمق ان كنتم تؤمنون بإنسانيتكم يجب سرقة النار التي بعثت هذه الحضارة. النار هي العقل الذي أنتجها. لذلك كانت الفلسفة أهم مجال معرفي يجب الاشتغال عليه. البحث في العقل الذي انتج كل هذا. هذا العقل هو المحرك الاول الذي من الممكن ان اخذناه ان نصنع انفسنا وفق سيكولوجيتنا العامة و وفق حاجاتـنا و تطلعاتـنا.. لذلك كانت تونس الدولة العربية الوحيدة التي تدرس مادة الفلسفة في الثانوية. و بالتالي لا يدخل الى مدارج الجامعة إلا الذي مر بصراط النار للأسئلة الفلسفية المحيرة الموقظة للعقل و الموجعة لكل سذاجة في التفكير و المتـشككة في كل ما أنزل علينا من أصوات الاولين كتخاريف بمثابة الحقائق المقدسة.. و كان حتى الخارج من نهر اللهب ضانا نفسه سالما قد احترقت فيه اشياء من ثـقافة الاولين و ان كان يرددها على لسانه...
لأجل ذلك كذلك كان "بورقيبة" الزعيم العربي الوحيد الذي يقف بكل تواضع امام المشاعل الحضارية العربية الجديدة بكل اجلال. نتذكر انه استقبل المفكر العربي "طه حسين" في المطار و نتذكر انه استقبل سيدة الغناء العربي "ام كلثوم " في المطار. يدرك بكل وضوح ان هؤلاء هم الشعلات الحقيقية لإنارة المستـقبل العربي. كرست "ام كلثوم" احقية العواطف و المشاعر الراقية النبيلة و بنت ذائقة فنية رفيعة رفعت الوجدان العربي الى مراتب راقية في سلم الإنسانية، و كرس "طه حسين" المثـقـف المستـنير العضوي الفاعل في الواقع و هو الشبيه ببورقيبة الى ابعد الحدود مع فارق ان الزعيم يميل الى الفعل السياسي بينما يميل الى الفكر "طه حسين"..
و هكذا أتأمل النجوم في ليلة الذكرى الثانية و الستين لاستـقلال تونس.. تخبرني اضواء الكواكب الفانية، بمستـقبل أرحب لحالة تونسية لا يشبعها هذا الاستـقلال في كل الاحوال لان عقلها قد تـفتـق على الإنساني..
تخبرني هذه النجوم بحراك تونسي عميق و رهيب لانتاج حضارة انسانية جديدة تتحقق فيها فعليا الحرية و المساواة.. تخبرني هذه النجوم بان الاستـقلال لم يكن إلا الخطوة الفعلية الاولى في اطار مسيرة تاريخية عظمى لإنقاذ البشرية من مأزق الوجود العولمي التسليعي الذي سقطت فيه اوربا الى مستقبل الوجود العالمي الانساني الموحد حول روح العالم المنعكس على العالم كروح.. تخبرني النجوم بما يمكن ان تعد له الحالة التونسية من فعل واقعي و حقيقي لانبعاث انساني جديد بروحية عربية ذات رسالة خالدة عبر مسرح الزمن العالمي..
هذه الحالة كان بورقيبة بعبقريته الفذة و صدقيته و ايمانه الكبير بالمستـقبل الارحب هو المحطة الاساسية في إرساء دعائمها على الأرض. أرساها بفضل واقعيته العقلانية التي لا تعني بما يبرر به البعض خذلانهم بمفهوم الواقعية كانهزامية، و انما واقعية دراسة الظروف الموضوعية الممكنة و خلقها للتقدم بخطوة جبارة نحو تحقيق المثال في الواقع..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورقيبة بين التأليه و الشيطنة
- في درب الديمقراطية
- الإحتباس الحراري الإنساني
- المؤمن و الثوري
- يوم غضب الصحفيين التونسيين
- التاريخ ينتقم
- التموقعات الجديدة الممكنة في تونس
- مهزلة السياسي في تونس
- نبذة عن آية الله الخميني في العراق
- الثورة على الثورة في ايران
- الحرية بما هي العود الى الجوهر القرآني
- قائمة -الحق الطبيعي-
- الثالث المرفوع الماركسي
- سوريا و الثورة
- النبي الجديد
- المثقف و السلطة و الثورة
- لروحه السلام أبيك و أبي..
- اليسار بين الصعلكة و التحررية
- -ترامب- أو المشهد الأخير
- السياسي الوضيع


المزيد.....




- الحوثيون من اليمن يقصفون سفينة شحن بواسطة طائرة مسيرة في أقص ...
- في أول عملية من نوعها.. بريطانيا ترحل طالب لجوء إلى رواندا
- حميميم: القوات الجوية الروسية في سوريا دمرت قاعدتين لمسلحين ...
- مصر.. كبير الأطباء الشرعيين الأسبق يتحدث عن أسباب وفاة الرئي ...
- حاولوا التقاطها بأيديهم.. لحظات تحبس الأنفاس لسقوط سيدة من ...
- -تدمير ميركافا وكمين محكم وإصابات مباشرة-..-حزب الله- ينشر م ...
- البنتاغون: القوات الجوية تحتفظ بالحد الأدنى من الاستعداد الق ...
- معارضو نتنياهو: بن غفير وسموتريتش خطر على أمن إسرائيل
- فرنسا تدعو إسرائيل إلى إعلان موقفها من مقترح يتعلق بالحدود م ...
- أمير قطر والرئيس المصري يشددان على تكثيف جهود الوساطة لإنهاء ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - فيما يمكن أن يفيدنا الاستقلال؟