أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيف جلال الدين الطائي - حقيقة السبي البابلي وتاريخ نشوء اليهودية















المزيد.....



حقيقة السبي البابلي وتاريخ نشوء اليهودية


سيف جلال الدين الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 5818 - 2018 / 3 / 17 - 00:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


حقيقة السبي البابلي وتاريخ نشوء اليهودية

ان نشأة اليهودية في المكان المعروف عليه اليوم في فلسطين عليه إشكاليات كبيرة من ناحية الاثار والدلائل ، حيث لا يوجد ذكر لهم كديانة قبل العصر الهيلينستي ، ولم تظهر القصص التوراتية خارج النصوص الا في القرن الاول قبل الميلاد ، وهذا ما يضع البحث عن اليهودية أمر صعب ومعقد ، لذلك ان قصة اليهودية يجب ان تبدأ من بعد بفترة قليلة ، وهي فترة الحروب الاشورية البابلية المصرية اضافة الى الممالك السورية القديمة وثم الفرس وجيش الاسكندر فيما بعد .
ولو راجعنا التوراة وقصصها سنلاحظ انها تكرار للقصص السومرية والبابلية والاشورية وحتى المصرية وكنعانية ، وهذا ما يضعنا امام مشكلة ثانية وهي ان التوراة في بعض الاحيان تروي قصص واقعية حدثت على الرغم مما اصابها من تحريف في مكان وزمان آخر غير الموجود بالسرد التوراتي ، وقصص اسطورية تناقلتها الديانات القديمة ، وهذا لا يعني ان التوراة كتاب قديم ، ومن تلك الفترة ، حيث ان تاريخ جميع المخطوطات التوراتية لا تتعدى القرن الثاني قبل الميلاد ، مثلاً مخطوطة حلب (920م) ومخطوطة ليننغراد (1008م) كانتا أقدم المخطوطات باللغة العبرية للتناخ ، إكتشاف مخطوطات البحر الميت م1947 في قمران دفع تاريخ مخطوطات التناخ إلى العودة ألف عام من أقرب مخطوطتين كاملتين ، وقبل هذا الاكتشاف كانت أقرب المخطوطات الموجود للعهد القديم باللغة اليونانية في مخطوطات مثل الفاتيكانية والسينائية ، من حوالي 800 مخطوطة عثر عليها في قمران ، وجد بينهم 220 تخص التناخ ، وكل الأسفار من التناخ ممثلة باستثناء سفر أستير ، ومع ذلك فإن معظمها مجزأة ، ومن الجدير بالذكر أن هناك مخطوطتان من سفر إشعياء ، واحدة كاملة وأخرى حوالي 75٪ كامل منها ، يرجع تاريخ تلك المخطوطات عادة ما بين 150 قبل الميلاد إلى 70 ميلادياً (1) .
يرجع تاريخ جزء من مخطوطة للعهد القديم إلى القرن الأول الميلادي أو ربما القرن الثاني ، وهي جزء من مخطوطة مكتوبة على ورق البردى تُعرف باسم "بردية ناش بردية ناش" وتشمل الوصايا العشر ، كما نجدها في الإصحاح الخامس من سفر التثنية ، وكذلك :"اسمع يا إسرائيل..." (سفر التثنية ، الإصحاح السادس ، والآيات من 4 – 6، وهي التي بمثابة إقرار إيمان شعب الله القديم ، كما عثر أيضاً على أجزاء كثيرة من العهد القديم ، والتي يعود بعضها إلى القرن الخامس الميلادي التي اكتشفت في مجمع اليهود بحي مصر القديمة بالقاهرة ، على أن أهم المخطوطات ذات الشأن التي كانت بين أيدينا قبل اكتشاف مخطوطات البحر الميت مخطوطات البحر الميت عام 1947م هي ما يلي:
- مخطوطة القاهرة Cairo Codex التي كانت في معبد موسى الدرعى لليهود القرائين بالعباسية بالقاهرة وتشمل كتابات الأنبياء وتاريخ كتابتها سنة 895 م.
- مخطوطة ليننغراد الخاصة بالأنبياء وتشمل نبؤات إشعياء وأرمياء وحزقيال والأنبياء الصغار الاثني عشر، وتم نسخها عام 916 م.
- مخطوطة حلب التي تشمل العهد القديم (كاملا) وتاريخ كتابتها 925م .
- مخطوطة المتحف البريطاني وهو تشمل الكتب الخمسة الأولى وتاريخها 950م .
- مخطوطة روشلين التي تشمل الأنبياء، وقد تم نسخها عام 1105 ميلادية.
- مخطوطة ليننغراد (أقدم مخطوطة كاملة) التي تم نسخها عام 1108م ، وتشمل العهد القديم كله .
وهناك أيضاً قطعة بردية باللغة اليونانية لحوالي خمس عشرة آية من سفر التثنية تعود بنا إلى القرن الثاني الميلادي وهي موجودة في مكتبة جون رايلاندز في مانشستر بإنجلترا ، إلا أن مخطوطات البحر الميت (قمران) والتي اكتشفت في منطقة خرائب قمران في الساحل الشمال الشرقي لمدينة القدس ، وضعت بين أيدينا درجين لسفر أشعياء أحدهما يقارب النص الحالي ، ويعود للقرن الثاني قبل الميلاد ، والدرج الآخر نسخة مختصرة ، ومعه نص سفر حبقوق وتفسير له ، وقد اكتشف هذا في الكهف الأول ، ودأب علماء الحفريات والبدو على البحث والتنقيب في هذه المنطقة ما بين سنة 1952م وسنة 1956م ، واكتشفوا مزيداً من النصوص في عشرة كهوف أخرى فوجدوا في الكهف الحادي عشر 41 مزموراً من المزامير التي بين أيدينا اليوم ، كما اكتشفوا أجزاء من أكثر من مائة درج أخرى تشمل بعض الآيات من كل أسفار العهد القديم ما عدا سفر أستير بالإضافة لنصوص أخرى مثل وثيقة دمشق وكتاب إدريس وغيرها ، وتعود هذه المخطوطات إلى ما بين القرنين الأول والثاني قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي. ويلاحظ كل من يدرس هذه النصوص أنها تشابه كثيرا النص الموجود بين أيدينا اليوم .
ان التأثير البابلي والاشوري على اليهودية واضح جداً ، ولذلك انا اصفها كديانة عراقية وليست شامية ولم تدخل بها التأثيرات الكنعانية الا في عهد متأخر ، حيث ان احداث المشرق التي عاشها المشرق من حروب ومعارك ساهمت بتشكيل اليهودية ، حيث ان اليهودية نشأت بتأثير وابتكار البابليين المسبيين من بابل الى السامرة (فلسطين) ، فالتوراة تقدم مادة ضخمة عن ما يسمى بالسبي البابلي ، وبالحقيقة ان السبي على ممالك اسرائيل لم يحدث الا في مخيلة كتبة التوراة ، لأن السبي كان على بابل وليس من بابل ،اضافة الى موضوع السبي نجد ان التوراة تقدم مادة كبيرة عن الملك الفارسي الاخميني (قورش) وقصة اعادة بناءه لهيكل سليمان ، حيث ان النص البابلي لا يتكلم عن سبي للشعب ، بل فقط أسر للملك ، والنص البابلي وهو الاقدم من الرواية التوراتية ، وجاء في هذا النص البابلي :
(( في العام السابع من حكم نبو كودورو اوصر (نبوخذنصر في التوراة) في شهر كيسليمو (تشرين الثاني – كانون الاول) حشد ملك اكد (بابل) قواته وسار الى بلاد حاتي (سوريا).
حاصر مدينة يهودا (Ja-a-hu-du) في الثاني من شهر ادارو ( يعني 12 اذار) ، احتل المدينة واخذ الملك اسيراً ، ونصب مكانه ملكاً اخر حسب رغبته ، تسلم جزيته الكبيرة وارسله (المقصود هنا بالملك الاسير) الى بابل)) (2) .

ولذلك فاننا نفهم من هذا النص انه لا يوجد كلام عن السبي الا في مخيلة مدوني التوارة ، ولا توجد شخصيات توراتية مهمة عاشت في بابل ، وان أسر الجيش البابلي للملك العبراني ما هو الا تعبير على الانتصار وهذا العرف كان سائداً في العالم القديم .
ولكن بعد بحثي المطول عن هذه القصة اعتقد اني وجدت قصة اخرى مطابقة لها بالتمام والكمال ، ومنها نقلها اليهود الى توراتهم ، القصة هي تدمير سنحاريب لمعبد الاله مردوك في بابل واعادة بناءه من قبل ابنه الملك اسرحدون ، ولتوضيح هذا التطابق بالقصتين ساقوم بعمل مقارنة بين الحادثتين بين القصة التوراتية والقصة التاريخية التي اوردتها الالواح والنصوص الاشورية (3) :
1- في القصة التوراتية الملك البابلي نبوخذنصر يحاصر مدينة يهوذا ويدخلها ويدمر هيكل سليمان
في القصة التاريخية الملك الاشوري سنحاريب يحاصر مدينة بابل ويدخلها ويدمر هيكل الاله مردوك .
2- في القصة التوراتية الملك الفارسي يأمر باعادة بناء هيكل سليمان
في القصة التاريخية الملك الاشوري اسرحدون يأمر باعادة بناء هيكل الاله مردوك في بابل .
3- ان كلمة هيكل بالاصل هي كلمة سومرية واستخدمها البابليون والاشوريون في الاشارة الى معابدهم ، وفي السومرية هي (اي-كال) وتعني (البيت العظيم) ، ومن الاكدية (بفرعيها البابلي والاشوري) اخذها اليهود في الاشارة الى معابدهم .
4- لايوجد شيء او كتاب اسمه توراة قبل العصر الهيلينيستي .
5- الملك الفارسي قورش لم يذكر اي شيء عن فئة اسمها (يهود) ولا يشير اليهم في اسطوانته المشهورة التي دونت باللغة الاكدية ، وهذا عكس ما جاءت به التوراة .
6- ان الشخصيات التي ذكرتها الرواية التوراتية وهم (ايستر ومردوخاي) هي بالاساس (عشتار والاله مردوك او مردوخ) ، اي يعني ان ايستر ومردوخاي هم شخصيات اسطورية تم نسجها بتأثيرات الميثولوجيا البابلية .
واذا لم يحدث السبي البابلي عكس ما ذكرت التوراة ! كيف نقل العبرانيين التراث البابلي وكتبوه بالتوراة؟؟
وكما اشرنا اعلاه الى ان المصادر البابلية لم تتكلم عن سبي العبرانيين ، بل تحدثت عن حملة قام بها نبوخذنصر على بلاد خاتي (سوريا) ومن خلال هذه الحملة ذكر اسم مدينة يهودا وتحدثت نفس المصادر عن أسر الملك فقط وليس الشعب ، على عكس ما دونته التوراة التي تعتبر حديثة بالنسبة للنصوص البابلية ، ولكن اذا السبي لم يحدث من أين نقل العبرانيين الاساطير البابلية والنصوص حول ملوك العراق القديم !!
في فترة كتابة التوراة ، كان هناك كاهن بابلي يدعى (بيرسوس او برعوثا) وضع كتاب البابليات وصنفه باللغة اليونانية في مطلع عهد أنطيوخوس الأول؛ بين 179- 272 ق.م ، وأهداه إليه. وثمة مقتطفات منه نقلها الكتّاب والمؤرخون الكلاسيكيون مثل بوليستور Polyhistor وأوسيبيوس Eusebios ويوسيفوس Josephus وغيرهم. يقع مصنف تاريخ بابل في ثلاثة كتب (4) :
الأول: يبحث في بدايات الحياة البشرية والخليقة، ويتضمن وصفاً للبيئة الجغرافية والنباتات في بلاد بابل.
الثاني: يعرض أسماء الملوك العشرة الأوائل قبل الطوفان متسلسلة ، ثم يروي خبر الطوفان ، يورد بعدها أسماء ستة وثمانين من الملوك الذين حكموا بعد الطوفان فالسلالات التاريخية التالية حتى عهد نبوخذنصر.
الثالث: عرض فيه للملوك الذين حكموا بعد نبوخذ نصر حتى غزو الاسكندر المقدوني للبلاد ، وفيه يذكر سنوات حكم كل منهم وأهم الأحداث التاريخية فيها ، كما ترد فيه معلومات فلكية عن القمر خاصة .
وكذلك لايوجد أي دليل مادي على أن كتاب التوراة تم جمعه قبل العصر الهلنستي بمايسمى الترجمة السبعينية (التوراة مكتوب باليونانية) ، فهذه النسخة هي الاقدم ولا دليل على وجود نسخة قبلها باللغة العبرية .
اما العامل الأخر في التأثير العراقي في اليهودية هو ما جرى من احداث نتيجة الاحداث السياسية والحربية في تلك الفترة ، وكيف تم سبي البابليين الى السامرة على مرحلتين ، وهي :
1- ان الملك الاشوري سرجون الثاني قام بنقل مجموعة كبيرة من سكان مدينة بابل الى مدينة السامرة في القرن الثامن قبل الميلاد .
2- ان الملك الاشوري اشوربانيبال قام بنقل مجموعة كبيرة من سكان الى بابل الى مدينة السامرة في القرن السابع قبل الميلاد ، خاصة من طبقة الكهنة والاغنياء ، بعد ان قضى على ثورة اخيه في بابل (شمش شوم اوكين) ، حيث قام باسكانهم مع اولاد واحفاد الأسرى المساقين الى السامرة والذين نقلهم من قبله سرجون الثاني ، وهؤلاء المسبيين البابليين اعتبرهم اشوربانيبال هم السبب الرئيسي للثورة عليه ، ولذلك نجد ان احداث هذه الثورة تظهر في التوراة ولكن في سياق قصة اخرى مع شخصيات اعتبرتها التوراة هي شخصية عبرية (5) .
ومن امثال على ذلك نجد ان قصة شمشون التوراتية هي نسخة ثانية عن قصة العلاقة بين قصة الحاكم الاشوري على بابل (شمش شوم اوكين) شقيق الملك الاشوري (اشوربانيبال) ، ولنوضح هذا التشابه نلخص ذلك كما يلي (6) :
1- نلاحظ تشابه الاسماء من بين (شمش شوم) حاكم وبين اسم (شمشون التوراتي) .
2- اراد حاكم بابل (شمش شوم اوكين) تخليص البابليين من الاشوريين .
بينما اراد شمشون تخليص بني اسرائيل من يد الفلستيون.
3- كان الملوك الاشوريين معروفين بصراعهم مع الاسود (من النوع الاسيوي) وخاصة في عهد اشوربانيبال وكما هو واضح على الجداريات الاشورية .
في قصة شمشون التوراتية نلاحظ صراعه مع اسد اسيوي ، وقتله للاسد .
4- يقوم الجيش الاشوري بقيادة اشوربانيبال بمحاصرة بابل .
يقوم الفلستيون بمحاصرة مدينة غزة التي التجئ اليها شمشون .
5- بغية عدم وقوعه اسيراً بيد الاشوريين قام شمش شوم اوكين بحرق قصره وهو بداخله ومعه زوجاته واولاده وحاشيته .
يقع شمشون اسيراً بيد الفلستيون بعد ان احتالت عليه زوجته دليلة . وفي إحدى المناسبات قام الفلستيون باقتياد شمشون إلى معبد الاله داجان ليسخروا منه فقبض شمشون بذراعيه على عمودين من أعمدة المعبد ودفعهما مسببا انهياره على جميع من كان هناك وبالتالي موتهم جميعاً ، غير انه قبل ذلك وقبل ان يتعرف على دليلة ، قام الفلستيون بحرق زوجته .
مع الملاحظة ان الفلستيون هم الفلسطينيون ، وهم شعب قديم ورد ذكرهم في التوراة ، وكذلك في المصادر المصرية بصيغة (PRST.,r) ، وان الاله داجان هو اله عبدد في بابل واشور واوغاريت وكنعان ، وان هؤلاء البابليين المسبيين كانوا من الطبقة الارستقراطية والدينية ، نقلهم الاشوريين الى فلسطين ، فنقلوا تراثهم الديني والثقافي الى فلسطين معهم ، وعندما ابتعدوا عن بابل ومعابدها وتماثيل الالهة داخل المعابد اصبحوا يتصورون ان الاله في السماء فقط ولا حاجة للتماثيل للتقرب الى الالهة ، وبذلك امتزجت عقيدة التوحيد التي نشأت عندهم مع عقيدة سكان فلسطين في تلك الفترة ، ولهذا نجد ان قصة الخلق عند اليهودية هي نسخة عن قصة الخليقة عند البابليين .
اما عن التماثل الاخر هو فهو العلاقة بين قصة سليمان وبلقيس وما ذكر عن ذلك في النصوص الاشورية ، حيث لا يوجد في التاريخ اليمني اي ذكر لملكة اسمها بلقيس ، فطبيعة الاسم هذا يدل على انه جاء من بيئة وثقافة عربية شمالية وليس من اليمن ، لأنه هناك اختلاف في طبعة الاسماء بين الثقافتين ، ولذلك لابد لنا من الرجوع الى الشرق القديم حتى نحاول حل تلك المعضلة التي وضعتنا بها بعض الروايات المتأخرة والتي امتازت بحس قومي اكثر مما هو حقيقي :
1- ان اسم بلقيس هو اسم جاء من ثقافة الشرق الاوسط ولم يأتي من ثقافة اليمن ، فاسم بلقيس يتكون من مقطعين هما (بل ، قيس) ، المقطع الاول وهو (بل) هو لفظة بابلية واشورية لاسم الاله مردوك وبالاصل هو بعل ، ولكن بما ان اللغة الاكدية (بلهجتها الاشورية والبابلية) لا تحتوي على صوت (ع) لذلك يلفظوه (بل) ، اما المقطع الثاني (قيس) فهو اسم عربي شمالي لم يعرف في الثقافة اليمنية الا بشكل متأخر .
2- في القصة التوراتية والتي لم تذكر اسم الملكة على عكس المصادر الاسلامية التي قالت انها تدعى (بلقيس) ، نلاحظ ان الملكة التي كانت تعبد الشمس ذهبت الى الملك سليمان لتقديم الطاعة له بعد ان سمعت بما قيل عن مملكته ، وحملت معها من الاطياب والذهب والاحجار الكريمة الشيء الكثير واعطتها له كدليل على الطاعة لمملكته ، وبالمقابل في نص اشوري ان اقدم دليل ارتباط العرب بالشمس هو اسم الملك (شمسي) ملكة العرب التي ورد ذكرها في النصوص الاشورية بعد ان قدمت الطاعة للملك الاشوري (تغلاث بلاسر الثالث) بعد ان هزمها في الحرب ، ولكن هذه الملكة قد نكثت وعدها مع الاشوريين كما جاء في النص الاشوري : ((سامسي ملكة العرب التي حنثت في يمينها (القسم بواسطة شاماس (الشمس) ...)) (7) .
وفي تكلمة النص على الرغم من عدم وضوح بعض كلماته من اللوح نفسه : (( ... المدينة .... الى مدينة لزاس .... عريبو (بلاد العرب) في اقليم سابا (سبأ) في معسكرها ... واصبحت خائفة من جيشي الكبير وارسلت لي انا الجمال والنوق و ... انا وضعت موظفاً وعاملاً عليها وعمل ايضاً مثلها البيرايناس الذي انحنى الى قدمي وسكان ماسا لتيما ، وسكان سابا هايابا ، بادانا ، وحاتي ، قبيلة اديبالينز ... حيث اقاليمهم (كون بعيدة) نحو الغرب وسمعوا بشهرة حكمي واحضروا بدوون استثناء جزيتهم ذهب وفضة وجمال ونوق وكل انواع التوابل قدمت الي وقبلوا قدمي .. وأسست قصراً يتناسب مع مكانتي كملك لهم في .... وحددت ادبئيل كحاكم اعلى (فوقهم) في اقليم موصري ... )) (8) .
من النص نلاحظ ان (عريبو) تقع في اقليم سبأ وكانت الملكة عليهم هي سامسي (شمسي العربية) .
3- وكذلك لو ربطنا بين الرواية الدينية لعبادة بلقيس للشمس واسم الملكة شمسي سنصل لمرحلة من المقارنة بينهم ، وكذلك ان النصوص الاشورية تحدثت ايضاً عن ملكات عربيات اخريات قدمن الطاعة للملوك الاشوريين ، وفي اشارة من نص اشوري للملك سنحاريب يوضح ان الملك قد تزوج ملكة عربية اسمها (تبوعة) وكان له بنت منها ، وكما في الرواية الاسلامية التي تذكر ان سليمان قد تزوج من بلقيس ، اما بالنسبة لديانة مملكة سبأ ! فكانت ديانتهم الحقيقية هي ديانة قمرية وليست شمسية .
2- ان المنطقة التي كانت بها الملكة شمسي حسب النصوص الاشورية ، على الاكثر كانت هي نفس المنطقة التي جاءت منها بلقيس الى سليمان في الرواية الدينية .
3- ان التشابه بالاسماء ايضاً يعطينا دلالة على ان قصة سليمان لا تخلوا من التأثيرات الاشورية والبابلية ايضاً ، مثلاً ان اسم سليمان او سلمان هو قريب لفظياً من اسماء الملوك الاشوريين مثل (شلمنصر) او كما في الاكادية يلفظ (شولمانو)) ، مع العلم ان نصوص الملك الاشوري (شلمنصر الثالث) هي اول من ذكرت العرب في التاريخ في معركة قرقر ، وكذلك بالنسبة لهيكل سليمان فأن مصطلح الهيكل هو مصطلح ذو اصول سومرية استمر استعماله عند البابليين والاشوريين باسم (ايكال او اي – كال) والتي تعني (البيت العظيم) ، ومع ان اللغة الاكدية لا تحتوي على صوت (هـ) لذلك يتحول صوت (أ) الى (هـ) في اللغات الشرقية الاخرى مثل العربية او العبرية والارامية .
4- ان فكرة الجن والملائكة التي ارتبطت بها قصة سليمان هي فكرة بالأصل اشورية وان ما يدعى اليوم بالثور المجنح ما هو الا عبارة عن ملك حارس ويدعى (اللاماسو) وكانت وظيفته هي حراسة بوابات القصور والمدن والمعابد ، لأعتقاد الاشوريين بذلك ، وقبل ان تظهر قصة سليمان بالتأكيد .
5- ان الفترة المنسوبة لقصة سليمان هي نفس الفترة التي كانت اغلب مناطق الشرق القديم ومن ضمنها مصر وبعض اجزاء ايران وجميع مناطق الشام وبابل وشمال جزيرة العرب كانت تحت الحكم الاشوري .
لذلك ان القصة التوراتية كانت تتحدث على مملكة سبأ التي في شمال جزيرة العرب وليست التي في اليمن قبل ان يهاجروا الى اليمن الحالية .

اما عن قورش ، فالتوراة تقول ان قورش الملك الاخميني الذي اسقط بابل وخلصهم من السبي ، نلاحظ ان التوراة تقدم مادة كبيرة لقورش وتتحدث عنه كمخلص لهم من ظلم البابليين ، الا ان قورش في اسطوانته لا يشير إليهم نهائياً ولا يذكر اي تفاصيل عنهم ، وهذا ما يعني وجود إشكالية حقيقية حول وجودهم في تلك الفترة ، فيذكر قورش في اسطوانته التي دونها باللغة الاكدية البابلية :
((انا قورش ، ملك العالم ، الملك العظيم ، الملك القوي . ملك ارض بابل، ملك ارض سومر و اكاد ، ملك زوايا الارض الاربع.
إبن الملك العظيم قمبيز ، ملك مدينة آسان . حفيد الملك قورش العظيم ، ملك مدينة آسان . سليل الملك العظيم چیشبیش ،ملك مدينة آسان.
سليل الملوكية الابدية، الذي يحب كل من بعل و مردوخ حُكْمَه .واللذان ارادا له المُلْك بسبب صفاء قلبه.
عندما دخلت بابل بطريقة سلمية، ولما أقمت بكل ابتهاج سرير الملك في قصر الامير، آنئذ حنّن مردوخ الرب العظيم نحوي قلوب البابليين الرحبة و الكبيرة. وكل يوم احرص على عبادته .
ودخل جيش الكبير بهدوء الى مركز بابل .
ولم اسمح لاحد بأن يرهب ارض سومر و اكاد . وحرصت على حوائج بابل و كل معابدها لكي تكون محمية . اما اهل بابل فقد حررتهم من نيرهم ، واعدت بناء ما تهدم من منازلهم ، ووضعت حدا لمصيبتهم .
وسر الاله العظيم مردوخ بتصرفاتي ، ومنح لي بسخاء بركته - انا قورش الملك الذي يعبده ولإبني قمبيز سليل صلبي - ولكل جنودي ، ومنحنا فكراً طيباً في حضرته ، ونحن نسبح عظمته بلا حدود .
كل الملود القاعدين في قاعات العروش في زوايا الارض الاربع ، من بحر الشمال الى بحر الجنوب ، و كل من سكنوا هناك ، وكل ملوك بلاد الغرب المقيمين في الخيام ، حملوا لي جزية ثقيلة و قبلوا قدمي في بابل .
منذ [..........] الى مدن اشور و سوس و اكاد و اشنونة ، و مدن زمبان و مورنو و دير ، و ابعد من ارض جوتي ، المدن المقدسة فيما وراء دجلة ، التي كانت معابدها في حالة خراب ، والهتها في وسطها.
عدت الى هذه الاماكن ، و اعدت تعميرها ، وجمعت سكانها واعدت بناء بيوتهم . و الهة سومر و اكاد التي كانت بحوزة نبوخذنصر ، موقظاُ (بذلك) غضب رب الالهة ، عادت تلك الالهة الى بابل ، وبأمر مردوخ الرب العظيم اعدت السلام الى بيوتها ، مساكنها الهادئة .
عسى كل تلك الارواح التي اعدتها الى معابدها ان توجه كل يوم صلاة لصالحي الى بعل و نابو لتطول ايامي ، و عساهم يقولون لمردوخ ربي . وعسى قورش عبده ، و ابني قمبيز [........] )) (9) .

وعلى ما يبدو من نص قورش نلاحظ انه قد اعاد الشعوب التي هجرها الاشوريين الى مناطقهم ، وربما من عهده عاد البابليين المسبيين الذين سباهم سرجون الثاني واشوربانيبال الى بابل ، وهناك أسسوا الديانة الجديدة التي اعتمدت على التوحيد ، فيذكر الدكتور خزعل الماجدي في محاضرة له بعنوان (يهود الرافدين : التوراة والتلمود جاء من العراق) ، والتي اقامها اتحاد الجمعيات الديمقراطية العراقية والفيدرالية المندائية في هولندا بالتعاون مع النادي المندائي الثقافي في لاهاي ، وأعتبر الماجدي أن عـَـزرا الكاتب ( ومرقده باسم العزير في العمارة في العراق) هو المؤسس الحقيقي للديانة اليهودية وهو الذي ولد في بابل وتعلم لغتها ودرس تراثها ووضع الأسفار التناخية بغة آرامية بابلية ، من جانب آخر نشأت في وادي الرافدين ثلاث مدارس دينية يهودية كبرى كان لها أكبر الأثر في التاريخ اليهودي وهي (سورا ، نهر دعة أو نهراديا ، بمباديتا ) وتقع كلها على الفرات بين الفلوجة وبابل ، وقد بدأت عملها الأول بوضع الشروح الأولى لأسفار التوراة وهي نواة ماسيكون فيما بعد بال (مدراش) الذي استغرق اكتماله زمنا طويلاً .
وفي العصر الهيلنستي ظهر التقويم اليهودي الجديد على أساس التقويم البابلي (باستعمالهم الشهر الكبيس كل 19 عاماً) ، وفي هذه المرحلة نشأت السنهدرين (المحكمة العليا) وهي أعلى سلطة تشريعية وقضائية عندهم وكانت تحاكم كبار موظفيهم وتفتش عن من يدّعي شخصية مسيحهم المنتظر وهذه المحكمة هي التي حاكمت السيد المسيح (عيسى ) وقالت بأنه يدعي بأنه ملك اليهود والماشيح اليهودي المنتظروسلمته الى السلطات الرومانية فصلبته .
وفي العصر البارثي آوت بابل حاخامات اليهود الفارين من بطش السلطات الرومانية خصوصاً بعد تدمير أورشليم في 70 م وقتل اليهود المتمردين .وفي هذه الفترة تأسست مؤسسة جيروسيا (مجلس الشيوخ ) وأدارت الشؤون الداخلية لليهود .
وفي بداية العصر الساساني تهيئت الفرصة ليهود العراق لكتابة التلمود ، وهو الكتاب المقدس الثاني عندهم ، في المدارس اليهودية الآنفة الذكر ، فبعد أن قام الحاخام اليهودي العراقي في أورشليم ( هيليل) بكتابة أولية لكتاب المشنا (نسبة الى مملكلة ميشان او ميسان) الذي هو نواة التلمود بدأت مرحلة الأمورايم في بابل حيث كتب التلمود البابلي على مدى 300 سنة (200-500)م وهو أربعة أضعاف التلمود الأوشليمي الذي كتب بعده . وقد عاش اليهود بين مد وجزر في ظل الحكم الساساني وتعرض لمضايقات بسبب التبشير بالزرادشتية والمجوسية من قبل الفرس .
التاريخ الوسيط / الإسلامي ليهود العراق كان خصباً في أغلبه ، فقد أصبحت بغداد مقرا للمدارس اليهودية الدينية وظهر منصب الغاؤنيم وهو (رئيس المدرسة الدينية) الذي نافس منصب (الجالوت الأعظم ) الذي هو رئيس طائفة اليهود ، وكان من نتيجة ذلك آثار إيجابية على مستوى ظهور كتب تراثية جديدة لهم مثل كتاب الأسئلة (شايلتوت ) الذي ألفه العراقي راب أحي صبحا وكتاب الهلاقا الذي كانت جذوره القانونية بابلية قديمة ، لكن الغاؤون والجالوت كانا سبباً للتصادم بين مثقفي وزعماء اليهود من ناحية أخرى .وقد ولاقى اليهود معاملة حسنة من الخلفاء المسلمين ومن عامة المسلمين باعتبارهم أهل كتاب. وفي بغداد ظهر المدراش وهو شرح التناخ والتلمود ، وأصبحت غائونية بغداد العريقة آخر المدارس الروحية الكبرى في تاريخ اليهود الوسيط ، وحين جاء المغول لبغداد وخربوها شمل ذلك اليهود وتوقف نشاطهم المعرفي وبدأ نشاطهم بالأنتقال من بغداد إلى الأندلس ثم لإسبانيا بشكل عام وهناك طبعوا بصعوبة كتبهم وخصوصاً التلمود .

المصادر :
1- ف. إف. بروس. "The Last Thirty Years". Story of the Bible. ed. Frederic G. Kenyon Retrieved June 19, 2007 .
2- القدس (أورشليم) ونبوخذ نصر الثاني ملك بابل، د.عيد مرعي ،
3- كتاب اسرار بابل ، بليافسكي ، ترجمة : توفيق فائق نصار ، دار علاء الدين ، ط1 ، دمشق ، 2006 ، ص20 ، ص24 ، ص25 .
4- the babyloniaca of berossus ، Stanley Mayer Burstein .
5- كتاب اسرار بابل ، بليافسكي ، نفس المصدر ، ص42 .
6- كتاب اسرار بابل ، بليافسكي ، نفس المصدر ، ص38-43 .
7- العلاقات بين شمال شبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين ، د. عبد المعطي بن محمد بن عبد المعطي سمسم ، ايتراك للطباعة والنشر ، ط1 ، 2008 ، مكة المكرمة ، ص121 .
8- العلاقات بين شمال شبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين ، د. عبد المعطي بن محمد بن عبد المعطي سمسم ، نفس المصدر ، ص122 .
9- اليهود في المصادر المسمارية ، د.ابتهال عادل ابراهيم ، دار علاء الدين ، دمشق ، 2014 ، ط1 ، ص212 -213 .



#سيف_جلال_الدين_الطائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقيقة السبي البابلي وتاريخ نشوء اليهودية


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سيف جلال الدين الطائي - حقيقة السبي البابلي وتاريخ نشوء اليهودية