أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - وشوشات فبراير 18














المزيد.....

وشوشات فبراير 18


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5807 - 2018 / 3 / 6 - 13:05
المحور: الادب والفن
    



كنتُ أتجوّلُ في حيّ "حدائق القبة" بالقاهرة، وقد أنهيتُ لتوي قراءةَ كتاب "عبدةُ الصفر" للفرنسي آلان نادو. لمحتُ محلاً للزهور مكتوبًا عليه "عبدة للزهور الجميلة". أعجبني الاسم وقلت لابد أن صاحبه شاعرٌ، إذ آمن أن الزهورَ لابد لها من محرابٍ للعشق والتعبّد وتسبيح خالق الجمال الأعظم، سبحانه. دخلتُ المحلَّ وصافحتُ صاحبَه بحرارة وأعجاب بثقافته وتحضّره، وجسارته كذلك، وأنا أحدّث نفسي عن ارتقاء الوعي والذائقة والثقافة لدى تجّار بلادي. وبعدما أثنيتُ عليه وغمرتُه بفيض ابتساماتي وإعجاباتي، همستُ على استحياء: "ليتكَ فقط، أيها العزيز المثقف، ليتكَ تمحو الحرف الزائد (اللام) ليغدو الاسمُ: "عبدةُ الزهورِ الجميلة"، بدلاً من: "عبدةٌ للزهور الجميلة". نظر لي الرجلُ باستغراب واسترابة وشكّ. ثم خرج معي إلى بوابة المحلّ ورفع بصره وأشارَ بإصبعه إلى عنوان المحل قائلا: "عبدة... للزهور الجميلة"، أنا اسمي "عبده" وهذا محل محل زهور! سلامة نظرك!". نزلت كلماتُه على مسمعي كالصاعقة. وقلتُ لنفسي ليتني ما توقفتُ ولا سألتُ وعشتُ في وهم كاذب وجميل. وهممتُ أن أرتكب حماقة مع هذا "العبده"، لكنني كظمتُ غيظي، وأشحتُ وجهي، وصرختُ وأنا أعبر الشارع مسرعة: “طيب (عبده) بالهاء، مش بالتاء المربوطة يا عمّ، الله يسامحك بقا!”
حين ألتقيه المرةَ القادمة، سأطلبُ إليه أن أرافقَه مشوارَ حياته، لا أتركه لحظةً. سوف أقرأ له، أرتِّبُ مكتبَه وكتبَه ومكتبتَه. سأجلو الغبارَ عن الكرسي الذي يجلس عليه. وبرُقعةٍ من جلد غزال، سأصقلُ نظارته السوداء التي تُخبئ وراءها عينين نجلاوين. عينان أبصرتا أكثرَ مما أبصرت عيونُ البشر مجتمعين، وأعمق. حين يُطرِقُ برأسه ليغرقَ في تأملاته، سأصمتُ. فالصمتُ في حَرَم الجمال جمالٌ. وهو قطعةٌ بشرية من الجمال خلقه اللهُ ليكون قبسَ نورٍ للشعراء والأدباء والحائرين. أتأملُ الجلالَ المهيب. أتلصَّصُ على لحظة هاربة من الزمن، وأخترق هذا الرأس عساي أعرفُ كيف تعتملُ الفكرةُ في المخّ الاستثنائي. وحين يشْخَصُ ببصره لأعلى وينظر نحو لا شيء، أعرفُ أن الفكرةَ اكتملت، وأن مقالاً جديدًا أو دراسةً توشكُ أن ترى النور، أو أن كتابًا جديدًا قد وُلِدت فكرته الآن. وأن القرّاءَ الجوعى على موعد مع رؤية جديدة، لم تدوّنها ذاكرةُ الإنسانية، سوف تفتح دروبًا تُفضي إلى عالمٍ لم يرَوه من قبل. هذا الرجل أحبُّه. هذا الرجل السمه: “طه حسين".
هل مَن يفكّرون خارج الصندوق الحديدي ويتساءلون، أيًّا ما كان التفكير ومهما كان السؤال، هل هم أطفالٌ لا جُناح عليهم مثل أولئك الأطفال، تلاميذ المدرسة البريطانية، الذين تجاسروا وحاوروا اللهَ؟ أم هم مجانين لا تصحّ محاسبتهم لفُقدانهم الأهلية؟ أم هم كفّار، يستحقون الملاحقة بالقضايا والزجّ بهم في غياهب السجون، حتى يتوبَ الكفّارُ عن كفرهم وراء القضبان، أو ينفضوا عنهم جراثيم جنونهم، ويتخصلوا من بقايا طفولتهم التي سمحت لهم بالتفكير، ثم السؤال؟
طوبى للأطفال فإنهم لا يتوقفون عن السؤال ولا تبرحهم الدهشةُ. لكنني كبرتُ، للأسف! وبرحتْ رأسي تلك الأسئلة "الكبرى" الملوّنة التي تسكن الروؤس الصغيرة. حلّت محلها أسئلةٌ أكثرُ قتامةً وعبوسًا وأقلُّ شعريةً وألوانًا. ولم أتنازل عن الإجابات أبدًا. ولم أصل للإجابات أبدا. حتى اكتشفت الطريق الفذ للميلاد والموت كل يوم: الكتابة. في الشعر ليس فقط ستقدر أن تشهد لحظة ميلادك وموتك كثيرا جدا، بل تقدر أن تجعل من نفسك بشرا كثيرين. فأنا اليوم زنجية وغدا عمياء وبعد غد "عبيط القرية" وإسكافيّ ودلاي لاما وغاندي وجان دارك وفلورانس نايت إنجل، وهتلر أيضا. أنا اليوم إلهة وغدا شيطان وبعد غدٍ نحلةٌ ودودة وشرنقةُ وشجرةٌ وعمود إنارة. كل هؤلاء وأكثر أشهد ميلادَهم، ثم أقتلهم، فأشهد موتَهم. ألوّن حياتهم وملابسهم كما يحلو لي. أحاكمهم: أُثيبهم، أعاقبهم، أتوّجهم بأكاليل الغار أو الشوك أو أشنقهم حتى. ومحدش منهم يقدر يقول لي "بِمْ". أنا حرة محدش شريكي أعمل زي مانا عاوزة في صفحة ورقتي البيضاء! ألوّنها، أمزّقها، أعملها مراكبَ وطياراتٍ وعرائسَ وبشرا.
كلُّ هذا طبعًا بفرض أن أحدًا من قاصفي الأقلام سافكي الحبر سيأتي ليحاكم خيالي قائلا: "هذا ا كفرٌ وزندقة!” ثم يقيم عليّ دعوى حِسْبة لأرسمَ بقية خيالاتي وراء قضبان قفص!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاروق حسني … الفنانُ الذي يعرفه العالم
- حين عانقتُ (جميلة بوحَيرد)…أخبرتني الرصاصةُ
- عصا -راجح داوود- … في موريتانيا
- أبونا سمعان … العدلُ معقودٌ بناصية بلادي وجيشه
- الشمعةُ التي في قلوبكم
- بهيج إسماعيل … الروايةُ بنكهة الشِّعر والجنون
- صَهٍ … الجيشُ المصريُّ يتكلم!
- سأقولُ يومًا لأطفالي إنني زُرتُ العراق
- كتابي الفِضيّ: (نهم يصنعون الحياة)
- لماذا يُحاكَم الشيخ محمد عبد الله نصر؟
- صالون فاطمة ناعوت الشهري السبت القادم 27 يناير
- عن الإمارات سألوني .... فقلتُ (إنهم يصنعون الحياة)
- -البدلةُ الزرقاءُ وسامٌ- … قالتِ الجميلةُ
- قلقاسٌ على مائدة قبطية
- لأننا نستحقُّ الموسيقارة الجميلة!
- غدًا أُغرِّد مع عصافير شُرفتي
- معجزةُ إبراهيم أصلان
- الجيشُ العراقيُّ يُكملُ النوتةَ الموسيقية
- رسالةُ زهرة اللوتس ل كاتدرائية ميلاد المسيح
- صلاح عيسى … ورقة الغلابة التي سقطت


المزيد.....




- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...
- شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر ...
- طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - وشوشات فبراير 18