|
المقاومة وجيش التحرير كعائق لبروز وعي طبقي / اجتماعي جماهيري شعبي وثوري ( 10 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5806 - 2018 / 3 / 5 - 20:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الحلقة السابقة اوضحنا التناقض الأساسي بين النضال الوطني وبين النضال الطبقي / الاجتماعي الشعبي الجماهيري ، لأن النظام الممثل للبرجوازية الكمبرادورية ، وبالتحالف العضوي مع البرجوازية الميركانتيلية لجماعة آل الفاسي بقيادة عرابها علال الفاسي ، وظفوا وركزوا على النضال الوطني للالتفاف وتحنيط ، بل نفي واعدام النضال الطبقي / الاجتماعي ، الذي ستتضح ملامحه بعد استقلال ايكس ليبان ، حيث نجح النظام الكمبرادوري وبالتحالف مع البرجوازية الفاسية ، في تمييع دور( البرجوازية الوسطى وما فوق المتوسطة ) لجعله في نهاية المطاف خاضعا للبرجوازية الفاسية ( الوطنية ) للتّمكن من بسط الهيمنة على كل مفاصل الدولة بعد الاستقلال . وقد استمر نفس الخطاب يتردد طيلة الفترة التي تلت من الثلاثينات وحتى تسعينات القرن الماضي ، لتركيز دكتاتورية طبقية مفروضة على الشعب . خلال هذا المرحلة لم يكن حزب الاستقلال بقيادة البرجوازية الفاسية ، الميركانتيلية ، الكارثية ، المكارتية ،( المحافظة ) ، وحده من يشغل الساحة بأفكاره التي كانت تؤثث لمرحلة ما بعد الاستقلال ، بل كان الى جانب الحزب ، حركة المقاومة وجيش التحرير كطرفي نقيض للحزب . وقد انعكس هذا التناقض بين الجانبين في مرحلة بداية الاستقلال ، حيث كانت اللجنة التنفيذية للحزب ، مسؤولة عن اغتيالات المقاومين بشوارع الدارالبيضاء ، بدعوى تصفية الحسابات عن مرحلة ما قبل الاستقلال . كما لا ننسى احداث دار بريشة ، وتصفية مناضلي الحزب الليبرالي لمحمد بن الحسن الوزاني ، وامتداد يد الاجرام لتصفية رموز جيش التحرير وعلى رأسهم عباس المسعدي . ومما يجب على شباب اليوم معرفته ، ان اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ، وفي تناقضها الصارخ مع المقاومة التي رفضت الخضوع لتعليمات الحزب ، كانت تستنكر عمليات المقاومة المسلحة ، التي تعتبرها ازعاجا للحزب الذي اختار النضال السلمي البوليميكي الموجه الى الغرب ، والولايات المتحدة ، والشرق العربي . اما عن جيش التحرير وبخلاف المقاومة المدينية ، فكان على طرف نقيض من الحزب . فإذا كانت المقاومة المدينية قد تكونت من اهل البادية الذين كانوا يقطنون مدن الصفيح و أنْوايلْ ، خاصة بالدارالبيضاء ، ووادزم ، والشاوية .... لخ ، فان جيش التحرير تكون من القبائل البربرية التي استوطنت البلاد الثورية التي كانوا يسمونها ببلاد السيبة ، أي الأراضي الثائرة ضد النظام المركزي السلطاني بفاس ، وضد الاستعمار الفرنسي والاسباني . ( سنعود بتفصيل الى دراسة هذه الحقبة التي تآمر فيها علال الفاسي على الثورة المسلحة للقبائل البربرية التي كان يرى فيها تهديدا له ، ولمشروعه الهادف للسيطرة على الدولة ولطبقته وعائلته وللنظام ) . ان ثورة المسلحة لجيش التحرير من خلال ثورة وعصيان القبائل البربرية ، كانت سابقة على دخول الكلونيال الفرنسي الى بلادنا ، فهي كانت تستهدف النظام الذي لم يجد بدا من الاستعانة بفرنسا لحمايته من هذه الثورات التي كانت تهدف الى بناء نظام جمهوري كما حصل في الريف . وكان لاتفاقية الحماية التي وقعها السلطان عبدالحفيظ ، اكبر الأثر في تحديد اطراف الصراع الفاعلة في الساحة الوطنية . فمن جهة كان الحكم المركزي ومعه البرجوازية الفاسية ، الميركانتيلية ، الماكارتية ، الكارثية ، ومن جهة الكلونيال الفرنسي الاسباني المتحالف مع القوة الأولى ، ومن جهة كانت المقاومة المدينية خاصة تلك التي انبثقت عن الجناح البرجوازي الصغير الذي فشل في إيصال أفكاره البرجوازية الى جيش التحرير ، وكان كتناقض عن كل هذه الفئات ، القبائل الثورية المسلحة بقيادة جيش التحرير التي حكم علال الفاسي بفشلها ، ودعا الى استبداله بالنضال السلمي البرجوازي المحافظ ، تمهيدا للاستيلاء على الدولة ، وعلى الشعب بعد الحصول على الاستقلال . ان جذرية الأساليب النضالية (الكفاح المسلح ) التي اخذت بها حركة المقاومة وجيش التحرير المغربي ، لم يصاحبها تحول ثقافي ، أيديولوجي ثوري فعلي ، لفكر المقاومة المسلحة ، وللمفاهيم السياسية البرجوازية التي حكمت سير الحركة الوطنية ، وكانت سائدة في صفوفها . ولئن وُجدت براعم هذا التجاوز الأيديولوجي / السياسي في فكر وممارسة المقاومة وجيش التحرير، فهي بقيت جنينية ولم تصل لعدة أسباب، مداها الأقصى ، لتؤطر مجمل نشاط حركة المقاومة وجيش التحرير .ان هذه الحركة في نضالاتها ، لم تتجاوز سقف البنية الفكرية الأيديولوجية / السلفية / الدينية لمجموع الحركة الوطنية ، ولحزب الاستقلال تحديدا ، رغم انه لم يكن أي رابط تنظيمي يجمع بينهما . وقد حصرت المقاومة برنامجها السياسي في النضال من اجل عودة الملك من المنفى ، وإعلان استقلال البلاد ، دون ان تتجاوز هذا المستوى العام لتُجدد تصورا ، ولو اوليا ، للمجتمع المستقل ....لخ . وبالرغم من التأطير البرجوازي الصغير وقاعدتها الشعبية (اشباه بروليتارية ، عمال ، فلاحين ... لخ ) ، بقيت المقاومة وجيش التحرير ، خاصة جيش الجنوب ، غارقا في الأيديولوجية السلفية / الدينية ، ولم تتحرر من هكذا نمط تقليدي لتبلور تصورا ثوريا مغايرا . وكانت منظمات المقاومة بمختلف اتجاهاتها، ومن خلال مناشيرها النادرة ، تتوجه الى الشعب المغربي قاطبة ، وليس كطبقة ، وتؤكد باستمرار على " وحدة الشعب " ، وعلى تلافي التفرقة من اجل مواجهة قوى الاحتلال . ونفس الاتجاه تؤكده المرافعات السياسية لمناضلي المقاومة ، خلال المحاكمات العسكرية والمدنية التي شهدتها بلادنا خلال فترة المقاومة المدينية . كما ان البعد القومي والإسلامي ( منْ خلال نشاط " مكتب المغرب العربي " بالقاهرة ) ، لم يشكل تحولا نوعيا في فكر وممارسة حركة المقاومة وجيش التحرير ، سيما ان الاتجاهات القُطرية هي التي كانت لها الغلبة ، فضلا عن كون الإنجازات النضالية المشتركة بين الحركات التحررية لبلدان المغرب العربي ، بقيت محدودة بالرغم من كل ما قيل بهذا الشأن . وإذا كانت الوثيقة التي أصدرها المجلس الوطني للمقاومة المغربية ، بعد اعلان الاستقلال ، قد تضمنت تنديدا صريحا بالخونة والاقطاعيين الذين استفادوا من نِعَم الاستقلال ضدا على مصالح الشعب ...لخ ، فإنها كانت مع ذلك ، تؤكد على " وحدة " الشعب ، وبقيت المقاومة بالرغم من تقدم وعي بعض قادتها البارزين في اطار الوعي السائد آنذاك ، متشبثة بالأيديولوجية / الفكر الوطني ، ولم تدرك بكل وضوح طبيعة المرحلة الجديدة و آليات الاستعمار الجديد ، سيما ان التناقضات الاجتماعية / الطبقية كانت تكتسي صبغة إقليمية او قبلية ( عدي اوبيهي ) ، وتخفي طابعها الطبقي / الاجتماعي . والحصيلة الأساسية هي ان الحركة الوطنية ، بمختلف مكوناتها ، نظرا لطبيعة النضال الوطني ، وللتناقضات والتحالفات الطبقية التي تمخضت عنه أولا ، واعتبارا للقوى السياسية التي تصدرت هذا النضال ، وشكلت القيادة الفعلية السياسية / الأيديولوجية والتنظيمية للحركة الوطنية ثانيا ، تكون قد عملت على عرقلة بروز الوعي الطبقي / الاجتماعي لدى الفئات والطبقة شبه الشعبية على امتداد مرحلة النضال الوطني ، وبعد اعلان الاستقلال . بيد ان الحركة الوطنية قد ساهمت بنضالها الأيديولوجي / السياسي ، في بلورة وسيادة الوعي الوطني ، ذلك انها صهرت في بوتقة واحدة ، وفي خضم مواجهة الاستعمار ، وعي الجماهير الشعبية ، أيا كان انتماؤها الإقليمي او القبلي في قالب الوعي الوطني . كما عملت على ان يصبح الوعي / الإحساس بوحدة الوطن / الامة ، ووحدة المصير ، هو الموجه والمحرك للنضال الشعبي ضد الكلونيال . وبذلك تكون الحركة الوطنية قد اضطلعت بدور بارز، في نسف النزاعات في الفكر / الوعي القبلي / الإقليمي التي كان الاستعمار يعتمدها ،ويستند اليها لشق وحدة الشعب ، ومجابهة إصلاحية الحركة الوطنية التي تمسكت في مرحلة من تاريخها بمطلب تطبيق اتفاقية الحماية . لكن ما هي البدائل التي طرحت لتجاوز الوعي الوطني غداة استقلال البلاد ، وما هي علاقاتها بالوعي الطبقي / الاجتماعي الجماهيري الشعبي الثوري ؟ لئن كان الوعي الوطني يمثل بكل تأكيد ، مرحلة متقدمة من تطور الوعي بالمقارنة مع اشكال الوعي الإقليمي ، القبلي او العشائري ...لخ ، فإن البدائل المقترحة لتجاوز هذا الوعي ، كانت تستمد قوتها من بقايا الفكر القبلي / العشائري ، وتعمل على بعثها من الرماد . فكانت كل هذه البدائل تسير في اتجاه معاكس لبروز وعي الطبقات الكادحة ، وادراكها لمصالحها الحقيقية . ونستثني من هذه البدائل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، حيث يشكل الفكر الاتحادي النموذج الوحيد المتقدم لتجاوز الأيديولوجية / الفكر الاستقلالي ل ( سيدي علال الفاسي هههههه ) ، دون قطع الصلات مع الوعي الوطني ، ودون الانغماس في الوعي والممارسات الإقليمية / القبلية . وإذ شكل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المعبر عن الوعي الوطني التقدمي ، فانه لم يجسد ، في بدايته ، اختيارا طبقيا واضحا ، سيما انه طرح نفسه كامتداد طبيعي للحركة الوطنية في شقها الميركانتيلي المكارتي ، وفي نفس الوقت وريث شرعي للمقاومة وجيش التحرير . ( يتبع ) .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوعي الوطني كعائق للوعي الطبقي / الاجتماعي ( 9 )
-
الإتحاد الأوربي يعترف بالجمهورية الصحراوية . اللّهمّ لا شمات
...
-
في دولة تجمع مواصفات وصفات البتريركية ، الباتريمونيالية ، ال
...
-
سبع سنوات مرت على حركة 20 فبراير
-
الركود وراء سراب الاغتناء السريع غير المشروع -- الحركية المج
...
-
الإنتهازية والوصولية وثقافة التقاليد البالية الممزوجة بثقافة
...
-
دائما محاولة لتشخيص اسباب انعدام بروز وعي / اجتماعي / طبقي ج
...
-
عوامل حالت وتحول دون بروز وعي اجتماعي / طبقي جماهيري شعبي --
...
-
ما هي معوقات بروز وعي اجتماعي / طبقي شعبي جماهيري بالمغرب ؟
...
-
وعي جماهيري شعبي اجتماعي امْ وعي طبقي ؟ ( 2 )
-
صراع طبقي ام صراع اجتماعي ( 1 )
-
المثقف الثوري والوعي الطبقي
-
طلقات في عزّ الليل
-
الملكية البرلمانية . سؤال : ايُّ ملكية نريد ؟
-
هل اصبحت القرارات الأممية ومجلس الامن ، متجاوزين في حل نزاع
...
-
نقاش سياسي -- الجمهوريون --
-
هل ستعترف اوربة بالجمهورية الصحراوية ، إنْ حضرت اللقاء المنت
...
-
إيجابات رفيق في زمن الخيانة ، في زمن الردع العربي
-
إغتراب البطولة في رواية - وليمة لأعشاب البحر -
-
خطاب الملك و مآل الصحراء
المزيد.....
-
مصر.. بدء تطبيق التوقيت الشتوي.. وبرلمانية: طالبنا الحكومة ب
...
-
نتنياهو يهدد.. لن تملك إيران سلاحا نوويا
-
سقوط مسيرة -مجهولة- في الأردن.. ومصدر عسكري يعلق
-
الهند تضيء ملايين المصابيح الطينية في احتفالات -ديوالي- المق
...
-
المغرب يعتقل الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني
-
استطلاع: أغلبية الألمان يرغبون في إجراء انتخابات مبكرة
-
المنفي: الاستفتاء الشعبي على قوانين الانتخابات يكسر الجمود و
...
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
الحرس الثوري الإيراني: رد طهران على العدوان الإسرائيلي حتمي
...
-
الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال الألماني بسبب إغلا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|