ثائر ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 5801 - 2018 / 2 / 28 - 10:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رغم ان القرآن يحفلُ بعددٍ كبير من الاشخاصِ ممن لم يكونوا انبياء سواء كانوا مؤمنين مثل آســيــا بنت مزاحم إمرأة فرعون او أعداء للأنبياء مثل النمرود وابو لهب, الا ان القاسم المشترك بينهم كلهم هو انهم كانوا معاصرون للإنبياء المذكورين الا في حالة إصحاب الكهف او "ألسبعة النائمون في كهف أفسوس" حسب الاسطورة الرومانية/الكاثوليكية, فاصحاب الكهف وحسب الاسطورة (بكل مصادرها المسيــحيـــة والاسلامية) كانوا فتية مسيحيون في فترة الامبراطور الروماني ديسيوس في القرن الثـــالث ميلادي فـي محيط روماني وثني كان إضطهاد المسيحيين فيه امراً شائعاً, وكانت أسماؤهم وعلى التوالي: ماكسيميليان, لامبليكس, مارتينيان, جون, ديونيسس, قسطنطين وانتونيوس. ماكسيميليان كان إبن حــاكم مدينــة افســوس والبقية من اســر نافــذة جداً في المدينـة وكان السبعة ضباطــاً في الجيش الامبراطوري الروماني إلى ان علم الامبراطور ديسيوس بمسيحيتهم فجردهم من رتبهم واعطاهـم مهلة للتفكير بالتوبـة والعودة لعبادة الهة الرومان, قام السبعة بالاختباء في كهف لفترة طويلة ولما يــأس الإمبراطور ديسيوس من توبتهم أمر باغلاق مدخل الكهف عليهم بالاحجار ليموتـــوا من العطش والجــوع فأنامهم الرب نومـاً طويلاً لغاية ما.
قصة عودتهم من سباتهم بعد مايقارب مئتي عاماً أمر يشي بنظرية المؤامرة وتسخير الاسطورة لــفرض الدين والسلطة على الشعب, ففي عهد الإمبراطور الروماني ثيــوديــوس الاصغــر (مسيحي) كثـر عدد المشككين بقيامة الموتى تماما والبعض ممن شككوا بقيامة الجـسد إذ قالوا بقيــامــة الروح فقط فإبتــكرت العقلية الحاكمة (دنيوية ولاهوتية) إســطورة إستيقاظ ألسبعة للقضاء على أفكار "المهرطقين" وإعــادتهم إلى حظيرة الطاعة.
ألرواية الأسلامية لإصحاب الكهف لاتخلو عن البراغماتية التي عومـلـت بها هذه الاســطــورة في زمـن ثيوديوس (الغــايــة تبرر الوسيلـــة) فيذكر في سبب نــزول سورة الكهف ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَــةً وَهَيِّئْ لَنَــــا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثـُوا أَمَدًا﴾ ان محمد بن إســحق ذكر بإسناده عن ســعيد بن جبــيــر وعكرمة عن ابن عباس, أن النضر بــن الحرث بن كلدة وعقبــة بن أبي معيط أنــفــذتهما قريش إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهما سلاهم عن محمد وصفــا لهم صفته وخبراهـم بقولــه فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم من علم الأنبياء ما ليس عندنا فخــرجــا حتى قدما المدينة فسألا أحبار اليهود عن النبي وقالا لهم ما قالت قريش فقال لهما أحبار اليهود اسألوه عن ثلاث فإن أخبــركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فهو رجل متقــول فرأوا فيه رأيـكم سلوه عن فتية ذهبــوا في الدهــر الأول ما كــان أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه وسلوه عن الروح ما هو وفي رواية أخرى فـــإن أخبــركم عن الثنتين ولم يخبركم بالــروح فهو نبي فانصرفا إلى مكة فقالا يا معاشــر قريش قد جئناكم بفصل مـــا بينكم وبين محمد وقصا عليهم القصة فجاؤوا إلى النبي فسألوه فقال أخبركم بما سألتم عنه غدا ولم يستثن فانصرفوا عنه فمكث خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيــا ولا يأتيه جــبـرائيل حتى أرجف أهل مكة وتكلمــوا في ذلك فشـق على رسول الله ما يتكلم به أهــل مكة عليه ثم جاءه جبــرائيل عــن الله بسورة الكهف وفيها ما سألوه عنه عن أمر الفتية والرجل الطــواف وأنـــزل عليه ويسألونــك عن الروح قال ابن إسحق: فذكر لي أن رسول الله قال لجبرائيل حين جاءه لقد احتبست عني يا جبرائيل فقـــال لـــه جبرائيل وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا الآية.
هناك عدة مآخذ على توظيف هذه الاسطورة قرآنياً مثل نصح احبار اليهود للقريشيين بسؤال محمد عــن إصحاب الكهف للتأكد من نبوته رغم ان إصحاب الكهف لايمتون بصلةٍ للتوراة والأدبيات الاسرائيليــــة فهم مواطنين رومان (رغم الاختلاف على موقعهم في الامبراطورية) ممن اعتنقوا المسيحية قروناً بعد المسيح فإن كان احبار اليهود يؤمنون بقدسية اصحاب الكهف ودينهم وصدق قصتهم اما كان حريا بهم ترك اليهودية واعتناق المسيحية؟.
المأخذ الآخر هو إفتراض كل من قريش واحبار اليهــود جهل محمد (الذي كان يذهب لبلد الشــام بشـكل دوري للإتجار نيابة عن زوجته خديجة بنت خويلد) بقصة اصحاب الكهـف التي كانت تــراثـــاً رومانياً وشامياً متداولاً ومعروفاً (بعض الدراسات تنسب اصحاب الكهف لمنطقة بلاد الشام) فمحمد (رغم اميته الابجدية المفترضة) كان رجلاً ذكي ذو سعة افق وتعطش للمعرفة ولا يحتاج للمكوث خمس عشرة ليلة بإنتظار جبرائيل ليذكر قصة معروفة.
اما المأخذ الاكــثــر جديــة وهو ذكر اصحاب الكهف في القرآن واحاطتهـــم بهالة قدسيـــة رغم كونهـم مسيحيون يؤمنون بالتثليث ( يُكفّر ألقرآن الذين يؤمنون بالتثليث: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثـــَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (73) ســــــورة المائدة ) إذ تشير نصوص الاسطورة التاريخية (فلما استيقظوا ورأوا أن المسيحية قــد انتشرت انتشاراً عظيماً في تلك المدة ذهلــوا، لأنهم لما ناموا كان الناس يعتبرون الصليب علامة احتقـار وعار، ولمـــا استيقظوا رأوه يتلألأ على تاج الإمـبـراطــور وعلى أعلام مملكته، وأن جميع رعايـا المملكة الرومانية قد دانوا بالمسيحية).
لغاية نبوة محمد انتهى الوحي السماوي وإجتراح المعجزات بيسوع الناصري فإن يــقوم القرآن بـتـقديس افراد (يُكّفرهم لإيمانهم بعقيدة التثليث) ممن آمنوا بيسوع بعد قرون من مــوتــه وبعد إنقطاع الــــوحــي بشــكل كامــل (لحين نبوة محمد) امراً يثير اكثر من تساؤل ويدفع للتشكيك بمصداقيـــة الأمـــر جملـــة وتفصيلا.
#ثائر_ابو_رغيف (هاشتاغ)