أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد وادي - إلام نظل موزعين بين الموت والوطن والمنفى؟














المزيد.....

إلام نظل موزعين بين الموت والوطن والمنفى؟


جواد وادي

الحوار المتمدن-العدد: 5801 - 2018 / 2 / 28 - 01:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




إنه عتابٌ دامٍ مع الوطن البعيد، والمنفى، والموت الذي أخذ يزحف حتى لأسرة نومنا، بعد أن بلغنا من العمر ارذله، بعد أن كنا وما زلنا محملين بهموم وطن ظل يستوطن وجداننا المنكسر دائما وعلى امتداد عقود المحن التي مرت بالعراق ولم تسنح لنا فرص الانعتاق من ربقتها وهي آخذة بالتمدد يوما إثر آخر، ونحن نمنّي النفس أن ننال قسطا من الاطمئنان، وبأننا نرتمي في أحضان وطن يمنحنا لمسة حنان يعوضنا ما فاتنا من عقود عمرنا التي مرت دون أن نحفل بهدأة وسلام وحياة بقينا نتمناها ونسعى لها حتى في احلامنا، ما أن نضع رؤوسنا على وسائدنا ونستحضر اذرع الوطن تمتد لأجسادنا المنهكة لتمنحنا دفئا بقى يلازمنا ونحن في منافينا، رغم حجم الخسائر التي يئن منها لنشاركه عذاباته ويشاركنا وحدتنا واحساسنا باليتم الذي ظل ديدننا منذ أن غادرناه بدموع وحسرة وألم وما كنا نعرف إن كانت تلك هي رحلة الوداع الأخيرة، أم أن ثمة أمل بالعودة لأحضانه وبقينا نتشبث بهذه الأمنية منذ أن غادرناه شبابا يافعين بعمر الزهور، حتى أخذت ورود اعمارنا الغضة تأخذ بالذبول سنة بعد أخرى، وأملنا المعقود بالعودة آخذ بالتلاشي، وأهالينا يتساقطون كأوراق الخريف واحدا واحدا دون أن نلقي عليهم نظرة الوداع الأخير، أو نطبع على جباههم قبلة، عرفانا لهم وهم يلاحقون اخبارنا حين كنا في وطن لا يعرف غير السجون والمعتقلات والملاحقات وتغييب الأحبة. لتستمر محنهم ونحن بعيدين عنهم، موزعين في أصقاع الله الواسعة والنائية عنهم.
وانا أتذكر بخشوع سيرة أهلنا الطيبين وحجم عذاباتهم المهول وقلوبهم معلقة بنا وبأخبارنا وهم يعانون الأرق والسهد والمواجع التي ما تحرروا منها يوما، تذكرت أمي وعمتي "الزايرة" حين قررتا وبإصرار لا رجعة عنه، أن تسافرا لسجن نقرة السلمان لزيارة أخي الأكبر المعتقل في ذلك السجن الصحراوي المخيف، سجن الموت والتصفيات الجسدية، أواخر عام 1963، وقت كان حزب البعث الفاشي وجلاديه يرسلون خيرة شباب العراق ومفكريه ورجالاته لذلك المنفى الذي كان العراقيون يعتبرونه وضع نهايات لأعمار أولئك المناضلين الأفذاذ، بعد أن حشروا المئات من المعتقلين في قطار الموت المعروف لدى العراقيين، فيا لها من مغامرة محفوفة بالمخاطر تلك التي عزمت أمي بالقيام بها.
كانت أمي تنوح ليل نهار على ابنها الذي لا تعرف عن اخباره شيئا، حيث تصل من حين لآخر أخبار موت وتصفيات وقتل فلذات اكبادهم، وكنا نخشى عليها أن تقضي نحبها بكاء وألما على ولدها، لهذا قررت السفر لذلك المنفى الذي كان يعتبر نهاية الحياة، حين عقدت العزم على السفر صحبة عمتي التي كانت أكثر جرأة منها، ومما زاد من مخاوف العائلة وقلقها، انها قررت اصطحاب حفيدها الذي لم يبلغ حينها من عمره الثلاثة أعوام، بمغامرة تكتنفها المخاطر والأهوال وحرارة الجو الذي تفوق الخمسين درجة.
أفلحت أمي المسكينة في الوصول لذلك الجحيم الأرضي، وعادت لنا وهي بفرح غامر ممزوج بحنين الأمومة الذي تركته هناك مع اعداد هائلة من رزم رسائل المعتقلين التي بقيت أنا الصغير اليافع مع والدي نبحث عن عناوين العوائل لإيصال الرسائل لهم.
آثرت أن استعين بذاكرتي لإدراج هذه المحطة الهامة من عشرات المحن التي مررنا بها وعوائلنا منذ نعومة اظفارنا لتكون شاهدا على حجم المرارات التي لا نحتكم على غيرها ونحن نتنقل من فاجعة لأخرى، دون بصيص أمل بالتخلص من ربقة المآسي التي كانت هاجسنا ومصدر تعاستنا، وحين هربنا بجلودنا وما نرتديه من أسمال خوفا من مخالب الموت التي كانت آخذة بالتمدد نحونا نحن الذين بقينا بذات الوفاء والإخلاص والايمان للقيم والمبادئ التي تربينا عليها، حيث كان من العسير التهاون بها أو المساومة عليها، بات قدرنا أن نختار المنافي التي تحولت الى ملاذات أخيرة لا خيار لنا سواها، واخبار الأهل تصلنا يوميا وهي تحمل الفواجع والكوارث، وروائح الموت تصل حتى لمنافينا، فماذا ربحنا اذاً غير أننا بقينا ممسكين بكرامتنا بتشبث نادر تلك التي اعتبرناها هي الرأسمال للحقيقي للتفاخر بالحفاظ على نقائنا.
وها هم الأحبة ممن شاركونا ذات الملاذات البعيدة عن الوطن الذبيح شأنهم شأن الراحلين من اهالينا واصدقائنا ورفاقنا واخبار الموت هي من تصلنا فنكتفي بالنواح والنشيج، والحسرة تأكل دواخلنا دون أن نقول لهم وداعا، ها هم أصدقاء المنافي من رفاق وأحبة يغادروننا يوما بعد آخر، ولا نملك من أمرنا غير النحيب على ما حل بهم وما سيحل بنا، بالأمس القريب ثكلنا بفاجعة رحيل رفيقنا جمعة الحلفي، وقبلها برحيل رفيقنا أبو مريم، واليوم نتوصل بمغادرتنا المفكر العزيز الدكتور فالح عبد الجبار، وغيرهم الكثير، حيث نختزن الآن بمفكرتنا الدامية أخبار الأمراض المميتة التي تلازمنا، فمنا من ينتظر رحيله قريبا ومنا من يأمل بكسب حفنة من أيام قادمة.
فما أمرّ وما وأقسى وأشد حزنا وأنت تنتظر رحيلك بعيدا عن الأحبة والأصدقاء وما تبقّى من أهل، وقبل كل شيء دون أن تحفل بلمسة دفْ من تراب الوطن، فهل هذه الرغبة الإنسانية بعظيمة التحقق.
وأخيرا أقول لأحبتي واصدقائي ورفاقي ممن ينتظرون يوم رحيلهم، ما علينا إلا أن نستثمر ما تبقى لنا من أيام لنرثي الوطن قبل أن نرثي أنفسنا.



#جواد_وادي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنها فرصتك الأخيرة أيها الناخب العراقي المتضرر من نهج الفاسد ...
- يا للمهزلة... ولايتي يدس حقده المسموم في ارض العراق
- شباط الأسود وصمة عار في تاريخ حزب البعث الفاشي
- تحية لهذا الشيوعي المقدام
- قصائد لاعمارنا الهاربة
- ايها الناخب صوتك مستقبلك لتصحيح المسار
- شتان بين الإرث الشيوعي والإرث الطائفي والإثني
- هل من سبيل لإيقاف نزيف الفساد المدمر؟!
- حرب الأخوة غضب على الجميع
- سِفرٌ جديد يضاف لأسفار الفنان والباحث في المقام العراقي
- سِفرٌ جديد يضاف لأسفار الفنان والباحث في المقام العراقي الدك ...
- مكابدات عراقي مغترب لما يدور في الوطن
- مقر حزبنا في الديوانية يتعرض لاعتداء أثيم
- مصطفى عبد الله منجم شعري أفل قبل الأوان
- مكابدات عراقية... محنة المثقف العراقي
- حين يتحول الإبداع إلى طقس صوفي
- قصائد من ديواني الرابع -ألحان القيثارة السومرية-
- مختارات من شعر الهايكو
- هذا ما فعلته الطائفية في العراق...!
- مذكراتُ مقاتلْ


المزيد.....




- ترامب يعترف بتقييم الاستخبارات حول وضع مواقع إيران النووية ب ...
- بعد وقف إطلاق النار.. وزير دفاع إيران يصل الصين في زيارة تست ...
- موجة حر غير مسبوقة تجتاح شرق روسيا: حرارة قياسية وحرائق تهدد ...
- عاجل | حماس: جرائم الاحتلال ومستوطنيه وآخرها في كفر مالك تست ...
- انقسام المخابرات حول فاعلية الضربة يثير الشكوك بشأن مصير نوو ...
- خلاف أميركي سويسري بشأن أسعار -إف 35-
- مجددا.. ويتكوف يحدد -خطوط إيران الحمراء-
- -سي آي إيه-: منشآت إيران النووية الرئيسية -دُمرت-
- هجوم لمستوطنين في الضفة والجيش الإسرائيلي يقتل 3 فلسطينيين
- فيديو منسوب لمشاهد دمار في إسرائيل جراء الصواريخ الإيرانية.. ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد وادي - إلام نظل موزعين بين الموت والوطن والمنفى؟