أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد هيهات - الوجه الأحمر الصقيل (قصة قصيرة)















المزيد.....

الوجه الأحمر الصقيل (قصة قصيرة)


أحمد هيهات

الحوار المتمدن-العدد: 5784 - 2018 / 2 / 11 - 02:32
المحور: الادب والفن
    


الوجه الأحمر الصقيل
بلغ الحاج محمد العربي من العمر أرذله وهو معدود في الصالحين الأخيار وإن صدرت عنه كلمات نابية وتصرفات رعناء كثيرة في المواقف التي يغضب فيها بسبب أو بغير سبب متذرعا بنصرة الحق والخفة والهرع إلى الدفاع عنه لأنه لا يستطيع صبرا على رؤية حقه يهضم.
وهو الآن على رأس قائمة الأعيان في قبيلته التي لفظته قبل ذلك، وهو زعيم مقدميهم وقد بلغ من المكانة أنه لا يقضى أمر إلا بأمره ومشورته وموافقته، وإن كان في شبابه نكرة متروكا لأنه كان نزقا صعلوكا لم يرض يوما بوضعه المادي الضيق ووزنه الاجتماعي الخفيف، فقد ارتكب في سبيل التحول من هذا الوضع إلى غيره المهالك واجترأ على كل القواعد والأعراف والأحكام حتى أورده طموحه المجنون الموارد التي لا ينجو من نتائجها الحتمية الوخيمة إلا رجل صعلوك داهية حربائي مثله.
كان الحاج محمد العربي عفيفا ورعا زاهدا في كثير من المواضيع التي لا يرجى منها طائل ولا يجنى منها فائدة ولا يعود عليه منها عائدة إلا موضوع واحد لم يكن يقدر على هجره والبدء والإعادة فيه كل مرة، وإثارته مع كل من يجالسه ويلتقي به من المقربين وغير المقربين، وهذا الموضوع يصنف عند المتعففين من السادة والأشراف والنبلاء من المواضيع التي تناقش في الخلاء والخلوة ومع خاصة الخاصة لا في الملاء ووسط الجموع، وذلك لأنه من زمرة المواضيع التي تخرم المروءة خصوصا في حق رجل مثله عالي المثابة كثير المهابة محذور الجانب معتبر القدر.
وقد كان الحاج محمد العربي يخبر أقرب المقربين إليه أن اهتمامه بهذا الموضوع قاعدته وأسه الخوف على أمة العرب والسعي إلى تكثير سوادها والمفاخرة بها بين الأمم، والاستزادة من العدد وإعداد العدة للمعركة الأخيرة الفاصلة بين الحق والباطل، وهي الذريعة التي لم يقتنع بها هؤلاء المقربون، ولكنهم مضطرون إلى مداراته ومسايرته وإرضائه خوفا منه وخوفا من فقدان الحظوة عنده والزلفى التي يتمتعون بها وما تفيضه عليهم من عوائد وفوائد لا تحصى ولا تنتهي.
وهو السبب نفسه الذي دفع أحد الرعاة الأغرار الوافدين على الحاج محمد العربي من أجل نيل الصلة والعطاء وتوسيع حمى الرعي مقابل الإسراف في مدح الحاج محمد العربي والتحدث بفضائله وحلمه وكرمه، فقد جعله هذا السبب يندم أشد الندم بأن أجاب الحاج محمد العربي بغير ما يحب سماعه كجواب في موضوع الفحولة والرجولة، وهو الذي كان كثير الاعتداد بفحولته والمفاخرة برجولته بمناسبة وبغير مناسبة، خصوصا وأن الواقع لا يسعف ادعاءه ومفاخراته فهو لم يُعقب إلا ولدا واحدا على ما في نفسه تجاهه، وذلك على الرغم من كثرة زيجاته، وتعدد زوجاته اللواتي سارعت ثلاثة منهن إلى تطليق أنفسهن منه، وفي كل مرة كان الحاج محمد العربي يخرج ببيان شديد اللهجة يشرح فيه أسباب تسريحه لنسائه، ولا ينسى في كل مرة أن يشير إلى فحولته الزائدة عن الحد في تلميح يفوق في وضوحه التصريح.
وقد تضمن الجواب المتسرع الذي قدمه الراعي الغر الوافد على الحاج محمد العربي اعتزازا واضحا بالحالة الممتازة التي ينعم بها هذا الراعي في موضوع الفحولة، وإن كان شيخا شيبة كبيرا مما أغضب الحاج محمد العربي وأهمه فطرد الراعي الشيخ المسكين من المجلس دون أن يعلم المطرود حقيقة جرمه وفداحة جريرته التي تسببت في حنق الحاج عليه إلا من أحد الأتباع المقربين، فتيقن أنه لن ينال خيرا ، فشكا حاله إلى زوجته التي كانت ترافقه فكادت كيدها واحتالت بين حريم الحاج محمد العربي لإصلاح الأمر.
وقد اتجهت زوجة الراعي إلى زوجة الحاج وبالغت في الشكوى والتبرم وإظهار الحاجة والافتقار وعدم بلوغ الإرب في ما يكون بين المرء وزوجه، وأن الراعي الشيخ لا ينال منها شيئا منذ أمد طويل، وأنهما في الفراش كامرأتين في لحاف واحد، ولكن قلة الحيلة وكثرة الولد والعقب وخشية الفضيحة والعار على زوجها في أواخر سني حياته آثرت البقاء في عصمته التي لا تكاد تعصمها من عزمات الهوى وزلات الغواية.
عاد الحاج محمد العربي عشاء يندب حظه العاثر في صمت، وعلى وجهه الأحمر الصقيل التي تكاد شعيرات الدم الممتلئة تبرز منه مخايل الغضب واليأس وعدم الرضا التي تزيد من احمرار الوجه واقترابه من الانفجار، فبادرته زوجته إلى الاستفسار عن حاله، فأجابها بجواب عام حول كثرة الأشغال والوافدين الطالبين للعطايا والصلات مقابل الاستمرار في الحلف المقدس المهدد الذي تسنده الأموال الكاسدة، وفي ثنايا هذه المواضيع الكبيرة لم ينتبه الحاج إلى إدراج موضوع الراعي الشيخ المستفز الذي يدعي القوة والقدرة على قضاء الوطر من حليلته كلما شاء ضمن هذه المواضيع.
استغربت الزوجة من هذا الكلام الذي يناقض تصريح زوجة الراعي الشيخ وشكواها، فقرر الحاج محمد العربي وزوجته الاحتيال والمكيدة للإيقاع بالراعي الكذوب وإظهار حقيقته، فاتفقا على أن تجلس وزوجة الراعي المدعي وراء حجاب يفصل بين مجلس الحاج محمد العربي وخباء حريمه حتى تسمع ما يدعيه زوجها الشيخ الكذوب.
عاود الحاج محمد العربي دعوة الراعي المسكين إلى مجلسه الذي دعا إليه أصحابه المقربين وندماءه الدائمين ليكونوا شهداء على الواقعة المنتظرة وسفراء لنشر دهاء الحاج وفطنته، ودون مقدمات كرر سؤاله للراعي عن أحواله مع رفيقة دربه، فكان منه الجواب السابق نفسه من الشدة والبأس في بلوغ الغاية وتحصيل النهاية، وما كاد الراعي المسكين المضطرب ينتهي من جوابه حتى صاحت به زوجته من وراء الحجاب تلعنه وتكذبه وتسفه كلامه وتشكو ميل حالها، وطول صبرها وهوانها على النساء.
فتدخل الحاج محمد العربي وعلامات الفرح تزين وجهه الأحمر المحتقن، والقهقهة تخالط كلماته وقال:
- ماذا تقول بعد كلام زوجتك أيها الشيخ الكذوب.
أجاب الراعي الشيخ:
- الكذب لؤم والعفو كرم، وهل منا إلا مضطر في وقت من الأوقات إلى ركوب المخاطر من أجل النجاة من المآزق، ثم إنه شرف الرجل وسمعته على المحك، وما كنت أظن التي تحت سقف بيتي تعين الزمان علي وتكشف خبيئتي، فوا خجلتي ويا خيبتي على انكشاف سري ودخولي في دائرة الكذابين المحذورين.
فضحك الحاج محمد العربي وقال في راحة تامة واطمئنان كبير:
- لا تعد لمثل هذا أبدا أيها الراعي الشيخ، فأنا الحاج محمد العربي، وقد أجبنا سؤلك وقضينا حاجتك، وزدناك على ذلك زينة عروس من الحلي والحلل لزوجتك لقاء صدقها وصبرها.
فانصرف الجميع راضين فرحين مسرورين شاكرين الكذب والحيلة والخديعة على أفضالها.
أحمد هيهات
2018



#أحمد_هيهات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مجنون
- هل يوجد شيء اسمه السعادة؟
- السيد العبد
- الفرحة الحزينة
- جذور التوتاليتارية في العهد الراشدي
- علاقات خاصة
- الحزب الحقيقي الذي يستحق أصوات المغاربة
- وضع الكحل في عيني الأسد
- الخوف الذي يأبى الموت
- الخبز الاسفنجي المُحَلَّى
- الانتخابات المغربية والطريق الضائعة إلى الديمقراطية
- الموقعة الخاسرة
- في معايير اختيار المؤلفات في التعليم الثانوي
- الشمس تستسلم مرة أخرى
- المسيد أو العصا بدون جزرة
- أقساط غير مريحة
- الطائرة الحقيقية
- من البيت الأحمر إلى البيت الابيض - البوصلة التائهة -
- القلوب الباردة (قصة قصيرة)
- مثلث البيتزا


المزيد.....




- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد هيهات - الوجه الأحمر الصقيل (قصة قصيرة)