أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل صوما - عذاب القبر/الجزء الاول















المزيد.....



عذاب القبر/الجزء الاول


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 5783 - 2018 / 2 / 10 - 11:06
المحور: الادب والفن
    


من آداب أساطير الادبيات الابراهيمية، كما آداب أساطير البحر المتوسط، الحياة في العالم السلفي التي تبدأ من القبر، ولأن هذه الاساطير أصبحت معتقدات مسلّم بها في الادبيات الإبراهيمية، رصد متخصصون بميثولوجيا الاديان بكاميرات وميكروفونات حساسة للغاية قبور بعض الموتي من أديان مختلفة، ولم يُسمع أو يُشاهد أي شيء سوى الميت وما يصدر عنه من غازات بسبب تحلله، ما يعني أن الحضور المجسّم لأي كائنات أخرى وسماع أصوات تعذيب من القبور مجرد من أي مصداقية علمية، وهي مجرد أساطير رويت لبث الرعب في قلوب الاتباع. وإذا دافع المتربحون عن ترويج هذه الاساطير بالعذاب الروحي فقط، يناقضون بذلك ما ورد في أساطير أدبياتهم من ضرورة الايمان بالعذاب الجسدي والروحي.
ما يلفت الانتباه فعلا عند قراءة آداب اساطير العالم السفلي هو مصداقية أساطير حضارات البحر المتوسط وفقا لمنظومة الاسطورة وصياغتها، وعدم وجود تمييز ديني فيها، فالعابر في محكمة الفراعنة يضعوا قلبه على كفة ميزان وفي الكفة الاخرى ريشة وبناء على طهارة القلب يدخل العابر إلى "حقول السلام" أو "مقر التافهين" بغض النظر عن الإله الذي يعبده، بينما آداب أساطير الادبيات الابراهيمة مليئة بالثغرات والتناقضات رغم أن مصدرها واحد كما يقولون، وفي محاكمها الاخروية يجب ان يكون الفرد مؤمنا بنبي محدد وإلا دخل النار بغض النظر عن أفعاله.
الاساطير التسع التالية وقفات تأمل عقلية محظورة، لأن التفكير النقدي من المحرمات عند المتربحين من الادبيات الابراهيمة، حتى أدب أساطيرها يجب ان يؤخذ كما هو، والشخصيات الواردة هنا مقتبسة من أساطير كثيرة تفعل الوظيفة نفسها، ما يعني انني لا أقصد أسطورة بعينها لجعلها هدف تفكيري المحظور، في عصر المعرفة الشاملة والتنوير الرقمي.
"عذاب القبر" جزء من مجموعة قصص قصيرة تحت الطبع، وهي مكتوبة كتسع أساطير إمتناناً لتاسوعة الفيلسوف الكبير أفلوطين الذي إستقت الادبيات الابراهيمة منه معظم تعاليمها الروحية، وأهمها أن العالم المادي مجرد وهم مجسّد، والجسم سجن موقت للروح، والحياة رحلة خلال الأوهام المتجسّدة، والحقيقة تقع بعيدا في كائن وحيد كامل. هذا الواحد مصدر كل حقيقة وخير وجمال، والأرواح النقية تأمل بالعودة إلى مصدرها.
إقتبسوا من أفلوطين وغيره ولم يطالعوا في اللوح المحفوظ أن الانترنت سيكشف هذه الاقتباسات حتى للعامة غير المتخصصين. وهنا الاساطير الخمس الاولى من التاسوعة.
(الاسطورة الاولى)
دخل منذر ونذير بلونهما الأسود المائل للزرقة الداكنة إلى قبر أحد رجال قبيلة الأبورجنيز الاسترالية، وهما يسحبان شعورهما على الارض بيد كل منهما، ووجها عيونهم التي تشبه الشهب إلى الجسد المسجى، وقالا بصوت يشبه الرعد القاصف له وهما يطرقان ارض المقبرة بمطرقتين هائلتي الحجم:
- انهض يا هذا.
- من أنتما؟ سألهما المتوفي تاندي بانجو وهو يفيق من نومه العميق بسبب صوتهما المرعب.
- منذر ونذير وجئنا لنذكرّك بالحساب؟
- على ماذا؟ لقد دفعت ما أدين به كاملاَ وانا على قيد الحياة؛ شبه عار والموت حليفي بسبب الحيوانات الضارية والطبيعة القاسية والتضاريس الوعرة. نهشتني الامراض وأهلكني الموت وانا شاب يافع.
- هذا ليس شأننا. صرخ منذر في وجهه.
- ما شأنكما من ثمة؟
- من هو ربك؟
- لم أفهم.
- من تقدس؟ هل تفهم الان؟
- جدّي.
- جدّك؟! صرخ منذر ونذير في وجهه.
- وما المشكلة في ذلك؟ كلنا هنا نقدس اجدادنا.
- من أهم قداسة من جدك؟
- الشمس.
- أتقول الشمس يا وثني؟
- نعم. ما المشكلة في الشمس؟
- ومن خلق الشمس؟
- تقصد من أنجبها مثلما أنجبتني أمي؟ جاءت من رحم العتمة.
- تجاهل ما قاله. هذا رجل وثني. قال منذر لنذير ثم صرخ في وجه تاندي قائلا: من هو نبيك؟
- انا لا أعلم عمن تتحدث ولا أفهم معنى هذه الكلمة؟
- ألم تسمع بالرسول؟
- من هو هذا الرجل؟
- رسول الله.
- رسول مَن؟
- الله؟!
- ومن هو هذا الرجل؟
- إنه ليس رجلا يا غبي. قال منذر وضربه بمطرقته بقوة على صدره.
- ما هو من ثمة؟
- الله.
- متى وُلد؟
- لم يولد. هو هكذا. موجود.
- دعوني من هذا، فهذا أمر صعب أن أفهمه، وقولا لي متى وُلد رسول الله؟
- ولد عام الفيل.
- الفيل؟!
- سنوات كثيرة بعد الميلاد؟
- ماذا تعني كلمة سنوات ومن هو صاحب الميلاد.
- السنة 365 يوما.
- ما هو اليوم؟
- النهار والليل معا. هل فهمت؟
- نحن لا نعد الايام هنا بهذه الطريقة. من صاحب الميلاد؟
- الرجل الذي قالوا عنه أنه روح من الله.
- روح من الله؟ ما هذه الكلمات العجيبة التي تقولاها بذلك الصوت المرعب؟
- لننتقل إلى أمر أخطربالنسبة لمصيرك. قال نذير.
- وهل هناك أسوأ من التحدث إليكما؟ هل هناك أخطر من حل هذه الطلاسم؟
- أسوأ وأخطر بكثير جدا جدا.
- لماذا؟ ماذا فعلت؟
- ستعرف حالا أيها الغافل. قال منذر.
- ما هو دينك؟ سأله نذير بصوت أشد قوة من هزيم الرعد.
- دين؟
- نعم دين.
- كنت مدينا لأحدهم بعنزة وأرجعتها له منذ فترة.
- قلت لك دين وأنت تتحدث عن أمر آخر.
- ماذا تقصد بكلمة دين؟
- سأجعلها أبسط: ما هي الطقوس التي تؤديها؟
- لا أفهم معنى هذه الكلمة أيضا.
- حركات. قال نذير وحرّك يديه إلى أعلى كأنه يتحدث مع الغيوم ثم ركع.
- فهمتُ. أرقص للشمس والحياة.
- ما هذه الخلاعة؟ ألا تسجد وتركع للدين الصحيح؟
- صحيح؟! من هذا الرجل؟
- أنه ليس رجلا أيها الوثني انها صفة.
- وماذا تعني هذه الصفة؟
- مائل عن الباطل إلى الدين الحق.
- دعوني من كلمات لا افهمها. حق! باطل! هل مائل يقف مثل شجرة أوكالبتوس؟
- لم أر في حياتي وثنية كهذه ولا أكثر كفرا من هذا الرجل. دع التمساح الأعور يدخل لنرعبه به فيقول الحقيقة بدلا من هذه الترهات.
زحف التمساح الاعور إلى داخل القبر وتوجه من فوره إلى تاندي، الذي وثب كنمر رشيق أمامه وأوقفه بعصاه الغليظة التي دفنوها معه حسب تقاليد القبيلة، ثم ضربه ضربة قوية بها، وانحنى كدبٍ ثم هشم أسنانه الامامية بعصاه وسط ذهول منذر ونذير.
- ماذا فعل هذا المتوحش؟ سأل منذر نذير.
- لم أر في حياتي مثل هذا. الرجل لم يخف من التمساح الأعور الرهيب.
- هل كنت تؤدي مبلغ 2.5% للجباة؟ سأل منذر تاندي بينما التمساح الاعور يقف منتظرا لأوامر أخرى ويلقي نظرة متحسرة على أسنانه على أرض المقبرة.
- انا لا أفهم ماذا تقول.
- أنت تكذب. قال نذير.
- انا لا افهم. ماذا تعني 2.5%؟ ومن هم الجباة؟
- انت هنا لترد على أسئلتنا لا لكي تفهم. السمع والطاعة.
- سمع وطاعة؟! هذان رجلان مضحكان رغم قسوة هيئتهما. همس تاندي.
- هل زرت البيت العتيق؟
- به به به. قال تاندي وهو مذهول.
- هل شهدت بوجود الله؟
- كيف سأشهد لرجل لا أعرفه؟
- إنتهى الامر. قال منذر لنذير، ثم أضاف هذا الرجل مصيره الحرق.
- الحرق؟ أين؟ سألهما تاندي.
- ستُحرق للآبد في جهنم.
- أبد؟ أُحرق؟ هل جهنم بعيدة عن هنا؟
- لقد قُضي الامر. قال نذير له بصوته الرعدي الذي أهال المزيد من التراب من على جوانب المقبرة.
- ما هو الامر الذي قُضي؟ سأل تاندي.
- جئنا من لازمان ولامكان. همس منذر لنذير.
- ماذا تعني؟ سأله نذير بغضب.
- أعني أن تاندي بانجو عاش قبل كل ما سألناه عنه بحوالي خمسين الف سنة حسب زمان هذا الأبورجنيزي.
- لا شأن لنا بالامر. نحن هنا لبث الرعب وليس للمناقشة.
- لكن العذاب لمن يستحقه! قال منذر.
- بدأت تفكر. انتبه لما تقول. كلمة واحدة أخرى وتنضم إلى جوقة المغضوب عليهم.هيا بنا إلى متوف آخر.
- وماذا بشأن تاندي.
- لقد أبلغناه كل شيء. سيأتي معذبوه حالا. هيا بنا.
****
(الأسطورة الثانية)
دخل منذر ونذير بهيئتهما المرعبة كعادتهما إلى قبر المليونير حسين منصور السيد عطا بعد جنازته المهيبة ورحيل عشرات المعزين الذين سبقتهم باقات ورود غطت قبر العائلة الكبير حتى أصبح مثل تلة ورود صغيرة، وصرخ فيه منذر بصوت كان له رجع رهيب في قبر العائلة ذي الباحة الداخلية التي تحوي حيطانها مثاوي من سبقوه.
- إنهض يا هذا. راحت السكرة وأتت الفكرة. قال نذير.
- ما السكرة والفكرة التي تتحدث عنها؟ سأله حسين وهو يتعجب من الكفن الذي يلفه.
- حياتك هي السكرة ومستقبلك هو الفكرة يا محترم؟
- من لفنّي هكذا؟ هل يمكنك أن تفك هذه الرباطات اللعينة لكي أستطيع التحدث معك؟
- أعمى البصيرة حتى هنا. قال نذير وهو يساعد زميله على حل الكفن الفاخر المُعطر بماء الورد والمرشوش بمياه البئر المبارك.
- ماذا حدث؟ أين انا؟ ؟ سأل حسين وهو ينظر حوله مندهشا.
- أنت في مقبرة العائلة. توفاك الله بعد جراحة سرطان المخ، دخلت في غيبوبة لعدة ايام ثم مت.
- ظنيت انني في المستشفى في البداية، ولما رأيتكما وشعرت بهذه الاقمشة حولي شعرت أن مصيبة ما قد حدثت.
- ما سيحدث أكبر من مصيبة بالنسبة لك.
- مضت الحياة بسرعة غريبة.
- والحساب أت بأسرع مما تتصور.
- ومن أنتما من ثمة؟
- أمر طبيعي ان لا يتعرف علينا مؤمن غافل عن دينه مثلك.
- آه تذكرت. هذه الهيئة البشعة. وأين التمساح الأعور؟ قال حسين وهو يتأفف.
- هنا تحت جثمانك مباشرة.
- ولماذا جئتما؟
- ألم تسمع بعذاب القبر؟
- لكن الشيخ متولي الشعراوي قال: لا يوجد عذاب في القبر، لأنه لا عذاب إلا بعد حساب، والحساب يظل في الآخرة، إنما القبر فقط شُروة الحياة مُنعت من النفس، وبينما الانسان مجندلا في التراب، يُعرض عليه عذابه في الآخرة، إن كان كافرا يُعرض عليه العذاب، وإن كان مؤمنا يعرض عليه الثواب.
- أمر غريب أن يعرف مثلك مشايخ.. متى كنت تشاهد الشعراوي؟
- عندما كنت فقيرا معدما.
- ومن أنت أو الشعراوي لتعترضا على عملنا أو تقولا لنا ماذا نفعل أو لا نفعل؟
- قال الشعراوي: عذاب القبر عرض لمنازل الآخرة، ومن ثمة قول الله سبحانه وتعالى في قوم فرعون: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب". تابع حسين غير آبه بملاحظة نذير.
- هذا مجرد اجتهاد يا فصيح. لكن الحقيقة نحن هنا.
- قال الشعراوي: ما هو الزمن بالنسبة للإنسان؟ حياته ومماته وبعثه، آل فرعون لم يُعرضوا في الحياة على النار، إذن لم يبق سوى زمنين اثنين، زمان الموت وهو البرزخ، وزمان الآخرة، أما زمان البرزخ فقال: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا"، ولما زمان الآخرة قال: "وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ"، هنا عرض وهنا إدخال، وهذا الفرق بين الاثنين.
- ذاكرة ممتازة. قلنا لك هذا مجرد اجتهاد لا يؤثر على عملنا. ثم أن فرعون أمر مختلف تماما لا شأن له بك. لماذا لا تستشهد بابن تيمية ما زلت مُطلعا؟
- كنت من هواة التلفزيون لا القراءة. ماذا قال ابن تيمية؟
- قال جوابا عن عذاب القبر: العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة‏.‏ تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن‏،‏ وتعذب متصلة بالبدن والبدن متصل بها‏،‏ فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعتين‏,‏ كما يكون للروح منفردة عن البدن‏.
- وما هو عملكما مع هذا الأعور؟
- تأهيلك للعذاب الأزلي الذي ستراه.
- هل أنتما هنا لتنغصان عليَّ راحتي بعد أوجاع مرضي وقسوة علاجه وأزمة وجودي أمام العدم، والسكون بعد الضجيج غير المحتمل لميكروفونات جوامع مصر حتى بجوار المستشفيات؟
- هل تنكر أصوات الصلوات؟
- أنكر الضجيج.
- لعله يوقظ مَن في آذانهم وقر.
- وهل يحتاج الوقر كل ضجيج الميكروفونات هذا؟ وماذا عن الميكروفونات في المقابر؟ سأل حسين وهو يضحك.
- يحتاجها القلب الأصم لا الاذنين. قال منذر، ثم أضاف: تمتعت كثيرا في حياتك.
- حسود.
- إحفظ لسانك أو أمرت التسماح بعضك.
- وماذا ستفعل لي عضته بعد موتي؟
- عذابها يستحيل أن تتخيله. تخصُصنا تعذيب الاموات. نعرف كيف نؤدي وظيفتنا.
- هل في هذا المكان كلمات أخرى غير العذاب والوعيد والويل؟
- هذا ما تستحقه.
- هل هناك أمل؟
- الأمل معدوم.
- من الذي قال لكما ذلك؟
- كنت وحشا كاسرا في عالم المال ولم ترحم. جاء دورك لكي لا تُرحم.
- يبدو انكما أميّان. في العالم طرأت تغيرات كبيرة.
- ماذا تعني؟
- هل تريدان تنفيذ قوانين عصر الدواب والقوافل التجارية عليّ؟
- ماذا تعني؟ السرقة هي السرقة في كل العصور.
- حسنا. انا اشتريت شركات خاسرة بأبخس الاسعار، وأنتما تقولان عني أنت وحش.
- وماذا تقول أنت؟
- سعر السوق. بالعكس انا غامرت بأموالي. إذا لم أستطع تعويم هذه الشركات الخاسرة أساسا كنت سأخسر أكثر. هل فهمتما؟
- هذا استغلال.
- هذا سعر السوق. أنتما تتحدثان بلغة مالية استخدمها الناس عندما كانوا يتعاملون بدون عملة.
- الاستغلال هو الاستغلال.
- انا لم أشارك في غسيل العملة.
- ماذا يعني غسيل عملة؟ سأل منذر نذير هامسا؟
- لم ألعب في إقتصاد الدول. قال حسين.
- إقصاد؟ سأل منذر زميله وكأنه يطلب عونا.
- لم اتاجر في السلاح والمخدرات.
- لكنك استغليت.
- ما تقوله يا منذر هراء. قلت لك سعر السوق. قيمة فعلية.
- فعلية أو غير فعلية. لا يهمنا.
- لم أشارك في خفض العملة الوطينة. هل يهمكما ذلك؟
- ولا هذا.
- لم استثمر في خراب الربيع العربي.
- هل يعني ذلك أن آخرين استثمروا فيه؟
- لم أفتتح بنوكا باسماء فيها خشوع لأستغل الناس.
- مثل ماذا؟
- بنك التقوى على سبيل المثال. لم أدفع لأحدهم لكي يصدر فتوى تقول أن من يستثمر معي إنما يستثمر مع الله.
- هذا الشخص سيتألم بقسوة لو كان ما تقوله صحيحا.
- لا تهمني آلامه صراحة لأن حجم الاموال المستثمرة مع الله على الارض اليوم حوالي تريليون دولار.
- اين أنت هنا؟
- هل تسألاني؟ حسنا. كنت مجرد لاعب صغير جدا يدور في فلك هؤلاء وبأموال بنوكهم الحلال.
- طبعا حلال. هل تشك في ذلك؟
- انا لا أشك مطلقا إذا كان الحلال هو المضاربات المالية وتبييض الاموال في بنوك off shore.
- مضاربات؟ سأل منذر زميله هامسا.
- كان يعتاش على بزنسي عشرات، وإن لم أفعل ذلك كان التعطل عن العمل مصيرهم لفترة قد تطول أو تقصر.
- إن الله يرزق من يشاء؟
- وكيف سيرزقهم؟ ما هي الوسيلة؟
- من حيث لا يعلمون.
- هل تظنوا أن إدارة البزنس خشوع أو صلاة؟ انها عالم لا يرحم كنت أعيش به ومعه. شرحت لكم بايجاز شديد ما يحدث.
- من أنت لتشرح لنا؟ أنت هنا لتسمع منّا. أنت وقح فعلا.
- وأنتما بحاجة للعيش على هذا الكوكب بدون عمل أو تحت وطأة الديون والحرمان بأنواعه كافة لتفهمان طبيعة التعامل والعيش فيه.
- لا تلقننا دفاعات لا جدوى منها. حان وقت عذابك بعد شرورك ورحلاتك الماجنة إلى جزر المالديف والبهاماس ومطاعمها.
- على فكرة، بنك التقوى في جزر البهاماس! وهناك مثله في جزيرة كايمان. هل أصحابهم يؤمنون بكما؟
- كل إنسان مسؤول عن نفسه.
- ذهبت إلى هذه الرحلات الفردوسية بعد معاناة وكفاح جعلاني لا أستطيع أن انام.
- لن تنام بعد اليوم. ستعلم ما هي جهنم الازلية بعد تنعمك في فردوسك.
- لم أفعل ما يؤهلني لها.
- سترى الان. قال منذر ثم ضربه بمطرقته ضربة هزت رخام المقبرة.
- هل أنتما متأكدان أن الرحمن الرحيم قد أرسلكما؟ سأل حسين وهو ممد على الارض يتحسس رأسه.
- هل تعترض؟
- لماذا أُعذب على أمور فعلتها في زمن محدد بشكل أزلي؟
- لسنا هنا للرد على أسئلة الزندقة هذه. صرخ فيه نذير وهو يركله بقدمه.
- على فكرة. كم شخصا مات الان؟
- عشرات.
- وهل أنتما مستنسخان إلى عشرات الألوف من المخلوقات البشعة لتفعلوا ذلك بكل الاموات في اللحظة نفسها؟
- لا تفكر كثيرا. آمن فقط. كل اسئلتك لا جواب لها هنا.
- متى؟
- بين ألسنة السعير.
- وبالضرب والنكد حتى تحل هذه اللحظة.
- نعم، لمن لا ايمان له. للكافر. للزنديق. للمرتد.
- وهل يشرق الايمان تحت وطأة التهديد وجلافة المعاملة؟
- هل تسخر منّا؟ سأله نذير وهو يهوي بمطرقته على رأسه.
- ليت العدم كان مصيري. العدم أهون.
- هل أنت شيوعي؟
- قه قه قه.
- كافر.. ماجن .. عابث.. تارك الصلاة.
- لكنني على أية حال لم أترك أحدأ يموت من الجوع إذا صادفته في طريقي. لم أغسل اموالا وقلت انها حلال وبدون ربا.
- هل كنت تخشى هذا اليوم؟
- هل تعني هذا الكابوس؟
- هل تؤمن بالله؟ سأله منذر وهو يدوس بقدمه على رقبته.
- نعم.
- هل قرأت الشهادة؟
- نعم.
- هل أديت فريضة الحج وانت ميسور؟
- لم اجد الوقت الكافي لذلك. بصراحة أكثر لم أجد فرصة للبزنس في هذه المناسبة.
- لكنك وجدته في جزر البهاماس.
- كنتُ هناك لطلب ديون.
- وماذا عن الزنا وشرب الخمور!
- لا شأن لكما بهذا. هذه حرية شخصية.
- سترى بعد قليل عواقبها. هل كنت تصلي؟
- توقفت بعد دخولي البزنس.
- لقد قُضي الامر. ياتمساح جز لسانه حتى يصمت في إنتظار السعير الذي ينتظره.
****
(الأسطورة الثالثة)
- أين المفر يا حفيد القردة من الويل الخالد الذي أُعد لك؟ قال منذر للميت بصوته الذي يبعث الكآبة.
- اين إبني؟ سأل داني وهو يحاول النهوض ويلتفت نحو الصوت.
- مات.
- هل مات حقا؟ سأل داني ودمعة تنحدر على خده.
- كان الحادث كبيرا.
- اين انا؟ سأل داني وهو يتأمل تابوته بدهشة.
- في القبر.
- هل أنتما من السماء أو من الجحيم؟ سأل داني وهو يتأمل بشاعة منذر ونذير.
- نحن بين السماء والارض.
- هذا التابوت وهذان الوجهان.. الله يرحمك يادافيد. قال داني وهو يبكي.
- تعرف كيف تذهب إلى النقطة الصحيحة لكنك أخطأت هنا. قال نذير وهو يبتسم.
- وما هي النقطة الصحيحة؟
- لا رحمة لإبنك أو لك.انت وإبنك ستذهبان إلى الجحيم.
- وهل أنتما الله لتقرران مصيري؟
- مصيركما تقرر من قبل أن تولدا.
- ما هذا الهراء الذي تقوله؟ ما الذي يقرر المصير؟
- الايمان.
- وماذا عن الاعمال؟ سأل داني متهكمأ.
- تغاضينا عن كلمة هراء لكن طريقة سؤالك لم تعجبنا. قال منذر وهو يهوى بمطرقته على رأس داني.
- هذه بلطجة.
- هذا تهذيب وإصلاح للأرواح السقيمة. صرخ نذير وهوى بمطرقته على رأس داني.
- تهذيب واصلاح؟ من الذي أقنعك بذلك؟
- يا تمساح! إدخل وعض هذا الكافر.
- ذهبتُ إلى سجون ومعتقلات لأقابل بعض عملائي ولم أجد أسوأ من هذا المكان. قال داني وهو يتألم من العضة.
- إخرس يا حفيد القردة والخنازير.
- عشنا حياتنا مطاردين مطرودين من ارضنا ومن اراضي الغرباء، فهل يلحقنا التمييز والتنابذ بالألقاب غير اللائقة من أهل السماء أيضا؟ ماذا تركتم للسفلة من كلمات؟
- هذه أوصافكم لأنكم دائما انقلبتم على أي عهد إلتزمتم به. قل منذر وهو يهوى على رأسه بالمطرقة بشكل جنوني على رأس داني.
- هل القردة والخنازير لا تصون العهود؟ كل الحيوانات وفية لمن يطعمها وما تقوله هو عين التحقير اللفظي ولا شأن للعهود به.
- الحيوانات وفية وأنتم غير أوفياء.
- من قال لك هذا الكلام؟ هل قرأت التاريخ جيدا؟ نحن نتعامل بالمال وهو موضوع حساس أساسه الكلمة والوفاء. قال داني وهو يترنح.
- قرانا التاريخ من مصدره الموثوق به.
- لا مصدر واحدا في التاريخ. المصادر كثيرة.
- هل ستعطينا دروسا في المعرفة؟ سأله منذر وبصق على وجهه.
- لنذهب إلى الموضوع مباشرة. لماذا اقتحمتما سكوني وخلوتي الابدية؟ من أعطاكما حق ممارسة التنمّر على الناس؟
- لنريك بعينيك العذاب الأليم الذي ينتظرك. نحن نؤهلك له فقط والآتي أسوأ بكثير مما تظن مخيلتك المريضة.
- وماذا فعلت؟
- هل تؤمن بهذا الرجل؟
- أسألك ماذا فعلت فتسألني بمن آمنت!
- هذا أهم فعل في حياتك والباقي لا قيمة له. هل تؤمن بهذا الرجل يا حقير؟
- اؤمن بالمصدر.
- ماذا تعني بالمصدر؟ سأل منذر وضربه على صدره بالمطرقة.
- المصدر.. الأصل.. المنبع.. النبي موسى.
- لماذا لم تؤمن بهذا الرجل؟
- جاء بعد المصدر رجلٌ يمكن أن تقول عنه انه شارح ثوري مسالم للمصدر، ثم جاء مَن يمكن أن تسميه بلغة عصري ناشط مسلّح.
- هذا حدث لأنكم كفرتم بالمصدر وقتلتم الشارح.
- من قال لك هذا؟
- التاريخ.
- هل تصدق كل ما كُتب فيه؟
- نصدق أمرا واحدا.
- أعرفه. نص مقتبس من مصادر كثيرة.
- لكنه الأصل الموجود قبل الزمان. صرخ نذير وهوى على رأس داني بمطرقته.
- انا لا افقه بالحجج التي تقولها. انا اؤمن بالمصدر.
- إنس أروقة المحاكم والتلفيقات التي عشت حياتك ترتزق منها بالحرام.
- من قال لك أن ما فعلته في المحاكم كان تلفيقات؟
- ماذا تقول عنها؟
- قراءات ثاقبة للثغرات والاخطاء والدفاع عن الظلم الذي يقع على بعض الناس احيانا.
- لكنك دافعت عن المجرمين. قال منذر متهكما.
- وما المشكلة؟ لكل مجرم محام في الحياة العصرية. لا محاكم دينية لا محامين فيها. الناس يُحاكمون مدنيا.
- لكن هذه القراءة لم تفلح أن تنجيك من العذاب المخيف.
- ما لم أفهمه هو هل أنتما تحاسبان الناس؟
- نحن لا نحاسبهم.
- ما هي وظيفتكما؟
- الانذار.
- ولماذا لا تقولان ما لديكما وتنصرفا عوضا عن هذه المشاحنات والتنمر؟
- هذه وظيفتنا ونحن نؤديها كما هي.
- لم اسمع بهذه الوظيفة من قبل.
- هل سمعت بالعذاب الابدي؟ سأله منذر وهوى بمطرقته على رأسه.
- هل هذه عينة منه؟
- عينة بسيطة للغاية. هناك الحرق والجلد وسمل العيون وغيرهما.
- أسوأ من معتقلات الديكتاتوريين.
- وأشد هولاً وأفظع وسائل.
- تطور حكم الاعدام على الارض وأصبح فيه شيء من الرحمة في التفيذ، والحفاظ على كرامة المحكوم وعدم التنفيذ علانية، كما كان يتم من قبل. لكن لم تتطور عقوبات السماء. أليس هذا غريبا؟
- إخرس يا كافر لقد تطاولت على السماء واحكامها ومن فيها.
- أقول ما أومن به ما زال لم يبق شيء لخسارته.
- ستتألم بشكل أفظع مما رأيت في أسوا المعتقلات السياسية.
- يقولون على الارض أن ما يتم في المعتقلات السياسية ضد قوانين شرعة حقوق الانسان، لذلك تأسست جمعيات لحقوق الانسان تطالب بالرحمة للمسحوقين. هل السماء لديها مثلها؟
- هذا على الارض حيث النفاق والكذب والمداورة. هنا العدل المطلق الابدي.
- العدل؟ كيف؟
- هل تعترض؟ سأله نذير وهو يهوى بمطرقته على كتفه.
- كيف يكون عدلا وهو ضد شرعة حقوق الانسان؟
- وهل حافظ الانسان في الارض على شرعة خالقه ليحفظ الخالق حقوق المجرمين؟
- وهل العقاب يكون بالضرب والحرق والجلد؟ ما النتيجة من هذا العقاب؟ هذه أساليب بدائية وحشية.
- تقول بدائية ووحشية.. صرخ فيه منذر ونذير وهما يضربانه بمطرقتيهما بجنون.
- في السجون الحديثة يصلحون الانسان بعدة طرق. حتى الاعدام أوقفوه في بعض الدول المتحضرة. أسألكما مرة ثانية: هل تحضّرت الدول وتوحشت السماء؟
- لا تخلط بين السماء وجهنم يا حفيد القردة. عقاب جهنم يليق بناسها.
- وما هي نتيجة الحرق والجلد وما إلى هنالك من أهوال؟ هل سيُصلح حال الناس؟
- منذ متى يُصلح حال المجرمين؟
- انا غير مقتنع.
- ستقتنع حالا بقدوم من هم أشد فتكا منا. قل للتنانين أن تحضر يا منذر. قال نذير.
- لماذا لم تظهر هذه الشخصيات أو تُذكر عند المصدر والشارح؟
- ستجيبك التنانين حالا أيها يا حفيد القردة.
****
(الأسطورة الرابعة)
- جاءتك ساعة الحساب ياإمرأة. صرخ نذير وهو يفتح تابوت إم طنّوس.
- رحماك يا قديس شربل. صرخت إم طنوس في وجهه وهي تتحرك في تابوتها.
- قديسك المفضل لن يشفع لك هنا، بل إيمانك. صرخ نذير في وجهها.
- من أنتما؟ سألت إم طنّوس بعدما أدركت وجود شخص آخر.
- منذر ونذير.
- أعرف اسميّن يشبهان إلى حد ما اسمائكما هما ناقر ونقير. زوجان متشاجران دائما وليس رجلين بشعين مخيفيّن. هل لكما علاقة بهما؟
- قلتِ ذلك لأنك عير مؤمنة. لا تعرفينا ولم تسمعي بنا؟
- وهل جئتما لأتعرف عليكما؟
- ستعرفين حالا. قال منذر وهو يهوي على رأسها بمطرقته.
- ولماذا تضربني ياوضيع؟ صرخت إم طنوس في وجهه.
- إمرأة وقحة فعلا. قال نذير وهو يهوى عليها بمطرقته.
- سأريكما من أنتما. قالت إم طنّوس وهي تحاول الخروج من تابوتها، لكنها فوجئت بالتمساح الأعور، فصرخت مرة أخرى: إسم الصليب العظيم.
- اخرجي يإمرأة بدون سباب لآننا سنريك شئيا مهما.
- كيف تحملتُ ضربة هذه المطرقة وانا في الرابعة والثمانين من عمري؟ سألت إم طنّوس نفسها وهي تتأمل المطرقة بيد منذر.
- لأنك متِ. تشعرين بالوجع ثم تعودين مرة أخرى مؤهلة له مرة أخرى.
- هل متُ فعلا أم أن هذا كابوس؟
- الكابوس أرحم مما ستعانين منه يامشركة. ستحرقين حية ثم سيتغير جلدك ليُحرق مرة ثانية في السعير.. وهكذا للأبد.
- وماذا فعلت لكل هذا العذاب الأبدي؟
- حسب معلوماتنا لم تؤمني بالرسول.
- ومما يشكو المسيح؟ كلهم أولاد إبراهيم حسب ما سمعت.
- جاء الرسول بالرسالة غير المحرّفة .
- وهل تعتقد إنني أملك كل هذه الفلسفة لأفهم ما تقوله؟
- ظليت طوال حياتك تقولين: إبن الله.. إبن الله. هل تزوج الله لينجب؟
- إبن يعني كلمة، والكلمة ليست بحاجة لممارسة الجنس لكي تُقال. هل فهمت؟
- يبدو انك تملكين الفلسفة اللازمة. اللؤم لن ينفعك هنا.
- لا تؤاخذني. انت هنا لتناقشني في إيماني أو لكي تعرف أعمالي أو لتصرخ كمجنون؟ لقد أربكتني.
- انا هنا لأنكد عليك وقتك في قبرك وأريك العذاب بعينيك حتى تعاني منه.
- انا لم أؤذ أي مخلوق. أي عذاب تتحدث عنه؟
- لا شأن لي بأعمالك بل إيمانك. إيمانك فاسد.
- هذا الايمان عمره ألفين سنة وأكثر. ماذا عن الباقين؟
- طالهم العذاب الأليم فعلا. لا تقلقي. جاء دورك.
- أريد أن اتحدث مع من هو أهم منك.
- مشركة. صرخ منذر وهو يضربها بالمطرقة ليقذفها باتجاه نذير الذي تلقاها بضربة هائلة وقعت بعدها على الارض لتواجه التمساح الأعور فنهضت بسرعة ورجعت للوراء وهي ترتجف.
- لم نعط له أي أمر بعضك بعد. قال منذر متهكما.
- هل تعاملان النساء كلهن بهذه الطريقة؟
- الكافرات والمشركات منهن فقط.
- إذا كان الاستقبال هكذا فماذا عن الآتي؟
- أسوأ مما تتخيله أي مخيلة.
- هل كل هذا بسبب إيماني وليس أعمالي؟ سألت إم طنّوس بعد لحظات غاصت فيها داخل ذاكرتها ثم عادت شاردة.
- بدات تستوعبين شيئا فشيء الشرك الذي أوقعت نفسك فيه.
- وماذا عن تربيتي الصالحة لأولادي؟ سألتهما إم طنّوس وهي تبتسم بسخرية.
- لن تشفع لك. قال نذير.
- وتربيتي لأولاد إبني الذين توفت أمهم صغيرة.
- لا تنفعك في شيء. صرخ منذر.
- وسهري وغسيلي وطبخي للجميع.
- لا قيمة لهذه الاعمال. قالا في اللحظة نفسها.
- وماذا تقولان عن مساعدتي الفقراء؟
- كانت لمشركين.
- أليسوا بشر؟
- مشركون.
- وصيامي؟
- هل كان في الشهر المُعظم؟
- وصلاتي؟
- هل كانت للواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد.
- يبدو أن كل الامور سلبية حسب ما تعتقدان، حتى الصلاة.
- هل كانت لله أم لهذه الأصنام في معبدك؟
- كانت لله.
- من قال لك؟
- قلبي.
- ألم يقل لك أي شيء آخر عن الايمان الصحيح؟
- الارثوذكس يقولون ذلك أيضا.
- مشركة.
- لماذا أنتما هنا؟
- هل سمعتِ بعذاب القبر؟
- سمعت بعذاب جهنم.
- عذاب القبر سيستمر إلى أن تحين لحظة دخولك لجهنم. هو معاناة النكد والألم حتى تعيشي كل العذابات والعقاب.
- هل أنت متاكد مما تقول؟
- هذا اختصاصي. قال نذير.
- هل يمكن أن أعرف شدة هذا العذاب؟
- ستسمعه البهائم.
- وماذا ايضا؟
- سيسلط عليك تسعة وتسعون تنينا تنهشك وتلدغك حتى تقوم الساعة.
- وما قوة هذه التنانين؟
- لو ان تنينا منها نفخ في الارض لما نبتت خضراء.
- الاّ توجد رحمة في قلوب هؤلاء؟
- لا رحمة لأنهم صمٌ لا يسمعون صوتك فيرحمونك.
- وهل هم عميان ايضا لا يرون ما يفعلون؟
- أطلت الحديث معنا جدا، وهذا لن ينجيك من الآتي.
- الآتي؟ سألت إم طنّوس وهي تتحسس صدرها بحركة لا إرادية.
- قلبك معتم. ماذا تحاولي أن تفعلي؟
- شيء أهم من القلب.
- ما هو؟
- هذا الصليب. قالت إم طنّوس وهي تنزع صليبها من مسبحتها التي وضعوها حول رقبتها في التابوت.
- وماذا سيفعل هذا الصليب لكِ؟
- سيحميني منكما. إخرجا مع هذا التمساح من هنا. صرخت فيهم إم طنّوس، وهي توجه الصليب صوب وجهيهما.
- لن نخرج.
- اخرجوا من هنا. صرخت فيهم إم طنّوس بجنون.
- سيأتيكِ من أخبرتك عنهم.
- ليأتوا. ساواجههم بهذا. قالت وهي تصرخ فيهم وتوجه الصليب باتجاههما.
****
(الاسطورة الخامسة)
- انا دينيس كوسبرت ألماني الجنسية. مولود لأب غاني وأم ألمانية. قال المتوفي.
- نعلم ذلك. وكنت مطربا للراب. قال منذر.
- ثم أشهرت إسلامي ، واخترت اسم أبو طلحة وأصبحت مطربا تائبا، لكني غنيت للجهاد.
- لقد تحدثت بالصدق. قال نذير.
- تركت ألمانيا اثر مناكفات من الشرطة هناك بعد انضمامي لمنظمات جهادية إسلامية، وانتهى بي المطاف مبايعا لأمير المؤمنين أبو بكر البغدادي.
- حسنا فعلت كمسلم.
- بثيتُ الرعب في قلوب الكفار والمشركين. فرضنا الزكاة بعد تغييبها من النظم الكافرة. رجمتُ زانيات وأعدمت ممارسي اللواط. كنت أول من يضرب بالحجر في الرجم، ونظرا لقوتي البدنية التي أنعم الله بها عليّ، كنت أصوب أول حجر باتجاه رأس الزانية من الخلف، فيتهشم دماغها بإذن الله.
- هذا طريق كبار المجاهدين. قال منذر.
- حاربت بضراوة، وصلبتُ كثيرين، وبترت أيادي سارقين، وقطعت رقاب منافقين، وكنت فخورا بنشر جهادياتي على قنوات الايمان التلفزيونية ووسائل الاتصال الجماعي.
- حسنا فعلت ببث الرعب في قلوب المشركين والكفار والمنافقين والزنادقة. قال منذر.
- كان إسمك في أي موقعة جهادية يبث الرعب المطلوب في قلوب غير المؤمنين. قال نذير.
- فعلت ذلك لإعلاء شأن المسلمين والاسلام، حتى انني جزّيت الرقاب طاعة لأوامر أمرائي.
- إن الله َ كتب الاحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فاحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبحة، وليحّد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته. حديث رواه مسلم. قال نذير.
- شاركت في الهجوم الكاسح على الكيان الإيزيدي. قتلت رجالا بدون أي رحمة. أسرت أطفالا مشركين ونساءً وفتيات مشركات، واتخذت من بعضهن زوجات لي، ثم تبادلتهن مع مجاهدين آخرين، وبعنا كثيرات منهن في سوق النخاسة، وجعلن بعضهن يسلمن بتهديدهن بالاغتصاب العلني أمام أزواجهن وأولادهن، وفخخن مَن استكبرن ولم يقبلن الدعوة وارسلتهن إلى الاسواق أو الاماكن المزدحمة ليفجرهن أحد المجاهدين بالريموت كونترول.
- ثم نلت الشهادة في تفجير إنتحاري في الحسكة. قال منذر.
- مع الاسف كان الانتحاري ينتمي إلى مجاهدين ضلوا السبيل.
- أيها المجاهد أبو طلحة الألماني من هو ربك؟
- ربي الله فاطر السموات والأرض، واياه كنت أعبد ولم اشرك به شيئا ولم اتخذ غيره أحدا ربا، افتريداني أن ترداني عن معرفة ربي وعبادتي اياه؟
- هل تعرف هذا الرجل؟
- نعم أعرفه هو نبيي.
تواضع منذر ونذير وأنس لهما أبو طلحة الألماني فضحكا له وقالا: صدقت وبررت أقّر الله عينيك وثبتك، أبشر بالجنة وبكرامة الله، ثم دفعا عنه قبره فاتسع عليه مد البصر وفتحا له بابا إلى الجنة فدخل عليه من روحها وطيب ريحها ونضرتها في قبره ما يتعرف به من كرامة الله.
- الحمد لله. قال أبو طلحة الألماني مطمئنا.
فرش له منذر ونذير فراشا من استبرق الجنة ووضعا له مصباحا من نور عند رأسه ومصباحا من نور عند رجليه، فراى أنهار العسل والخمر والحور العين والولدان المخلدون، ثم دخلت عليه ريح أخرى، وحين شمّها غشاه النعاس فنام.
- ارقد رقدة العروس قرير العين، لا خوف عليك ولاحزن. قال منذر.
- هذا عملك وكلامك الطيب قد مثّله الله لك في أحسن ما ترى من صورة وأطيب ريح ليؤنسك في قبرك فلا تكون وحيدا، ويدرأ عنك هوام الأرض وكل دابة وكل اذى فلا يخذلك في قبرك ولا في شيء من مواطن القيامة حتى تدخل الجنة برحمة الله. قال منذر.
- نم سعيدا طوبى لك وحسن مآب. السلام عليك يا أبو طلحة الألماني. قال نذير.
للموضوع صلة



#عادل_صوما (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل مبطنّة في الاغاني الجريئة
- أعمق من الجيم القاهرية
- أساطير المعارج السماوية
- كل سنة وإنتم طيبين وبعودة
- النفاق والاساطير المتبادلة حول أورشليم
- ثورة المسيح على مفهوم الايمان
- الاموات يحكمون الاحياء
- شيما واخواتها
- ذكرى الاربعين للربيع العربي
- الاساطير أقوى من الوقائع احيانا (2)
- الأساطير أقوى من الوقائع أحيانا
- فارق التوقيت سبب عدم التوافق وكراهية الآخر (2)
- فارق التوقيت سبب عدم التوافق وكراهية الآخر
- بولين هانسون لم تحرض على الاسلام بل الظلاميين
- الادبيات الإبراهيمية بين صناعة الفتن والوئام (2)
- الادبيات الإبراهيمية بين صناعة الفتن والوئام
- التحايل على القانون والشريعة حلالٌ عند المتزمتين
- نفاق المسجد الكبير وورطة دول العالم
- منع النقاب حمايةً للشخصية القومية
- بناء المدارس أفضل من الجوامع في البلاد المتزمتة


المزيد.....




- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل صوما - عذاب القبر/الجزء الاول