أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - التيتي الحبيب - الاناركية الشيوعية او الفكر الهامشي المفلس















المزيد.....

الاناركية الشيوعية او الفكر الهامشي المفلس


التيتي الحبيب
كاتب ومناضل سياسي

(El Titi El Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 5778 - 2018 / 2 / 5 - 10:20
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



ظهرت الاناركية على هامش الحركة الشيوعية وأحيانا كمنافس لها. فهي خليط من الافكار السياسية والاقتصادية تدور حول فكرة رئيسية تتمثل في رفض السلطوية في جميع مستوياتها، ولأنها خليط من الافكار والمعتقدات فيصعب حقيقة خندقتها في هذه المدرسة او تلك، فهي تتغذى وتأكل من جميع الموائد كما سنرى.
يرجع سبب اثارتي هذا الموضوع الى اطلاعي في صفحات الحوار المتمدن على مقالة السيد سامح سعيد عبود بعنوان: "سيناريو آخر للثورة البلشفية كان يمكن أن ينجح" بتاريخ 6/12/2017 . وبما اننا ايضا نحيي الذكرى المائة للثورة البلشفية فهي مناسبة ان نسمع ونناقش هذه الاناركية خاصة في توجهها الشيوعي فيما تنتقد به الثورة البلشفية.
برزت الانوية الاولى لهذه الاناركية الشيوعية في السنوات الاولى من الثورة البلشفية واشتهرت ايام المجاعة والحرب الاهلية بتجربتين الاولى قادها نستور ماخنو والثانية تجربة كرونشتاد.
"كان نستور ماخنو شاب أناركي من أوكرانيا جمع من حوله جيشا من الفلاحين حارب في البداية ضد الجيش الأبيض ثم حارب الجيش الأحمر بجسارة ونجاح شديدين حتى هزم في النهاية على يد الجيش الأحمر بنهاية الحرب الأهلية.
أما كرونشتاد فكانت قاعدة بحرية على جزيرة تسيطر على كل الطرق البحرية المؤدية إلى بتروجراد، وقد كان لبحاريها دور قيادي في ثورة 1917 ولكن في مارس عام 1921 شهدت كرونشتاد تمردا مسلحا ضد نظام البلاشفة للمطالبة بوقف مصادرة محاصيل القمح وإقصاء الشيوعيين من السوفيتات. وخشي البلاشفة أن يؤدي التمرد إلى اندلاع الحرب الأهلية مرة أخرى بعدما كانت قد خمدت مؤخرا فجاء رد فعلهم ً قاسيا وزحف الجيش الأحمر، مشيا من فوق البحر المتجمد، ليستولى على الجزيرة في معركة دامية." (1)
ويعتبر ايضا كوبروكوف احد مفكري الاناركية اثناء الثورة البلشفية يستشهد به السيد سامح سعيد. سجل التاريخ على كوبروكوف موقفه المخزي من الحرب العالمية الاولى بوقوفه الى جانب القيصر ضد المانيا في تعارض تام مع البلاشفة الذين عارضوا الحرب.
عندما يدلي السيد سامح سعيد عبود برأيه من الثورة البلشفية في ذكراها المائة فانه حتما يستحضر المواجهات الدامية التي كانت للاناركيين مع تلك الثورة
قد يعترض البعض على اثارة الموضوع من هذه الخلفية لأنه يهم مرحلة بعيدة جدا وتناقضاتها اصبحت من التاريخ، لكننا نرى العكس، لأننا نعتبر ان الفترة الاخيرة عرفت نوعا من انتعاش الفكر الفوضوي وهناك حاضنة تغذيه بشكل منهجي ومخطط، كما حصلت تطورات ومستجدات سياسية وفكرية وتنظيمية، افرزتها الازمة الراهنة للحركة الشيوعية العالمية. ان الآلة الاعلامية الرأسمالية تشتغل بالليل والنهار في بث الصور والفيديوهات عن الحركات الاحتجاجية عبر العالم وعن الانتفاضات العارمة والاعتصامات واحتلال الميادين، مروجة بذلك لفكرة اللاتنظيم وعفوية الحراكات وغياب او هامشية القوى المنظمة والأحزاب السياسية والنقابات.فكان لثقل الدعاية وحجم صورها التأثير البالغ على العقول وعلى ترسيخ القناعة بأننا في عهد العفوية والفوضى وهو المشروع الذي دعمته الادارة الامريكية بكل ما تراه مفيدا لها وأطلقت في مرحلته الاولى ما سمته بالفوضى الخلاقة تلك الفوضى المتحكم فيها من اجل تحريك الوضع المتكلس والعقيم بمنطقتنا.
لهذه الاسباب مجتمعة اعتبر ان فتح نقاش سياسي وفكري حول الافكار والاراء الاناركية ضروري ومفيد وذلك على صعيدين هامين:
1- عندما تنظر الاناركية للثورة، فإنها تصدر عن رؤية في عمقها رومنسية لكنها لا تخلو من ومضات جيدة على الحزب الشيوعي ان ينتبه لها وليعاملها كما تعامل افلاطون مع استاده سقراط لما اعتبر ذبابة الخيل التي تسلع الحصان وتتركه متاهبا. انها مفيدة في حدود جعل الحصان يقظا ومنتبها لكنها تكون ضارة ومسيئة عندما تريد ان تستوطن الجرح فتدميه.
2- وهذه المناقشة هي مفيدة ايضا للعديد من المناضلين الاناركيين لكي ينتبهوا الى المنزلقات النظرية التي يسقطون فيها مما يوقعهم في تناقضات حادة قد يتحولون الى معادين للثورة.اننا نريدهم حلفاء للثورة وليس اعدائها.
نعرض هنا اهم افكار السيد سامح سعيد عبود وهي كما رصدناها:
1- فشلت الثورة البلشفية لانها اتبعت سيناريو واحدا ولم يسمح بتجريب سيناريو آخر وهو السيناريو الاناركي . "إن الثورة كانت متوقعة في أى لحظة قبل أن تحدث، وكثيرون قد كتبوا سيناريوهات لها، لكن التاريخ لم يكتب سوى لسيناريو واحد أن يتحقق، وهو ما كان مقدرًا له أن يفشل حسبما كتب الآخرون. نعم سيناريو آخر للثورة كان يمكن أن ينجح إلا إنها ضربات القدر التي لم تمنح الفرصة سوى للبلاشفة".
يعكس كلام السيد سامح سعيد عن الثورة وكأنها فيلم يجري حسب سيناريوهات يضعها المخرج فهما سطحيا للثورة و لا يراها كحرب طبقية تخوضها قوى منظمة اشد تنظيم وتحت قيادات مركزية شديدة التنظيم.ففي مثل هذه الحالة وأمام تقابل هذه القوى تكون الغلبة لمن عنده اجود الاسلحة.وحتى الله يكون مع من عنده اكبر عدد من المدافع كما اجاب نابليون احد جنوده البسطاء. لذلك يبقى الكلام على سيناريو اخر، كلام غير تاريخي لأنه لا يكفى توفر السيناريو بل ضرورة من ينجزه.فعلى افتراض وجود مثل هذا السيناريو فانه عند الانجاز سيكون حسب احتمالين اثنين لا ثالث لهما: اولهما ان ينطلق الانجاز عفويا وتلقائيا من طرف الشعب، وهكذا ستولد الثورة مثل الفطر في الغابة، وثانيهما هو ان يتحول البلاشفة الى اناركيين فينجزوا السيناريو الاناركي لسواد عينيه.
2- الاشتراكية ممكنة لكن فقط في اطار مجتمع الوفرة وهي امكانية موضوعية وفي هذا الطرح يلتقي الكاتب مع النظرة الكاوتسكية لبناء الاشتراكية" أن الاشتراكية الحقيقية هي إمكانية موضوعية، لا تتحقق إلا على أساس مستوى عال من تطور قوى الإنتاج، وتحقق وفرة كافية لتوزيعها على الناس، وأن أى محاولة لإقامة الاشتراكية على بنية تخلف محاولة خيالية ستنتهي لشكل من المجتمع لا هو اشتراكي أو رأسمالي"
3- في المقالة هناك فهم مثالي للتبذير وهدر الانتاج.واعتبار الحروب والصراعات الاجتماعية كلها مناسبات او دواعي لهذا التبذير.وكلما ولت الحروب او الصراعات كلما زال التبذير.لم يستطع الكاتب النظر للمسالة من جانب علاقتها بحقيقة السيطرة الطبقية وما تحتمه من تبذير ومصاريف زائدة.ان معالجة القضية من هذه الزاوية يسهل الوصول الى القناعة بان طريقة حلها غير ممكنه إلا في ظل القضاء على المجتمع الطبقي ويناء مجتمع اشتراكي مكانه.
4- عندما يتكلم الكاتب عن الاناركية الشيوعية فهو في الحقيقة يتكلم عن شيوعية لا علاقة لها بالفهم او الرؤية الماركسية.ان مفهومه عن الشيوعية ساذج وثيق الصلة بالشيوعية الطوباوية ولا علاقة له بالمنظور الماركسي الذي يميز بين مراحل بناء الشيوعية التي تبدأ بالمرحلة الدنيا وهي المجتمع الاشتراكي وفيه تنضج الشروط الموضوعية والذاتية للانتقال الى مرحلة اعلى اي الشيوعية الذي تنمحي فيه الطبقات الاجتماعية وبزوالها تزول الحاجة الى الدولة.هنا فقط تتحقق اماني واحلام الاناركية وليس قبلها.الكاتب في مختلف فقرات مقالته يخلط بين كل هذه المراحل، بل لا يقيم لها وزنا و لا حتى انه يدركها: "أن الشيوعية كانت ومازالت ولا تزال إمكانية كامنة في الواقع، تعوقها فقط مصالح وقوى اجتماعية معادية، ويعوقها الوعي الاجتماعي الذي لا يتصورها،"
5- نظرية الثورة الاناركية تبدأ بالقضاء على الملكية الخاصة وهي قصة قديمة من الصراع الذي خاضه ماركس/انجلس مع الاناركيين وعلى رأسهم باكونين:
" يفسر بيتر كروبوتكين، أحد أهم المفكرين الأناركيين، فشل كل الثورات في العصر الحديث، بأنها ركزت على تحقيق كل ما بعد الطعام والسكن والملابس من احتياجات إنسانية ملحة، وأهملت توفيرها للناس، فانصرف الجوعى والعرايا والمشردين عن الثورة مرحبين بالثورة المضادة، تاركين الثرثرة للسياسيين والحالمين الشبعى.
ومن هنا رأى أن توفير الطعام والملابس والمساكن وغيرها من الاحتياجات الضرورية مجانًا للجميع كخطوة افتتاحية ضرورية لنجاح الثورة يأتى بعدها الحديث عن أي شىء آخر، ولذلك يشرح فيه سيناريو الثورة بالاستيلاء على الخبز، بأنها تبدأ بإسقاط حقوق الملكية الخاصة، ومصادرة وسائل الإنتاج والاستهلاك لصالح الشعب بواسطة الشعب، والبدء في توزيع الاحتياجات مجانا على كل السكان عبر لجان شعبية تطوعية عفوية في كل شارع وحي ومدينة. هذا هو شرط نجاح الثورة الاجتماعية الذي يشرحه الكتاب الصادر قبل الثورة."
6- سلطة العمال بين التصور الفوضوي واللينيني:
يعتقد الكاتب ان دعوة الاناركيين "في مارس 1921 بأن يكون الإنتاج والخدمات تحت إدارة النقابات العمالية ومجالس العمال" كانت هي الجواب من اجل تطوير الثورة .وهذه الدعوة هي التي وصفها لينين بلعب الاطفال.وفي الرد على لينين اعتبر "ان لينين نعت الاقتراح فى تعبير يليق ببابا الفاتيكان بأنه "انحراف نقابي أناركى واضح وجلي"، وذلك في التقرير الذي قدّمه أمام المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي البلشفي لروسيا، وطرح فى مقابل هذا نموذج لدولة تتجاوز مهامها السيادية التقليدية إلى إدارة مجمل شئون المجتمع فى الإنتاج والخدمات، مأخوذًا ومنبهرًا فى ذلك بنموذج إدارة جهاز الدولة الألمانى لمرفق البريد." هذا الرد فيه الكثير من التلفيق وعدم الموضوعية في نقل موقف لينين.
في مقابل ذلك ولما اراد صاحبنا الاناركي الكلام عن الثورة الاشتراكية ظهرت الرومنسية والافكار الطفولية مع ما يتخللها من ومضات سميناها بلسعات ذبابة الكوتشي.
7- ملفات الخلاف
1- القوميون الاناركيون يحتمون بروزا لوكسمبورغ:يعتقد الكاتب ان الصراع الذي دار بين لينين وروزا لوكسمبورغ حول قضية تقرير مصير الشعوب والأمم يمكن توظيفه ايضا من طرف الاناركيين ضد البلشفية وان حجج روزا جاءت لتدعمهم في ذلك.بينما في الحقيقة هم هنا يسقطون في تناقض قاتل اذ يرفضون السلطوية لأنفسهم ويقبلونها لغيرهم حيث يطالبون من الاتحاد السوفياتي ان يفرض السيطرة على جميع الشعوب التي كانت خاضعة لسلطة قيصر روسيا.لا غضاضة عندهم في ذلك بل يعتبرون تقرير مصير تلك الشعوب جريمة لينين وحزبه.
2- لا حاجة للديمقراطية، فقط توافقات اجتماعية على قاعدة الغاء الملكية الخاصة:
يستعرض الكاتب موقف كروبوتكين من اخطاء البلاشفة التي حصرها في هذا المجال في مسألتين اثنتين وهما "الابقاء على الحكومة التمثيلية ونظام الأجور".
في المقابل ذلك وكاناركي يتوفر على البديل يخبرنا "ان البشرية لن تحتاج في ظل الأناركية الشيوعية ديمقراطية من هذا النوع، ولن تحتاج لأيّ استبداد من فرد أو من جماعة حتى ولو من عباقرة البشر وأنقيائهم.
ولأن لكل نظام اقتصادي اجتماعي نظام سياسي يتوائم معه، ففي ظل الأناركية الشيوعية لابد وأن ينتظم الناس اجتماعيًا وفق اتفاقات وتعاقدات جماعية حرة توافقية بين الأفراد في جماعاتهم التعاونية وبين جماعاتهم التعاونية الصغيرة في اتحاداتها، لتلبية المصالح المشتركة.
تتحد هذه الجماعات وتنفصل وتنسق فيما بينها عبر مندوبين ملزمين في نفس الوقت بإرادة ناخبيهم، لا يحق لهم الانفراد بأخذ أيّ قرارات دون الرجوع لناخبيهم، القادرين على سحب التفويض منهم في أيّ لحظة، هذا هو النظام السياسي الذي يقترحه كروبوتكين بعد إلغاء الملكية الخاصة".
3- افكار فوضوية عن الشيوعية
+ "اتبعت البلشفية المبدأ الجمعى (الاشتراكى) فى التوزيع وفق العمل، وهو مبدأ يعيد إنتاج الرأسمالية والطبقية والسلطوية والملكية الخاصة، ويختلف جذريًا عن المبدأ الشيوعي فى التوزيع المجاني وفق الحاجة."
+ "بناءً على الحفاظ على مبدأ الأجور، كان لابد من الاستمرار في النظام النقدي حتى في الداخل، ومنه سيكون سهلا جدًا إحداث التراكم الرأسمالي من جرائم الفساد والتفاوتات في الدخول،"
+ "كما تم الاحتفاظ بالملكية الخاصة وحقوقها الثلاث، التصرف والاستغلال والانتفاع، حتى ولو بشكل محدود، إلا أنها كانت الخميرة التى بها عادت الملكية الخاصة بعد السقوط قوية وعفية."
"في حين، في التصور الأناركي، كان يجب إسقاط كامل حقى التصرف والاستغلال والابقاء فقط على حق الاستعمال والاستغلال والانتفاع ليس فقط فيما يتعلق بوسائل الإنتاج كما كان هو الحال، ولكن فيما يتعلق بمواد الاستهلاك أيضا، وبالطبع كان يمكن للتبادل الخارجى أن يتم بالمقايضة وليس بالدولار عملة التجارة الدولية التي تتمكن بها الولايات المتحدة بالامساك برقاب الجميع والتي يخضع بها أكثر أعدائها لها جبرًا واضطرارًا."
+"و أخيرا كيف نوفر الخبز للمدن حتى نضمن نجاح الثورة، وعدم سقوطها في الردة دون أن نكرر مأساة بل قل جريمة التجميع القسري في الريف في العشرينات في الاتحاد السوفيتي، التي أسفرت عن مجاعات مروعة في الريف والمدينة معًا؟"
"كان السيناريو المقترح من كروبوتكين في كتابه "الاستيلاء على الخبز"، تلافيا للتجويع المتوقع من الريف للمدن، هو ضرورة زراعة المدن وذلك بأن تنتج غذائها بنفسها بالصوب الزراعية وغيرها من الوسائل الحديثة في الزراعة، وأن يتم تصنيع الريف ومدينته بمده بالاحتياجات الصناعية وأدوات الإنتاج التي يمكن أن توفرها له المدن ويفتقر إليها سكان الريف، وإنشاء الصناعات الضرورية في الريف، مقابل أن يمنح سكان الريف المدن ما لديهم من مؤن غذائية يحتاجها سكان المدن فى صفقات طوعية بينهم دون جبر أو إكراه كما فعل البلاشفة، مما استدعى من الفلاحين حرق محاصيلهم وحيواناتهم حتى لا يستولى عليها البلاشفة، فعانى كل من سكان الريف والمدينة من الموت جوعًا."
كانت تلك هي اهم الافكار عن الشيوعية من منظور الفوضوي، لاتحتاج عناء كبيرا لتبيان خواءها وحتى اعتمادها على تزوير واضح للتاريخ البلشفي حتى يصير لها وقع ومصداقية.
وفي ختام كلامه عن التقييم الاجمالي للثورة البلشفية؛ اعتبرها فشلت لان البلاشفة لم يستطيعوا حرق المراحل بما يكفي من الجرأة:"وهكذا أرى أن هزيمة الثورة لم تكن أبدًا قدرًا محتومًا كما كنت أتخيل ، ولم يعد في الإمكان أن أتحدث بثقة مفرطة عن جريمة لم يرتكبها البلاشفة في الحقيقة، إن اعتبرناها جريمة، وهى جريمة حرق المراحل التاريخية، والقفز على الواقع، جرائمهم غير ذلك بالقطع، بل في الحقيقة إن سر فشلهم ، كما أراه الآن، هو عدم القفز بما يكفى من خطوات لتجاوز عفونة الواقع فسقطوا في مستنقعه."
ما توصل اليه الكاتب هنا ليس الا نتيجة منطقية لرؤيته الذاتية للثورة البلشفية ويظهر ذلك من خلال نقده لها خارج الزمان والمكان. نقدها وكأنها ظاهرة مستقلة عن الجغرافيا وعن تاريخ علاقات روسيا باوروبا.مناقشتها ايضا خارج الصراع الطاحن في حرب اهلية دامت 3 سنوات وانتهت بخراب البنية الاقتصادية والمادية لروسيا.نقاشها ايضا خارج العدوان الامبريالي الذي وقع اثناء الحرب العالمية الثانية وفقدت فيه الطبقة العاملة لوحدها ما يزيد عن 9 ملايين من خيرة اطر وقواعد الحزب البلشفي. يناقشها خارج سباق التسلح الذي فتحته الامبريالية الامريكية من اجل اكتساب القنبلة النووية الموجهة للاتحاد السوفياتي والتي يجب ردعها فورا باقتناء السلاح المناسب من اجل فرض توازن الرعب وحماية بلاد الثورة.
تجنب السيد سامح سعيد عبود كل هذه القضايا لسبب بسيط، لان الخوض فيها سيهدم كل الاطروحات الاناركية حول رفض الدولة الاشتراكية.لو طرحها كقضايا وتحديات وتناول كيفية توفيرها لأصبح سلطويا وظهر الوجه الاخر الذي كان باكونين يحاول التستر عليه. (2)
الاناركي لايكون اناركيا الا اذا كان يتكلم عن الثورة انه يفعل ذلك برومانسية فيسبح في الخيال.لكنه عندما ينخرط في تغيير الواقع وانجاز الثورة، فانه يكف عن ان يكون اناركيا؛ انه يتحول الى كائن سياسي سلطوي وربما الى كائن تجتمع فيه اقبح صفات السلطوية.
هل في استطاعة الاناركية قيادة ثورة فما بالك انجاز القفزة الاكبر التي عجز عن تحقيقها البلاشفة في ثورة 1917 ببناء المجتمع الشيوعي؟ سؤال في الحقيقة لا يخرج عن المزحة التارخية.ان تاريخ الاناركية هو تاريخ العيش في هامش الحركة الثورية اكبر فعل يمكنهم انجازه هو البطولات الفردية وذات صدى لا غير. لقد قادوا تمردات صغيرة هنا او هناك لكنهم عجزوا دائما خلق التنظيم الضروري لحشد الجماهير وهو التنظيم الذي يتطلب بنية مركزية الى هذا الحد او ذاك وكان من اجود التجارب التاريخية الرائدة هو التنظيم البلشفي.لقد وضع الاناركيون انفسهم في موقع العداء لهذا التنظيم وحرضوا ضده.
التيتي الحبيب
الدار البيضاء في 03/02/2018.
++++++++++++++++++++++++
(1) جون مولينو: "الاناركية من منظور ماركسي."
.(2) " وقد شارك باكونين في عدد من هذه المغامرات، انتهت جميعها بإخفاقات محرجة بما فيها مهزلته في ليون بجنوب فرنسا في سبتمبر1870. وسط موجة من الاضطرابات الشعبية، احتل باكونين وأنصاره فندق دافيل وأعلنوا عن أنفسهم لجنة إنقاذ فرنسا و"إلغاء الدولة ."ولسوء حظ باكونين رفضت الدولة الاعتراف بإلغاء نفسها، وأنهت انقلاب باكونين على الفور بإرسال سريتين للحرس الوطني الفرنسي لليون .وأضطر باكونين للهرب حتى انتهى به الأمر في جنوه في إيطاليا وأدى ذلك إلى أنه ُحرم في العام التالي من المشاركة في ثورة عمالية حقيقية اندلعت في فرنسا وهى كومونة باريس"
"ومن الطريف أن باكونين لم يكن يطبق فكرته عن السلطة السرية في منظمة الحركة الثورية فحسب ولكنه عمم هذه الفكرة كذلك في تنظيم مجتمع ما بعد الثورة .ففي خطاب إلى صديقه ونصيره ألبرت ريتشارد شرح باكونين كيف سيؤسس وأنصاره "دكتاتورية سرية "بعد إقامة الأناركية:
ولكن عن طريق ديكتاتورية المتحالفين، لا عن طريق السلطة الصريحة، بصفتنا قادة غير مرئيين وسط هذه الزوبعة البروليتارية فيجب أن يتم توجيهها
لا عن طريق السلطة الصريحة، ولكن عن طريق ديكتاتورية المتحالفين الجماعية (أعضاء التحالف مع باكونين): ديكتاتورية لن يكون لها شارات عمل علنية ولا ألقاب ولا حقوق رسمية .وسيزيد من قوتها انه بن يكون مظاهر قوة لها .هذه هي الديكتاتورية الوحيدة التي أقبلها"
الذي فقد مصداقيته بعد دعمه للإمبريالية الروسية والبريطانية والفرنسية في الحرب العالمية الأولى )فأصبحوا يُحسبون على الحكومة المؤقتة التي كانت الكراهية لها تتزايد ".
جون مولينو "الاناركية من منظور ماركسي"



#التيتي_الحبيب (هاشتاغ)       El_Titi_El_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين اختفى المثقفون؟
- عن الزلزال السياسي
- أشكال ومضامين خوض النضال الجماهيري والطبقي وتمفصلهما
- القضية الفلسطينية والتحرر الوطني
- الدولة ومفهوم الكتلة الطبقية السائدة بالمغرب
- إلى الشهيدة سعيدة المنبهي في ذكراها الأربعين.
- حراك الريف يخرج من عنق الزجاجة هي ثلاثة مؤشرات تسمح لنا بهذا ...
- الدعم العمومي سياسة تكبير القاعدة الاجتماعية للنظام
- ذكرى إلى الأمام :أربعون سنة من الصمود والاستمرارية في النضال
- في الاهتمام بقضايا الطبقة العاملة
- حالة شرود
- في تشاؤم العقل وتفاؤل الارادة
- الرأسمال الاحتكاري ومغرب الهوامش
- نعم انها الضيعة
- الشيوعيون الاكراد وتقرير المصير
- إضاءات اضافية من اجل شحذ سلاح التنظيم
- في تقدير الموقف من سوريا
- الحزب مدرسة تنجب القادة الابطال
- في صيرورة التاريخ.
- في الطليعة و التنظيم


المزيد.....




- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - التيتي الحبيب - الاناركية الشيوعية او الفكر الهامشي المفلس