عماد مجيد محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1480 - 2006 / 3 / 5 - 11:26
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
مقاومة احتلال بلد ، أيّ بلد كان ، مسألة مشروعة . وتقرها القوانين الدولية . ونعتبرها في حقوق الإنسان عادلة وحقّ إنساني أساسي . وإذا كنت تقرّ هذا فأنت وكني أو مؤيد لحقوق الشعوب . وإذا لم تقره فأنت لست وطنياً ولا مؤيداً لحقوق الشعوب المشروعة . ولا أحد يناقش هذا الأمر . ولا يدور الحديث هنا عن هذه القضية . ذلك أنّ المسألة المطروحة هي التالية : هل ما يجري في العراق ، بكل أبعاده ، هو مقاومة وطنية ؟ ونطرح السؤال بشكل أكثر عمومية ، وا أسفاه ، ونقول : هل أنّ ما يجري في العراق هو مقاومة أصلاً ؟! يعني هل ينطبق عليه مصطلح مقاومة ؟
لنتحدث أولاً بضعة سطور عن الاحتلالات السابقة . فهذه هي المرة الخامسة والعشرون التي تحتل فيها بغداد . فقد احتلها المأمون ابن هارون الرشيد ولما تبلغ الخمسين من عمرها. واحتلها الصفويون والسلاجقة والبويهيون والتركمان والمغول وغيرهم واحتلها الانجليز مرتين وأخيراً جماعة ( العـم سام ) . بالواقع هل بقي أحـدٌ لم يحتل بغداد ؟! فقد احتلها حتى جماعة (يأجوج ومأجوج) الصداميين .ولهذا فمسألة مقاومة الاحتلالات ليست جديدة علينا كعراقيين ، بل أننا نعرفها منذ أيام السومريين والبابليين ، عندما كان ( الجماعة ) يأسرون تمثال إله أجدادنا ( الجبار مردوخ ) ويأخذونه كعلامة للنصر . وبعد بضعة سنوات ( نفيل) عليهم ونأسر كبير آلهتهم ونعود به أسيراً مع بضعة مئات ، نحولهم إلى عبيد حسب تقاليد تلك الأيام ، كعلامة للنصر ليس غير ، ثـمّ لإذلال هؤلاء العبيد نبدأ ( نُنَـقـّش ) لآلهتهم ونسبها بكذا وكذا .. ومن هنا ولع العراقيين ( القدماء ) بالكفر الخ . يعني طوال حياتنا ونحن في صراع مع محتلين . وفي مقاومة محتلين . وفي هذه المرة أيضاً . ونعرف كيف نقاوم وكيف نقاتل ومتى . ونحتاج للقيام بالمقاومة إلى : قادة نحترمهم وننفذ برامجاً ولو بشكلها البدائي ، ويكون لنا نقاط تراجع ، وبعد استراتيجي ، وعلاقات مع الجيران الخ . وليس هذا وحسب ! بل هناك خبرة عالمية كبيرة في مقاومة احتلال البلدان : فينام وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، وعندنا الجزائر وقبلها مصر وفلسطين الحالية.. هناك تجربة متكدسة عمرها عمر البشرية .
ولكننا لم نسمع لحد الآن أنّ المقاوم يحارب أهل بلده ويذبحهم ويفجرهم ويغتال سياسييهم ويغتصب البنات ويخطف الأجانب . ومن بين خمسين قتيلاً لا يكون هناك سوى جندي واحد من جنود الاحتلال قد جرح في إصبعه حسب . قوات الاحتلال أمامهم وبينهم ، يتركونها ، ويقتلون أبناء شعبنا ! مقاومة ؟!
ولم نسمع عن مقاومة وطنية تزرع عبوات ناسفة أمام بيوت الوطنيين . ولا عن مقاومين يأخذون سعراً عن كلّ آلية يضربونها . وهناك تسعيرة على كلّ شيء . والأنكى من كل هذا ، لم نسمع عن مقاومة لا يوجد عندها برنامج تعلنه ولا عندها قيادة معروفة يحترمها الناس ، تقود عملها . لم نسمع لا في التاريخ القديم ولا الحديث عن تجنيد أساقط المدن للقيام بمقاومة محتل ! بل نعرف أنّ خيرة أبناء وبنات البلد ، أيّ بلد كان ، هم من يقوم بالنضال الوطني لمقاومة المحتل .
وبصراحة لا يوجد في تاريخ العالم الحديث أنّ الأحزاب الوطنية تعلن أنّ الوسائل السلمية للخلاص من الاحتلال لم تستنفذ بعد ، ولكن قاع المدن يعلن عن مقاومة مباركة !
لأول مرّة نسمع أنّ مجرمين دوليين يدعمون مقاومة احتلال أجنبي لبلد . وهم أنفسهم ، وفي والوقت ذاته ، يباركون نداءات لذبح طائفة كاملة في ذلك البلد عينه !! كما يفعل قادة (مقاومتنا): مثلث بن لادن – زرقاوي – قرضاوي . يضاف لهم رابعهم ( قناة الجزيرة ) رجما بالغيب .
نحن لا نتهم كلّ من يحمل السلاح بهذه التهم . فهناك البعض يعادي الاحتلال ويحمل السلاح بدون أنْ يستلم قرشاً واحداً أو يطمح بمكاسب شخصية . ولا يوجد عنده أكثر من دافعه الوطني . وهو ابن عائلة ومحترم . هذا صحيح . ولكن الكثير من هؤلاء انسحب ، ليس يأساً من مقاومة محتل بل لأنه أدرك أنّ الوقت لم يحن بعد . ولأنه شاهد بأمّ عينه وعرف أنّ ما كان يعتبره مقاومة احتلال ، ليس كذلك . وأن أغلبية من يقومون الآن بإطلاق النيران ليسوا مقاومين بل مرتزقة تافهون أو من المجرمين الذي أطلق الطاغية سراحهم ، وكل رأسمالهم لحية أطلقوها وسبحة من سقط المتاع ونفاق مقزز ، أو من أزلام النظام السابق ، الذين فقدوا امتيازاتهم ويتسلمون تمويلاً خارجياً سخياً من جهات مشبوهة في كلّ شيء . وكل هؤلاء ، بصراحة ، غير مقبولين حتى كمنتسبين للمقاومة .
هذه ليست مقاومة . فالمقاومة التي نعرفها وسمعنا عنها وبعضنا عمل فيها لسنوات طويلة لا تقوم بتخريب إمدادات الطاقة والبنية التحتية ولا تضارب بالمحروقات ولا تنسق المواطنين ، كما حدث في الحلة وقبلها في بعقوبة وأربيل .. ولا تذهب إلى المدارس تطلب صرف التلاميذ الصغار إلى بيوتهم بحجة ( نحن مجاهدون ) . هذا ليس جهاد وليس مقاومة . ولا نسف المواكب الدينية والجوامع ولا التمثيل بالجثث . المقاومة الوطنية لا تجعل المواطن ـ الوطني يشعر بالخزي منها . عليها أن تشعره بالفخر بها وبنفسه . وأن تسمع زغاريد الصبايا لعملياتها ، كما جرى في ثورة العشرين . فهل سمعتم زغرودة تشجيع واحدة ؟! الجواب : لا . لأنهن يشعرن بالحرج وتثير أعمالكم في نفوسهن التساؤلات المحتارة المذهولة : ( لماذا ؟ وما السبب ؟! ) . المقاومة يا سادتي تجعل مواطنيها يعيشون بقلوبهم معها . ويحسون بالاطمئنان على مستقبلهم لوجودها . أمّا معكم ؟! فأترك الجواب لكم !!
ونحن نعرف المقاومة البطولية للشعب الكردي التي لم ترتكب طوال عشرات السنين عملية إرهابية واحدة . لأنها حريصة على سمعتها كمقاومة ، وحريصة على شعبها . أمّا الإرهابيون الذين استخدموا أهلنا في الفلوجة كدروع بشرية بادعاء الجهاد فقد دمروا مدينتنا وذبحوها من الوريد إلى الوريد . هذه ليست مقاومة بل بربرية وساديّة في القرن الحادي والعشرين ؛ ومن يقوم بها قبل أن تنضج ظروفها ليس سوى مجرم ، لأنه يضيّع أرواح شبيبتنا ويتلف سلاحنا ومدننا ويعيق تشكل الدولة وينهبها ( مقاومة حواسمية ؟ ) وبهذا يطيل عمر الاحتلال ، ولا يستحق بالتالي سوى معاملته كعدو لمصالح شعبنا الطامح بالحياة الحرة المزدهرة والخلاص من الاحتلال ونيل استقلاله الوطني ، ولكن بقيادة قواه الوطنية الحقيقية .
#عماد_مجيد_محمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟