أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شكيب كاظم - رقة الشعر إزاء قسوة الجلاد...جوزيف برودسكي يحاكم بتهمة التبَّطُل















المزيد.....

رقة الشعر إزاء قسوة الجلاد...جوزيف برودسكي يحاكم بتهمة التبَّطُل


شكيب كاظم

الحوار المتمدن-العدد: 5765 - 2018 / 1 / 22 - 12:20
المحور: الادب والفن
    


منذ سنوات بعيدات، قرأت مقالة للكاتب المصري اليساري رجاء النقاش ( 1934-2008) في كتابه أدباء ومواقف وكان يسوّغ التوجه الستاليني الجدانوفي إزاء الإبداع والفكر والأدب، يروي النقاش في مقالته تلك، إن أديباً شاباً أصدر ديوان شعر في الحب والغزل، فأهدى نسخة منه إلى الزعيم السوفياتي جوزيف ســــــتالين (1878-1953) فوبخه ستالين – كما يفاخر النقاش ويزهو- وقال له: كان يجب عليك طبع نسختين من كتابك هذا نسخة لك ونسخة لحبيبتك، فالعمال والفلاحون والجنود، ليسوا بحاجة إلى هذا الهراء الغزلي الذاتي، تذكرت هذه المروية وأنا أقرأ كتاب محاكمة برودسكي الذي تولى نقله للعربية الكاتب العراقي المقيم في باريس الدكتور شاكر نوري وتولت نشر طبعته الأولى سنة 2017 دار سطور للنشر والتوزيع ببغداد، ولأنني على دراية بمأساة الشاعر الرقيق، جوزيف برودسكي، هذا الشاعر المولود في مدينة بطرس بيرغ عام 1940 الذي تعرض لمحاكمة صورية بشعة تعيد لنا قسوة محاكم التفتيش أيام سطوة الكنيسة على مقاليد الأمور في أوربة العصر الوسيط والمجالس العرفية ومحاكم الثورة وأمن الدولة في دول الراديكاليات العربية، التي استعارت النهج السوفياتي في الحكم وأن لاحرية لأعداء الشعب، وتحت سطوة هذا الشعار الإقصائي ارتكبت افظع الجرائم، ألم يقل كبيرهم الذي علمهم السحر في خطاب له عشية الاحتفال بيوم العمال العالمي في 1/5/1963 وكان نائباً لرئيس وزراء العراق علي صالح السعدي. لا بل يصرخ: سحقاً للرجعية حتى العظم.

الخوف من الأخ الكبير

كنت على دراية بمأساة هذا الشاعر الذي حاول الخروج، على مسطرة الحزب والثورة البرولينارية، فقدموه للمحاكمة بحجة التبطل وعدم الإنتاج والعمل، وإذ يسأله القاضي المدجج إما بالخوف من الأخ الأكبر أو المدجج بالايدلوجيا، لماذا لا تعمل، ومن أين تأكل وتكسب رزقك وماهي مهنتك؟

فيجيبه برودسكي: اكتب القصائد وأقوم ببعض الترجمات.

– ماهو اختصاصك بصورة عامة؟

يجبيبه برودسكي إني شاعر ومترجم.

انتاج شعر

ولأن القاضي الجاهل أو المتجاهل، لا يعرف ان إنتاج الشعر والكتابة مواهب لا علاقة لها البتة بالدراسة، يسأله أنك لم تحاول إكمال دراستك؟ فيفحمه برودسكي الشاب المثقف تثقيفاً ذاتياً والذي تعلم أكثر من لغة ومنها البولونية كي يترجم عنها، ويكسب رزق عيشه يخرسه برودسكي بإجابته:

– لم أفكر بأن هذا الشي يمكن تعلمه على مقاعد الدراسة!.

وإذ تعرض محاميته على المحكمة، ضرورة عرضه على مصحة نفسية كي يكون مرضه سبباً موجباً في صدور حكم مخفف، فإن أطباء النفس بدل أن يعالجوه ويزودوه بتقرير طبي يحدد حالته، يعذبونه ابشع تعذيب، وتُلقى عليه مواعظ في الادلجة وغسل الدماغ.

المصحة النفسية، التي وصف برودسكي قساوتها وعنتها له، تقرر سلامته العقلية، لأنها حتى لو كانت واثقة من مرضه فإنها تخاف الأخ الأكبر الذي يحصي الحركات والسكنات، كما أن هؤلاء الأطباء كانوا يزرقونه بأبر مهدئة مريعة، ويوقظونه في ساعة متأخرة من الليل، ويضعونه في وعاء كبير بانيو ماؤه قارس البرد، ثم يلفونه بمنشفة رطبة ويضعونه بجوار مدفأة كي يجف جلده ويتشقق. تراجع ص.104

لم يفعل برودسكي شيئاً، بل أراد ان يغرد خارج السرب الخائف والمؤدلج، أراد ان يقول شيئاً قالته أنا اخماتوفا أو مايكوفسكي أو بيلنسكي أو بوريس باسترناك أو الشاعر يفجيني ايفتوشنكو أو الروائيي سولجنتسين.

شهود المحكمة

كانت المحكمة تأتي بشهود من العمال، بوصفهم شهود إثبات للشهادة ضده، وهؤلاء بينهم وبين الكتابة فراسخ من الجهالة ويعترفون أمـــــــام المحكمة أنهم لم يقرأوا له شيئاً احتقاراً لما كتب!.

وهؤلاء الشهود يعيدون للذاكرة، هذا الذي طعن الروائي نجيب محفوظ، طعنة أعاقته جسدياً ونفسياً وإن لم تقتله، وعجلت بموته، أو ما فعله الجهال برواية السمــــاء الثامنة للروائي والمترجم الجزائري أمين الزاوي، وإذ يحال المتهم إلى المحاكمة يسأله القاضـــي لماذا طعنت نجيباً، فيجيبه لأنه كافر، يسأله القاضي كيف عرفت بكفره، هل قرأت شيئاً من كتبه تدل على كفره؟

فيأتي الجواب الجاهل البليد، أنا لم اقرأ أياً من كتبه، لأنني أمي لا أقرأ ولا أكتب!.

فضلاً عن أن اتحاد الكتاب السوفييت لم يدافع عنه، ويتركه يواجه مصيره وحده

ظلم الإنسان

لقد أصدرت المحكمة، وقد تلقت رأي المصحة النفسية، بسلامته العقلية والنفسية، أصدرت المحكمة قرارها بسجنه خمس سنوات مع الأشغال الشاقة في سيبريا، وبدل أن يدافعوا عنه، فإن بعضاً من هؤلاء المؤدلجين كانوا يصرحون بأن المحكمة كانت متعاطفة معه، وكان يجب ان يحكم عليه بعشر سنوات أو بإعدام هــــــــــذا المتطفل الاجتماعي الذي يحـــــيا على هامش المجتمع!. هو الذي شوهد يجالس بعض الأجانب ولاسيما الأمريكيين في بعض المقاهي! وهذا من أشد الدلائل الجرمية.

هذا المتطفل، سيطلق سراحه بعد أشهر، ثم يغادر وطنه سنة 1972 وتمنحه الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للآداب سنة 1987 وليغادر برودسكي الحياة في 28/ من كانون الثاني/ 1996ويدفن –حسب وصيته- في مقبرة المنفيين في جزيرة القديس ميكائيل بمدينة البندقية، إلى جوار عدد من كبار المبدعين لعل من أشهرهم الشاعر المثير للجدل عزرا باوند.

أما كيف حصلنا نحن القراء بالعربية على وقائع هذه المحاكمة المدوية وتفصيلاتها وتداعياتها؟ أنا الذي كنت على إطلاع بمجريات هذه القضية وإن بشكل يسير وكتبت عنها مقالة في 4/6/2009 نشرها الملحق الثقافي لجريدة التآخي عنوانها الجلاد.. ورقة الشعر. تلك الأدوار الصعبة، تلك العذابات المرة فيوضحها المترجم شاكر نوري ولعل المصادفة وحدها، كانت وراء العثور على تفاصيل قضية شغلت الرأي العام، وحرية القول والتعبير التي حاولوا وأدها بحجة التبطل والتطفل الاجتماعي، وكأنهم موكلون بحياة الناس وكيف يحيون وكيف يكتبون؟.الدكتور شاكر نوري يحدثنا، أنه في أحد الأيام وهو يجول على المكتبات الصغيرة المحاذية لنهر السين بباريس عثر مصادفة على كتاب مترجم عنوانه برودسكي أو محاكمة شاعر، فيلتقطه ويدلف لمقهى قريب يطالع هذا الكتاب الوثائقي المهم، إذ ذاك تتحرك في خــــاطره فكرة ان يترجمه.

قضية اشكالية

ففي الكتاب قضية إشكالية تعانيها المجتمعات العربية، ولاسيما في دول الراديكاليات التي استعارت التجربة السوفياتية وهي العلاقة الملتبسة بين المثقف والسلطة، هو الذي يتصور نفسه قائداً في المجتمع، وهي تحاول تطفيف تأثيره ومن ثم تدجينه، بالترغيب أو الترهيب.

ترى لولا هذه المصادفة الجميلة أكنا عشنا وقائع تلك المحاكمة التي دونت وقائعها الكتابة الروسية فريدا فيغوروفا وإذ ينتبه القاضي إلى ذلك يمنعها من التدوين، فتنقل لنا بقية وقائع المحاكمة مما علق بذاكرتها، لكن من حسن حظ الحقيقة ان انتباهة القاضي جاءت متأخرة، فلقد دونت فيغوروفا، جلَّ وقائع هذه المحاكمة الشهيرة التي اطلع الناس عليها.



#شكيب_كاظم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كاظم عبد الله العبودي: صوت شعري غَرِدْ لغة جواهرية النسج.. و ...
- محمود البريكان الموهوب الذي وأد نفسه بالصمت...لماذا تخلى أما ...
- واحدة ابن زريق هل هي له حقا؟ مُطْلِقُ نفثاتها ثري أمير وما ه ...
- زيارة المعري لبغداد مثابة مهمة في حياته وتوجهاته...
- محمود أحمد السيد... لو لم يتخطفه الموت سراعاً
- ظواهر القراءة لدينا ولديهم ... ايقاظ المتلقي النائم
- حرث في المفاهيم الدكتور جلال الخياط في (المتاهات) النقدية...
- لويس عوض في سيرته الذاتية...مفكر حر ناوأه الرجعيون واليساريو ...
- التصادي والمشتركات المعرفية والأنثروبولوجية...
- العراق كان سباقاً في نقل روايات إيشيكورو للعربية
- محمد مبارك .. مواهب معرفية وفكرية باهية
- توفيق صايغ شاعر قصيدة النثر الرائد
- ناجي التكريتي يسرد أيامه في جامعة كمبردج الذاكرة تتعلم الحكم ...
- مهدي شاكر العبيدي...باحثا وقفة عند كتابه.. (من شعراء بني ايو ...
- بعد تجاوز الوطني العراقي الثمانين من عمره...نصير الجادرجي ير ...
- الدكتور سهيل إدريس: رمز ثقافي شاخص الحياة الشخصية معين للسرد ...
- مقروءاً وفق مفهوم التناص والسرد متعدد الأصوات...رفعة الجادرج ...
- قراءة لذكريات الشاعر الكبير مظفر النواب
- عزت القمحاوي: الايك في المباهج والاحزان جماليات الجسد، جمالي ...
- مناقشة هادئة مع الدكتور لويس عوض..لمن تسجل ريادة شعر التفعيل ...


المزيد.....




- باللغة العربية.. موسكو وسان بطرسبورغ ترحبان بالوفد البحريني ...
- انهيار منزل الفنان نور الشريف في السيدة زينب.. وابنة تعلق! ( ...
- كيف أعاد شفيق البيطار بادية بني سعد إلى البيوت بلغة عربية فص ...
- قتلى أو شهداء أو ضحايا؟ عن مفهوم التضحية ما بين اللغة والفلس ...
- الرواية بين المحلية والعالمية.. علامات من الرواية الأردنية
- خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب ...
- خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب ...
- حضور لافت للسينما العراقية في مهرجان عمان السينمائي
- إستذكار الفنان طالب مكي ..تجربة فنية فريدة تتجاوز كل التحديا ...
- براد بيت اختبر شعورا جديدا خلال تصويره فيلم -F1-


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شكيب كاظم - رقة الشعر إزاء قسوة الجلاد...جوزيف برودسكي يحاكم بتهمة التبَّطُل